تاریخ انتشاردوشنبه ۱۲ مرداد ۱۳۹۴ ساعت ۱۴:۱۴
کد مطلب : ۱۲۰۶
۰
plusresetminus
أنماط السّلوك البشري والأخلاق المعدّة والممهّدة للظّهور
الدكتور محمد کورانی

لا مناص أن التجربة الأخلاقية الغربية المعاصرة، قد احتكمت إلى منظور برغماتي، ساهمت في تقويض الأخلاق الإنسانية التي ما فتئت أن خلقت إنسانا صالحا وماجدا أسهم في ظروف تاريخية خاصة أن يصنع مجد الإنسان وينقذ المعايير الأخلاقية التي بشرت بها الأديان السماوية السمحة،ومع تصادم المصالح والإيديولوجيات، والصراع على امتلاك قوالب التمركز العالمي اتجهت الأخلاق منحى آخرا وخطيرا، يعجل بحرب إستبقائية مدعومة بنظريات في اللاهوت السياسي والأخلاقي الغربي،التي تبشر بموعودها المنتظر المصور بوحش متعطش للدماء ومدمر للأكوان والمجتمعات،ويرسم من خلالها هذا الموقف وبالمقابل ذلك الانتظار الإسلامي للتعجيل بظهور المهدي الذي سيملأ الأرض بعد خرابها سلاما وأمنا وعدلا.
في أواخر سنة 1989م نشر فوكوياما مقالاً تحت عنوان (نهاية التاريخ ) طرح فيه عدة رؤى، لخصها عبد الجليل محمد كامل _ في كتابه (الجزيرة العربية والنظام العالمي الجديد) _ كالتالي:
* إن البشرية قد وصلت إلى ذروة تطورها، وأن جميع المشاكل الكبرى التي تعترض البشرية قد انتهت.
* إن التاريخ قد وصل إلى نهاية خط التطور الأيديولوجي البشري، وانتهى إلى نقطة تعميم الديمقراطية الغربية؛ بوصفها الشكل النهائي لحكم البشرية.
* إن الدولة القومية في طريقها إلى الزوال؛ حيث لن تصمد أمام القوى الاقتصادية العالمية التي ستخلق ثقافة عالمية متجانسة التكوين مما سيجعل الدولة شيئاً زائداً لا ضرورة له.
* إن الخطر المحتمل يأتي من الأديان والقوميات، باستثناء اليهودية والمسيحية اللتين تخلتا عن دعوى إقامة دولة ثيوقراطية (دينية).
* إن الإسلام هو الوحيد الذي لا يزال يدعو إلى إقامة دولة دينية، وإن القومية شديدة في بلاد الجنوب (يقصد العالم الثالث).
* إن البشرية ستنقسم إلى كتلتين، كتلة غارقة في التاريخ (دول الجنوب)، وكتلة وصلت إلى نهاية التاريخ (يقصد الغرب)، وإن الأولى ستشهد الصراع والنزاع في المستقبل.
وفي سنة 1992م أصدر فوكوياما كتاباً بعنوان (نهاية التاريخ والإنسان الأخير)، وفيه توسع المؤلف في عرض الرؤى التي نشرها من قبل. ومما شجعه على ذلك سقوط الشيوعية وانتصار الرأسمـالية الغربية عليها؛ هدف واحد هو زعزعة العالم الإسلامي وإضعافه كي يظل تابعاً للحضارة الغربية خاضعاً لمصالحها.
ولأن الإسلام هو الخطر الأساسي _ لدى النظريتين_ فمن مصلحة الغرب أن يظل أتباع هذا الدين ضعفاء مفككين..ولأجل ذلك نجد التحركات الغربية في مواجهة الإسلام تستند إلى عدد من الوسائل، وكلها تدخل في نطاق النظريتين السابق ذكرهما، ومن بين هذه الوسائل:
* تشويه الإسلام داخل المجتمعات الغربية، من خلال إظهاره بأنه دين (التخلف) و (العنف)، وتشمل علميات التشويه المسلمين ومقدساتهم، ورموزهم، ويتم استغلال بعض التصرفات الخاطئة عند بعض المسلمين، وإلصاقها بالإسلام والمسلمين كافة، بعد عمليات التضخيم والتهويل، وبذلك تستمر عملية بناء العقدة التاريخية الغربية ضد العالم الإسلامي.
ومن هنا نلاحظ انتشار ظاهرة الخوف من الإسلام في الغرب (الإسلاموفوبيا)، وكذلك نمو ظاهرة التمييز الشعبي والسياسي ضد مسلمي الغرب، وما قضايا محاربة الحجاب وسب النبي إلا جزء مما يدور في العقلية الغربية. وصحيح أن هناك بعض الأصوات الغربية تدافع عن المسلمين ودينهم وقضاياهم إلا أنها دون مستوى التأثير، وأقل من أن تنظر إليها المجتمعات الغربية بعين الاهتمام.وتتمثل هذه الظاهرة بالتطبيق العملي التالي:
* شن الحروب على بلدان إسلامية ومحاصرة أخرى وإثارة الفتن فيها، وهذا الأسلوب القديم المتجدد نابع من مفعول الأسلوب السابق، واعتماداً عليه أيضاً في بناء القاعدة الشعبية المؤيدة لهذه العملية أو تلك.
* تصدير الثقافة الغربية إلى المجتمعات الإسلامية، بالوسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والثقافية، وغير ذلك. وهذا الأسلوب يحقق هدفين:
الأول: إبعاد المسلمين عن دينهم وعقيدتهم (أسلوب التخلية).
الثاني: ربطهم بالثقافة الغربية التي تم تزيينها في عقولهم (أسلوب التحلية)، وكلما ابتعد المسلم عن دينه كلما اقترب من الثقافة الغربية.
وبوجود تيارات وأطراف محلية تتبنى أفكاراً خارجية غريبة عن المجتمع؛ تنشأ عوامل الصراع والتصادم الداخلي بين من يؤمن بها ومن يرفضها، فينشغل الجميع بهذه الصراعات عن بناء المجتمع والإنسان.
وبمجموع تلك الوسائل وغيرها استطاع الغرب أن يخلق مظاهر الضعف وثقافة التفرقة في المجتمعات الإسلامية، وهي ظاهرة للعيان غير خافية. وأصبحت التبعية حقيقة واقعية عند المسلمين؛ حيث فقدوا الثقة بالله، وفقدوا الثقة بالنفس، وخسروا عوامل التماسك والقوة وأصبحوا تابعين للغرب سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وعلمياً، وفي كل الأمور..ولم يكتف الغرب بذلك، بل عمل على استغلال مظاهر الخلاف الموجودة بين المسلمين _ التي غرس الغرب بعضها _ لضرب بعضهم ببعض، إضافة إلى تغذية الصراع الديني بين المسلمين وغيرهم.
تيارات دينية
المسيحية الصهيونية ورجالاتها
بعد سقوط الاتحاد السوفيتي والشيوعية وانتهاء الحرب الباردة بحث الغرب عن عدو جديد؛ لأن الغرب لا يستطيع العيش بعيداً عن الأزمات وافتعال الحروب، وإذا لم يوجد عدو خارجي يوحد الغرب لمواجهته، فإنه قد يأكل بعضه بعضاً، حيث لم تتوقف أزماته وحروبه الداخلية إلا بعد الحرب العالمية الثانية عندما ظهرت الشيوعية كقوة عظمى تستدعي التوحد لمواجهتها. وبعد سقوط الشيوعية أصبح الإسلام العدو الجديد.
وكان برنارد لويس من أوائل من نبه إلى خطورة الإسلام. فقد كتب مقالة سنة 1990م تحمل عنوان "جذور الغضب الإسلامي"..وفيها يرفض الاعتقاد بأن السياسات الأمريكية هي سبب استياء المسلمين من أمريكا، ويرفض أيضاً القول إن الإمبريالية هي سبب الغضب الإسلامي، بل يقول إن لمعاداة الإمبريالية دلالة دينية، وبهذا المعنى فالمسلمون يكرهون أمريكا "مع أنها لم تحتل أي بلد مسلم" حسب زعمه.
وبعد أحداث 11سبتمبر أصبح لويس شخصية مركزية تقبل عليها وسائل الإعلام والحلقات النقاشية العامة في واشنطن ليدلي برأيه عن الإسلام، وكالمعتاد يشن هجماته ضد المسلمين، معتقداً أن التخلف والانحطاط في العالم الإسلامي سببه عدم فهم المسلمين ومعرفتهم للغرب. ويقول إن العالم المسلم احتاج إلى قرنين ليتيقن كم هو متخلف قياساً بالغرب، ولكن عندما بدؤوا بسؤال (أين الخطأ؟) بحثوا عن الجهة التي سيلقي اللوم عليها.
أما الأمريكي المتطرف المشهور صامويل هنتنجتون الذي كتب - في صيف 1993م - مقالاً بعنوان (صدام الحضارات)، ونشرته مجلة (الشؤون الخارجية) الأمريكية. وقد أثار المقال جدلاً واسعاً، حيث قال:
"أن بقية الحضارات تهدد الحضارة الغربية. وشدد على أن الحضارة الإسلامية هي الأكثر خطورة على الغرب".
المحافظون الجدد
برز هذا التيار بشكل كبير في الثمانينات في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق ريجان، وهو تيار شديد التطرف حكم أمريكا من خلال ثلاثة رؤساء هم ريجان، وبوش الأب وبوش الابن..ويعد الحزب الجمهوري المظلة الرئيسية لهذا التيار، وغيره من التيارات المتطرفة كالمسيحية الصهيونية..وقد نشأ تحالف قوي ومتين بين المسيحية الصهيونية والمحافظين الجدد، ويشترك التياران في الأصول والمبادئ الدينية الخاصة بإسرائيل، ولهما نفس الرؤية تجاه العالم الإسلامي.
تيم لا هاي
ظهر لاهاي مرات عدة على شاشات التلفزة والبرامج الحوارية الإذاعية ليؤكد أن الحرب سواء في أفغانستان أو العراق ضرورة بالنسبة للمؤمنين.
بات روبرتسون
حاول روبرتسون الربط بين صدام حسين ونبوخذ نصر الذي سبى اليهود وأخرجهم من فلسطين في القرن الخامس قبل الميلاد..وقال روبرتسون إن صدام حسين يمثل قوى الشر المعادية للمسيح التي تحاول تقويض قيام الدولة الموعودة (دولة الله في الأرض).
جيري فالويل
يعد من القساوسة القلائل المقربين من بوش، وفي الوقت الذي كانت حكومة بوش تدق طبول الحرب التي ستشنها ضد العراق، كان فالويل يشدد _ خلال عظات يوم الأحد _ على ضرورة تأييد قرار الحرب؛ لأنها "حرب مقدسة". وقال: "إننا عندما نشن الحرب في العراق سنقوم بذلك لإعادة المسيح إلى الأرض؛ لكي تقوم الحرب الأخيرة التي ستخلص العالم من جميع الكافرين".
ريتشارد لاند
وفي سنة 2002م وجه لاند رسالة إلى بوش _ نيابة عن خمسة قساوسة إنجيليين- تناقلتها وسائل الإعلام الأمريكية بشكل واسع، يعتبر فيها أن الحرب الاستباقية ضد العراق حرب مشروعة؛ لأنها تتوفر فيها جميع شروط "الحرب العادلة" المنصوص عليها في الدين المسيحي.
جورج بوش
فهو كثير الحديث عن "الرب" و"الصراع بين الخير والشر"، ومصطلح "محور الشر" يدخل في نفس الإطار..أما مصطلح (الحرية) لدى بوش له مدلول ديني، ولا تعني الحرية الخيار السياسي بالضرورة، بل "حرية اكتشاف الرب" بكل المدلول المسيحي التبشيري.
ديك تشيني
ألقى خطاباً في مؤتمر لمنظمة (إيباك) الصهيونية الأمريكية الشهيرة في سنة 2006م، قال فيه: "عدونا لديه نظام عقائدي _ وقد رأينا أمثلة في حكم نظام طالبان_ وهم يريدون أن يفرضوا نظاماً ديكتاتورياً".. إلى أن قال:"إن الحرب على الإرهاب هي حرب ضد الشر، والنصر في هذه الحرب سيكون نصراً للرجال والنساء من كل الديانات".
دونالد رامسفيلد (وزير الدفاع في عهد بوش)
يرى أن إعلان الحرب على العراق لأسباب توراتية وليست سياسية، قائلا: إن الرئيس بوش خطط لحرب صليبية (نعم هكذا بالحرف !)؛ هدفها تغيير الشرق الأوسط توراتيا!، و كتب بخط يده: "إنني ألبس درع الرب وسأحارب يأجوج ومأجوج، (سفر التكوين وسفر حزقيال من التوراة).
النائب البرلماني توم ديلي
كان زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب الأمريكي..قال في أكثر من مرة إنه
يتعين دعم الحرب ضد العراق؛ لأنها "البشير الذي يسبق عودة المسيح إلى الأرض ويفسح المحال لحدوثها".
الجنرال بويكن
قال في يونيو 2002م: "إن المتطرفين الإسلاميين يكرهوننا؛ لأننا أمة مسيحية؛ ولأن أساسنا
وجذورنا تنبعث من القيم اليهودية المسيحية". وتابع يقول: إن الحرب التي ضد الإرهاب "هي حرب ضد عدو اسمه الشيطان".
وقال - في إحدى الكنائس سنة 2002م _ وهو يرتدي الزي العسكري _: "إننا جيش الله، في بيت الله، وقد أقيمت مملكة الله لمثل هذه الأوقات التي نعيشها.
إذاَ نخلص من ذلك إلى أن الجانب الديني في السياسة الأميركية _ بالذّات في عهد بوش الإبن _ كان الأكثر فاعلية، وهو الدّافع الأكبر.
والمجتمع الإسلامي من أكثر المجتمعات عرضة للتّدخلات الخارجية منذ صدر الإسلام، وقد أنعم الله على المسلمين بكافة وسائل الدفاع التي تحصنهم (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءفألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا)، آل عمران/103 (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً(...
وأرشدهم الله تعالى إلى كيفية الحفاظ على ذلك: (واعتصموا بحبل الله جميعاً، ولا تفرقوا)آل عمران/103.فحبل الله هو العاصم الوحيد من الفرقة وتبعاتها
العولمة والتكنولوجيا وتأثيرها الأخلاقي والسلوكي
لا تقتصر العولمة على تعميم القيم الاقتصادية وأنظمتها، بل إنها أخذت فعلا تعمم القيم الثقافية التي تكوّن لب حياة المجتمع، وبخاصة القيم الأخلاقية والدينية منها، إذ أن القيم الأخلاقية والدينية وما تؤدي إليه من سلوك فردي واجتماعي هي الأرضية التي تقوم عليها إنماط السلوك الاجتماعي وهو ما يمثل الحياة الثقافية في مجملها، باعتبار أن الثقافة طريقة لرؤية العالم والتعبير عنه. والثقافة التي تملك وسائل الاتصال القوية ووسائل صناعة الثقافة والرقابة عليها هي التي أخذت تهيمن اليوم عن طريق القنوات الفضائية والأنترنت مما يؤدي إلى غلبة نماذج معينة من القيم الأخلاقية وأنماط معينة من السلوك والذوق، وخاصة الأطفال الذين لم تتكون لديهم ملكة النقد، والحصانة الذاتية، فيقعون فريسة سهلة
لما يعرض عليهم من صور مؤثرة، وأغان ورقص وأزياء، وتناول الأطعمة والأشربة، وغيرها من أنماط الاستهلاك عن طريق الإعلانات المكررة والصور الجميلة المؤثرة مما يؤثر تأثيرا واضحا على المعتقدات والقيم، وبما يعرض بقوة وبمهارة من قيم مجتمع أجنبي، وتصرفات غير مقبولة في مجتمعاتنا نحن المسلمين، بما في ذلك التمرد على الأسرة وتفكيك علاقاتها المتماسكة، ونشر ما يتعارض مع مرجعياتنا وقيمنا من سلوك جنسي فاضح واستهلاك للمحرّمات وما إلى ذلك.
إن الكلمة المؤثرة قديما فقدت كثيرا من تأثيرها، وحلت محلها الصورة التي لا يقف حاجز اللغة أمام تأثيرها، فالذي لا يفهم اللغات الأجنبية يكتفي بالصورة المعبرة.
و قد تمت دراسات ميدانية في مجال تأثير الأقمار الصناعية على القيم الثقافية ومنها الأخلاقية والدينية على عدد من البلدان منها بالنسبة للعالم الإسلامي: السعودية واليمن والأردن ومصر وتونس ومنها بلدان أخرى خارج العالم الإسلامي.
من هذه الدراسات دراسة للدكتور عمار طالبي الذي لاحظ أن التأثير على الجوانب الأخلاقية يأتي في الدرجة الأولى مثل الترويج للإباحية، والاختلاط وما إلى ذلك مما يخالف القيم الإسلامية، والترويج للسلع الأجنبية وخاصة بين النساء والأطفال، وهذا من الجانب الاقتصادي.
ومما أشارت إليه الدراسة التأثير على الجوانب العقدية والثقافيّة، والتأثير على الجوانب التعليمية والسلوكية من التشتت بين ما يتعلمه المرء في المؤسسة التربوية، وما يشاهده من برامج مناقضة لذلك، وإغراء النساء بتقليد الأزياء الغربية وأدوات الزينة وكذلك التأثير على الروابط الأسرية.
لا شك أن ابن خلدون قد تفطن لأهمية القيم الخلقية في حياة الإنسان ولذلك،قال "إذا فسد الإنسان في قدرته على أخلاقه ودينه فقد فسدت إنسانيته وصار مسخا على الحقيقة".
ويتوقع من العولمة إذا تمكنت في سلطانها أن تمسخ الإنسانية، وأن تُقوْلبها في نمط ثقافي يفقد ماعليها إنماط السلوك في الحضارات الإنسانية وقيمها من غنى وتنوع، ونحن نشاهد كيف يشجع الغرب الذين يتحدّون المسلمين في عقائدهم مثلما فعلوا مع تسليمة نسرين البنغلادشية التي تدعو إلى تغيير القرآن وتصف الدين بأنه ظلامي، وكذلك سليمان رشدي، الذي هاجم القرآن ومقدسات الإسلام علنا، فمن حق المسلمين أن تُحترم عقائدهم كما تُحترم عقائد غيرهم.
إن النظم الأخلاقية و الديانات تقع تحت تأثير العولمة اليوم فتقود إلى ضعف البنى الإجتماعية والإسرية فيصيبها الإضطراب والتفكك.
وبما أن الإسلام يتجه نحو العالمية منذ نزوله، ويحث على التعايش والسلم، وعايش فعلا في تاريخه مختلف الديانات وتسامح معها تسامحا واضحا عند المؤرخين وغيرهم فإنه مؤهل بتعاليمه الأخلاقية أن يشارك في وضع أخلاق جديدة لهذه العولمة المنفلّتة لحد الآن، وهو يعترف بالقيم المشتركة بين الحضارات، ولا شك أن الدعوة إلى الفهم المتبادل للقيم الحضارية الشرقية والغربية من سمات الإسلام الرئيسية فقد دعا إلى الحوار مع ديانات أخرى، منذ نزول القرآن، ونادى بالحوار بين الأديان وأزاح الغبار عما طرأ على بعض الديانات من الخرافات وتحريفات ودعا إلى الأصل المشترك بينها جميعا.
" قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله، ولا نشرك به شيئا، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون " آل عمران /64، فعلى المسلم اليوم أن يحدد رسالته نحو العولمة ويبني موقفه على الفهم الصحيح للإسلام، وأن ميزانه ميزان أخلاقي (التقوى) حين يتحاور ويتعاون مع البشرية في العالم إذ ألغى ميزان العصبية واللون، والطبقة والثروة، وجعل عمارة الكون والإحسان إلى العالمين من مبادئه ومقاصده وكذلك المشاركة في توفير الخير للناس، وحفظ الحقوق، ومنع الظلم وإن كان مع عدو أو مخالف في الدين، "ولا يجرمنّكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى" المائدة /8 وعدّ القرآن اختلاف اللغات والألوان، واختلاف اللغات هو أيضا اختلاف الثقافات- من آيات الله "ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم" الروم/22. فهذا المعنى الأخلاقي القرآني إذا راعيناه فإن العولمة لا تصبح غابة يأكل القوي فيها الضعيف، ولا تمحو الثقافة التي أتيحت لها عوامل القوة ثقافة الآخرين وقيمهم، مما يدعو إلى نشوب الحروب والمقاومة.
إن الاسلام باعتباره رسالة عالمية، لا يتعارض مع العولمة التى لاتؤثر فى الخصوصيات، مضيفا ان الاسلام كدين ليس تيارا فكريا أو ظاهرة وقتية حتى يخشى من التيارات الوافدة علينا من الأمم الأخرى وفى مقدمتها العولمة، إنه دين له جذور ضاربة فى أعماق الكيان الإسلامى وأصول راسخة لاتستطيع التيارات الأخرى ان تنال منها.
عالمية الإسلام
فالإسلام يخاطب الناس جميعا ولم يرد فى الخطاب القرآنى تفضيل قوم على قوم آخرين وإنما يعتبر الناس جميعا أمة واحدة: (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)الأنبياء/92. ولا يقر الإسلام العنصرية أو التحيز لجنس على آخر أو تفضيل لون على لون، جاء ذكر الألوان فى الخطاب القرآنى للدلالة على قدرة الله فى الخلق: (ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن فى ذلك لآيات للعالمين) الروم/22.وقال إن وصف الإسلام بانه دين عالمى لأنه يتأسس على دعائم الوحدة الإنسانية المتكاملة حيث يخاطب القرآن المجتمع البشري كله بكلمة (يا أيها الناس) وبكلمة (إنى رسول الله إليكم جميعا)، فكرامة الإنسانية لبنة أولى فى بناء الوحدة البشرية وتوحيد الإله وتوحيد الديانات المختلفة وتعتبر عنصرا أساسيا فى مجال الوحدة الإنسانية. وتابع قائلا: إذن العالمية لا تعنى الهيمنة الاقتصادية كما لا تعنى فى الوقت نفسه أيضا الهيمنة الثقافية، وإنما تعنى التنوع وانفتاح الثقافة الخاصة على الثقافات الأخرى، وتعنى التعارف وفقاً للمبدأ القرآنى: ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا). الحجرات/13.
اضاف ان الإسلام لا يدعو إلى الانحياز والانكماش ولا يدعو إلى السيطرة والتغلب على الحضارات والثقافات مختلفة الأشكال والصور لأنه يؤمن بالوسطية والقسط والعدل والمساواة فى جميع منافذ القانون والتشريع فى مجال الحقوق والأمن والحرية.
أما مفاهيم الإسلام، فإنها قد مَيَّزت الأخلاق عمَّا سواها، ومَيَّزت السلوك الأخلاقي عن سائر أنواع السلوك الإنساني، فلم تُعمَّم تعميمًا فاسدًا، ولم تدخل في مفردات الأخلاق ما ليس منها، وهي أيضًا لم تَعتمِد على مفاهيم الناس المختلفة، ولم تتخذها مصدرًا يُرجَع إليه في الحكم الأخلاقي، وأما العقل والضمير فإنها لم تهملهما وإنما قرنتهما بعاصم يردهما إلى الصواب كلما أخطأ سبيل الحق والهداية والرشاد، وهذا العاصم هو الوحي الذي نزل بدين الله لعباده، وشرائعه لخَلقِه، وتعاليمه التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها؛ لأنهَّا تنزيل من عزيز حكيم، وقد بلغها رسله.
أما صورتها المُثلى المحفوظة من التغيير فهي ما ثبت في نصوص الشريعة الإسلامية، المنزَّلةِ على رسول الله محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله و سائر الأنبياء والمرسلين.
فمن تبصَّر بالأصول العامة للأخلاق في المفاهيم الإسلامية، وتبصر بأنَّ الأخلاق الإسلامية مقترنة بالوصايا والأوامر والنواهي الربانية، وتبصَّربأنَّ هذه الوصايا والأوامر والنواهي محفوفة بقانونِ الجزاءِ الإلهي بالثوابِ والعقاب، فإنَّه لا بد أن يظهر له بجلاءٍ أنَّ الأخلاق الإسلامية هي حقائق في ذاتها، وهي ثابتة ما دام نظام الكون ونظام الحياة ونظام الخير والشر أمورًا مستمرة ثابتة، وهي ضمن المفاهيم الإسلامية الصحيحة غير قابلة للتغير ولا للتبدُّل من شعبٍ إلى شعب، ولا من زمانٍ إلى زمان.
أما الأمة الإسلامية فهي أمةٌ واحدة، وهي لا تتواضع فيما بينها على مفاهيم تخالِف المفاهيم التي بيَّنها الإسلام، والتي أوضحها في شرائعه ووصاياه.
وإذا رجعنا إلى مفردات الأخلاق الإسلامية وجدنا أنَّ كلَّ واحدة منها - ضمن شروطها وقيودها وضوابطها- ذات حقيقة ثابتة، وهي غير قابلة في المنطق السليم للتحوُّل من حسنٍ إلى قبيح، أو من قبيحٍ إلى حسن.
إنَّ حَسنَها حَسنٌ في كلِّ زمان، وقبيحها قبيحٌ في كلِّ زمان، ولا يؤثر على حقيقتها أن تتواضع بعض الأمم على تقبيح الحَسن منها، أو تحسين القبيح، تأثرًا بالأهواء، أو بالشهوات، أو بالتقاليد العمياء.
إنَّ الإسلام يُقرِّر أنَّ حبَّ الحقِّ وكراهية الباطل فضيلة خُلقيِّة، ويُقرِّر أنَّ كراهية الحقِّ وحبَّ الباطل رذيلة خُلقيِّة. فهل يشكُّ أحدٌ سويٌّ عاقلٌ في أنَّ هذه الحقيقة حقيقةً ثابتةً غير قابلة للتحوُّل ولا للتغير، وإن تواضع على خلافها جماعةً ذات أهواء؟! وهكذا سائر الأمثلة الأخلاقيِّة الإسلامية".
والشريعة الإسلامية شريعة أخلاقية، وليست الأخلاق في الإسلام أباً يجمل صاحبه، ولكنها التزامات من واجبات الدين، والأخلاق في الإسلام غاية تربوية للعبادات، والتزام أدبي في المعاملات، يجعل حياة الناس قائمة على المعروف والحسنى، وقد حث الإسلام على أمهات الفضائل الإنسانية، ودعا إلى المثل العليا، وأثنى على مكارم الأخلاق والدعوة إلى تهذيب النفس عاملاً مشتركاً بين سائر الرسالات السماوية
حماية الإسلام للأخلاق من خلال ثلاث وسائل وهي:
1. التربية الإيمانية.
2. التربية الاجتماعية.
3. العقوبات الشرعية.
وتحتها أمران:
1. الحدود.
2. التعزيرات.
إن الدعوة الإسلامية حركة بناء لمجتمع يحقق الخلافة عن الله في هذه الأرض بواسطة جهود الإنسان المؤمن، والمنهج الذي قدمته الدعوة الإسلامية في عهدها المكي للعمل
مع الجماعة، وهو المنهج الرائد الأصيل الذي تدين له جميع الدراسات الاجتماعية المعاصرة، إنه المنهج الذي احترم عقل الإنسان وكرامة الجماعة، وقدم خطواته مع الصدق والحق
بعيدا عن الخداع والتضليل، فهو المنهج الذي قدمته الدعوة نظرياً وطبقته عملياً
وواقعياً، فأنتج إنتاجاً دائما خالداً، كان من أبرز قواعد هذا المنهج تربية القيادة التي تعمل مع صاحب الدعوة.
إن التربية الإيمانية تعني تنمية وتفعيل أثر الإيمان بالله بأركانه الستة في نفس وسلوك المسلم وإن التوحيد المأمور به توحيد اعتقادي علمي، وتوحيد عملي سلوكي، أي توحيد في المعرفة والإثبات والاعتقاد، وتوحيد في الطلب والقصد والإرادة.
ويتحقق التوحيد بإخلاص العبودية لله وحده، وكذلك بالكفر بكل الطواغيت، والبراءة ممن عبدها أو والاها من دون الله، واتقاء الشرك بكل أنواعه ومراتبه، وسد المنافذ إليه.
التربية الاجتماعية
نوعين من الوقاية الشديدة التي إذا ما نفذت وأحكم تنفيذها كان لها الأثر الحسن في راحة المجتمع، وسلامته من الشرور والمفاسد.
أولها: العمل على تهيئة الإنسان ليكون عضو خير وإنتاج في سعادة الجماعة الإنسانية، فكلف الإسلام الناس جميعا بالعمل، وأرشدهم إلى التجارة والصناعة والزراعة، ونفر من البطالة، وإهمال النفس في هذه الحياة.
ويتمثل دور التربية الاجتماعية في قيامها بعدة أمور أهمها ما يلي:
1. التواصي بالحق والصبر والمرحمة.
2. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
3. العقاب المعنوي والمادي.
إن وظيفة الأمة الإسلامية حراسة دينها وأخرقها وصيانة الرأي العام من أن تشيع فيه الفواحش والخلاعة والتفسخ الخلقي والنفسي بقيام كل فرد في محيطه الاجتماعي وولايته الشرعية بالحث على الخير والإشادة بفاعله والتنفير من الشر وذم فاعله.
إن المجتمع الإسلامي الذي رضي بالله ربًّا وبالإسلام دينا وبمحمدصلى الله عليه وآله وسلّم نبياً ورسولاً مجتمع إيجابي فعال، يأخذ بأيدي الخيِّرين الراغبين ويساعدهم في تحقيق إيمانهم وتحقيق ذواتهم، كما يأخذ أيضاً على أيدي المخربين والعابثين والمعتدين على حرمات الله وحقوق المجتمع.
وإن إهمال هذه الشعيرة خطره عظيم وعاقبته وخيمة، إذ يمثل انسلاخاً عن أبرز خصائصها وأسس مجتمعها مما يعرضها للهوان عند الله وعند الناس داخلياً وخارجياً.
عن زينب بنت جحش رضي الله عنها أن النبي (ص) دخل عليها فزعاً يقول: ( لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق بين أصبعيه الإبهام والتي تليها، فقلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال: نعم إذا كثر الخبث) أي الفسوق والمن.
وقبل ذلك يحذر ربنا بقوله: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ
أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) الأنفال/25. إنْ ترك الناس الأمر والنهي يأتي العذاب فيعم الصالح والطالح.وعلى القائم بالاحتساب أن يتحلى بالآداب والضوابط الشرعية في عمله،
ومن أهمها:
1. الإخلاص لله في الأمر والنهي.
2. العلم.
3. الرفق.
4. الصبر.
5. النظر في المصالح والمفاسد المترتبة على الأمر والنهي.
6. الأمر والنهي حسب الاستطاعة.
ذلك أن كل مؤمن مأمور شرعاً أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر على قدر طاقته، قال تعالى(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )التغابن/16.
هذه أهم الوسائل التي يمكن من خلالها حراسة الأخلاق الإسلامية وحمايتها وصيانتها،وذلك:
1. بالتربية الإيمانية، وصياغة الفرد المسلم صياغة متكاملة.
2. التربية الاجتماعية بصياغة المجتمع للقيام بدوره في حراسة الفضيلة ووأد الرذيلة.
3. بيان مسئولية الحاكم المسلم ودوره العظيم في توفير المناخ الطيب لإنماء الأخلاق الفاضلة.
المفاهيم الرسالية والأخلاقيةالممهدة للإنتظار
تحاكي التصوّرات السلبية للانتظار إلى حدّ كبير موقف بني إسرائيل من القتال مع نبيّهم حينما قالوا له: ( فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ) المائدة/ 24، إنّها تكرّس السلبية الكاملة تجاه الأهداف الإلهية وتفرغ الانتظار من كلّ معانيه الإيجابية وأبعاده الرسالية، وتصطدم مع النصوص التي جعلت من الانتظار عنواناً لتاريخ مرحلة بأسرها، وعبادة شاملة يتحرّك عبرها المؤمنون إلى مرضاة الله، وعملاً دؤوباً من أجل القرب الإلهي؛ بل أفضل الأعمال:
أفضل أعمال أمتي انتظار فرج الله عزّ وجلّ.
والانتظار من جهة أخرى، مفهوم تاريخي أي يمتلك شرعية تاريخية، وليس مفهوماً طارئاً، فالأنبياء السابقون تحدّثوا عن الانتظار؛ لأنّ حركتهم لم تكن لتنفصل عن حركة الإمام المهدي عجل الله تعالى؛ بل لا نجد لها معنى إلا في ظلال عقيدة المهدي عجل الله تعالى وظهوره، فثمرة جهودهم الجبّارة تتجسّد في قيام القائم وتأسيسه دولة العدل العالمية.
الأبعاد الرسالية للانتظار
وفلسفة الانتظار تمنحنا هذا التصوّر التفصيلي للمستقبل الذي يحفزنا نحوه القرآن الكريم بقوله: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) القصص/ 5، وقوله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَ ئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).
إنّ الانتظار الواعي يعني امتلاك هذا الاطلاع والفهم التفصيلي لأبعاد المستقبل الرغيد الذي يمثّل مدى المسيرة ومنتهاها.
وهذه الإحاطة بالمشروع الإلهي في خطوطه المستقبلية المشرقة يحفّز أكثر فأكثر همّة المؤمنين في تجاوز هذا الواقع العالمي المتردّي، وعلى الثورة عليه ثورة شاملة تقتلع شجرة الشَرّ مِن جذورها.
البعد النفسي والعاطفي للانتظار
يتجلّى الجانب الوجداني للانتظار في النقاط التالية:
أوّلاً: الإحساس بالاستعداد الكامل لتطبيق الأطروحة الإسلامية التي ستكون أطروحة مجتمع الظهور
ثانياً: الشعور بأنّ انطلاقة النهضة المهدية وشيكة، وأنّ احتمال ظهوره في أي وقت وارد بحيث لا يمكن أن نوقّته بوقت معيّن.
ثالثاً: الارتباط الوجداني بالمهدي عجل الله تعالى: إنّ الانتظار فضاء للارتباط الروحي والتفاعل المعنوي العميق مع الإمام، حتّى يكون الإمام حاضراً دوماً في أحاسيسنا ومشاعرنا في حياتنا اليومية وآفاقنا وأحلامنا حتّى نعمّق اللهفة في نفوسنا لملاقاته والسير على دربه، جاء في الحديث: واعلم أنّ قلوب أهل الطاعة والإخلاص تنُزّع إليك مثل الطير إذا أمّت أوكارها.
ولقد وجّه الأئمة عليهم‌السلام شيعتهم إلى تجذير هذا الارتباط الوجداني بالمهدي من خلال أدعية كثيرة تحوي مفاصل تثير في النفس كلّ معاني الحبّ والشوق والولاء والوَلَه، تعكس حقّاً حالة المنتظر الرسالي المتحرّق إلى لقاء القائد ولقاء الانتصار.
البعد السلوكي والعملي للانتظار
إذا قدر المرء على الانفتاح الواعي على الأبعاد النفسية الشعورية والأبعاد الفكرية العقائدية للانتظار يستطيع أن يمتلك حينئذ مسلكاً عملياً في الحياة عبر نهج خاص؛ لأنّ الذي عرف قيادته، وعرف الهدف المرحلي للحقبة التاريخية التي يعيشها، والقوانين التي تحكمها، وأحاط بالمستقبل في صورته التفصيلية، قادر على التخطيط لحياته وحركته في الواقع بشكل إيجابي متناغم مع قيم رسالته وأهداف قيادته، والانتظار بهذا المعنى يصبح منهجاً سلوكياً حركياً في اتجاه تحقيق اليوم الموعود، هذا المنهج يقوم على ركائز عديدة أهمّها:
أوّلاً: الالتزام الفعلي الكامل بتطبيق الأحكام الإلهية
عن أبي عبد الله (ع): "_ من سرَّه أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر، وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق، وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه؛ فجدوا وانتظروا هنيئاً لكم أيّها العصابة المرحومة ".
ثانياً: الاقتداء بالمهدي
من مظاهر الارتباط السلوكي بالإمام ونحن ننتظرهُ الاقتداء به، فهو الأسوة والنموذج المحتذى في صبره وثباته وآماله ومشروعه ومقاطعته للطغاة والجبابرة.
ثالثاً: الارتباط الفعلي بالقيادة الزمنية
نصَّب الإمام المهدي في غيابه قيادة نائبة ترجع لها الأُمّة _ فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلّدوه _
يقول الإمام الخميني قدس‌سره: _ فالفقهاء اليوم هم الحجّة على الناس كما كان الرسول(ص) حجّة الله عليهم.
فحركة الانتظار تنطلق وتمتدّ في ظلّ القيادة الشرعية، إذ لا معنى لانتظار المهدي(عج)إذا كنّا نتحرّك في دوائر خارج القيادة النائبة التي نصّ الإمام عليها بنفسه كخطّ عام، والولي الفقيه يقود الجماهير نحو حاكمية الإسلام في مختلف المستويات، وإقامة دولته العادلة وتوطيد أركانها،، فولاية الفقيه تمثّل حلقة من حلقات خطّ الشهادة والتعجيل بظهور القائم عجل الله تعالى فرجه، ولذلك اعتبر الإمام الخميني قدس‌سره في كثير من خطاباته وبياناته أنّ الجمهوريةالإسلامية في إيران هي دولة المهدي عجل الله تعالى، وليس ذلك إلا لأنّها ركيزة هامّة وخطوة عظمى نحو الظهور.
رابعاً: تعبئة الجماهير وراء قيادة المهدي عجل الله تعالى وأطروحته
البعد العملي الأخير للانتظار يتمثّل في حشد الجماهير عاطفياً وفكرياً وراء راية المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف عبر كلّ الوسائل والممكنات المتاحة.
فالإيمان بالمهدي ودولته ومشروعه العالمي أحد الشروط الأساسية لقيامه، وبقدر ما تكتسح هذه المسألة قطاعات واسعة من الناس وبقدر ما تكسب من أنصار جدّد، وعقول متفاعلة ونفوس متّقدة بقدر ما نكون قطعنا خطوات على طريق الإمام المهدي عجل الله تعالى، لذلك كان هذا الأمر من المظاهر البارزة للتوطيد الفعلي للمهدي
المستوى الثاني للانتظار: انتظار الإمام
عندما نتحدّث عن الانتظار ينصرف الذهن عادة إلى انتظار الناس، ويغيب عنّا أنّ الإمام المهدي عجل الله تعالى أيضاً ينْتظِرُ فهو المُنْتَظرُ من جهة تعلّقنا به وانشدادنا إليه وتوقعنا ظهوره، ولكنّه من جهة أخرى هو يَنْتظِرُ فهو المُنْتَظِرُ أيضاً، إنّه يَنْتَظرُ اكتمال الشرائط الموضوعية لقيامه، باكتمال عدد أنصاره ووجود الطليعة المخلصة المجاهدة الجاهزة كمّاً وكيفاً.ولقد كان غيابه وانتظاره الطويل ضرورة ماسة قصد الحفاظ على شرط أساسي من شروط تحقّق اليوم الموعود ألا وهو وجود القائد المعصوم نفسه، فالغيب تدخّل لحفظ هذه البقية الباقية من خطّ الأوصياء، ( بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ) هود/. عن زرارة عن أبي عبدالله(ع): إنّ للقائم غيبة قبل ظهوره، قلتُ لِمَ؟ قال: يخاف القتل.
إنّ الغيبة هي المساحة الزمنية التي ستكشف بجلاء إفلاس وزيف كلّ النظريات الوضعية التي لم تزد الإنسان سوى اغتراباً عن ذاته وهويته ولم تزد الأرض سوى المآسي والعذابات.
إنّ الغيبة هي المساحة الزمنية التي ستكشف بجلاء إفلاس وزيف كلّ النظريات الوضعية التي لم تزد الإنسان سوى اغتراباً عن ذاته وهويته ولم تزد الأرض سوى المآسي والعذابات.
من هنا طرحت فلسفة التاريخ من منظور إسلامي جملة من السنن التاريخية تربط الرخاء الاقتصادي وعطاء الطبيعة بدرجة الكمال الاجتماعي والنظام الاجتماعي السائد ( وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ) الجن/.
والبشرية اليوم وبسبب ما ترزح تحته من استبداد سياسي، وحيف اجتماعي، وقهر فكري وعقائدي، وما تنوء به من فقر وجوع وحروب ودمار، تعيش انشدادها الفطري إلى مخلّصها الموعود، وتلهج القلوب قبل العواطف: العجل أيّها الأمل العظيم، العجل العجل أيها الفجر السعيد، العجل العجل أيّها الزمن الرغيد.
ولكن هل يمكن تعجيل الظهور؟ هل يمكننا فعلاً تقريب ساعة الخلاص؟ وما هو المفهوم الصحيح للتعجيل؟ وما هي عوامل تعجيل الفرج على مستوى الفرد والأمة؟
ويذهب الشهيد مطهّري رحمه‌الله أنّ الاتجاه المخرّب في فهم الظهور يشترك مع الاتجاه الديالكتيكي في معارضة الإصلاحات واعتبار الظلم والفساد مقدّمة ضرورية لانفجار مقدّس، ولكن الفرق بين الاتجاهين _ أنّ الاتجاه الديالكتيكي يعارض الإصلاحات ويؤكّد على ضرورة تشديد الفوضى والاضطرابات انطلاقاً من هدف مشخّص يتمثّل في تعميق الفجوات والتناقضات لتصعيد النضال، لكن هذا التفكير المبتذل في مسألة المهدي يفتقد هذه النظرة ويرتئي زيادة الظلم والفساد من أجل الوصول إلى النتيجة المطلوبة تلقائياً.
ولا يخفى تهافت هذا التصوّر وتناقضه مع القواعد الإسلامية والموازين الشرعية، وأهمّها إقامة الحدود والأحكام الإسلامية ومقارعة الظلم والظالمين حيث إنّ غيبة الإمام لا تُبَرّر تجميد هذه الأحكام فهي سارية المفعول والناس مسؤولون عنها _ ومن الواضح أنّ الاعتقاد بوجود المهدي وغيبته لا يرفعها ولا يخصّصها لضرورة الدين وإجماع المسلمين، وليس على الفرد المسلم الذي يريد الإطاعة والامتثال إلا أن يراجع الأحكام الإسلامية ليعرف ما فيها من جوانب شخصية وجوانب عامّة لكي يطبّقها على حياته الخاصّة والعامّة، ويباشر العمل الاجتماعي العام طبقاً للتكليف الإسلامي بالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومكافحة الظلم.
ومن جهة أخرى إنّ الظلم والجور لا يقع في عصر ما قبل الظهور بالجبر والإكراه من قبل الله، وإنّما يحدث نتيجة سوء اختيار الناس واستغراقهم في أهوائهم وشهواتهم وانغماسهم الكلي في رغباتهم وحاجاتهم المادّية غافلين كلّ الغفلة عن الحقّ والدور والرسالة.
إنّ النظرية المهدوية تطرح الشرائط العامّة التالية للظهور:
أ. وجود القائد القادر على التصدّي لزمام هذه الدولة العالمية بما يمتلكه من قابليات وملكات عالية جدّاً، وكفاءة قصوى.
ب. وجود أطروحة وبرنامج تفصيلي لهذه الدولة، ويمثّل الإسلام روح هذه الأطروحة وجوهرها؛ لأنّ رسالة الإسلام هي رسالة المهدي عقيدة وشريعة، غير أنّ التطبيق العالمي الشامل يحتاج إلى تعميق الوعي بهذه الأطروحة وتوسيع رواجها بين الأمم وتجذ ير الإيمان بما تختزنه من حلول لمشاكل العالم حاضراً ومستقبلاً.
ج. وجود القاعدة الشعبية الملتفّة حول الإمام ومشروعه العالمي، ويمكن تقسيم هذه القاعدة إلى خاصّة وعامّة، الخاصّة هم الصفوة من أصحاب الإمام وأنصاره، والعامّة وهم عموم الأتباع والموالين.
د. تحقّق الظروف السياسية والحضارية العالمية المناسبة لقيام هذه الدولة ونجاحها في تحقيق العدالة التامّة والسعادة القصوى لبني البشر.
عوامل تعجيل الفرج
هذه العوامل على مستويين اثنين: المستوى الفردي والمستوى الجماعي:
المستوى الفردي
على هذا الصعيد ينجز المؤمن جزءاً كبيراً من مسؤولياته في تفعيل إرهاصات الظهور والتقدّم نحوه بثبات عندما يوطن نفسه على الانضمام إلى أنصار المهدي والتضحية في سبيله، ولا يتمّ ذلك إلا من خلال مقوّمات نفسية وفكرية وعبر جملة من السلوكيات والمواقف العملية، فيجسّد روحية المنتظر الربّاني، ويكون أقرب إلى الفرج. وبفضل هذا الوعي يندفع المؤمن نحو خيارات التغيير والإصلاح فيواجه الانحرافات بهمّة عالية وإيمان بالنصر. وفقا لما يلي:
أ. امتلاك الوعي العقائدي العميق
لابدّ للمؤمن أن يمتلك وعياً عقائدياً تفصيلياً بالإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه حيث يؤمن به وبغيبته وبظهوره ودولته وإنجازاته.
ب. الدعاء والالتحام الروحي بالإمام المهدي (عج)
لابد للمؤمنين أن يعملوا جاهدين على تقوية الانجذاب الروحي والتعلّق الوجداني بالإمام.
الالتزام الفعلي بالإسلام ( بناء الشخصية الملتزمة )
المؤمن المهدوي بامتلاكه العمق العقائدي بالإمام والرسالة وتوافره على ذلك المخزون العاطفي، لابدّ أن يؤثّر هذا المضمون على مواقفه اليومية وتفاصيل حياته فلابدّ له من مراقبة
سلوكه ليجعله منسجماً مع فكره وإرادته ويحقّق أعلى درجات التقوى والورع، وهو أمر مطلوب على خطّ تعجيل الفرج.
ولا معنى لمؤمن يدّعي ارتباطه بالمهدي الذي يطبّق الإسلام تطبيقا عالمياً شاملاً وهو ينأى بنفسه عن هذا التطبيق.
فيجب أن نؤكّد للإمام أنّنا مع الإسلام قلباً وقالباً، وأنّ الإسلام ليس شعاراً نرفعه، وإنمّا هو مشروع حياة نرسمـه ونجسّده في حدود استطاعتنا، توّاقين للتنفيذ الكامل لهذا الدين في ثورته العالمية الموعودة.
الارتباط بالقيادة الشرعية الزمنية
عرفنا في الفقرة السابقة أنّ التمسّك بالإسلام والتقيّد بأحكامه من أهمّ الأدوار التاريخية التي يؤدّيها الفرد على طريق التمهيد والتوطئة للمهدي والتعجيل بالظهور ولكن يبقى سؤال محيّر: ما هو الإطار القيادي لهذه الحركة؟ من هو القائد الذي يرتبط به الفرد زمن الغيبة؟ ما هي المرجعية الفكرية والاجتماعية التي ينتمي لها؟
رَسَمَ الإمام الحجّة للمؤمنين الخطّ العام لهذه القيادة النائبة التي لابدّ للفرد أن يعتصم بها في غيبته: جاء في التوقيع المنسوب للحجّة عجل الله تعالى فرجه: _ أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا؛ فإنّهم حجّتي عليكم، وأنا حجّة الله _ وعنه أيضاً: فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلّدوه.
ولهذا الارتباط بالقيادة الشرعية في الأُمّة _ مع كونه مسؤولية شرعية _ منافع كثيرة على درب التعجيل، أهمّها: انحسار دور القيادات الدخيلة والمفروضة على الأُمّة، والتفاف الجماهير حول رموزها ورموز مجدها وحضارتها ورسالتها، وتعتاد الجماهير شيئاً فشيئاً على الارتباط بقيادة مركزية في المستقبل حينما يتكامل جهاز المرجعية لتستقرّ على صيغة تُوحّد الأُمّة لا تفرّقها، وتتحوّل معها هذه الجموع من غبار بشري لا قيمة له إلى كتل متراصّة تتحرّك تحت راية واحدة.
الإخلاص للإمام والترقّب المستمرّ له
وعلى أساس ذلك ينبغي على المؤمن أن يكون على أهبّة الاستعداد، يعيش أعلى درجات الاستنفار للانضمام إلى جيش الإمام والجهاد تحت لوائه، بل هو يرى الأمر وشيكاً قريبا: (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا ) المعارج/، لعمق ارتباطه العاطفي بالإمام وانشداده للمخلّص.
عوامل التعجيل على مستوى الأمة
تقوم النظرية الاجتماعية الإسلامية على أصالة الفرد وأصالة المجتمع معاً فهي تفسّر الظواهر الاجتماعية والأحداث التاريخية.ولا بد من طرح عوامل تفعيل حركة الأُمّة في اتجاه ظهور المهدي وقيام مجتمع العدل العالمي في العناصر التالية:
أ. إحراز العدد الكافي من الأنصار
يعدّ من أهمّ العوامل التي نصّت عليها الروايات المتظافرة، حيث اشترطت عدّة من الأنصار تبلغ ثلاثمائة ونيف:
فمسؤولية الأُمّة الأساسية اتجاه إمامها أن تفرز هذا الجيش أو هذه العدّة من الخلّص.
هذه الطليعة المهدوية هي عصارة التاريخ وحصيلة قانون التمحيص زمن الغيبة الكبرى.
ب. انتشار فكرة المهدي ورواجها في العالم
من أوكد المهام الموكولة على عاتق الأُمّة أن تنشر فكرة المخلِّص وتعرف بمشروع المهدي لإنقاذ العالم وقيادته نحو حياة جديدة توفّر السعادة والرفاه للجميع، فهذا الرواج شرط من شروط نجاح المهدي وجيشه، وتعاطف الناس معه ورسالته. إنّ الأساس الثقافي لهذا المشروع هو الترويج لهذه الفكرة،، فهذه الشبهات المتعدّدة تجد لها في الإعلام المعادي كلّ سبل الدعم والترويج خاصّة في ظلّ ثقافة العولمة التي يريد النظام الرأسمـالي تعميمها، والتي تستغرق في الحسّيات والحاجات المادّية وتتنكّر للغيبيات والقيم الروحية، فعلى أساس مثل هذه الثقافة جُرّ الناس إلى الإنكار والشكّ في ظهور الإمام.
وللأسف الشديد وباستقراء واقعنا الإسلامي يتجلّى لنا غياب مؤسّسات إعلامية متخصّصة في هذا المجال ( دوريات، إذاعات، فضائيات، مواقع على شبكة الإنترنيت... ) تُعرّف بالإمام المهدي وتبيّن أهداف نهضته ووسائلها، وتوضّح ضرورتها الحضارية وفوائدها على الناس جميعاً، تُعلم الناس سبل الارتباط به والانتفاع بوجوده المبارك، وتكشف عمَّا يعانيه المظلومون والمحرومون من اضطهاد وحرمان.إنّ بعث مثل هذه المؤسّسات ودعم ما هو موجود منها _ إن كان موجوداً حقّاً _ من شأنه فعلاً تعجيل الخلاص.
ج. فشل النظريات والنظم الحضارية الأخرى
الأطروحة التي سيطبّقها المهدي هي رسالة الإسلام، وإن جاءت الروايات بعبارات ( أمر جديد ) ( كتاب جديد )
كلّ النظم والأيديولوجيات الأخرى التي تحكّمت في رقاب الناس حتّى تقوم الحجّة عليهم، ولا يبقى مال لأرباب دين أو أتباع مذهب بأنّهم لو أتيح لهم لطبّقوا العدل المطلق
إنّ يأس الناس من كلّ البرامج الأخرى والأطروحات المادّية والوضعية يجعل أملهم ينحصر في رسالة الإسلام كبديل حضاري شامل يضمن سعادة الفرد والمجتمع والفوز
في الدنيا والآخرة، وإنّنا في أوائل هذا القرن بعد أن عشنا سقوط الأنظمة الشيوعية في
نهاية القرن السابق وتفكّك منظومتها نرقب أزمة الرأسمـالية والاضطراب العالمي والدعوات المتلاحقة للعولمة والنظام العالمي الجديد، الذي تحاول من خلاله هذه الرأسمالية إبقاء هيمنتها على العالم والحيلولة دون الانخرام من الداخل، ولكن الكثير من المؤشّرات تدلّل على عمق الأزمة الخانقة التي تستبدّ بهذه النظم الرأسمـالية سواء على صعيد اقتصادي أم اجتماعي أم أخلاقي عقائدي.
وأثبتت حرب تموز / ٢٠٠٦ من جهة ثانية أنّ الكيان الصهيوني الذي يمثّل الموقع
المتقدّم للمواجهة مع الغرب في المنطقة كان قاب قوسين أو أدنى من السقوط وأنّ الحديث عن زوال إسرائيل الذي هو قطعاً مقدّمة لزوال المشروع الغربي وخطوة متقدّمة على
طريق قيام المجتمع المعصوم أمر ممكن وعلى مرمى حجر من هذه الأُمّة لو انتفضت على
واقعها الرديء.
د. طرح الإسلام بصيغة حضارية تلائم العصر
بات من الواضح أنّ فهم الإسلام وتطبيقه يرتبطان بالزمان والمكان والخصوصيات الثقافية والحضارية للمجتمع. فمهمّة الفكر الإسلامي زمن غيبة الإمام أن يرتفع بمستوى وعي الأُمّة
في مجال الرؤية الكونية، ويعمّق الفهم العام للتشريع الإسلامي والفقهي، ويمكن الاستفادة
من الانفجار المعلوماتي ووسائل الاتصال الحديثة من أجل تلاقح الأفكار والاطّلاع
على التيارات والفلسفات المعاصرة، وما وصلت إليه البحوث الجديدة في مجال
العلوم الإنسانية.
هـ. امتلاك الخبرة القيادية والجهادية
كما يحتاج الجيل المهدوي إلى ثقافة إسلامية معمّقة، _ هو بحاجة إلى تجارب حركية وقيادية وجهادية وسياسية تؤهّله لأداء دور إيجابي في توجيه العالم وهداية البشرية، فالكفاءات العالية لأنصار المهدي وجنوده والنجاعة الإدارية لهذه الدولة الفتية التي تتحدّث عنها الروايات ليست إلا نتيجة تراكمات تاريخية وتكامل طويل زمن الغيبة، وبلوغ الوعي السياسي والحسّ الجهادي والخبرات القيادية لأبناء الأُمّة مستوى عال مؤشّر قوي وخطوة نحو إنجاح مشروع الدولة العالمية.
وفي واقعنا المعاصر تتراءى لنا تجربة الجمهورية الإسلامية في إيران والمقاومة الإسلامية في لبنان وسائر الحركات الجهادية والسياسية والمؤسّسات الثقافية والاجتماعية الفاعلة مفردات مهمّة على هذا السبيل، فالتجارب الميدانية الحيّة وخاصّة على مستوى الدولة هي الكفيلة بتكوين الكوادر العالية ذات الخبرة القيادية والفهم الصحيح للسياسة الدولية والقوى المتحكّمة فيه، وطرق التعامل مع هذه المؤثّرات والعوامل. ومن جهة أخرى واستناداً إلى جدلية النظرية والممارسة فإنّ هذه الممارسة تؤهّل الفكر الإسلامي إلى مراق نظرية أعلى وأكثر رشداً.
ومن جانب آخر للحركات الجهادية، والتي تمثّل المقاومة الإسلامية في لبنان نموذجاً رشيداً لها، أهمّية قصوى قي توطين العاملين على مقارعة الظلم والظالمين وبقاء راية الجهاد خفّاقة حيّة في القلوب والعقول، لا مجرّد شعار أو فريضة نظرية، وهذا مبدأ أساسي لدولة المهدي الذي ستكون سنّته الجهاد والقتال.
الانتظار الإيجابي فرج قبل الفرج
يستوجب بلوغ الأهداف الكبيرة في التاريخ نضالات بحجمها، ولا شكّ أنّ استهداف المؤمنين قيام الدولة العالمية يتطلّب جهوداً لا حدّ لها، تبيّن لنا مما سبق عمقها واتساعها سواء على المستوى الفردي أم على مستوى الأُمّة.
فرج وأي فرج أن تهتدي الطليعة المهدوية إلى الدرب القويم، فتسير بثبات على بيّنة من أمرها في حين يضلّ المتردّدون، ويضيع التائهون المفتونون وراء الرايات الضالّة المضلّة هنيئاً لهذه الطليعة المنتظرة المجاهدة الممهِّدة التي أعارت الله جماجمها وذابت في إمامها شوقاً وولاء، فأثابتها السماء على إخلاصها بـ _ الفرج المبكر _ ولسان حالها يقول: أيّتها العصابة المرحومة، أدركتم الإمام أم لم تدركوه خياركم فرج، قبس من الفرج!
عن محمّد بن الفضيل عن الرضا (ع): _ قال سألته عن شيء من الفرج فقال أليس انتظار الفرج من الفرج؛ إنّ الله عزّ وجلّ يقول: ( فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ ).
و أخيراً فإن الآيات و الأحاديث النبوية التي تعبر عن القوة، دائماً ما تتخذها الجماعات الإرهابيّة شعاراً لها و دليلها على أن الإسلام لن ينتشر إلا” بالأشلاء و بالسيف “أو لأقل بأخلاق السادة، وهذا سوء فهم ما بعده سوء فهم، فالإسلام لم ينتشر بالأشلاء ولا بالمفخخات والمتفجرات في الماضي، و لن ينتشر بهم في المستقبل.سوف نرى يوما تشرق فيه الأرض بنور ربّها مؤذّنة بخروج المخلّص الذي سيملأ الأرض عدلاً وقسطا بعدما ملئت ظلماً وجورا وفسادا. وبفضل الجهد التربوي والأخلاقي الممهّد لحركة الظهور المظفّرة.
المصادر
1. أحمد أمين الشجاع _ دور الغرب في تفتيت العالم الإسلامي _ ط1 _
2. أحاديث الأنبياء _ البخاري (حديث3346)المكتبة العصرية _ ومشق _ بيروت/ والترمذي السنن _ الفتن(حديث 2187)
3. صامويل هنتنجتون _ ترجمة طلعت الشايب _ صدام الحضارات إعادة صنع النظام العالمي
4. سعد رستم _ الفرق والمذاهب المسيحية منذ ظهور الإسلام وحتى اليوم _ دار الأوائل _ دمشق _ ط2004 _
5. بحار الأنوار _ محمّد باقر المجلسي _ دار إحياء التراث العربي (موسسةالوفاء _ بيروت _ لبنان.) الأجزاء2 - 52 -53.
6. الغيبة _ النعماني _، مؤسسة الأعلمي _ بيروت _ لبنان.
7. الحكومة الإسلامية _ الإمام الخميني _ مركز نون للتأليف والترجمة _ بيروت _ لبنان.
8. مرتضى مطهري، نهضة المهدي في ضوء فلسفة التاريخ _ دار التيار الجديد _ بيروت _ لبنان.
9. تاريخ الغيبة الكبرى _ محمّد صادق الصدر _ دار المجتبى للطباعة والنشر.ودار التعارف _ بيروت _ لبنان.
10. جريدة النهار اللبنانية _ برنارد لويس _ جذور الغضب الإسلامي _ ترجمة أكرم أنطاكي _ تعليق المطران جورج خضر _ السبت 3كانون الثاني 2004.
11. مجلة الرائد _ الدار الإسلامية بألمانيا _ العدد/236 _ مايو2002 _ (دراسة بعنوان:العولمة وأثرها في السلوكيات).د:عمار طالبي.
https://ayandehroshan.ir/vdca.wn6k49nui5k14.html
ارسال نظر
نام شما
آدرس ايميل شما