تاریخ انتشاريکشنبه ۴ مرداد ۱۳۹۴ ساعت ۱۱:۰۳
کد مطلب : ۱۱۹۸
۰
plusresetminus
دور المؤمنون الممهدون في العولمة التي هي من علامة الظهور
محمود جابر
المقدمة
من ينظر في آفاق الأرض تأخذه رعدة من خوف من هول ما يقع بالناس أفرادا وجماعات.. ودول. ففي أرقى دول العالم حضارة وتقدم يعيش ملايين الناس بلا طعام ولا مأوى يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، لم توفر لهم هذه الحضارة الإنسانية المادية والتقدم العلمي سوى كل شقاء، وراء هذا الإهدار للإنسانية تقف نظم وجماعات شديدة النهم والشره للمال والنفوذ والسيطرة بشكل يثير الرعب ويدفع الفرائص للارتعاد. الحياة اليوم أصبحت على فوهة بركان يوشك أن ينفجر.
في عالمنا المعاصر يموت طفلٌ دون سن العاشرة جوعاً كل سبع ثوان، وغالبا ما يكون ضحيةً لضرورة وحيدة يفرضها سادة العالم هي ضرورة الربح بلا حدود. إن سادة العالم الجدد هم أصحاب رؤوس الأموال العالمية، فمن هم ومن أين يستمدون سلطتهم وكيف نقاومهم ؟ هنالك نهَّابون في قلب السوق العالمي هم أصحاب البنوك وكبار مسؤولي الشركات العابرة للقوميات ومديرو التجارة العالمية. إنهم يراكمون الأموال، يهدمون الدولة ويخربون الطبيعة والبشر.
وهنالك مرتزقة مخلصون يخدمون أولئك النهَّابين في قلب منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
وربما قاطعني أحدهم معترضا ومستنكرا وماهو الجديد تحت الشمس ؟؟ فالدنيا منذ بدأ الخليقة، عفوا منذ خروج آدم من الجنة والإنسان يعيش في كبد وضيق وتسوقه نوازع شهوانية _ إلا من رحم ربى وقليل هم -، فمن شح الأغنياء وتسلط المتسلطين وافتراء المفترين، ألا تعلم أن الإنسان الأول قتل أخاه ظلما وعدوانا وبغيا بغير حق ولم تفلح كل محاولات أخيه له في أن يجعله يعدل عن ظلمه وقتله له... فالفساد ظهر في البر والبحر بما كسبت ايدى الناس.. فما الجديد لديك حتى تسود هذه الصفحات بالأفكار التي نلوكها منذ سنين دونما فائدة ؟؟
وربما لا أختلف مع هذا المعترض شكلا فهذه الحالة يمكن أن نصفها بالقنوت أو طول الانتظار للاصطلاح (فتنة الانتظار).. وهذه الفتنة يمكن للمعرفة أن تقضى عليها متحليين بشعار " إن الصبر مفتاح الفرج ".
أيها القارىء الكريم... ألا تتفق معي انه رغم وجود الشر منذ أن خلق الله الإنسان بيد أنه ظل محدود، وانه اليوم خرج من محدوديته وأصبح ذائع الصيت وواسع الانتشار، وأن أمراض العالم الأخلاقية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية أصبحت متشابهة إلى حد التماهى والتطابق، وان الأمراض الفتاكة والخطرة أصبحت تضرب بالإنسان وتنتقل من طول العالم وعرضه إضافة إلى انتشار الجريمة وأصبح العنف والإرهاب سمة غالبة على أصحاب المذاهب الفلسفية والعقائدية مضفين عليها طابع القداسة والجهاد يمدح فاعله...
وأصبح لكل ألوان هذا الشر طابعا معولما، ألا تتفق معي أن ما يحدث اليوم هو أن الأرض قد امتلأت جورا وعدوانا وظلما بالمعنى الذي ورد في روايات النبي الأعظم (ص) في هذا الخصوص وان الذي مضى كانت موجات من الشر ثم الخير ثم الشر ثم الخير وشر فيه دخن وخير فيه دخن ،على النحو الذي نصت عليه بعض الروايات ، بيد أننا نعيش اليوم مرحلة جديدة من مرحلة الحياة الإنسانية أصبح الشر فيها شرا مطلقا معولما، وأن العدل والسلام أصبح اليوم رغبة ملحة لدى كل أهل الأرض... فمن أفسد الأرض ؟؟
ربما الإجابة هنا من السهولة بمكان فنقول إن الذي افسد الأرض هم هؤلاء الطغاة والمستبدين والمستكبرين الذين يريدون أن يستأثروا بكل شيء على حساب اى شيء.
وهنا نطرح سؤالا آخر وهل الجماعات والمؤسسات العاملة في إطار الإصلاح ومنع الاحتكار والاستئثار قادرة على لعب هذا الدور " أن تملأ الأرض قسطا وعدلا وسلاما"؟ والإجابة بالطبع لا.
والسؤال الواجب الإجابة عليه : ولماذا ؟
نقول بما أن هذا الفساد ليس بالفساد المحدود في جماعة أو مساحة جغرافية، وحتى ولو تعدد مساحات الشر القديم فإنها كانت وما تزال مختلفة عما يحدث اليوم حيث أن أهل الشر والباطل اليوم مجتمعين على قلب رجل واحد وبينهم من الروابط ما يُعجز الأفراد والجماعات والدول على إصلاحه ولهذا فان الأمر اليوم يحتاج إلى معالجه فوق قدراتهم وتقنياتهم وهذا مالا يتوفر للضعفاء التي هي سمة غالبة للمصلحين، ولان هؤلاء المصلحين مهما تعددت أشكالهم وألوانهم ومذاهبهم وطرائقهم هم واحد من ثلاثة :
الأول : ضعيف ذو قيم ودين وأخلاق ودين يبحث لنفسه ولغيره عن مكان تحت الشمس وعن دولة الحق والعدل مناديا بان قانون الله هو دعوة للمستضعفين ضد المستكبر، لأن المستكبر لا يمكن أن يستكبر ما لم يكن حوله من يعبده. لهذا لا بد من التوجه إلى الناس حتى لا يعبدوا الطغيان، لأن من شأن الإنسان أن يطغى حين يؤمن به الناس. ومشكلتنا لن تحل بدون أن ينتشر الوعي بين الناس بالتاريخ وسننه. ولا جدوى من الأعمال لأنها تنكر وفق قانون ما بالأنفس ولن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. (الممهدون).
الثاني : قوى يدعى أنه صاحب قيم حسنة ويحاول أن يفرغ دعوة المستضعفين من مضامينها ويفرق بين الناس.
الثالث : ضعيف ينشر الإصلاح والخير ومقارعة الظالمين بيد انه ضل طريقه واتخذ منهجا لا يدفع شرا ولا يجلب خيرا وهؤلاء أصحاب المدارس التي اتبعت السبل.
ولان الفريقين الثاني والثالث لن يقدموا لهذه الإنسانية شيء من قليل أو كثير من النفع _ فضلا أنها تشارك ايجابيا في الضر _ للمعرفة الحقيقية لطريق العدل والإحسان والسلام فأننا سوف نقتصر حديثنا على الفريق الأول " الممهدون " الذين يرفعون شعار " إن الفرج قريب وأن الصبر مفتاح الفرج ".
هؤلاء الذين وصفهم الله في كتابه العزيز " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين " التوبة 32- 33. وهم منتظري عباد الله الصالحين الذين يأتون مع صاحب العصر والزمان وإمام الأئمة مولانا المهدي (عجل الله فرجه الشريف) وينطبق عليهم قوله تعالى " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكرى أن الأرض يرثها عبادي الصالحون" الأنبياء 105.
وعليه.. فهذا البحث المعنون بـ" دور المؤمنون الممهدون في العولمة التي هي من علامة الظهور " والذي سوف نسير فيه وفق محاور ثلاثة هي :
المحور الأول : عولمة الشر وامتلأ الأرض جورا وعدوانا
الدوافع _ المظاهر _ الآثار.
وهو إثبات أن العولمة التي تعنى الامتلأ المطلق للشر والجور هي التي جاءت في حديث النبي (ص) " لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض جورا وظلما وعدوانا".
المحور الثاني : دور الممهدون في تعبيد طريق الإمام (ع) والتمهيد لخروجه الشريف ودور الجمهورية الإسلامية الإيرانية كدولة استرشاد إمامية ممهده.
هؤلاء الممهدون هم من سيمهدون السبيل لدولة صاحب الزمان (عجل الله فرجه الشريف) من أجل إقامة الدولة الإنسانية أو المجتمع العالمي الخير الذي حلم به البشر وتجلى في رؤى الأنبياء والمبشرين والأوصياء والفلاسفة والمصلحين، ذلك المجتمع الذي سينعم فيه الإنسان بالخيرية المطلقة والعدالة الكلية، وستنتهي معه كل مظاهر الخلل البشرى وكل تعاليم مدارس التيه، والرؤى الجزئية والمبتسرة، حينها يأتي الحق ويزهق الباطل ويصبح صبح الحق أبلج كما هو يوم أن خلق الله السماوات والأرض.
وقد تعرضنا للنقاش السريع لإشكاليتين في هذه الدراسة الأولى إشكالية العولمة والشر، والإشكالية الأخرى إشكالية الانتظار والعالمية الحقة.
والحمد لله في الأولى والآخرة
الباحث
عولمة الشر وامتلأ الأرض جورا وعدوانا
العالم بجمعه، أغنيائه و فقرائه، شعوبه و بلدانه، شبابه و شيوخه، معني بما هو متوقع من انتقال إلى مرحلة جديدة و انخراط في نظام عالمي جديد، و التفاعل مع مقدمات و إفرازات تلك الحركة السريعة التي تسمى( العولمة).
كل ذلك بمثابة _ القدر المحتوم _ لا مفر منه و لا مناص عنه و لا خيار للبشرية إلا في أطرها، في القلب منها، خاصة وأن تلك التطورات تتناول كل جوانب الحياة الاقتصادية و الاجتماعية ،و الثقافية و الحياتية ،و الحاضرة و المستقبلية.
( وهي عملية تاريخية مستمرة في حياة البشرية ،لن تتوقف إلا بتوقف الإنسان عن الحياة و العيش على الكرة الأرضية).
أما كوفي عنان- أمين العام للأمم المتحدة السابق، فقد شبه الكرة الأرضية في ظل العولمة بأنها ستصبح مثل سفينة صغيرة، الكل فيه مسئول عن الجزء، و الجزء فيه مسئول عن بناء الكل، و الضعيف فيه يقوى بالقوي و القوي منهم يحمي الضعيف.
إذا من تكون هذه( العولمة) التي شغلتنا بعدما كنا قد ألفنا النوم منذ الولادة ! هل هو شبح أم ملاك؟ هل الكوننة آت إلينا خيرا أم شرا ؟.
هذا ما سوف نحاول الإجابة عنها من خلال هذه الدراسة، لعلنا نصل إلى الموقف و نقرر هل نفتح الباب و نستقبلها بالأحضان، أو نحصن مواقعنا من الداخل و الخارج، شرط أن لا نقف مكتوفي الأيدي وهل هناك أكثر من عولمة ؟؟
المنشأة التاريخية للعولمة
لقد شاعت كلمة (عولمة) على ساحة الفكر في المنطقة و العالم منذ العام 1989م وهو العام الذي شهد انهيار الاتحاد السوفيتي، و يرى آخرون، برجوعها إلى بطون و أعماق التاريخ القديم ،لتقضي على أية خصوصية أو جدة أو أصالة فيها، قبل عصر الديانات الكبرى و إلى إمبراطوريات العظمى كالإسلامية أو الرومانية، أو في نظام البروليتاريا لدى ماركس، و غيره من النظم الأخرى.
وتناول الباحثون و المثقفون العولمة في سلسة طويلة من الكتب و الدراسات و الندوات، لتحليل هذه الظاهرة. ولم تتوصل كل هذه المحاولات إلى نقاط مشتركة واحدة، حول تعريفها و مضمونها و أهدافها.إن الاتجاه إلى توحيد بلاد العالم، كان على الدوام هدفا يراود أحلام الكثير من الحكام و المثقفين، و حتى الرسل الذين قاموا بنشر رسالة واحدة على كل العالم ،و لكل البشر. و قد عمل الحكام على تحقيق هذا الهدف بوسائل شتى، سواء بالطرق السلمية أو العسكرية.
و هناك من يقول أن نزعة العولمة وجدت منذ عهد الفراعنة، و قد ورثها الإسكندر المقدوني الذي عمد إلى الحروب لتوحيد الشرق و الغرب، و جاءت بعد ذلك الإمبراطورية الرومانية.كذلك المسيحية هي ضرب من ضروب العالمية، و والدولة العربية الأموية في المشرق أو الأندلس والعباسية في توسعاته الإمبراطورية خلال القرون الخمسة الأولى كانت أيضا تنشر عولمة عربية قرشية. و أن أوربا عندما بدأت غزواتها الاستعمارية في القرن السادس عشر الميلادي كانت تفعل ذلك بادعاء أنها تنشر الحضارة بين الشعوب المتخلفة، لتحقيق العالمية و هذا ما تفعله اليوم الدول الكبرى وأمريكا لنشر العولمة.
تعريف العولمة
لو فتشنا عن معنى كلمة (العولمة) في المعاجم اللغة العربية الكلاسيكية، لما و جدنا لها أثرا، لأن الكلمة دخلت حديثا في لغة الضاد كترجمة عن الكلمة الفرنسية "mondlisation " التي هي بدورها ترجمة محرفة عن الكلمة الإنجليزية globalization و لهذا يفضل بعض الباحثين العرب من ذوي الثقافة الإنجليزية، كلمة كوننة بدلا من عولمة.
و إذا أردنا أن نأتي بتعريف علمي مقبول لكلمة عولمة فأننا سنجد أن مثل هذا الأمر هو مسألة بالغة الصعوبة و الدقة، و ذلك لثلاثة أسباب رئيسية :
أولا: أن هذه الكلمة، هي حديثة جدا في قاموس اللغة العربية، و مفهومها لم يستقر بعد. ويرى أغلب الباحثين أن مفهوم العولمة لا يزال من قبيل الفرضية، وهو فرضية. لأن الاتساع في تناول العولمة و أصلها و تعميمها أو تعميم ما قد ينتج منها، أمر غير مستقر علميا، و هذا إقرار بعدم وضوح العولمة و الإحاطة النظرية و العلمية بها خصوصا أنها مازالت في طور التكوين و التبلور، و غير مكتملة الملامح و النتائج.
ثانيا: أن مفهوم العولمة ذو محتوى شامل، و ذو تأثير فعال على حياة جميع الأمم و الشعوب و الثقافات الوطنية و المثقفين أيضا، لذا لا مجال لأن يقف صاحب التعريف موقفا حياديا منه، بل عليه منذ الوهلة الأولى أن يقف معه أو ضده.
ثالثا: أن مفهوم العولمة، مثله في ذلك، مثل مفهوم البيئة، لم يتوقف عن التمدد و التوسع بشكل رهيب. فلقد بدأت العولمة كنظرية اقتصادية محضة، تستهدف "فرض النظام العالمي الجديد " في الاقتصاد فحسب. و لكنها سرعان ما مدت أذرعتها الأخطبوطية إلى النواحي الوطنية و القومية و السياسية و الاجتماعية و الثقافية أيضا، في مرحلة عقد أو عقدين من الزمان، كما يقول د. ناصر الدين الأسد في بحثه الموسوم " الهوية و العولمة "، ولهذا ربما لم يكن المفكر العربي المعروف " محمد عابد الجابري " مخطئا عندما وصف العولمة بأنها : (نظام أو نسق ذو أبعاد تتجاوز دائرة الاقتصاد، أنها نظام عالمي يشمل المال و التسويق و المبادلات و الاتصال، كما يشمل أيضا مجال السياسة و الفكر و الايدولوجيا ".
و نستنتج من التعاريف السابقة، بأنها ليست نظرية اقتصادية فقط، مثل مؤسسة الجات (gatt) أو وريثتها (منظمة التجارة العالمية) و إنما هي نظرية للقولبة الأحادية. و هي في هذا تتجاوز حدود الاقتصاد و المال، لكي تفرض أنماطا معينة من النظم و الإيديولوجيات التي لا يمكن لأية قوة وطنية أو محلية السيطرة عليها.
وقد وصفها أحد الاقتصاديين الغربيين عن حق بأنها (سماوات مفتوحة، و محيطات مفتوحة، و الحواجز الجمركية لا وجود لها، و العلم بلا وطن، و رأس المال كذلك، و زيادة في حرية العمالة و رؤوس الأموال و الأفكار عبر العالم بأسره، مما يؤدي في النهاية إلى تحويل العالم إلى قرية كونية.
و لا يخفى ما يحمله هذا التصور من اعتداء على الدولة الصغيرة أو النامية و نهب لثرواتها الطبيعية و خيراتها، و تحويلها إلى _ سوبر ماركت _ كبير، يتم إغراقه بمنتجات الدول الصناعية الكبرى، تحت دعاوى الحرية الاقتصادية، و الاعتماد المتبادل بين الدول ، و هي بالتالي من نتائج العولمة السلبية التي سوف تتكرر بأشكال مختلفة، إذا ما أراد لها الكبار أن تكون وسيلة للسيطرة و نفي الآخر.
تجليات النظام العالمي الجديد : (العولمة)
معضلات العولمة (الكوكبة): إن المشكلات المرتبطة بالعولمة (الكوكبة)هي تلك التي نالت تسمية المشكلات العالمية. و قد جهد الكثيرون في ذكرها و تعدادها، و في تصنيفها، منذ حوالي عقدين، و هي مشكلات مثل قضايا الطاقة و البيئة و الثروات الطبيعية إجمالا، في مواجهة احتمالات النضوب و الغذاء و الأمن الغذائي، و الصحة و الرعاية الصحية و التحضر أو التمدين، و قضايا العلم و البحث العلمي، و الثورة العلمية _ التكنولوجية _ و المسائل المرتبطة بالمعلومات و المعلوماتية، و ثورة الاتصالات، و قضايا الحرب و السلام، و مشكلات الإنسان و العصر، و قضايا التربية و التعليم، بما ينسجم مع متطلبات و مستجدات العصر، و قضايا الثقافة و الفكر، و قضايا غزو و استيعاب و استثمار الفضاء الخارجي، و المحيط المائي العالمي و منعكسات ذلك.
مما يمكن إذن النظام العالمي الجديد، و كما يقول الدكتور طيب تزييني : (يعمل على ابتلاع كل شيء، و إعادة بنائه سلعيا من أجل تشكيل ما يمكن تسميته "السوق الكونية " و إلى إيجاد حكومة عالمية تحت هيمنة أمريكية أو بريطانية أو فرنسية، و إقصاء الدولة الوطنية)
و يتحدث الدكتور عاطف عواد في بحث بعنوان (الأدب العربي و تحديات العولمة) عن مشاكل النظام العالمي الجديد : (يبدو لي الآن أننا أمام نمط جديد من الاستعمار و لكنه مختلف فقد كان بالإمكان أقامة حوار ثقافي من نوع ما في ظل النظام الاستعماري القديم، و لكن آلة الاستعمار الحالي غير التي خبرناها، و ما يرسله نظام العولمة، يختلف عن كل أشكال الحضارة السابقة، و تتميز بنقلة نوعية لجعل العالم كله سوقا اقتصادية، تهيمن عليه عدد من الشركات). و يطالب بالدفاع عن الأدب العربي الذي يعتبره دفاعا عن الأمة العربية ضد العولمة.
العولمة وتجليات الآلهة الوثنية (الآثار)
في كل مراحل التاريخ خبرنا أن الدهريين ليس لهم إله إلا المال والثروة لذلك تراهم يمسكون بمفاصل الثروة والسلطة فنفوسهم يسكنها الشح وقلوبهم وممارساتهم شديدة القسوة والاستبداد، وهنا سوف ترى دهريو العالم الجديد وهم يعدون العدة للسيطرة على العالم من خلال أساليب شيطانية لدفع الناس إلا الافتقار والعوز والحاجة وهم بهذا يعيدون عصر العبيد الذي وضع النبي الأكرم وآل بيته( صلوات الله وسلامه عليهم) كل التعاليم والقواعد والممارسات التي يأخذها البشر حتى يتخلصوا من هذا المرض العضال الذي أصاب الإنسانية في مراحل عمرها، بيد أن هؤلاء الدهرييون لا يريدون أن يكونوا أحرارا بين أحرار ولكن هم يفضلوا أن يكونوا نخاسيين في سوق نخاسة كبير رقعته العالم كله.
فقد اعتمد مخططو العولمة الاقتصادية إلى طريقة الاستعباد بمبدأ يسمى (الصدمة) وهى فلسفة شيطانية تعتمد على القوة، وتتعلق بكيفية تحقيق الأهداف السياسية والاقتصادية، وهي فلسفة تؤمن بأن خير سبيل وأفضل وقت لفرض أفكار السوق الحرة الراديكالية، هو بعد حدوث صدمة كبرى. وقد تكون تلك الصدمة كارثة طبيعية، وقد تكون هجوماً إرهابيا، وقد تكون حرباً ولكن الفكرة أن هذه المحن والأزمات، وهذه الكوارث، وهذه الصدمات تطوع المجتمعات برمتها، وتربكها وتجعلها تفقد قدرتها على التحمل، ثم تنفتح نافذة كتلك التي تنفتح في زنزانة التحقيق.
وقد تم استغلال تلك الصدمة لتمرير سياسات السوق الحرة، ونشر الخصخصة، وتعزيز رأسمالية الكوارث،هكذا يستغل الرأسماليون الكوارث وعذابات الفقراء وإذا القينا الضوء على مجموعة من الحوادث لمعرفة هذه الفلسفة وكيف يتم توظيفها واستغلالها في كافة أقطار المعمورة، فإذا نظرنا إلى إعصار كاترينا في مدينة نيواورلينز في ولاية لويزيانا الأمريكية. ففي 31 أغسطس/آب 2005 كان نحو 80% من هذه المدينة قد غمرها الفيضان، حيث بلغ ارتفاع المياه في بعض المناطق أكثر من خمسة أمتار. وعلى أثر ذلك تم إخلاء نحو 90% من سكان جنوب شرق لويزيانا في عملية إخلاء لم تشهد لها الولايات المتحدة مثيلاً من قبل، ولكن كيف كان وقع هذه الكارثة التي دمرت أجزاء كبيرة من مدينة نيواورلينز، على بعض الساسة والمنظّرين الاقتصاديين الأمريكيين المتنفذين؟
يقول عضو الكونجرس الجمهوري ريتشارد بيكر، الذي ينتمي إلى تلك المدينة، لجماعة من أنصاره "لقد نظفنا نيواورلينز أخيراً من المساكن الشعبية. لن نكن نستطيع فعل ذلك، ولكن الله فعله". وكان جوزيف كانيزارو، أحد اشد المستثمرين ثراء في نيواورلينز، قد عبّر عن عاطفة مشابهة، إذ قال: "اعتقد أن لدينا الآن صفحة بيضاء لنبدأ من جديد وبتلك الصفحة البيضاء تتاح لنا فرص كبيرة جداً".
أما فريدمان رائد مدرسة شيكاغو فيرى الأمور يجب أن تتم بجذرية شديدة و بدلاً من إنفاق جزء من مليارات الدولارات المخصصة لإعادة البناء، في إعادة بناء وتحسين نظام المدارس العامة القائم في نيواورلينز، ينبغي على الحكومة أن تزود العائلات بصكوك يمكن إنفاقها في المؤسسات الخاصة، التي يتوخى العديد منها الربح، والتي ستتلقى دعماً مالياً من الولاية. وعليه كتب فريدمان، إن من المهم جداً ألا يكون هذا التغيير الأساسي مؤقتاً ولسد الفراغ بل أن يكون "إصلاحا دائماً". وقد انتهزت شبكة من بيوت الخبرة اقتراح فريدمان وتقاطرت على المدينة بعد العاصفة. ودعمت إدارة جورج دبليو بوش خططها بملايين الدولارات من أجل تحويل مدارس نيواورلينز إلى مدارس خاصة يمولها الجمهور وتديرها هيئات خاصة وفق الأسس والقواعد التي تراها ومثل هذه المدارس تخلق شروخاً عميقة في المجتمع الأمريكي، ويتجلى ذلك في نيواورلينز أكثر من سواها، حيث ينظر إليها العديد من أولياء أمور التلاميذ الأمريكيين من أصل أفريقي، باعتبارها وسيلة للتراجع عن مكاسب حركة الحقوق المدنية، التي ضمنت لجميع التلاميذ مستوى واحدا من التعليم. أما بالنسبة إلى فريدمان، فإن المفهوم الكلي لنظام المدارس التي تديرها الدولة ينضح بالاشتراكية. وينحصر دور الدولة في نظره في "حماية حريتنا من أعدائنا المتربصين وراء بواباتنا، ومن زملائنا المواطنين والحفاظ على القانون والنظام، وفرض تطبيق العقود الخاصة، وتعزيز الأسواق التنافسية". وبكلمات أخرى توفير رجال الشرطة والجنود أما كل شيء آخر، بما في ذلك توفير تعليم حر ومجاني، فهو تدخل جائر في شؤون السوق. خصخصة التعليم وفي تباين حاد مع السرعة الفاترة التي تم بها إصلاح الحواجز والسدود، وإعادة الحياة إلى شبكات الكهرباء، جرى بيع نظام المدارس في نيواورلينز بالمزاد العلني بسرعة ودقة لا مثيل لهما إلا في الجيش. ففي خلال تسعة عشر شهراً، وبينما كان معظم سكان المدينة الفقراء لا يزالون خارجها، كان قد تم استبدال نظام المدارس العامة في نيواورلينز بصورة تامة تقريباً، بمدارس خاصة يديرها القطاع الخاص. فقبل إعصار كاترينا، كان مجلس التعليم يدير 123 مدرسة عامة، أما الآن فهو يدير 4 مدارس عامة فقط. ولم يكن في المدينة قبل تلك العاصفة سوى سبع من أمثال تلك المدارس الخاصة، أما الآن فيوجد منها 31 مدرسة، وكان المعلمون في نيواورلينز ممثلين في العادة في اتحاد قوي، أما الآن فقد انفرط عقد ذلك الاتحاد وتم إنهاء خدمة جميع أعضائه البالغ عددهم 4700 عضو. واستؤجر بعض المعلمين الأصغر سناً للعمل لدى المدارس الخاصة المذكورة، وبرواتب أقل، أما الغالبية العظمى من المعلمين فلم تُستخدم. وهكذا أصبحت مدينة نيواورلينز المختبر البارز في المجتمع الأمريكي، لاستخدام المدارس الخاصة المذكورة، على نطاق واسع. وقد ذكر بحماس معهد (المشروع الأمريكي)، وهو بيت خبرة يؤمن بفكر فريدمان، أن "إعصار كاترينا قد أنجز في يوم واحد.. ما عجز مصلحو نظام المدارس في لويزيانا عن فعله بعد سنوات من المحاولة". أما معلمو المدارس العامة، الذين رأوا الأموال المخصصة لضحايا الفيضان تُحوّل لمحو معالم نظام عام واستبداله بنظام خاص، فقد كانوا يصفون خطة فريدمان بأنها "اغتصاب أراضٍ تربوي".
هذه المجموعات التي تدعو إلى الغارات المنسقة على المجال العام في أعقاب الأحداث الكارثية المدمرة، إضافة إلى التعامل مع الكوارث باعتبارها فرصاً مثيرة بالنسبة إلى السوق، "رأسمالية الكوارث".
وعودة على بدء إن مقالة فريدمان، عن نيواورلينز كانت توصيته الأخيرة في مجال السياسة العامة، فقد توفي قبل أقل من سنة على ذلك التاريخ أي في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2006 في الرابعة والتسعين من العمر. وتبدو خصخصة نظام المدارس في مدينة أمريكية متوسطة الحجم، من المشاغل المتواضعة لرجل كان ينعم بالثناء عليه ويوصف بأنه رجل الاقتصاد الأهم في نصف القرن الماضي، والذي كان من بين مريديه العديد من الرؤساء الأمريكيين، ورؤساء وزراء بريطانيا، وأفراد النخب الحاكمة في روسيا، ووزراء المالية البولنديين، وطغاة العالم الثالث، ووزراء الحزب الشيوعي الصيني، ومديري صندوق النقد الدولي، وآخر ثلاثة من رؤساء بنك الاحتياطي الأمريكي. ومع ذلك فإن تصميمه على استغلال الأزمة في نيواورلينز من أجل الدفع قُدما بنسخة أصولية من الرأسمالية، كان وداعاً ملائماً من قبل الأستاذ الذي لا حد لنشاطه، والذي لا يتجاوز طوله 155 سنتيمتراً، والذي وصف نفسه وهو في أوج تألقه بأنه "واعظ من طراز قديم، يُلقي موعظة يوم الأحد".
كان فريدمان وأتباعه المتنفذون، على مدى أكثر من ثلاثة عقود، يستكملون ترسيخ استراتيجية محددة، مفادها انتظار وقوع كارثة كبرى، ثم بيع أجزاء من الدول بالمزاد العلني لجهات في القطاع الخاص، بينما يكون المواطنون لا يزالون مذهولين من الصدمة، ثم الإسراع في جعل هذه "الانقلابات" دائمة. يقول فريدمان في مقالته تلك: "إن الأزمات فقط سواء كانت حقيقية أو محسوسة هي التي تخلق التغيير الحقيقي. فعندما تحدث تلك الأزمات فإن الإجراءات المتخذة تعتمد على الأفكار المتوفرة، وتلك فيما أعتقد مهمتنا الأساسية: أن نوجد بدائل للسياسات الموجودة، وأن نبقيها حية ومتوفرة إلى أن يصبح المستحيل من الناحية السياسية، حتمياً من الناحية السياسية".
فأتباع فريدمان يدخرون أفكار السوق الحرة، وعندما تقع أزمة من الأزمات يكون أستاذ جامعة شيكاغو مقتنعاً بأهمية العمل بسرعة خاطفة، لفرض تغير لا يمكن الرجوع عنه، قبل أن يثوب المجتمع الذي عزلته الأزمة إلى رشده، ويعود إلى الخضوع "لاستبداد الواقع الراهن" وهو يقدر أن "أي إدارة جديدة لديها ستة إلى تسعة أشهر تستطيع خلالها أن تجري تغييرات كبرى، وإذا لم تغتنم الفرصة لتتصرف بصورة حاسمة خلال تلك الفترة، فلن تتاح لها فرصة أخرى مماثلة". وذلك شكل آخر مرة من أشكال نصائح مكيافيلي الذي يرى ضرورة تحقيق الإصابات على الفور ودون تريث. استغلال الصدمة وقد تعلم فريدمان كيف يستغل الصدمة أو المحنة الواسعة النطاق.
وفي أواسط سبعينات القرن الماضي كان فريدمان يعمل مستشاراً لدى الدكتاتور التشيلي، الجنرال (أوغستو بينوشيه)، فلم يكن التشيليون في حالة صدمة فقط في أعقاب انقلاب بينوشيه العنيف، بل كانت البلاد كذلك تعيش صدمة التضخم الحاد، وقد أشار فريدمان على بينوشيه أن يفرض تحولاً سريعاً جداً في الاقتصاد خفض الضرائب، وتحرير التجارة، وخصخصة الخدمات، وخفض الانخفاض الاجتماعي، ووقف تدخل الحكومة وتحكمها بكثير من الأمور، وأخيراً رأى التشيليون حتى مدارسهم العامة تستبدل بمدارس خاصة يمولها كفلاء. وكان ذلك أشد عملية تجميل رأسمالي تمارس في أي مكان، وأصبحت تعرف باسم ثورة "مدرسة شيكاجو"، لأن العديد جداً من رجال الاقتصاد لدى بينوشيه كانوا قد درسوا على يدي فريدمان في جامعة شيكاجو. وقد تنبأ فريدمان بأن سرعة وفجائية وحجم التحولات الاقتصادية سوف تثير ردود فعل نفسية لدى الجمهور "تسهل إجراء التعديل". وقد ابتدع عبارة تصف هذا التكتيك المؤلم، وهي "معالجة الاقتصاد بالصدمة" وفي عشرات السنين التي تلت ذلك، عندما كانت الحكومات تفرض برامج كاسحة لتحرير السوق، كانت المعالجة الفجائية بالصدمة، هي الأسلوب الذي تختاره. وقد سهل بينوشيه إجراء التعديل، باستعماله علاجات الصدمة الخاصة به، وكانت هذه تمارس داخل زنازين التعذيب العديدة الخاصة بنظام بينوشيه، ذلك التعذيب الذي كان يحيق بأجساد من يعتبرون أميل من غيرهم إلى اعتراض سبيل التحول الرأسمالي. وقد رأى كثيرون في أمريكا اللاتينية رابطة مباشرة بين الصدمات الاقتصادية التي أوصلت ملايين الناس إلى حضيض الفقر، ووباء التعذيب الذي كان عقاب ألوف الناس الذين كانوا يؤمنون بوجود نوع مختلف من المجتمعات.
وبعد ثلاثين سنة من استعمال هذه الأشكال (الصيغ) الثلاثة من الصدمة التي طبقت في تشيلي، عادت هذه الصيغة إلى الظهور من جديد، بعنف أشد بكثير، في العراق. فأولاً، جاءت الحرب، التي كان الهدف منها هو "السيطرة على إرادة الخصم، وأحاسيسه وإدراكه وجعل الخصم عاجزاً بالمعنى الحرفي عن الفعل أو الرد". وبعد ذلك جاء علاج الصدمة الاقتصادية الجذري، الذي فرض، بينما كانت البلاد لا تزال تحت لهب النيران، من قبل المبعوث الأمريكي بول بريمر وذلك بالخصخصة الشاملة، والتجارة الحرة بصورة كاملة، وخفض الضرائب بنسبة 15%. وخفض حجم الحكومة على نحو دراماتيكي.
ومن الولايات المتحدة الأمريكية إلى تشيلي ومن العراق إلى اندونيسيا جنوب شرق آسيا نجد تجليات العلاج بالصدمة على طريقة العولمة الرأسمالية الأمريكية فعندما وقعت كارثة تسونامي المدمرة، وشهدت نسخة أخرى من المناورة ذاتها، حيث تقاطر المستثمرون الأجانب والمقرضون الدوليون على استغلال جو الذعر وتسليم الخط الساحلي الرائع برمته إلى المقاولين الذي سارعوا إلى بناء المنتجعات الضخمة، ومنعوا مئات الألوف من السكان الذين يعيشون على الصيد من إعادة بناء قراهم قريباً من الماء، وقد أعلنت الحكومة الاندونيسية في ذلك الوقت إذ قال ناطق باسمها "في انعطاف قاس للقدر، قدمت الطبيعة لنا فرصة فريدة، فمن رحم هذه المأساة العظيمة سيولد موقع سياحي ذو مرتبة عالية"، ففي الوقت الذي ضرب فيه إعصار كاترينا مدينة نيواورلينز، وبدأت جوقة الساسة الجمهوريين، وبيوت الخبرة، والعاملين على تطوير الأراضي واستغلالها الحديث عن "الصفحات البيضاء" والفرص المثيرة، كان واضحا أن هذا هو الأسلوب المفضل الآن لدفع أهداف تكتلات الشركات الكبرى إلى الأمام، وهو: استغلال لحظات الصدمة الجماعية للانخراط في هندسة اجتماعية واقتصادية جذرية. ومعظم الناس الذين ينجون من كارثة مدمرة يريدون عكس فكرة الصحيفة البيضاء، فهم يريدون إنقاذ ما يمكن إنقاذه والبدء في إصلاح ما لم يدمر، كما يريدون توكيد علاقتهم وارتباطهم بالأماكن التي كونتهم، وكما قالت أحدى المنكوبات في مدينة نيواورلينز "عندما أعيد بناء المدينة أعيد بناء نفسي". ولكن رأسماليي الكوارث لا يعنيهم إصلاح ما كان.
ففي العراق، وسريلانكا واندونيسيا، ونيواورلينز، بدأت العملية التي تسمى زوراً باسم "إعادة البناء" بإنهاء المهمة التي بدأتها الكارثة الأصلية، وذلك بمحو ما تبقى من المجال العام والمجتمعات التي اقتلعت، واستبدالها، قبل أن يتمكن ضحايا الحرب أو الكارثة الطبيعية من إعادة تنظيم أنفسهم وتعزيز مطالبتهم بما كان لهم. و يمكن أن نسوق قول رئيس أحدى الشركات الأمنية في العراق، وهو ضابط سابق في وكالة الاستخبارات المركزية: "بالنسبة إلينا، وفر لنا الخوف والفوضى فرصة ذهبية"، وهو يشير بذلك إلى أن الفوضى التي سادت العراق بعد الغزو، ساعدت شركته الأمنية المغمورة والتي تفتقر إلى الخبرة، على اقتناص 100 مليون دولار من الحكومة الأمريكية على هيئة تعاقدات، وتصلح كلماته، أن تكون شعاراً للرأسمالية المعاصرة فالخوف والفوضى هما المحفزان على كل قفزة جديدة إلى الأمام. قوة الصدمة والرعب العسكرية، ويمكن أن نقارب ما بين الأرباح الهائلة والكوارث العظيمة في أرجاء العالم.
ولكن الأمر تغير سنة 2001. فعندما وقعت هجمات 11 سبتمبر/ أيلول، وفي غضون سنوات قليلة فقط، وسع هذا المجتمع مجال سوقه من محاربة الإرهاب، إلى حفظ السلام الدولي، إلى توفير الشرطة المحلية، إلى الاستجابة للكوارث الطبيعية المتزايدة. والهدف النهائي للشركات التي تشكل لب هذا التجمع، هو إدخال نموذج الحكم من أجل الربح، الذي يتقدم بسرعة طاغية ضمن الظروف غير العادية، إلى صلب عمل الحكومات اليومي، أي خصخصة الحكومة في واقع الأمر. ولكي تشغل إدارة بوش مجمع رأسمالية الكوارث، أوكلت إلى جهات من خارج الحكومة، ومن دون إجراء نقاش عام، تنفيذ الكثير من المهام الحساسة، من توفير الرعاية الصحية للجنود، إلى التحقيق مع السجناء، إلى جمع البيانات والمعلومات عن كل إنسان. وليس دور الحكومات في هذه الحروب التي لا تنتهي، هو دور المدير الذي يدير شبكة من الشركات المتعاقدة، بل هو دور رأسمالي المشاريع والمجازفات ذي الجيوب الواسعة، حيث تقوم بتوفير الأموال اللازمة لتأسيس هذا المجمع، والتحول إلى اكبر متعامل معه في الخدمات التي يقدمها.
ففي سنة 2003 سلمت الحكومة الأمريكية 3512 عقدا إلى شركات لتقوم بأداء مهمات أمنية، وفي أغسطس/آب ،2006 كانت وزارة الأمن الداخلي الأمريكية قد أصدرت أكثر من 115 ألفاً من مثل تلك العقود و"صناعة أمن الوطن"- التي لم تكن مهمة من الناحية الاقتصادية قبل سنة 2001- تشكل الآن قطاعاً رأسماله 200 مليار دولار. وفي سنة ،2006 كان معدل إنفاق الحكومة الأمريكية على الأمن الداخلي 545 دولارا لكل أسرة. وكان ذلك مجرد الجبهة الداخلية للحرب على الإرهاب، أما الأموال الحقيقية فهي التي تنفق في خوض الحروب في الخارج، فإلى جانب العقود مع شركات توفير الأسلحة، التي شهدت تصاعد أرباحها الهائل بفضل الحرب في العراق، تشكل صيانة الجيش الأمريكي واحدة من أسرع اقتصاديات الخدمات نموا في العالم. وهنالك بعد ذلك، الغوث الإنساني وإعادة البناء، فقد غدا الغوث وإعادة البناء من أجل الربح، اللذان كانت بواكير استعمالهما في العراق، النموذج الدولي الجديد، بصرف النظر عما إذا كان التدمير الأصلي قد حدث من حرب عدوانية، مثل هجوم "إسرائيل" على لبنان سنة ،2006 أو بسبب إعصار. ومع شح الموارد والتغير المناخي اللذين يولدان سيلا متعاظما من الكوارث الجديدة، تصبح الاستجابة للطوارئ سوقا ناشئة، إن إحدى الميزات الرئيسية لهذا النهج المابعد حداثي، هي انه بمعطيات السوق، لا يمكن أن يفشل. وكما قال احد المحللين الاقتصاديين، معلقا على أرباح شركة خدمات الطاقة، هاليبرتون، خلال ربع سنة، والتي كانت مرتفعة بوجه خاص "إن وضع العراق أفضل، مما كان متوقعا”، وكان ذلك في شهر أكتوبر/تشرين الأول. ،2006 أعنف شهر في سجلات الحرب، بلغت خسائر المدنيين العراقيين فيه 3709 قتلى، ومع ذلك يصعب على مالكي أسهم تلك الشركة ألا يكونوا فرحين بالحرب التي درت 20 مليار دولار من العائدات على شركتهم وحدها. وفي غمار تجارة الأسلحة، وجنود الشركات الخاصة، وإعادة البناء بهدف الربح وصناعة الأمن الداخلي، فإن الذي برز نتيجة صيغة علاج الصدمة التي سارت عليها إدارة بوش بوجه خاص في مرحلة ما بعد 11 سبتمبر/أيلول، هو اقتصاد جديد معبر عنه بوضوح تام، وقد بُني في عهد بوش، ولكنه يوجد الآن بمعزل عن أي إدارة بعينها، وسيظل صامداً بثبات، إلى أن يتم تحديد أيديولوجية الشركات التسلطية التي تشدّ أزره، وعزلها وتحديها، وهذا المجمع يخضع لهيمنة الشركات الأمريكية، ولكنه دولي، مع جلب الشركات البريطانية لخبرتها في مجال آلات التصوير الأمنية التي ترصد كل شيء، والشركات "الإسرائيلية" لخبرتها في بناء الأسيجة والجدران ذات التقنية العالية، وصناعة الأخشاب الكندية التي تبيع البيوت الجاهزة التي تفوق أسعارها نظيرتها المنتجة محلياً عدة مرات. إن خصخصة الحرب والكوارث متوافق مع أرباح صناعة التأمين التي تصاعدت بنسبة ضخمة (والتي بلغت رقماً قياسياً هو 60 مليار دولار في الولايات المتحدة وحدها)، ومترافقاً كذلك مع الأرباح الفائقة لصناعة النفط (التي تنمو مع كل أزمة جديدة).
إن واحدة من أهم الإشكاليات التي تواجهنا كباحثين هي العلاقة التي تربط النهم للثروة وإفقار الناس والمهدي (عجل الله فرجه الشريف)، بيد أن هذه الإشكالية تحتاج إلى شيء من التدقيق حتى نستطيع حلها. إن أعداء المهدي هم أعوان الشيطان وحزبه وهم الذين سوف يشكلون أركان دولة المسيح الدجال ووزرائه، ولكن معركة الزيف والباطل لا يخدمها الأحرار بل العبيد سواء كانوا أرقاء فعليين أو عبيد مال وثروة وجاه، لهذا هم يرون أن الثورة التي أحدثها النبي الأكرم (صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله) حين وضع التشريعات التي هدت الإنسانية إلى تحرير العبيد، ومن ثم فإن هذه السياسات لا تصب في مصلحتهم وتجردهم من الجند المفترض أن يكونوا جندهم في معركة النهاية وتحسم المعركة لغير صالحهم، فهم يعملون بكل ما أوتوا من قوة حتى يكونوا ممهدون لدولة الشر وللمسيح الدجال حتى يستعبدون الناس ويعيدونهم عبيدا تحت وطأة العوز والفقر والحاجة، ومن ثم فهم بهذه السياسات يضمنون أنهم سوف يجدون جندا في حاجة دائما لتأمين حياتهم وهذا ما سيدفعهم لان يكونوا معهم في جيشهم رغما عن رغباتهم وطمعا في الفوز بالحياة وإن كان للمسيح الدجال ممهدوه وهم دائبين في العمل وفق برامج من أجل الانتصار في معركتهم، فما هو دور ممهدي الإمام (عجل) حتى يستحقوا شرف صحبته ومعاصرته ؟.
المحور الثاني : دور الممهدون في تعبيد طريق الإمام (ع) والتمهيد لخروجه الشريف.
الممهدون أو المنتظرون هم أولئك الذين أمنوا بإمام العصر وصاحب الزمان منذ ميلاده الشريف وحتى غيبته الصغرة وهم منذ غيبته الكبرى (سلام الله عليه) يعملون ويجدون ويتواصلون في أناة وصبر وتضرع وعباده من اجل أن يمن الله عليهم ببركته وشرف صحبته (سلام الله عليه وعلى آبائه)، ليسوا فئة واحدة في العلم والقدرة والتخصص، فإذا علمنا أن أغلب النصوص التي جاءت فيه (سلام الله عليه وعلى آبائه) جلها نصوص تقريبية تتسق مع مفاهيم الناس ومعارفهم في هذا الظرف دون أن تنقص من صحة الخبر أو تزيده، من هنا يجب علينا أن ندرك التطور الذي حدث على كافة الأصعدة سواء في العلوم العلمية أو الإنسانية وأن إمامنا (سلام الله عليه وعلى آبائه) سيمهد له خيرة أهل الأرض في كل العلوم وأنه سوف يكون خير أهل الأرض خبرة وعلما وتقدم، وأن الزمان لن يرجع إلى الوراء لان هذا يصدم معارفنا وعقولنا، فلأرض منذ أن خلقها الله وخلق الإنسان عليها في تطور معرفي دائم ومستمر وهى مستمرة ودائما إلى أن يشاء الله .
من هنا يجب أن ندرك أن المنتظرين والممهدين ليسوا أناس قبعوا في الزوايا والخلوات وانقطعوا عن العالم في حالة انتظار.. كلا، إن المنتظرين والممهدين الذين يؤمنون حق الإيمان ببشارة النبي الأعظم (صلى الله عليه وعلى آله) يجب أن ينشطوا في كل مناحي الأرض ومجالاتها من أجل أن يكونوا جندا حقيقيين يستحقوا شرف الصحبة وعلوا المكانة.
الدولة الإسلامية الإيرانية :
نستطيع أن نفهم وبجلاء من خلال استقرأ الأحداث أن إقامة دولة إسلامية يضطلع فيها الولي الفقيه برعاية الناس وحمايتهم وطرح أنموذج تقريبي لما يجب أن تكون عليه دولة الحق، وإذا كانت النصوص تحرم على الموالى لآل البيت(سلام الله عليهم أجمعين) أن يشتركوا في الحكم أو أن يطلعوا به، فإذا استقرأنا روح الشريعة الغراء نجد أن هذه النصوص تحرم أن يعمل الموالى في دولة ظالمه أو يمكن الظالمين من رقاب الناس، بيد أننا نرى كما رأى سماحة الإمام روح الله الخميني (رضوان الله عليه) أن الدولة الإسلامية ما هي إلا واحدة من المشاريع الكبرى للانتظار التي تقدم للناس أنموذجا لدولة الحق وتحمى الناس وتنشر المعارف الإسلامية الحقة دون لبس أو تزيف، كما إننا إذا علمنا أن دول الباطل سامت الناس سوء العذاب وشوهة أفكارهم وإرادتهم وعاملتهم كعبيد وجعلت مال الناس محرم عليهم فعاش الناس قرون وقرون لا يضمنون حق الحياة فكيف بحق الثورة والمعرفة، وبناء عليه قد نرى أن بشارة الخرساني هذه تؤيد أن يخرج من وسط هذه الدولة الإسلامية على وجه الحقيقة من يؤيد صاحب العصر. وأن تكون هناك فئة على مستوى العام تنظم وتعد وتعطى الميزانيات وتلحق علماء وأفذاذ لان يلتحقوا ببرامج عمل وعلوم وتطوير من أجل أن يمتلكوا نواصي العلم والمعرفة وأن يلاحقوا التطور وأسباب العلم من أجل تحقيق الخروج وهذا الخروج لن يكون إلا للذين يقفون أما الأمر الإلهي بنفع الناس بموقف العبد المطيع الذي يقول سمعنا وأطعنا.
الطاقة النووية الإيرانية
في مشروع الدولة الإسلامية التي نظر لها روح الله الخميني (رضوان الله عليه) هي دولة الحق والتي سوف يتكالب عليها شياطين الإنس والجن من اجل طمس هذه الدولة وطمس هذا الأنموذج الحق فكان لزاما عليهم (مؤسسي الدولة) أن يعدوا هذه الدولة لحرب دروس من كل نوع ولون، لذا إذا كانت معايير القوة في الدول تقاس بحجم ما تمتلكه هذه الدولة من القوة والنفوذ فكان لزاما عليهم أن يمتلكوا كل ألوان المعرفة الموصلة للقوة وإلا كانوا مقصرين ومذنبين، من هنا نرى أن السعي من اجل امتلك مصادر للطاقة النووية هو تحقيق للطاعة وليس تحقيقا للطغيان والعلو في الأرض والفساد وان اى تقصير في حيازة هذه القوة والنفوذ هو تقصير في الطاعة وليس فقط، وأيضا إذا أخذنا قاعدة استراتيجية هامة وهى أن التلويح بالحرب يمنع الحرب ،من هنا ندرك أن امتلاك مثل هذه الطاقة لدى أولئك الممهدون يمنع محاولات الغرب والشرق من أعوان المسيخ الدجل من محاولة تخريب أو ضرب هذا الانموج الانتظارى.
الختامة
منذ أن خلق الله خليفته على الأرض اقتضت حكمته تعالى أن يكون البشر فريقان فريق في الجنة وفريق في السعير، وظل الصراع بينهما مستمر ومستعر فيغلب أهل الحق تارة ثم ينقلب أهل الباطل عليهم أخرى، وفريق أهل السعير أخلاط وألوان شتى منهم عبدة الأحجار وعبدة النجوم وعبدة الشياطين وعبدة المال وعباد أنفسهم وهواهم وجميعهم يعمل في خندق واحد وان اختلف خطابهم وأشكالهم إلا أنهم يتجاذبون ويتقاربون كما يتقارب الحديد وزبره إلى المغناطيس. وكذا أهل الجنة فهم كل من صفى نفسه من كل مخلوق سوى الله وهم في رباط إلى يوم أن يرث الله الأرض ومن عليها، واقتصت حكمته تعالى أن تتطور البشرية في المعارف والعلوم، وقد أصبحت هذه المعارف والعلوم واحدة من أدواة حسم الصراع، لذا كان وجوبا على أهل العلم وأهل الحق أن يسعوا في الأرض ويتفكروا في هذه العوالم والمعارف من اجل أن يجدوا للحق أداة للنصر وهذا هو العمل الذي امرنا الله أن نقوم به وقال (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون).
هذا العمل هو الذي يتفاضل به الناس بعضهم على بعض، وعودة على أمر المهدي والممهدون نعلم أن صاحب العصر سيستخدم هذه المعارف وهذه العلوم في تنقله الشريف وفى اتصاله بجنده ووزرائه وفى حربه كما انه يحتاج إلى ساسة متنورين أصحاب خبرات وسيرة حسنة حتى يتولوا أمر الناس نيابة عنه في الأقطار والأمصار، ومن العبث أن نقعد عن هذه المعارف وهذه التجارب دون أن نتمرس فيها ونتعلم من اخطأ السابقين ولا نكون أمثال الكافرين.
كما انه سيحتاج إلى جند وقادة ويجب أن يكون هؤلاء الجند أكفاء ومتمرسين حتى يستحقوا هذا الشرف... وسنظل نعدد كل المجالات والمهن والمعارف التي لا يجوز لنا أن نتخلف عن فقه الانتظار دون أن نقطع في سبيله خطوة واحدة، ونحن من خلال هذه الورقات ندعوا أن يكون هؤلاء المنتظرين رابطة دولية من أجل أن تكون حالة الانتظار حالة عالمية وليس فقط وعلى أن يكون هؤلاء المنتظرون هم أصحاب المعارف والعلوم وان يكون لهم السبق في كل شيء.
والله اعلم
https://ayandehroshan.ir/vdca.on6k49n6a5k14.html
ارسال نظر
نام شما
آدرس ايميل شما