کد QR مطلبدریافت صفحه با کد QR

الأستاذ والطالب ودورهما في التربية والاعداد طبق رؤية الإمام الخميني

الدکتور علي الحاج حسن

21 مرداد 1394 ساعت 11:59


الأستاذ والطالب ودورهما في التربية
والاعداد طبق رؤية الإمام الخميني
الدکتور علي الحاج حسن
مقدمة
تلعب التربية والإعداد الدور الأساس في التمهيد لظهور الإمام صاحب العصر والزمان (عج) على اعتبار أن إعداد الأجواء لذلك يقتضي تهيأ الأمة بأكملها عدا عن ضرورة وجود المهيئ والمعد. وإذا كان للأستاذ بالأخص الجامعي منه دورا واضحا ومعروفا سيتضح خلال تفاصيل المقال، فهناك مسؤوليات أخرى تقع على عاتق التلميذ. ولذلك خصصنا هذا المقال لدراسة مسؤولية الأستاذ والجامعة اتجاه المجتمع الإسلامي ومن وجهة نظر الإمام الخميني (قده) ليتبين من وراء ذلك ما كان يصبو إليه الإمام والذي يصب نهاية الأمر في خدمة المشروع المهدوي. فإذا لم نربي امتنا على الفضائل لن نكون منتظرين لان ذلك من خصائص المنتظرين الحقيقين والتربية مستويات وابرز مستوياتها ذالك الذي يحصل في الجامعة.
الاستاذالجامعي
1- دور أستاذ الجامعة والمسؤولية الملقاة على عاتقه
تتراوح الأفكار التي عرضها الإمام حول دور الأستاذ الجامعي ومسؤوليته بين الجانب التربوي والتوعوي والمساهمة في الحفاظ على الدين والبلد وتقديم المعارف الضرورية لنهوض الأمة وبالتالي المساهمة في الرقي النوعي ومواجهة الانحرافات التي قد تسببها بعض السياسات والمناهج التي كانت تسيطر على الجامعات.
أ- الدور التربوي والتوعوي
أكد الإمام في العديد من كلماته على هذا الدور وطالب أساتذة الجامعات بالوقوف عنده ملياً فالأستاذ عليه أن يعمل جاهداً لإيصال الحقائق إلى الطالب، وعلى الأستاذ أن يتحمل مسؤولية تربيته، تربية إسلامية صحيحة. يعتقد الإمام أن التربية الإسلامية الصحيحة تحمل في طياتها الكثير من الفوائد والمصالح. يقول الإمام: "لو تلقى المسلم تلك التربية التي يريدها الإسلام، فلن يخون وطنه، ولن يخون أخيه، وجاره وابن وطنه. بل الخيانة تنتفي كلياً من حياته العملية. ويجب أن نسعى لإيجاد أشخاص صالحين" .
ويبين الإمام(ره) أهمية التربية عندما اعتبرها عملاً امتهنه الأنبياء، لا بل والأولياء والفلاسفة والمفكرون. وهي بذلك مسؤولية كبيرة لا تصل إليه أي مسؤولية أخرى. وقد أوضح دور هذه المسؤولية عندما اعتبره يصب في مسألة صناعة الإنسان وهي مسألة شديدة الحساسية والأهمية لأن صناعة الإنسان تؤدي إلى صناعة المجموع والأوطان .
ويترتب على عدم الإطلاع الصحيح على هذه المسؤولية ممارسة أكبر خيانة بحق الأنبياء، لا بل هي خيانة لله تبارك وتعالى. فإذا لم نعمل على التربية، فهذا يعني وجود أشخاص منحرفين.
في هذا الإطار يتوجه الإمام(ره) مباشرة إلى العلماء وأساتذة الجامعات حيث اعتبر أن مسؤولية هاتين الطائفتين أكبر بكثير من جميع المسؤوليات التي يطلع عليها الآخرون. والسبب أن عملهما شريف إذا كان يؤدي إلى صناعة الإنسان الذي تتوقف مقدرات الوطن عليه .
ب- المشاركة في الحفاظ على الدين والوطن
يؤكد الإمام على ضرورة العمل من أجل الحفاظ على دين الأفراد بما يساهم في سلامة الوطن. فإن انحراف الإنسان الجامعي ليس كانحراف التاجر... وانحراف العالم غير انحراف باقي الأفراد في المجتمع. والحقيقة أن انحراف مجموعة، ستقوم بإدارة البلد في المستقبل، وهذا بدوره يؤدي إلى انحراف الأمة كل الأمة .
نجد الإمام(ره) يحاول الربط بين التربية الإسلامية الصحيحة التي تكون نتيجتها امتلاك الأفراد ديناً واقعياً وإيماناً حقيقياً، والمساهمة في إدارة البلد ورفده بعوامل التقدم والرقي، وهذا بدوره يؤدي إلى قيام الأفراد بكامل مسؤولياتهم تجاه وطنهم، وهكذا نتمكن من الحصول على وطن قويم وإدارة سليمة.
في هذا الإطار يطلب الإمام من أستاذ الجامعة العمل على مواجهة الانحرافات. فالمنحرف لا يمتلك منطقاً قوياً، حيث يتمكن أستاذ الجامعة العارف بمسؤولياته من الوقوف في مقابله بالحوار والنقاش ورد إدعاءاته. ولعل هذه الخطوة الأولى في الحفاظ على التدين . ويساهم هذا الأمر وبشكل أساسي في الحفاظ على المقدرات العلمية وصيانة العقول البشرية التي يحتاجها الوطن: "يجب أن نسعى في الحفاظ على أذهان الشباب، ليتمكنوا في المراحل اللاحقة من الدفاع عن وطنهم" .
ج- الخطوات العملية المطلوبة
إذا كان الحفاظ على الدين وبناء الوطن يتوقف على صناعة الفرد، وإذا كان الأستاذ الجامعي يساهم بدوره في هذا العمل العظيم، هنا نرى الإمام يدعو الأستاذ الجامعي طالباً منه وضع يده في يد العالم الحوزوي لإيجاد الإيمان عند الجيل الذي سيتولى مسؤولية الوطن في المستقبل. ويتوقف هذا الأمر على أن نقوم (الحوزوي والجامعي) بدورنا ومسؤوليتنا بشكل صحيح .
إن القيام بالمسؤولية بشكل صحيح ولائق والعمل على توأمة العلم والإيمان يؤدي إلى وجود أشخاص لائقين. وأما إذا كنا غير ذلك فقد يكون من بين الأفراد التي تربوا على أيدينا من هم فاسدون، ثم يصلون إلى المراتب العالية؛ فبعضهم قد يصبح رئيس جمهورية، أو وزيراً...
في هذا الإطار شدد الإمام على مهمة الأستاذ الجامعي في إيصال التربية الإنسانية والإسلامية وهذا يعني أن الأستاذ سيكون شريكاً في كل عمل سيصدر عن الأفراد الذين تربوا ودرسوا على أيدينا .
يجب على الأستاذ أن يدرك أنه يحمل أمانة كبيرة. وعلى الأستاذ أن تنبع روح الإيمان والتدين والإخلاص من خلال عمله العلمي، وليس هذا بالأمر السهل. قد يعتقد الأستاذ أنه يقوم بتقديم العلوم فقط، وقد يدعي أستاذ الدين، أن وظيفته تدريس الدين وهذا قد يكون خطأً إذا لم يلتفت إلى الأخلاق والروح الإسلامية التي يجب أن تنبع من ممارسة عمله العلمي.
في المجال العملي أيضاً يؤكد الإمام على ضرورة أن يقوم الأستاذ بتحرير ذهن الشباب من التبعية للشرق والغرب. يقول الإمام(ره): "نحن لا نخالف أي نوع من أنواع التخصصات، بل نحن نخالف أن تصبح أذهان شبابنا أسيرة للخارج" . عندما يؤكد الإمام على هذه الأمور فهو يعتقد أن الاستقلال الفكري، والاكتفاء الذاتي من جميع النواحي يتوقف على الدور الذي يمارسه الأستاذ على مستوى الأذهان.
د- مواجهة الانحرافات
يتوجه الإمام إلى الأستاذ الجامعي طالباً منه مواجهة الانحرافات ومواجهة حالات عدم المبالاة التي قد تكون منتشرة في الجامعات. والأهم من ذلك يجب على الأستاذ والعالم أن لا يكونا غير مباليين بل مطلعين بشكل دقيق على وظائفهم ومسؤولياتهم وأن لا يتهاونوا في مواجهة الانحرافات التي تحصل. هنا حاول الإمام توضيح قضية هامة وهي أن اللامبالاة والانحراف يؤدي إلى فقدان الوطن. وإذا لم يعمل الاثنان على الحفاظ على بلدهم فلن يكون هناك وطن على الإطلاق. إذاً وجود الوطن يتوقف على شخصية هذين الركنين .
من جملة الأمور الأخرى التي يتوجب القيام بها في عملية مواجهة الانحراف، العمل على الإصلاح: "إن صلاح الجامعة يؤدي إلى صلاح الوطن" ويؤدي هذا الأمر إلى عملية مماهات كاملة بين الجامعة بما تملك من نخب وبين المجتمع.
وتبرز أهمية هذه القضية إذا ما علمنا بأن المستعمرون يعملون جاهدين لتحقيق أهدافهم التسلطية من خلال تضعيف ثقافة البلد والتقليل من أهمية آدابه. ولعل الشاهد الأبرز على هذا الأمر هو الوضع المتردي الذي كانت تعيشه الجامعات في فترة ما قبل الثورة، حيث كان الإصلاح مفقوداً والاستقلال بتبعه غير موجود ايضاً، وبالتالي كان الطالب يشعر منذ بداية دخول الجامعة أنه تابع فكرياً لواحد من القوى الغربية، والسبب في ذلك هو لامبالاة الأستاذ وفقدانه الثقة بالثقافة الإسلامية وثقافة البلد: "إذا أراد شعب إيران وسائر الدول المستضعفة، النجاة من شر شياطين القوى المستعمرة، فلا مجال لذلك إلا من خلال إصلاح الثقافة والعمل على استقلاليتها، وهذا لا يتحقق إلا على أيدي الأساتذة والمعلمين الملتزمين..." .
على مستوى الإصلاح ومواجهة الانحراف يجب على الأستاذ أن يقرر بشكل جدي عدم العودة إلى الوضع السابق. ويجب عليهم الانتباه إلى أنفسهم في مجال التربية والالتفات إلى وضع الشباب .
هـ- الاستقلال الثقافي
ركز الإمام(ره) في العديد من كلماته على موضوع العمل الجدي من أجل الوصول إلى الاستقلال الثقافي ودور المثقفين وأساتذة الجامعة في ذلك حيث يلعب هذا العامل دوراً محورياً على مستوى تظهير الثقافة الذاتية على حقيقتها وعلى أنها وسيلة للاكتفاء الذاتي والوثوق بما نعتقد ونؤمن.
تنطلق رؤية الإمام(ره) للاستقلال الثقافي من تجربة عميقة وواسعة عايش فيها ممارسات النظام وسيطرة القوى الأجنبية على جميع مقدرات البلد حيث تجلى البعد الثقافي في أكثر الصور بشاعة. من هنا رفض الانبهار بالشرق والغرب وهي عبارة كثيرة الوجود في كلمات الإمام(ره). ويقصد الإمام(ره) من الانبهار بالشرق والغرب، التخلي عن ثقافتنا والارتباط بل التسليم أمام الثقافات المسيطرة على العالم.
يقول الإمام(ره): "من جملة المؤامرات التي تركت _ للأسف _ آثاراً كبيرة في مختلف البلاد وبلدنا العزيز، وما تزال آثارها قائمة إلى حد كبير جعل الدول المنكوبة بالاستعمار تعيش الغربة عن هويتها لتصبح منبهرة بالغرب والشرق بحيث أنها لا تقيم أي وزن لنفسها وثقافتها وقوتها" .
وإذا كانت الثقافة التي يمتلكها الشعب أو المجتمع هي العنصر الأساس في مقاومة أي شعب أو مجتمع في مقابل التسلط السياسي والاقتصادي للأجانب، فإن حذف هذا العنصر يدفع القوى المستعمرة والمتسلطة إلى عدم رؤية القوى المقاومة وعدم أخذها بعين الاعتبار وبالتالي يتمكن المستعمر من الوصول إلى أهدافه السياسية والاقتصادية بسهولة، حيث تعيش الأمة المغلوب على أمرها حالة من الغفلة.
يظهر من خلال الدقة في وصية الإمام(ره) مدى الدقة التي أظهرها في قراءة وتوضيح وتحليل هذه الإستراتيجية وتوضيحه سبب تفوق القوى العظمى، وقد أشار إلى الآثار السلبية لهذا النوع من السياسات على الشعوب الواقعة تحت التسلط والاستعمار، فعمد إلى توضيح الأساليب التنفيذية حيث يؤدي فهم المخاطبين وإدراكهم للخطر إلى انكشاف أساليب النفوذ ووسائل مواجهتها.
يؤكد الإمام(ره) أن حضور الأساتذة والمعلمين المنبهرين بالشرق والغرب في المراكز التعليمية، هو من جملة الأساليب الثقافية التسلطية التي استخدمها المستعمرون ضد المجتمعات، فتُقدم ثقافتنا وحضارتنا في هكذا مراكز تعليمية على أنها أمور قديمة ارتجاعية، بعد ذلك يعمدون إلى تقديم الشرق والغرب باعتبارهما بدائل وحيدة لما تم نسخه. والنتيجة أن يتفاخر الطلاب والأساتذة والعلماء والمثقفون بتبعيتهم للشرق والغرب. ومن هنا تظهر عملية انزواء الثقافة الذاتية .
وإذا كان هناك الكثير من الأمور التي تساهم في الغزو الثقافي، فإن الاستقلال يتحقق بدءً من الجامعات ومراكز التربية والتعليم ودور الأساتذة والبرامج التي تضع الجميع، تلامذةً وطلاباً، في المسير الصحيح الذي يجب أن ينتهي بمصالح البلد . لا بل فإن سلامة الاستقلال الثقافي وبقاءه إنما يحصل في إطار الحفاظ على الجامعات ومراكز التربية والتعليم وإبقاءها بعيدة عن نفوذ العناصر المنحرفة المنبهرة بالشرق والغرب.
2- توقع الإمام(ره) من أساتذة الجامعات
أ- إبعاد اليأس من قلوب الطلاب
يؤكد الإمام(ره) على ضرورة أن يعمل أساتذة الجامعات من أجل إبعاد اليأس عن قلوب الطلاب لما لهذا الأمر من أهمية محورية على مستوى قبول الأفكار والنظريات الإسلامية وتوضيح الواقع ودفع الطلاب إلى الثقة والإيمان بما يعتقدون. يقدم الإمام(ره) مثالاً تاريخياً لهذه المسألة، وهي ما قدمه الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) عندما عمل على تبيين وتعيين قائد الأمة الإسلامية، فكانت أساساً ثابتاً لمذهب التشيع، وقد ساهم هذا العمل في حالة الوعي التي انتشرت في العالم الإسلامي، ودفعت الطبقات المثقفة إلى العمل الجدي من أجل إقامة الحكومة الإسلامية، وكأن الإمام(ره) أراد القول أن تقديم ما يجعل الناس والأمة تعيش حالة الأمل، فهذا يعني حصول الأمر وتحققه مع انتشار الوعي .
ويعلق الإمام(ره) حالة إعطاء الأمل للآخرين بأن يكون الأساتذة يعيشون حالة الأمل هذه أيضاً. فعلى الأستاذ أن يكون على درجة من الثقة والأمل والوعي حتى يتمكن من زرعها في قلوب الطلاب.
ب- إصلاح البرامج والمناهج الدراسية
إن الدعوة إلى استقلال الجامعة ينبغي أن تبدأ بعد تحديد الغاية من وجودها ومن دورها المطلوب، في سياق بناء المجتمع على قاعدة استقلالية مبادئ الثورة. ولا بد له وفق منهجية الإمام الخميني من أن يبدأ من مناهج التعليم، سيما أن هذه المناهج فضلاً عن كونها قد شكلت على الدوام الأداة التي ينفذ من خلالها الاستعمار إلى عقول المثقفين وإلى عموم أبناء الشعب، فلا بد لها من أن توفر العامل الأساس لبناء الإنسان ولمواجهة التحديات التي ستقف أمامها الثورة، إن لناحية إعداد الإنسان العقائدي من خلال تضمنها لتعاميم الإسلام وقيمه ورؤيته في ترسيخ قواعد الأخلاق، أو انفتاحها على أفق تنمية الموارد والاقتصاد وإصلاح ما تم تدميره في زمن الشاه، ومرافقتها لسياقات التطور، والتنظيم والدراية بما يضمن حفظ النموذج الذي تقدمه الثورة. وعلى هذا الأساس ليست الدعوة إلى إدارة الظهر لمنجزات العلوم الحديثة أو إهمال الرؤى المغايرة بقدر ما هي دعوة تتسم بإعداد النموذج المنهجي الخاص والمترافق مع خصوصية الثورة النابعة من منطلقاتها الإسلامية، ونبذ الارتهان لما يقدمه الغرب أو الشرق من نماذج على أنها عامة وتصلح للبشرية، والسعي نحو إعادة بناء الإنسان في ظل خواء الجامعة وحتى المدرسة من المناهج التي تكفل إعداد الفرد إعداداً سليماً. هذا الخواء هو الذي دفع الإمام الخميني على القول إن هجرة الطلاب بعد طي المراحل الدراسية نحو الغرب أو نحو الشرق والذي يعد بحسب رأيه فاجعة عظيمة جعلت المجتمع الإيراني مرتبطاً بالقوى العظمى ومستسلماً لها دون قيد أو شرط، حتى بدا كأنه مجتمع إيراني إسلامي ظاهراً بينما كان محتواه ممتلئاً بالشرق والتغرب .
إذ ليس هذا الاندفاع سوى وليد ما يقدم من مناهج في التربية والتعليم وليس من المعقول وحتى بعد نجاح الثورة، بقاء تلك المناهج على حالها لأنها بالتأكيد ومن خلال معالم الارتباط بين الثقافة وارتهان المجتمع تضيع منجزات الثورة. وأن بقاء تلك المناهج على حالها سوف يؤدي إلى انحراف الجيل الصاعد الذي سيعاود الارتباط بالشرق وبالغرب في جميع المجالات إلى الحد الذي تضيع معه الجهود، ويضيع معه زخم الشعب ودماء شبابه هدراً .
جراء هذه النظرة للإمام كانت دعوته لإصلاح الجامعة. غير أن هذه الدعوة خصوصاً إصلاح المناهج، كانت قد أثارت بعض النقاشات في الأوساط الجامعية حول معنى إصلاح المناهج سيما أن هناك علوم بحتة على غرار العلوم الطبيعية كالهندسة والرياضيات والفيزياء وغيرها، فهل يعني إصلاح المناهج بإحلال علوم العقائد والفقه والتفسير وغيرها؟
وجراء هذا النقاش كان توضيح الإمام الخميني حول المقصود من هذا الأمر بقوله:"قد يتوهم البعض إن إصلاح الجامعات وجعلها إسلامية، يعني أن العلوم على قسمين فأحد أقسام علم الهندسة إسلامي والآخر غير إسلامي ولذلك فهم يعترضون بأنه لا يوجد في هذه العلوم ما هو إسلامي وغير إسلامي، وتوهم البعض أن المقصود أسلمة الجامعات هو أن تدرّس علم الفقه والأصول والتفسير فقط، أي نفس الشيء الموجود في المدارس القديمة" .
لم يقصد الإمام الخميني إحلال العلوم الإسلامية التقليدية محل ما هو سائد في الجامعات، ولقد بين مراده في هذا الأمر من خلال الوقوف على تجربة الجامعة بعد مضي عقود من الزمن على تأسيسها. هذا الدور كان محل تساؤل حول إنتاج الجامعة القاصر على إعداد متغربين وعدم تطورها الذاتي وارتهانها لنتاجات الغرب في شتى الميادين العلمية دون أن يكون لها إسهام في هذا المجال. يصرح الإمام حول هذا الأمر "أن ما نريد أن نقوله أن جامعاتنا مرتبطة، هو أنها تربي أشخاصاً وتعلم أناس متغربين، وأن جامعاتنا لا تنفع الشعب، فنحن نملك الجامعات منذ أكثر من خمسين سنة ولم نصل إلى الاكتفاء الذاتي في العلوم المكتسبة في الجامعات، فبعد خمسين سنة نشاهد بعض أطبائنا أو أغلبهم ينصحون المريض بالذهاب إلى انكلترا للعلاج، لا نملك الطبيب الكفوء الذي يلبي حاجة الشعب، إننا نملك الجامعات لكننا نحتاج إلى الغرب في جميع الأمور الضرورية لشعب حي، فعندما نقول، يجب إحداث تغيير جذري في الجامعات وتغييرات أساسية وإسلامية، فلا نريد من ذلك أن ندرس العلوم الإسلامية فقط، ولأن العلوم على قسمين إسلامي وغير إسلامي، إننا نقول أين هي نتاجات الجامعة خلال هذه السنوات الخمسين" .
وبذلك تتضح رؤية الإمام الخميني حول المناهج. فالعلوم برأيه هي نتاج إنساني وحضاري عام ومتكامل، وهو يريد من وراء ذلك الإسهام الخاص للجامعة بانفتاحها على ميادين التطور والتطوير، لا مجرد أن تكون مستهلكة لنتاجات الآخرين. إن الإسهام الخاص ينبغي أن يؤدي دوره بما يخدم حاجات المجتمع وحاجات البشرية في آن معاً، وإن الإسهام الفكري والحضاري لا ينبغي له أن يبقى أسير أمة بعينها خصوصاً الغرب الذي يسخر هذه العلوم ليس لخدمة البشرية بقدر ما يسخرها لأهدافه الخاصة في دوام تبعية الشعوب. وبذلك يكون الإمام قد وضع الجامعة أمام التحدي الحضاري، ومواجهة دورها في هذا الصعيد سواء بابتداع مناهج جديدة للتفكير من شأنها تطوير ما هو قائم، أو من خلال إقرانها برؤية إسلامية، كوعاء شامل يضم كل المرتكزات الاجتماعية والثقافية والتشريعية والعلمية والاقتصادية. ومن خلال انتهاج أسلوب جديد يتجاوز تلك العزلة القائمة بين مادة إسلامية معزولة كوحدة دراسية ولا أثر لها في بقية المعارف التي يتلقاها الطالب الجامعي ويتجاوز تشكيك المسلمين في قدراتهم الحضارية التي انفصلت عن واقع حياتهم، جراء الجهد الاستعماري الذي أدى إلى تقلص فاعلية الثقافة الإسلامية بعزلها عن الأخذ بزمام التغيير والتأثير في مجرى الحياة العامة وتفاعلها مع متطلبات المجتمع.
لقد استندت دعوة الإمام الخميني لإصلاح المناهج إلى محاولته العودة إلى الذاتية الحضارية للإسلام بعد أن تخلصت إيران عبر الثورة من الهيمنة السياسية للغرب، فكانت هذه الدعوة بمثابة معركة تحرير الثقافة من أجل استكمال واسترداد الفعالية الحضارية للإسلام، وهي دعوة تُحمل على معنى الوجوب، ولا ترتبط بفرد أو بمؤسسة بل تصل لديه إلى حد ارتباط الجامعة بمصير الإسلام. يتضح هذا الأمر حين يقول الإمام أنه "يجب على جميع الذين يهمهم أمر البلاد ويهمهم أمر الإسلام، ويهمهم أمر الشعب، أن يوحدوا قواهم من أجل إصلاح الجامعة، لأن خطر الجامعة هو أعظم من القنبلة العنقودية، كما أن خطر الحوزات العلمية أعظم من خطر الجامعة" .
وهذا الوجوب مرتبط قبل بأساتذة الجامعة أنفسهم فهو المولجون قبل غيرهم بهذا الأمر لكونهم أكثر دراية من غيرهم في هذا المجال، ولأنهم على احتكاك ومعرفة بطبيعة الواقع وبطبيعة منطلقات الثورة. يحمل الإمام الخميني الأساتذة تغيير تلك الأفكار التي دخلت عقول الشباب خلال السنوات والعقود الأخيرة، والتي جعلتهم يعتقدون أنهم لا شيء، وأنه يجب أن استيراد شيء من الخارج، الأمر الذي أدى إلى توقف العقول عن العمل والإنتاج، وهؤلاء عليهم بذل هممهم لجعل الجامعة مركزاً للعلم والتهذيب، حتى تكون كل الاختصاصات في خدمة البلاد، لا أن يجر المتخصصون البلاد إلى أحضان أمريكا سيما الذين لا يشعرون بأنهم لهذه البلاد وأنهم استفادوا منها، ويجب أن يقدموا علمهم لخدمتها . ولذلك فإن معركة إصلاح المناهج ينبغي أن تبدأ من الأساتذة أنفسهم. وكي لا يفهم الأمر خطأً ويحمل على معنى إحلال علوم الدين مكان التخصصات التي هي شأن طبيعي للجامعة بحجة أسلمة الجامعة، لا ينبغي القول وفق رؤية الإمام إن الإسلام يرفض التخصص. يستند الإمام الخميني إلى القرآن الكريم من خلال حضّه على العلم على نحو الإطلاق أكثر من أي كتب أخرى. ويفهم من ذلك أن الإسلام يؤكد على التخصص والعلم ولكن بشرط أن يكون التخصص والعلم في خدمة الشعب وفي خدمة مصالح المسلمين. ويرد بذلك على الذين يفهمون خطأ كلامه حول إصلاح الجامعة ووجوب حدوث ثورة ثقافية إلى الحد الذي ينقلون الكلام أنه لا حاجة لنا لطبيب الجامعات وأننا لا نريد المتخصصين في الطب وفي الصناعات المتطورة. هذه الإدعاءات هي بنظر الإمام من الشيطنات التي يقوم بها بعض الأفراد والجماعات الذين ينسبون ويتحدثون عن الإسلام وعن الجماعات الإسلامية وعن الثورة الثقافية هكذا يقول عن هؤلاء "إن هؤلاء لا يدرون أن هدفنا حينما نقول يجب أن تكون جميع الجامعات والمؤسسات، وخاصة الجامعة التي هي مركزاً للعلم والعقل المفكر للمجتمع، أننا عندما نقول إن الجامعة يجب أن تكون إسلامية لا يعني ذلك أننا لسنا بحاجة للمتخصصين. فالإسلام يهتم بالمتخصص حتى في الأحكام العادية الشرعية المعيار فيها هو الأكثر تخصصاً، إننا نريد أن نقول شيئاً آخر، هي أن مشكلتنا حين وطأ الأجانب بلادنا يروّجون ويريدون إقناع شبابنا وشعبنا أن إيران وكذلك الإسلام، عاجزين عن إيجاد العلم والتخصص والصناعة وبأن علينا أن نمد أيدينا إلى الشرق السوفياتي أو إلى أمريكا والدول الغربية الرأسمالية" . وعلى هذا الأساس نجد أن معيار إصلاح الجامعة هو في عدم تبعيتها للخارج، والإصلاح هو محاولة استنقاذ البلاد من التبعية الفكرية التي هي مقدمة على جميع التبعيات بل والأخطر منها جميعاً.
ج- الحفاظ على المبادئ والثورة
يؤكد الإمام(ره) على الدور الهام الذي يجب أن يطلع به أستاذ الجامعة في سبيل الحفاظ على المبادئ التي كانت سبباً في قيام الدولة والنظام وساهمت في صيرورة الحكومة الإسلامية. ويترتب على هذا الأمر فوائد متعددة لأن الحفاظ على المبادئ يؤدي إلى امتلاكنا جامعة مستقلة ومدرسة علمية مستقلة وجيشاً مستقلاً... .
ولا يتحقق هذا الأمر إلا عندما يتعاون الجميع فيما بينهم، عندما يضع كل من الأستاذ والطالب والمفكر... يده في يد الآخر ويساهم الجميع في الحفاظ على المكتسبات الهامة لهذه الأمة. وهذا يعني رفض التهاون والخيانة والتبعية لأن المفروض عندها أن يساهم الجميع في بناء وطن مستقل خالٍ من الإشكالات .
وإذا كنا نمتلك فكراً وثقافة وتاريخاً فإن الرجوع إلى ذاك الموروث والإيمان به والعمل بما يقتضيه لا يتحقق إلا من خلال الحفاظ على المبادئ الأساسية، عندها نشعر بالغنى ونشعر بالقدرة على التغيير، والقدرة على الحفاظ على المكتسبات.
وقد بلغت هذه المسألة درجة من الأهمية عند الإمام(ره) عندما اعتبر أن الأمة الإسلامية (في إيران) قد خرجت من سجن كبير (بعد انتصار الثورة) ولكن هذا لا يعني انتهاء المشكلات، بل ما زال الكثير منها يقف حائلاً أمامها ومن جملة ذلك المشكلات الفكرية، وهنا يجب على أساتذة الجامعة والمعلين بذل جهود كبيرة في حل المشكلات الفكرية وجعلها تتطابق مع المبادئ والقيم والأفكار .
ومن جملة ما يتوجب القيام به في هذا الإطار الوصول إلى مرحلة الثقة بالذات وقطع الآمال التي نعلقها على الشرق والغرب، لا بل يجب قطع الآمال الفكرية من الشرق والغرب عندها نصل إلى مرحلة الثقة بإمكانياتنا وقدراتنا ويعزز نشاطاتنا في الوصول إلى مرحلة الرقي والتقدم. نرى الإمام(ره) يشجع أستاذ الجامعة ليعمل وبشكل دقيق على جعل الطالب يثق بنفسه وبما ينتجه. وهذا لا يعني رفض كل ما هو في الغرب، فالعلوم والصناعات التي ترد من الغرب يجب أن نتعلمها ونتقنها، أما التغرب فهو قضية مرفوضة بالكامل، لأن تَعَلُّم مسألة من الغرب هو شيء وجعل الذهن غريباً شيء آخر، حيث يؤدي هذا الأخير إلى الغفلة عن الذات .
د - التربية الأخلاقية والتربية الصحيحة
يؤكد الإمام(ره) على دور الأستاذ في التربية الصحيحة والتربية الأخلاقية، فنراه يشدد على ضرورة وجود مربين أخلاقيين في جميع المراكز العلمية. ويطلب من جميع المتصدين لهذا الأمر العمل بشكل أساسي على تربية الطلاب لما لهذا الأمر من أهمية على مستوى الحفاظ على الوطن. فإذا لم يمارس الأستاذ دوره التربوي، لا بل إذا كان الأستاذ خالياً من التربية الصحيحة والأخلاقية، فلا يوجد ما يضمن عدم دخول الفساد إلى جميع المراحل والمناهج والشخصيات. وبالتالي فإن الأوطان لاتبنى مع وجود حالات فساد، بل في ذلك مهلكة للأوطان والمجتمعات. هنا يشدد الإمام(ره) على ضرورة أن يبدأ الأستاذ من نفسه مربياً لها محاولاً اكتساب الملكات الأخلاقية التي تؤهله لتعليم الآخرين .
في هذا الإطار يتوجه الإمام إلى الأستاذ والطالب والتلميذ، لأنهم شركاء أساسيين في هذه القضية الهامة، فعليهم بذل جهود جبارة في تشخيص عوامل الفساد وإبعادها عن البيئة التعليمية سواء في المدارس والثانويات أو الجامعات.
طبعاً يؤكد الإمام(ره) على ضرورة العمل الجدي من بداية المرحلة الابتدائية فالمتوسطة ثم الثانوية. لأن العمل في الوصول إلى جيل يمتلك القيم والمبادئ الأخلاقية ويحظى بدرجة عالية من التربية الصحيحة يستلزم أن يبدأ المعلمون والأساتذة بهذا العمل من البداية، أي من المراحل الأولى. عندها يمكننا الحديث عن جيل صحيح بعيد عن الفساد وهذا يضمن استمراره في المرحلة الجامعية إذا ما توفرت له الشروط المطلوبة. وبعبارة أخرى التربية الأخلاقية في المرحلة الجامعية مهمة وأساسية وضرورية ولكن كمالها أن يشرع بها المعلمون في المرحلة التي يكون فيها الطالب أكثر استعداداً لقبول القيم، في تلك المرحلة التي يكون فيها الطلاب قد انغمسوا في الأفكار والممارسات الفاسدة.
يقول الإمام(ره) في خلاصة ما تقدم والنتيجة التي يمكن الوصول إليها: "... مما تقدم يجب على المؤسسات التعلمية الملتزمة التي تحمل مسؤولية نجاة الوطن. وأن تبذل جهوداً خاصة في حفظ الشباب الأعزاء الذين يتوقف استقلال الوطن وحريته في المستقبل، على تربيتهم الصحيحة. ومن هنا يظهر الدور الذي يقوم به المعلمون والأساتذة في تربية التلامذة والطلاب وتهذيبهم، على أنه دور أساسي ومحوري ومؤثر. الجميع قد شاهد الفجائع التي كانت قد حلت بوطننا عندما كانوا تابعين للشرق والغرب..." .
من جهة أخرى يبدي الإمام(ره) اهتماماً واضحاً لوجود التقوى إلى جانب العلم. فالعلم لا قيمة له عند الإمام(ره) إذا كان من دون تقوى ولو كان علم التوحيد أو علم الأديان، وإذا بلغ ضرر العلم بالنسبة للإنسانية والإسلام أكثر من نفعه، فإن عدم وجود التقوى يؤدي إلى زوال الإنسانية من الأساس ويقضي على الوطن. ويضيف الإمام في حساسية العلم، أن العالِم هو أفضل من يتمكن من إفساد الناس، لذلك يجب أن يترافق العلم مع التقوى. وتقدم التقوى للإنسان بمقدار سعته وظرفيته. وبعبارة أخرى تلعب التربية دوراً محورياً يتجلى في محاولات صناعة الذات وصناعة الآخرين بناءً على أسس سليمة .
الخلاصة: للأستاذ أهمية خاصة عند الإمام(ره) وله دور مميز، فعمله هو عمل الأنبياء، وتكمن مسؤوليته في هداية المجتمع وهي مسؤولية كبيرة لا يمكن أن يتحملها إلا أصحاب الكفاءات. لذلك فإن الأستاذ الذي يقوم بمهمته فإنه يقوم في الحقيقة بأسمـى الأعمال.
أما هذه الوظيفة السامية فإنها تجعل الأستاذ مؤتمناً، وأمانته تختلف عن كافة الأمانات، فهو مؤتمن على الإنسان.
من جهة أخرى جعل الإمام(ره) شقاء وسعادة الشعب بيد الطبقة المثقفة، فهؤلاء يجب عليهم أن يبذلوا جهدهم في سبيل تهذيب أنفسهم والتأثير لجهة تربية وتهذيب نفوس الآخرين، بالأخص فئة الطلاب .
أخيراً يقول الإمام(ره): "أتمنى أن يتغير الوضع من خلال سعي الأساتذة والمعلمين بحيث يتمكن الفرد من إنهاء المرحلة الدراسية، ليكون بعدها شخصاً ملتزماً، وشخصاً يعرف أنه يجب أن يسعى من أجل خدمة وطنه وأن يبتعد عن رضا الدول الأجنبية" .
الطالب الجامعي
الطالب الجامعي واحد من المرتكزات الأساسية للحياة العلمية والفكرية في أي بلد من البلدان، فهو الذي سيتحمل مسؤولية رقي البلد وتطوره في المستقبل وعلى يديه ستتحقق الأمنيات والآمال، ومن خلال عمله ومواظبته يتحقق الإصلاح.
بناءً على ذلك ليس الطالب مجرد شخص يتلقى دروساً في اختصاص ما ثم يقدم امتحاناً ويحصل على علامة القبول أو الرفض. بل التعلم والتحصيل مقدمة للكثير من المسؤوليات والمهام والوظائف، التي تبدأ من صناعة الذات وتربيتها وتذكيتها ولا تنتهي عند إصلاح المجتمع ورفده بعوامل الرقي والتطور.
أما كلمات الإمام الخميني(ره) فقد صورت لنا جانباً هاماً من المسؤولية الملقاة على عاتق الطالب الجامعي بالأخص في الفترة التي تعرف بفترة أو مرحلة قيام الجمهورية الإسلامية. من هنا يمكن الإضاءة على عدد من العناوين الهامة في هذا الإطار.
1- مسؤولية الطالب الجامعي بالنسبة للمجتمع
تحدث الإمام(ره) حول عناوين هامة وأساسية تتمحور حول الوظائف والمسؤوليات الأساسية الملقاة على عاتق الطالب الجامعي، مشدداً على الدور الأساس لهذه الفئة في المجتمع:
أ- إيقاظ الغافلين:
يشدد الإمام(ره) على الدور الهام للطالب الجامعي في رفع حجب الظلام والغفلة والانحراف التي تسيطر على عقول وقلوب الكثيرين الذين خدعتهم الدعايات وخدعهم الإعلام وخدعتهم الصورة الظاهرية للثقافات المنحرفة. ومن هنا كان على الطالب أن يساهم في إزالة الكثير من التوهمات والاشتباهات ولن يتحقق ذلك إلا إذا كان الطالب مسلحاً بالفكر والإيمان والتحصيل الصحيح وبالتالي المعرفة الصحيحة وسلامة الذهن وبذلك يتمكن من تشخيص الأمراض التي يعاني منها المجتمع الإسلامي ويقوم بدوره في مجال الهداية والإيقاظ ووضع الأمور في نصابها الصحيح.
لعل من أهم النقاط التي يشير إليها الإمام(ره) في هذا الخصوص الشروع من الأهواء النفسية التي تعمي القلوب والعقول عدا عن الأبصار، لتشكل حاجزاً ومانعاً أمام وصول الحقيقة والهداية إلى المكان الحقيقي لها. لا بل يعتبر الإمام(ره) أن هذا العمل هو عمل جهادي من الدرجة الأولى مستشهداً في هذا الإطار بقوله تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين} .
من جملة الأمور التي يركز عليها الإمام(ره) في خطابه للجامعيين سعيهم الدؤوب لتقديم المعرفة وإطلاع المسلمين بالحقائق وفضح مخططات المستعمرين، حيث يعتبر هذا الأمر أحد الجوانب الهامة في مواجهة الغفلة والانحراف، يقول الإمام(ره):
"يتوجب عليكم يا شباب الإسلام الأعزاء _ وأنتم أمل المسلمين _ توعية الشعوب الإسلامية وتبيين مخططات المستعمرين المشؤومة وإظهارها للعلن. اعملوا على التعريف بالإسلام. وانشروا تعاليم القرآن المقدسة، واسعوا من أجل نشر الإسلام وتقديمه للشعوب الأخرى والنهوض بالأهداف الإسلامية العالية وكل ذلك بإخلاص كامل. اهتموا بتحقق حكومة الإسلام ودراسة مسائلها. كونوا مجهزين ومهذبين؛ متحدين ومنظمين؛رصوا صفوفكم لا تغفلوا عن فضح خطط النظام المتكبر في إيران [نظام الشاه] ضد الإسلام والمسلمين. واعملوا على إيصال صوت إخوانكم المسلمين المظلومين في إيران إلى العالم كله..." ".
ب- طرد المتعلمين المنحرفين
يتحمل الطالب الجامعي المثقف والواعي مسؤولية كبيرة على مستوى تشخيص الخلل الذي يوجده المتعلمون المنحرفون، الذين أضلهم واقع الدول المستعمرة وما تقدمه من مظاهر خادعة. هنا نرى الإمام يشدد على ضرورة أن يقوم المتعلمون ببذل أقصى جهودهم على إيصال ما أراده الإسلام وائمة المسلمين(ع) وعظماءهم إلى جميع الشعوب، لا بل يعتبر ذلك من المسؤوليات الخطيرة التي ينبغي القيام بها. ويلزم من هذا الأمر مواجهة العالم (سواء كان أستاذاً أو عالماً حوزوياً) المنحرف الذين يعملون بعنوان وعاظ للسلاطين يجيرون له كل ما يقع في مصلحته متناسين الإسلام وغافلين عن تعاليمه وعن
حقوق المسلمين.
والسبيل لذلك الوقوف على مبادئ القرآن النورانية والإطلاع على وظائف أئمة المسلمين وعلماءهم حيث سيؤدي الأمر إلى سقوط كل من يدعي حمل رسالة الإسلام وهو ليس منها في شيء.
وإذا سقط مدعي الإسلام فهذا يعني أن شخصاً لن يتمكن من خداع المسلمين ولن يتمكن من تحوير أهدافهم العالية والراقية، ولن يتمكن من تقديم صورة سلبية عن أئمة المسلمين .
يقول الإمام(ره): "يتوجب على الطلاب الثوريين أن يكونوا على يقظة تامة وأن لا يغفلوا عن هذه المسألة المهمة، وأن لا يسمحوا للجامعات والمدارس ولأولئك الذين ما زالوا يحلمون بالنظام السابق الذين ما زالت أذهانهم تميل للثقافة الشرقية، أن لا يسمحوا لهم بتقديم قضايا انحرافية خارجة عن إطار الدروس المكلفون تقديمها. لا بل يجب أن تعلموا أن المسامحة في هذا الأمر يؤدي إلى الانحراف في الجامعات والثانويات وتتحملون مسؤولية ذلك أمام الله تعالى" .
على هذا الأساس يجب على الطلاب أن يكونوا أكثر التفاتاً إلى عدم الوقوع في المشكلات التي كانت الجامعات والمثقفون مبتلون بها من قبيل الانحراف والتبعية... ويجب الاستفادة من الفرص الموجودة والسانحة للتعريف بالانحرافات الموجودة وسبل مواجهتها وكيفية بناء مجتمع متعلم سليم ومعافً.
ج- الدفاع عن الإسلام
يعتبر الإمام الخميني(ره) أن مسؤولية الدفاع عن الإسلام تقع على عاتق عموم المسلمين بالأخص العلماء والمفكرين والجامعيين، لما لهذه الوظيفة من تأثير على مستوى حفظ القيم وانتشارها وبالتالي المساهمة في حفظ استقلال البلد وحريته .
والسبب في ذلك يعود إلى الأصول التي أرادها الإسلام وزرعها في أتباعه. صحيح أن الإسلام يدعو إلى العبادة ولكنه يدعو أيضاً إلى أن تكون الترجمة العملية والحقيقية للعبادة في الخارج وبين أفراد المجتمع. فالإسلام يدعو إلى الإيمان ويدعو إلى التعاون والتواضع ورفع مشكلات المسلمين الآخرين ومشاركتهم في أفراحهم وأتراحهم حتى جاء: "ليس منا من بات شبعاناً وجاره جائع". والنتيجة أن الالتزام بتعاليم الإسلام يؤدي إلى وجود أشخاص واقفين على مسؤولياتهم ساعين بشكل جاد وحثيث في رفع مشكلات المجتمع الإسلامي.
وبعبارة أخرى فالإسلام والالتزام بتعاليمه يؤدي إلى صناعة إنسان يعمل جاهداً من أجل وطنه وأبناء طينته بما ينفعهم ويقع في مصلحتهم. ويطلب الإمام(ره) من الطلاب العمل بشكل جدي للدفاع عن الإسلام لا بل يطلب منهم الاستفادة من الفرص المناسبة والمؤاتية لإيصال صوتهم إلى الشعوب والأمم الأخرى وإسمـاعهم الممارسات التي كان يقوم بها نظام الشاه ضد البلد وحريته واستقلاله.
يقول الإمام(ره): "يجب على الطلبة والطلاب الأعزاء في أنحاء إيران الاستفادة من كل مناسبة للحفاظ على شعار معارضة الشاه الذي هو شعار الإسلام. وينبغي على الطلاب والعلماء الملتزمين والمسؤولين خارج البلد، نشر جرائم هذا العنصر الخطير في الخارج والداخل، وتعريف الشخصيات المتحررة في أنحاء العالم بما يقوم به من ظلم..." .
ومن هنا تظهر الوظيفة والمسؤولية الملقاة على عاتق الطلاب في مواجهة أي انحراف ديني أو وطني يصدر من المخالفين للإسلام الذين يعملون للنيل من تعاليم الإسلام وتشويه صورته. ويؤكد الإمام(ره) أن على الطلاب تقويم الاعوجاج والانحراف والتحدث بصراحة مع الناس عما هو واقع من انحراف وخلل.
مما لا شك فيه أن هذه الوظيفة والمسؤولية لن تكون مفيدة وفعالة إذا لم يحصل نوع من التعاون والتكامل بين طلاب الجامعات وطلاب العلوم الدينية.
بالإضافة إلى ما تقدم يفترض أن يعمل الطلاب وفي سبيل الدفاع عن الإسلام والمسلمين، على دعم ومساندة المجموعات الاجتماعية الأخرى كالعمال والمواطنين في مطالبهم المحقة. والسبب في ذلك أن الكثير من الحركات التي تنهض في وجه الظلم تهدف إلى إقرار العدالة الاجتماعية والتي هي مطلب إنساني _ تعمل الأديان الإلهية على إيجاده. وبالتالي فإن مساندتهم وتأييد وجود العدالة الاجتماعية نوع من الوقوف إلى جانب الإسلام والدفاع عنه .
يقدم الإمام(ره) اقتراحاً للحركة في سبيل نشر الإسلام وتعاليمه يضمن سلامة الحركة ويجعلها تسير وفق الضوابط الإسلامية، وهو أن يتحرك الطلاب على الطريق الذي حدده الأنبياء. وهو بلا شك طريق الحق تعالى. وقد أوضح الأنبياء والأولياء حيثيات هذا الطريق الذي يجب أن يتحرك الجميع من خلاله وفي ذلك طلب مواجهة من يحاول تحريف حركة الناس وأبعادها عن المسير الذي تقتضيه فطرتهم . يريد الإمام بذلك أن يؤكد على أن المعيار الأساسي لسلامة حركة الحفاظ على المسلمين وقيامهم، مطابقتها لحركة الأنبياء ودعوتهم والتي هي من دون شك رسالة الله تعالى.
من جملة ما يترتب على معرفة الإسلام والدفاع عنه أن يُعرض بشكل صحيح وأن يتلقاه الناس بالقبول لتناسبه مع فطرتهم وحاجاتهم ومن هنا يوضح الإمام(ره) أن قيام الطلاب بتوضيح الإسلام وتبيين الحكومة الإسلامية كما هي فذلك سيؤدي إلى قبول الجامعيين بها، لأن الطلاب يعارضون الاستبداد من الأساس، ويعارضون الحكومات التي يقف المستعمرون إلى جانبها. لا بل لا يوجد أي جامعة وأي طالب يعارض الإسلام في شكل الحكومة التي يقدمها .
د- الدفاع عن الوطن
يتمكن الطلاب من تشكيل حالة وطيف واسع للدفاع عن الوطن، لما يحملونه من أفكار وقدرات واستعدادات تؤهلهم للعب هذا الدور الهام. فالوطن بحاجة إلى أشخاص عارفين مطلعين وأصحاب قدرات علمية واضحة. طبعاً ليس على المستوى العلمي والتقني فحسب، بل في مجالات أكثر من ذلك بالأخص عندما يكون الحديث عن بقاء البلد ووجوده وإعطاءه كياناً وصورة خاصة.
في هذا المجال يتحدث الإمام مادحاً قيام الطلاب باحتلال وكر التجسس الأمريكي الذي شكل ضربة قوية للولايات المتحدة الأمريكية وأعطى الشعب المسلم في إيران العزة والشموخ. فالمركز الأمريكي كان محلاً للفساد والمؤامرات التي تطال الشعب الإيراني حيث كان يزاول أعمال التجسس ونشر الفساد عبر وسائل متعددة ومتنوعة.
يقول الإمام(ره) أنه لا يعرف هؤلاء الطلاب الذين قاموا باحتلال وكر التجسس بأشخاصهم ولكن يعلم أنهم أشخاص طاهرون والواضح من أن عملهم عمل إنساني بكل ما للكلمة من معنى .
ويؤكد الإمام(ره) على أن العمل الذي قام به الطلبة المسلمون قد وجه ضربة قاسية إلى أمريكا الطامعة ورفعوا رؤوس أبناء الأمة .
على كل حال يتوجب على الطلاب أن يبقوا على يقظة تامة مما يحاك للوطن وعليهم أن يراقبوا الأجواء بشكل دائم ودقيق حتى لا تعود مراكز التربية والتعليم إلى سابق عهدها وإلى الأجواء السلبية التي كانت تسيطر عليها وفي ذلك نجاة للوطن ودفعه نحو التقدم والرقي.
2- التوقعات والآمال المعلقة على الجيل الجامعي
في خضم الأجواء العلمية التي تسيطر على فكر الطالب وسلوكه، وبالنظر إلى البيئة المحيطة التي تترك آثاراً متعددة على الطالب، ومع الأخذ بعين الاعتبار المسؤوليات الملقاة على عاتق الطالب الجامعي، تبرز قضية التوقعات والآمال التي ينتظر أن يطلع بها الطالب كعامل أساسي من عوامل النهضة والإطلاع الدقيق على المسؤوليات. من هنا حدد الإمام(ره) ومن خلال كلماته المتعددة الكثير من القضايا التي تندرج في إطار ما يتوقع من الطالب، وهي بشكل أو بآخر نابعة من العناوين المتقدمة الذكر.
أ- الوحدة
لعل العامل الأساسي الذي يتوقعه الإمام(ره) من الطالب الجامعي أن يعمل على إيجاد حالة من الوحدة وتكريسها بين مختلف التوجهات والحركات الطالبية حيث يجب أن تصب جميعها في خدمة البلد والإسلام، وإذا كان لكل شخص هدف وغاية تميزه عن غيره سيؤدي الأمر في النهاية إلى تشتت الجهود وضياع الأعمال.
فالوحدة في الظاهر عبارة عن توجيه جميع الجهود والأعمال لتصب في هدف واحد سينعكس على الوطن واستقلاله وعلى الإسلام وتكريس حيويته. على أساس أن للوحدة مظاهراً متعددة تتجلى وتظهر فيها، فتارة يكون الاتحاد عبر الحوار والنقاش والوصول إلى قواسم مشتركة. وتارة أخرى تكون عبر القيام بأعمال تكون النتيجة تكريس واقع الوحدة ومن هنا يشجع الإمام على تأدية صلاة الجماعة ورص الصفوف فيها لأن وجود الطلاب في صفوف متراصة أثناء الصلاة يعبر عن حقيقة الوحدة التي تتجاوز الأطر الظاهرية، بل يكون المقصود منها الوحدة الحقيقية .
وفي هذا الإطار يتوجه الإمام(ره) إلى المفكرين والعلماء والمدرسين والطلاب طالباً العمل على حفظ الانسجام فيما بينهم، إذ يؤدي الأمر في النهاية إلى الوحدة الحقيقية. فالوحدة والانسجام ليسا من مختصات الطلاب فقط بل تشتمل دائرتها على كل من يدور في هذه الدائرة، وهي دائرة العلم والفكر والثقافة. ومن هنا يرفض الإمام(ره) وجود عدد كبير من المجموعات الطالبية، لأن نتيجتها ستكون خلاف المطلوب. فإذا كان المطلوب من الوحدة الطالبية المساهمة في الوعي الشعبي، فإن وجود عدد كبير من الفرق والمجموعات سيؤدي إلى نتيجة معاكسة بالكامل. وقد شجع الإسلام على إيجاد هذه الحالة حيث جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا}. لأن التفرق والتشتت يحمل في طياته الفساد ويحمل في طياته الصعاب والمشكلات .
ب- تزكية النفس
يؤكد الإمام(ره) على دور تزكية النفس في صناعة الإنسان وإلى ما تشكله إلى جانب العلم من ثروة هامة تنقل الفرد والمجتمع إلى إطار أوسع من المصالح الآنية والفردية، إذ يساهم الاثنان معاً في سلامة المجتمع وتطوره ورقيه.
يتوجه الإمام إلى الطلاب والأساتذة مشيراً إلى أهمية التوأمة بين التربية الصحيحة والعلم. لا بل على الإنسان كلما تقدم خطوة في المجال العلمي، أن يخطو مثلها نحو العمل الباطني حيث التقوى والاستقامة والأمانة. والهدف أن يصل الشخص إلى مرتبة الإنسانية في نهاية المرحلة الدراسية، في هذه المرتبة يكون الإنسان قد امتلك المعلومات والمعارف وأصبح شخصاً أميناً، وبهذا يحقق الكثير من الأشياء التي ليس من السهل حصولها من دون أمانة.
يخاطب الإمام(ره) الطلاب قائلاً: "... روضوا أنفسكم، فالنفس تقبل الانقياد، فإن لم تروضوها فقد تؤدي بكم إلى الهلاك. وكل خطوة تخطونها في سبيل التعليم والتعلم، يجب أن يرافقها خطوة أخرى في ترويض أنفسكم. لا ينبغي أن يشغلكم التدقيق في العلوم والغوص بها، والغفلة عن الجهالات الموجودة في النفس. فلو غفلتهم عن أنفسكم، فإن كل خطوة ستخطونها في سبيل العلم ستؤدي إلى ابتعادكم عن الإنسانية. فللإنسانية مسير مستقيم، وكل من تحرك خلافه فهو يسير في خط معوج، لا بل سيكون أكثر بعداً كلما تحرك خارج الخط المستقيم...
أنتم الآن ما زلتم في عمر الشباب ولم تبتلوا بضعف الشيخوخة، يمكنكم إصلاح أنفسكم بسرعة. لا تتوقعوا أن يحصل هذا الأمر من خلال تأجيله إلى آخر العمر، فالتوبة غير ممكنة آخر العمر، فلو لم يسعى وراءها منذ بداية العمر، ولم يعمل على صناعة نفسه، فلن يتمكن من ذلك في نهاية عمره، لأن القوى الشيطانية قد تجذرت في الإنسان وأصبحت قوية وأصبحت قوى الإنسان ضعيفة لا يتوقع منها أي عمل" .
ويتابع الإمام(ره) مقدماً نصيحة للطلاب بأن يعرفوا أهمية الشباب ويستغلوا الفرصة للعلم والتقوى لأن ذلك سيؤدي إلى وجود أشخاص صالحون أمناء. ووجود هكذا أشخاص يعني استقلال البلد وسلامته وعدم التبعية لأي جهة من الجهات. فالتبعية للشرق أو الغرب ستدفع الشخص للعمل من أجل مصالح الغير وترك مصالح البلد، لا بل والقضاء عليها .
بشكل عام تؤدي التقوى إلى وجود إنسان شريف في عالم الدنيا، وفي الآخرة سيكون من الذين يقبلون على الله بوجه أبيض. هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن التزكية والتقوى من جملة العوامل التي تساهم في توجيه العلم نحو الهدف الحقيقي المطلوب منه. ولا تحرفه نحو أغراض شيطانية خادعة ليس فيها سوى الضرر لأبناء البشر .
ج- الجدية في تحصيل العلم
يؤكد الإمام(ره) على الجدية في تحصيل العلم ولا فرق في ذلك بين طلاب الجامعات وطلاب الحوزات العلمية، لا بل ويرفض كل الأقاويل والأفكار التي ينشرها البعض حول الفائدة من الدرس والتحصيل، لأن هذه المسألة مسألة تحمل في طياتها انحرافاً واضحاً لا بل الكثير من الجهل وسوء النية وهي من الأمور التي يروج لها أصحاب الأفكار الطاغوتية والشيطانية. والهدف من وراء ذلك إبعاد طالب العلوم الدينية من التحصيل وبالتالي التخلي عن التدين وكل ما يشير إليه، وجعل طالب الجامعة يشعر بالتبعية والتعلق بالمستعمر.
أن المستعمر يعمل بشكل دؤوب على نشر فكرة الحاجة إلى الغير وعدم القدرة على إنتاج أي سلعة أو مسألة بشكل ذاتي، وعندما يشعر الإنسان بحاجته الدائمة فيشعر أنه تابع بكل وجوده للغير ويؤدي هذا إلى تأخر البلد.
يرفض الإمام(ره) فكرة إخلاء الحوزة والجامعة من المحصلين المجدين والعلماء الواعين لأن وجود هؤلاء الأشخاص يعود بالنفع على البلد والشعب. فهم سيمتلكون مقدرات البلد في المستقبل، وتطوره يتوقف على ما سيتمتع به هؤلاء من علم وتخصص واجتهاد، فعلى الجميع أن يعملوا بجدية ونشاط في هذا الإطار .
د- التدخل في القضايا المصيرية للبلد
يتوقف الإمام(ره) ملياً أمام واحدة من الأمور المتوقعة من الطلاب لناحية التدخل في تحديد مصير البلد وعلى المستويات كافة، وذلك لما تملكه هذه الطبقة المثقفة من مخزون علمي وإمكانيات وقدرات وتجارب تجعلهم عناصر مفيدة وفعالة في البلد.
من جملة الأمور التي يؤكد عليها الإمام(ره)، التدخل في القضايا السياسية التي تحدد مصير البلد. وقد حاول دفع بعض الشبهات والإشكاليات التي كان البعض يلقيها عبر القول بأن الطلاب يجب أن يبتعدوا عن السياسة وعن المشاركة في الانتخابات لأنهم يحملون هموم التعليم والتحصيل. لذلك يعتبر الإمام أن القضايا السياسية والانتخابات، هي أمور تحدد مصير البلد، ومصير البلد يتعلق بكل شخص من أفراده ولا يمكن أن يتوقف على مجموعة خاصة، بل يشتمل جميع أفراد المجتمع. وعليه فيجب على الجميع المشاركة ومن جملتهم الطلاب.
ثم يؤكد الإمام(ره) أن الشبهة المذكورة ما هي إلا نوع من المؤامرة التي ما زالت تسيطر على العديد من البلدان منذ العديد من السنوات وهي بشكل عام تحمل في طياتها أضرار متعددة. لذلك يقول الإمام(ره): "... يتوجب على الطالب الشاب أن يتدخل في الأمور التي تحدد مصيره... ويجب أن تكونوا يقظين لأنهم يريدون ما يريدون بمؤامراتهم، وحيث لا يمكنهم ذلك بالوسائل العسكرية، لذلك عملوا على إبعاد السياسة عن المذهب... ولكن باءت محاولاتهم بالفشل" .
وتتجلى عملية مشاركة وتدخل الطلاب في جوانب أخرى عدا عن السياسية منها، حيث يؤكد الإمام(ره) على ضرورة أن يقوم الطلاب بإفشال المخططات الاستعمارية التي تنال من البلد، ويرفض سكوتهم عما يدبر للبلد في الدول الأجنبية. يقول الإمام(ره): "... إنني أعلق آمالاً كبيرة عليكم أيها الطلاب في الداخل والخارج، ويتجلى هذا الأمل عندما أرى البلد قد طهر من وجود الأجانب وعملائهم، لا تدعوا اليأس يأخذ طريقه إلى نفوسكم، فالحق منتصر دائماً..." ومن هنا يفترض أن يمتلك طالب الجامعة ثقة عالية بقدراته وإمكانيات ويجعل الحق نصب عينه ليواجه كل المؤامرات التي يحيكها الأجانب. ويشجع هذه الطبقة على سلوك طريق الحق ومقارعة الباطل وتوعية أفراد المجتمع لما يحيط بهم، وإعلام الجميع بكل ما يدور حولهم أو يدبر لهم وفي النهاية ليكن الجميع على ثقة بأن الله تعالى هو ولي التوفيق .
من جهة أخرى وفي الإطار نفسه يعطي الإمام(ره) أهمية كبيرة لمواجهة المنحرفين. ولا تتحقق مواجهة الباطل والانحراف إلا إذا وضع الطلاب أيديهم في أيدي الشعب وتركوا الميل للشرق والغرب. طبعاً لن يترك الشرق والغرب الطلاب والشعب يحققون استقلالهم بل سيوجدون الكثير من العراقيل في الطريق، ويبقى أن الوحدة والاتحاد والتصميم هي من الأمور الكفيلة بالوصول إلى الاستقلال والاكتفاء الذاتي والخلاص من براثن المستعمرين والمستكبرين والالتفات إلى ما تتمتع به شعوب بلدنا من إمكانيات وقدرات.
بالإضافة إلى ذلك يشدد الإمام(ره) على ضرورة أن ينهض الطلاب لمواجهة أي انحراف قد يحصل من بعض الأساتذة والقادة. فلا بد من إظهار الاعتراض الشديد على أعمالهم وتصرفاتهم، بل يجب إعلام الشعب بالمخططات الانحرافية، لأن المنحرفون هم في الواقع خائنون للشعب والدين والبلد . وهنا تتجلى أفضل صورة لتدخل الطلاب في مصير البلد.
بشكل عام هناك العديد من العناوين الأساسية التي تتجلى فيها عملية حضور الطالب الجامعي وفي مقاطع متعددة من الحياة السياسية والاجتماعية والقانونية... ولكن الأهم من ذلك أن كل المحاولات لا يمكن أن تصل إلى مرحلة الإثمار ما لم ترتقي الحركة الطلابية إلى مستوى الاتحاد وتجميع القوى وتشكيل تجمع طالبي يجعل نصب عينيه ثنائية الدين والشعب .
من هنا يتوجب على الطلاب سواء طلاب العلوم الدينية أو طلاب الجامعات التدقيق والتعمق في الفكر الإسلامي، وترك شعارات ومنطلقات الحركات الطلابية المنحرفة ليتمكن هؤلاء من إحلال الإسلام العزيز مكان الانحرافات والاشتباهات التي أوصلت البلد إلى حافة الهاوية. يقول الإمام(ره): "ليعلم الجميع أن الإسلام مذهب غني لا يحتاج إلى ضميمه أيِّ من المذاهب الأخرى إليه، وليعلم الجميع أن التفكير الالتقاطي هو خيانة للإسلام والمسلمين حيث شاهدنا النتائج المريرة لهذا التفكير" .
في النهاية يعتبر الإمام أن حيثية الأستاذ والطالب الجامعي تجعل منهما أشخاصاً يساهمون في إصلاح البلد فيما لو كانوا صالحين، وأما لو كانوا غير ذلك فالنتيجة ستكون على العكس تماماً. فالطالب والأستاذ عند الإمام هما العقل المفكر للأمة، لذلك يجب أن يتحركوا على المسير الصحيح الذي يؤدي إلى وجود حقيقة الإنسان وتجليه في جميع الأفراد.
هـ- الاستمرار في الدفاع عن الإسلام والثورة
لعل من أهم الأمور التي يتوقعها الإمام من الطالب الجامعي والتي هي نتيجة حتمية لمجموعة من القضايا التي تقدم ذكرها وأهمها التزكية والعلم والمعرفة والالتفات إلى الحيثيات الحقيقية للطالب ودوره في عملية بناء المجتمع، أن يعمل على الدفاع عن الإسلام ويبذل قصارى جهده في الدفاع عن الثورة. لذلك يعتبر الإمام(ره):
"إن من واجب عموم المسلمين وبالأخص العلماء الأعلام والمثقفين وطلاب الجامعات، الاستفادة من كافة الفرص للدفاع عن الإسلام العزيز والحفاظ على أحكامه الحياتية التي هي في الواقع الضامن الحقيقي للاستقلال والحرية... وليتحدثوا ويصرحوا بما يجب التحدث به وليعملوا على إيصال صوتهم إلى جميع الدول والمنظمات الدولية والمجتمعات البشرية" .
وإذا كان الدفاع عن الإسلام واجباً فلا بد من العمل على معرفة الأصول الأساسية للإسلام وعلى رأسها التوحيد والعدل ومعرفة الأنبياء المؤسسون الحقيقيون للعدالة والحرية. ولا بد من أن تشتمل المعرفة على جميع القضايا المعنوية، والأمور المتعلقة بتنظيم المجتمع والحكومة وشروط الإمام وولي الإمام، ولا تنتهي عن الولاة والقضاة والعلماء والمثقفين...، حيث يجب على الشخص أن يتعرف على رأي الإسلام في جميع هذه القضايا.
ويترتب على هذا الأمر أن يبتعد الطلاب والحوزويون عن اقحام سلائقهم وآراءهم الشخصية في تفسير القرآن الكريم وتأويل الأحكام الشرعية. بل لا بد من الالتزام بالإسلام في جميع أبعاده .
أما في يتعلق بالثورة والتي هي النتيجة والثمرة الحقيقية لتحقق الإسلام، يوصي الإمام(ره) بالحفاظ على هذا الانجاز العظيم الذي وضع بين أيدي الشعب وبالأخص الطلاب، والاستمرار في تحقيق أهدافها، لتكونوا بذلك ممن يساهم في تحقيق أهداف النبوة .
3- اللجان والتشكيلات داخل الجامعة
يتطلع الإمام(ره) إلى اللجان الطالبية ودورها وأهمية وجودها انطلاقاً من الأهداف المطلوبة منها والدور الذي يجب أن تلعبه على مستوى تدعيم الأسس والمباني والقيم التي قامت الثورة من أجلها، وهي في الحقيقة قيم الإسلام والعدالة الواقعية.
وعلى هذا الأساس يمكن الوقوف عند أهمية اللجان الطالبية بالمقدار الذي تساهم فيه في ترويج وترسيخ قيم الإسلام ومعاداة الظلم والطغيان وإبعاد الانحراف والمنحرفين، لذلك يجب أن تكون هذه اللجان، عامل وعي ويقظة وحركة في الطريق الصحيح وليست عوامل انحراف وتأييد للمنحرفين.
لعل من أهم الأمور التي نلاحظها في تصريحات الإمام حول اللجان الطالبية، تشديده على الوحدة والاتحاد بجميع الأشكال التي تتجلى فيها. والوحدة ليست حالة مختصرة في الطلاب أو الأساتذة أو كلاهما، بل تتعدى ذلك إلى وحدة المسلمين جميعهم. ويثني الإمام(ره) على هذه الوحدة التي كانت وستكون حال تحققها كفيلةً بتحقيق الأهداف الإسلامية التي تؤمن سعادة البشر في الدنيا والآخرة . طبعاً لا تتحقق هذه الأهداف إلا إذا وضعت اللجان الطالبية اختلافاتها جانباً، وتخلت عن المشاكل الجزئية وابتعدت عن النضال السلبي، بل النضال الإيجابي الفعال هو الذي يسمح بتحقيق تلك الأهداف .
وإذا كان الإمام(ره) قد أدلى بتصريحات متعددة خصَّ بها الطلاب واللجان الطالبية فقد قدم لها مجموعة من الوصايا الأساسية التي تؤمن موفقيتها وتصحيح مسارها :
أ) أوصى الإمام الطلاب أن يجعلوا الإسلام وأحكامه العادلة على رأس اهتماماتهم. ولن تتمكن اللجان الطالبية من الوصول إلى هكذا هدف من دون حكومة إسلامية عادلة. والحكومة العادلة يترتب عليها نتائج وتبعات متعددة من أبرزها الالتزام بقوانينها ودساتيرها والعمل على تطبيق أحكام الإسلام، والبراءة من كل ما عداها.
ب) ويوصي الإمام(ره) اللجان الطالبية دعوة أصحاب التيارات الأخرى المخالفة، إلى الإسلام أي إلى المذهب الراقي العادل. وهذا يتطلب معرفة دقيقة بالإسلام لنتمكن من دعوة الآخرين إليه.
ج) يجب على الطلاب إعطاء قدر معين من أوقاتهم لمطالعة أصول الإسلام الأساسية وعلى رأسها التوحيد والعدل ومعرفة الأنبياء. واستعلام حقيقة الأهداف التي جاء من أجلها الأنبياء بدءً من المعنويات والتوحيد، إلى تنظيم المجتمع ونوع الحكومة وشروط الإمام وولي الأمر...
د) ويطلب الإمام من اللجان العمل على إبعاد السلائق الشخصية في تفسير آيات القرآن الكريم، بل يجب الالتزام بالإسلام بجميع أبعاده وجوانبه. أما مصلحة المجتمع فهي من دون شك ستتحقق مع بسط العدالة ورفع الظلم وتأمين الاستقلال والحرية وتعديل الحركة الاقتصادية بشكل عاقل ومنطقي.
هـ ) الابتعاد عن كافة أنواع الاختلافات، لأن الاختلافات كالسرطان المهلك الذي يقضي على أي نجاح ويزيل أي هدف. ويشدد الإمام على ضرورة الاحترام بين اللجان الطالبية وبينهم وبين طلاب وعلماء الدراسات الدينية لما لذلك من أهمية في سبيل إعطاء صورة حقيقية عن الإسلام.
و) ويوصي الإمام(ره) اللجان الطالبية أيضاً بضرورة الجدية في تحصيل العلم. لأن الإسلام يخالف _ كل من يدعوا إلى الإهمال، بل الجدية تحمل فوائد متعددة على مستوى الأهداف الأساسية التي يصبوا إليها الإسلام.
هذه خلاصة عن أهم وصايا الإمام(ره) للجان الطالبية، وقد شدد في العدد من كلماته على ضرورة أن تكون جميع حركات ونشاطات اللجان الطالبية ناشئة من الإسلام وتصب في خدمته. ولن يتحقق هذا الأمر إلا إذا كانت البداية من الأشخاص الذين إن حصلوا على فهم للإسلام في النظرية والتطبيق سيتمكنون لا محالة من إيجاد حركات طالبية مستقيمة ومفيدة.


کد مطلب: 1215

آدرس مطلب :
https://www.ayandehroshan.ir/article/1215/الأستاذ-والطالب-ودورهما-في-التربية-والاعداد-طبق-رؤية-الإمام-الخميني

آینده روشن
  https://www.ayandehroshan.ir