تاریخ انتشاردوشنبه ۱۹ مرداد ۱۳۹۴ ساعت ۰۹:۲۰
کد مطلب : ۱۲۱۰
۰
plusresetminus

الحكومة المهدوية

الدكتور خليل خلف بشير
الحكومة المهدوية
الدكتور خليل خلف بشير

المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وبعد:فهذا بحث يتناول في صفحاته حكومة امام معصوم من أئمة أهل البيت يظهر في آخر الزمان فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما مُلئت ظلماً وجوراً هو الإمام الحجة محمد بن الحسن المنتظر _ عجل الله تعالى فرجه وسهّل مخرجه _ ولعل الاعتقاد به من أساسيات العقيدة الإسلامية فأمره مختص بكثير من الفرق الإسلامية، وغير الإسلامية كاليهود والنصارى، ولعل السبب في ذلك يكمن في كون المصدر واحداً اذ ان اول من أشار اليه هو الله سبحانه وتعالى ثم بشّر انبياءه به وبدولته المباركة، وازداد التبليغ لفكرة المهدي الموعود ببزوغ رسالة جده محمد المصطفى (ص) اذ كثُرت الروايات الدالة على وجوده المبارك، والوعد بدولته المباركة، وأصبح انتظاره أفضل الاعمال، وأفضل الجهاد على ما وصل إلينا من احاديث الرسول الكريم وآله الكرام _ عليهم آلاف التحية والسلام _.
وقد جاء بحثي هذا الموسوم (الحكومة المهدوية) مسلطاً الضوء على الآيات التي أشارت الى الوعد بدولته الميمونة، وخصائص هذه الدولة من خلال القرآن الكريم، ومعرّجاً على صفاته، وصفات أنصاره فضلاً عن صفات دولته مؤكداً على جوانب مهمة في حياة البشرية تشهد تطوراً ملموساً أبرزها: الجانب الاقتصادي ثم الزراعي، والديني، والقضائي، والإداري، والعلمي، والحربي، ومشيراً الى الفرق بين العولمة وعالمية الدولة المهدوية، ومدة الدولة المهدوية.
على أنني بذلت جهدي، وأعملتُ فكري لأضع هذا البحث بالمستوى المطلوب فإن وفقتُ فلله حمدي وشكري وإلا فلله ولسيدي الحجة اعتذاري سائلاً الله تعالى ان ينفعني به في الدنيا والآخرة، وان يكون في مصاف اعمالي يوم القيامة (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)(الشعراء /88-89)، والله ولي التوفيق.
المهدي في القرآن الكريم
لم تحظَ قضية في الفكر الانساني بمثل ماحظيت به قضية الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) الذي يمثل الحلقة الاخيرة في سلسلة الإمامة فقد ورد عن الإمام الحسين (عليه السلام) إنه قال ((منا اثنا عشر مهدياً أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وآخرهم التاسع من ولدي، وهو الإمام القائم بالحق، يحيى الله به الأرض بعد موتها، ويظهر به دين الحق على الدين كله ولو كره المشركون)) ، وقد بشرت به الاديان السابقة فضلاً عن الإسلام في كتاب الله (القرآن الكريم) في الكثير من آياته من ذلك قوله تعالى (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) (القصص /5) إذ أولت هذه الآية بالأئمة من آل محمد انتهاء بالقائم ، وقوله تعالى (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (الانبياء/105) فقد ذكر العلامة الطباطبائي أن الآية مطلقة ولا موجب لتخصيصها بإحدى الوراثتين (الدنيوية او الاخروية) بيد أن هناك من يخصها بالوراثة الدنيوية ويحملها على زمان ظهور الإسلام أو ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) الذي أخبر به النبي (ص) في الاخبار المتواترة المروية عن طريق الفريقين ، وقوله تعالى(وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)(النور/55) اذ يذكر العلامة الطباطبائي آراء المفسرين ثم يناقشها متوصلاً في النهاية الى أن "الآية إن أعطيت حق معناها لم تنطبق إلا على المجتمع الموعود الذي سينعقد بظهور المهدي (عليه السلام)..." ، وقد تضمنت الآية ثلاثة وعود للذين آمنوا وعملوا الصالحات، وهذه الوعود هي:
أ) الاستخلاف في الأرض وذلك لأجل إقامة حكومة العدل الالهي.
ب) تمكين الدين: نفوذ المعنويات، وحكومة القوانين الشرعية في جوانب الحياة كافة.
ت) تبديل الخوف بالأمن: إزالة كافة عناصر الخوف، واستبدالها بالأمن التام والاستقرار الكامل.
وتدلنا هذه الآية الشريفة المفسرة بظهور المهدي "على أن مهمته (عج) ربانية
ضخمة متعددة الجوانب، جليلة الأهداف فهي عملية تغيير شاملة للحياة الانسانية، وإقامة مرحلة جديدة..." ومن أراد المزيد من الآيات فليراجع كتاب (المهدي في القرآن والسنة) لسعيد معاش فهذا الكتاب زاخر بالآيات التي فسرها الائمة بالإمام المهدي _ عليهم السلام أجمعين _ .
خصائص الدولة المهدوية
من خلال الايات التي بشرت بالمهدي الموعود يمكننا أن نبين خصائص الدولة المهدوية بالاتي:
1. استخلاف صالحي المؤمنين: وهذا جلي في ثلاث آيات هي قوله تعالى (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)(الانبياء/105)، وقوله (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)(النور/55)، وقوله (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرض أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)(الحج/41).
2. اتمام النور الالهي، وإظهار الإسلام على الدين كله: وهذا ما صرح به القرآن الكريم في خمس آيات، وذلك في قوله تعالى (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (التوبة/32)، وقوله(يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (الصف/8)، وقوله (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة /33)، وقوله (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا) (الفتح /28)، وقوله (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (الصف/9) فالمؤمنون في ترقب وانتظار لهذا الوعد الإلهي، والله لا يخلف الميعاد، وسيتحقق بيد المهدي مما يدل على ان الفتح المبين، والظهور المشرق بيد هذا المهدي من آل محمد، وكما بدأ الإسلام بآل محمد فانه سيُختم بآل محمد، ونجد مصداق ذلك في قول الإمام الصادق (عليه السلام):"بكم فتح الله وبكم يختم " .
3. إقامة المجتمع التوحيدي الخالص:وهو أن تكون مقاليد المجتمع البشري بيد الصالحين الذين كانوا يستضعفون في الأرض، والذين يمثلون الإسلام المحمدي الاصيل فعند تمكينهم في الأرض يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ولعمري تلك دعائم المجتمع التوحيدي الخالص الذي يعبد الله وحده لا شريك له.
4. تحقق الغاية من خلق النوع الإنساني كما تشير الى ذلك الآية الكريمة (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات /56) اذ حصر الغاية من خلق الانسان بالعبادة الحقه لله عز وجل، وهذا ما يتحقق في ظل دولة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)على الصعيدين: الفردي والاجتماعي.
5. انهاء الردة عن دين الحق:ذهب العلامة الطباطبائي الى ان قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (المائدة/54)، تتحدث عن عصر الظهور المهدوي، وان الردة المقصودة فيها عن الدين الحق مع البقاء على الظاهر الإسلام ي، وذلك بموالاة اليهود والنصارى واتباعهم في طريقة الحياة في مختلف شؤونها، وهذه الردة هي التي تنهى عنها الايات السابقة لهذه الآية التي تتحدث عن الانحراف الذي يصيب العالم الإسلام ي قبل الفتح المهدوي
صفات الإمام
المتصفح لاحاديث اهل البيت (عليهم السلام) في وصف الإمام المهدي _ عجل الله تعالى فرجه _ يجد وجهه كالكوكب الدري، ولونه لون العربي، والجسم كأجسام ابناء يعقوب (عليه السلام) أي طويل ممتلىء، ابيض مشرب بالحمرة، واسع البطن وعريضة، عريض الفخذين، بظهره شامتان:واحدة على لون جلدة، واخرى على شبه شامة النبي (ص)، افرق الثنيا، اجلى الجبهة، كث اللحية، اكحل العينين، شاب مربوع، حسن الوجه والشعر، يسيل شعره على منكبيه، ويعلو نور وجهه سواد شعر لحيته ورأسه، شيخ السن شاب المنظر حتى ان الناظر ليحسبه ابن اربعين سنة او دونها، ولا يهرم بمرور الايام والليالي ، وهو اشبه الناس خَلقاً وخُلقاً، وسمتاً وهيبةً برسول الله (ص)، وبعيسى (عليه السلام)، ويبدو من الروايات انه يشبه خمسة من الرسل (يونس، ويوسف، وموسى، وعيسى، ومحمد _ صلوات الله عليهم _ فهو يشبه يونس برجوعه من غيبته، وهو شاب بعد كبر السن، وهو يشبه يوسف بغيبته عن خاصته وعامته، ويشبه موسى بدوام خوفه، وطول غيبته، وخفاء ولادته، وتعب شيعته مما لقوا من الاذى والهوان، اما شبهه بعيسى فاختلاف من اختلف فيه حتى قالت طائفة منهم: ما ولد، وقالت طائفة: مات، وقالت طائفة: قُتل وصُلب، واما شبهه بجده المصطفى (ص) فخروجه بالسيف، وقتله اعداء الله وأعداء رسوله والجبارين والطواغيت، وانه يُنصَر بالسيف والرعب .
صفات أنصاره
المتتبع لأحاديث النبي (ص) في وصف انصار الإمام الحجة يجدهم ثلة مؤمنة صالحة تتولى ادارة الدولة في ظل قيادته، وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً بعدد اهل بدر، وثمة تعبير دقيق يطلقه النبي عليهم، وهو تعبير (اخواني) مؤدياً دلالات كبيرة في شدة ارتباطاتهم وامتثالهم لتعاليم الرسالة المحمدية فلننظر الى الروآية الآتية التي رواها ابو بصير عن الإمام الباقر (عليه السلام) "قال:قال رسول الله (ص) ذات يوم وعنده جماعة من اصحابه:(اللهم لقّني اخواني) مرتين فقال من حوله من اصحابه: اما نحن من اخوانك يارسول الله؟ فقال: لا انكم اصحابي، واخواني قوم آخر الزمان آمنوا ولم يروني، لقد عرّفنيهم بأسمائهم وأسماء آبائهم، من قبل ان يخرجهم من اصلاب آبائهم، وارحام امهاتهم .
وثمة اوصاف اخرى تتلخص بأنهم مؤمنون متقون، ومتفانون مضحون، ومنتظرون صابرون، وصالحون مستضعفون، ويألفون ويؤلفون لا تأخذهم في الله لومة لائم، ليوث بالنهار ورهبان بالليل، أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، وشباب غير مكتهلين، بسطاء مجهولون متنقلون، زهاد متعففون، مثلهم في الأرض كمثل المسك يسطع ريحه فلا يتغير ابداً، ومثلهم في السماء كمثل القمر المنير الذي لا يُطفأ نوره ابداً .
صفات دولته
من المعروف ان المجتمع الانساني في بداياته كان يعيش بسيطاً في علاقاته الاجتماعية، والاقتصادية إلا انه بمرور الزمن، واتساع المجتمع، وتعدد حاجاته، وتعقيد علاقاته اخذ يرتب نفسه شيئاً فشيئاً من خلال تشكيل ما يسمى حديثاً بـ (الدولة)، وهي ضرورة لامناص منها، لان حياة البشر لا تستقيم بدون دولة تحكمهم، وتدير شؤونهم، وتنظم امورهم لاسيما في عالمنا المعاصر الذي تعقدت فيه الحياة وتشابكت العلاقات تشابكاً كبيراً، واليوم يتجه العالم نحو الدولة العالمية الموحدة، إلى الانتماء العالمي بدلا من الانتماء القومي والوطني، وهذا يذكرنا بكون الناس امة واحدة يحكمها نظام واحد هو نظام الفطرة الالهية فطرة الله التي فطر الناس عليها كما يخبرنا بذلك القرآن الكريم في قوله تعالى (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (البقرة/213)، وقوله (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (يونس/19) لكنها امة تختلف في حياتها عن بساطة الامة الاولى وسذاجة عيشها وافكارها وطموحاتها بل ستعود امة متطورة على جميع المستويات، والجوانب ، واليك وصف لهذا التطور الكبير الذي ستشهده الامة مركزاً على الجوانب الاتية:
1-الجانب الاقتصادي: ويبدو من الروايات ان الخيرات والبركات تنتشر في ايام دولة الإمام (عليه السلام) فتخرج الأرض كنوزها وخيراتها للناس فقد روي عن رسول الله (ص) انه قال:"تنعم امتي فيه _ أي في حكم المهدي _ نعمة لم يتنعموا مثلها قط، تؤتي الأرض اُكلها لا تدّخر عنهم شيئاً، والمال يومئذ كدوس يقوم الرجل فيه فيقول: يا مهدي، اعطني، فيقول: خذ" ، وفي دولته يرتفع الدخل السنوي للافراد بحيث لايبقى في المجتمع فقير، ولا مسكين، ولا محتاج او متسول، لان الثروة تقسم بينهم بالسوية كما روي ذلك عن النبي (ص) في قوله:"أبشركم بالمهدي يبعث في امتي على اختلاف من الناس وزلازل فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جورا وظلما، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض يقسم المال صحاحا، فقال له رجل ما صحاحا؟ قال بالسوية بين الناس، قال: ويملأ الله قلوب امة محمد (ص) غنى ويسعهم عدله، حتى يأمر مناديا فينادي فيقول:من له من مال حاجة فما يقوم من الناس الا رجل، فيقول ائت السدان يعني الخازن فقل له ان المهدي يأمرك ان تعطيني مالا، فيقول له احث، حتى اذا جعله في حجره واحرزه ندم، فيقول كنت اجشع امة محمد نفسا، او عجز عني ما وسعهم؟قال فيرده فلا يقبل منه، فيقال له انا لا نأخذ شيئاً اعطيناه " ، وكذا قول الإمام الصادق (عليه السلام): " اذا قام القائم حكم بالعدل، وارتفع في ايامه الجور، وامنت به السبل، واخرجت الأرض بركاتها، ورد كل حق الى اهله....وحكم بين الناس بحكم داود (عليه السلام) وحكم محمد (ص) فحينئذ تظهر الأرض كنوزها، وتبدي بركاتها، ولا يجد الرجل منكم يومئذ موضعاً لصدقته ولا لبره لشمول الغنى جميع المؤمنين." ، والواقع ان يملأ القلوب بالغنى النفسي والمعنوي فيستأصل منهم جذور الحرص المقيتة، ويزيل عدم الوثوق بالمستقبل في ظل عدالته الاجتماعية ف ا يرى شخص في نفسه من حاجة لجمع الثروة، لان يومه وغده مضمونان فقد ورد ن جده المصطفى (ص) انه قال:"...حتى تملأ الأرض جوراً فلا يقدر احد ان يقول:الله ثم يبعث الله عز وجل رجلاً مني ومن عترتي فيملأ الأرض عدلاً كما ملأها من كان قبله جوراً، وتخرج له الأرض افلاذ كبدها ويحثو المال حثواً ولا يعده عدّاً " .
2-الجانب الزراعي: ببزوغ فجره تتضاعف البركات في الأرض لا سيما في مجال الزراعة اذ قال رسول الله (ص) في وصف القائم "يخرج في امتي المهدي، يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويعطى المال صحاحاً، وتكثر الماشية، وتعظُم الامة " ، وروي عن امير المؤمنين (عليه السلام) انه قال في معرض حديثه عن الحجة "...ويذهب الشر ويبقي الخير، ويزرع الانسان مدا، وتخرج له سبعة امدادا" ، وكذا يروي عن سعيد بن جبير (رضي الله عنه) انه قال: " ان السنة التي يقوم فيها القائم عليه السلام تمطر الأرض اربعاً وعشرين مطرة وترى آثارها وبركاتها " .
وفي هذا الصدد يروى انه يقضي على نظام الاقطاع في الاراضي الزراعية كما في الحديث الشريف القائل "اذا قام قائمنا اضمحلت القطائع فلا قطائع " .
3- الجانب الديني: تذكر الروايات ان الإمام حينما يحكم فإنه يأتي بدين جديد كما ورد ذلك عن الإمام الباقر (عليه السلام) عندما سأله عبد الله بن عطاء قائلاً:"اذا قام القائم (عليه السلام) بأي سيرة يسير في الناس...؟ فقال: يهدم ماقبله كما صنع رسول الله (ص) ويستأنف الإسلام جديدا" ، وفي روآية اخرى انه يأتي بأمر جديد فقد روي النعماني حديثاً مفاده ان ابا جعفر (عليه السلام) قال: ان قائمنا اذا قام دعا الناس الى امر جديد كما دعا اليه رسول الله (ص).الى اخر الحديث .
ولمناقشة هذه الروايات نتساءل: ما هو الدين الجديد الذي سيأتي به الإمام؟ وهل يختلف عن دين جده؟ كما يدعي بعض ادعياء البابية والمهدوية في تفسيرهم لهذا الحديث بمعنى النسخ للشريعة الإسلام ية، وهي محاولة خبيثة ومنكرة في فهم النبوة والتشريع، وتبرير استهانتهم بالكتاب والسنة، وما جاء فيهما من احكام وتكاليف .
والجواب على هذا السؤال لا بد من تسليط الضوء على الترابط الكبير بين الإمام، وجده بأعتبار ان النبي (ص) كافح الجهل، والظلم، والفساد لتأسيس الدولة العالمية بعد معاناة وجهاد طويلين لكنه رحل الى المليك الاعلى عاقداً الامل على ولده المنتظر ليسود الإسلام على وجه الأرض اذ في دولته سيسود العدل ويطبق على جميع الأرض، وعندما نقول: ان الإمام الحجة (عجل الله فرجه) سيأتي بدين جديد يجب ان نعلم بأن الشريعة السمحاء قد ختمت بالمصطفى، وشاء الله ان يكون خاتم الانبياء والمرسلين، وان يكون المهدي خاتم الاوصياء، وهنا يُطرح تساؤل آخر اذا كان الدين الإسلامي قد خُتم بصريح القرآن في قوله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينًا)(المائدة/3) فما هو الدين الجديد الذي سيأتي به الإمام لا سيما ان النبي قد عقد عليه امالاً كبيرة كما اسلفنا؟وما هو الامر الجديد الذي يختلف به عن جده؟
الجواب هو انه سيأتي بأحكام واقعية لا احكام ظاهرية فنحن الآن نعمل بأحكام ظاهرية اجتهد في استنباطها العلماء الاجلاء بعد معاناة وسهر وصبر _ وهم في هذا مأجورون على كل حال _ فإذا ظهر الإمام فأنه سوف يُرجعنا الى الاحكام الواقعية في الموجودة في زمن النبي (ص) فيتصور الناس ان المهدي جاء بدين جديد اذ يعيد كثير من الاحكام التي تناساها الناس وتجاهلوها بعد ان مضى عليها الزمن أي انه يطبق الشريعة بكاملها فيظن الناس انه جاء بأمر جديد فمثلاً صلاة الجمعة _ هذه الشعيرة المهمة _ تنوسيتْ، وضُيعت يأتي فيوجبها فيتصور الناس انه قد اتى بدين جديد، والواقع انه يحيي الدين بعد اندراس .
4-الجانب القضائي: لا شك ان الإمام سيقضي بين الناس بالعدل فهو الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وفي الروايات انه يحكم بحكم داود فلا يسأل عن البينة.عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال:"اذا قام قائم آل محمد حكم بحكم داود وسليمان، لا يسأل الناس بينة...." ، ويبدو انه يختلف في هذا مع جده الذي يقضي بالبينة لقوله (ص):"انما اقضي بينكم بالبينات والايمان.." في حين لا يحتاج المهدي الى البينات والايمان، وانما يقضي بعلمه، وهذا يعني ان جده يعلم لكنه لا يقضي بعلمه الذي يأتي به عن طريق النبي او عن طريق تحديث الملائكة او عن طريق الالهام.
واما حكمه بحكم سليمان فنحن نعلم من قوله تعالى (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا)(الانبياء /78- 79) ان انساناً عنده مزرعة وجاءت غنم لشخص آخر فدخلت المزرعة، واكلت منها فأفسدت الزرع فالحكم المترتب في هذه المسألة ان الغنم اذا دخلت المزرعة ليلاً فالضمان على صاحب الغنم، اما اذا كان الدخول نهاراً فلا ضمان فكان الحكم بوجوب الضمان، لان الدخول كان في الليل لكن داود وسليمان اختلفا في قيمة الضمان فداود يرى ان الغنم تُعطي لصاحب المزرعة، لان زرعه فسد فبمقدار زرعه يُعطى من الغنم اما سليمان فحكم بأنه لا يأخذ نتاج الغنم أي يعطونه من الحليب او الاولاد اما نفس الغنم فلا يُعطى فحكم سليمان مختلف عن حكم ابيه داود، لانه حكم ولائي بحسب المصلحة العامة فالإمام الحجة سيضع احكاماً ولائية كثيرة مراعياً بذلك المصلحة العامة كتنظيمه مرور السيارات، ومرور الركاب، ويضع لذلك احكاماً ولائية على سبيل المثال انه لا دية للرجل الماشي في وسط الطريق حينما يتضرر من سيارة او من غيرها ، وهذه _ لعمري _ احكام عادلة تنظر الى المصلحة العامة متجاهلة الكثير من الاحكام الباطلة التي يضعها الناس في احكامهم العشائرية القاصرة المقصرة التي تنظر الى المصلحة الخاصة، وتأخذ ما تريد بقوة العشيرة.
ولا بد ان نشير الى وجود جهاز قضائي يقظ وفاعل، ووسائل مراقبة دقيقة بحيث لا يفلت مجرم من سيطرته، ولا يستطيع انتهاك عدالته، وهو عنصر يحد من انتشار الفساد، وانتهاك حرمة القانون لا سيما انه يخرج بعد ان يستشري الفساد. قال تعالى (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)(الروم/41)
ومن الاحاديث الدالة على عدالته، وردّها المظالم قول الرسول (ص):" عن ابي هريرة قال: قال رسول الله (ص) تقئ الأرض افلاذ كبدها امثال الاسطوان من الذهب والفضة فيجئ القاتل فيقول في هذا قتلت، ويجئ القاطع فيقول في هذا قطعت يدي ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئا" ،
ولما كان العدل يعم ربوع دولته فإن المرأة تقضي في بيتها بالقرآن الكريم والسنة المطهرة كما يروى ذلك عن ابي جعفر (عليه السلام) انه قال:"كأنني بدينكم هذا لا يزال متخضخضاً يفحص بدمه، ثم لايرده عليكم الا رجل منا اهل البيت فيعطيكم في السنة عطاءين، ويرزقكم في الشهر رزقين، وتؤتون الحكمة في زمانه حتى ان المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله (ص) " .
وتشير بعض الروايات الى ان النبي عيسى (عليه السلام) يقضي في دولة المهدي بالعدل، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله احد. قال رسول الله (ص):" والذي نفسي بيده ليوشكن ان ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً يكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، فيفيض المال حتى لايقبله احد " .
5-الجانب الاداري: لا يختلف الإمام المنتظر عن جده في كونه رؤوفاً رحيماً بالناس _ ومنهم المساكين _ بيد انه حازم وحسيب على عمّاله لذا نجده يختار للحكم ولاة هم خيرة اصحابه الذين يتحلون بأعلى كفاءات الوالي الإسلام ي من العلم، والفقه، والشجاعة، والنزاهة، والاخلاص . قال ابن كثير:" اذا كان المهدي ثبت على المسيء من اساءته، وزيد المحسن في احسانه، سمـح بالمال شديد على العمال رحيم بالمساكين " ، وذكر ابن طاووس روآية ان"المهدي كأنما يُلْعق المساكين الزُّبد" .
والإمام شديد مع المنافقين الذن يتاجرون بالدين، ويسيئون للمقدسات الإسلام ية لا سيما سدنة الكعبة فيفضحهم على مرآى ومسمع من الناس، ويسميهم (سرّاق الله)، ويذكر الشيخ الطوسي هذا المعنى في روآية تقول:ان " القائم اذا قام قطع ايدي بني شيبة، وعلّق ايديهم على البيت، ونادى مناديه هؤلاء سرّاق الله " .
6-الجانب العلمي: تشهد الامة الإسلام ية ابان الحكومة المهدوية تطوراً هائلاً في مختلف العلوم، لأن العلم سيعادل اثني عشر ضعفاً بالنسبة للعلوم والمعارف التي كانت سائدة زمن الانبياء الى يومنا هذا، والدليل على ذلك الروآية الآتية:"عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: العلم سبعة وعشرون حرفا فجميع ما جاءت به الرسل حرفان فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين، فإذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرفا فبثها في الناس، وضم اليها الحرفين، حتى يبثها سبعة وعشرين حرفا" .
ويفتح هذا العلم امام الانسان جميع ابواب التكامل الفكري، والرقي المعنوي، والتكامل الروحي فيشهد عصره تطوراً فكرياً وروحياً عالياً كما يلمع الى ذلك الإمام الباقر (عليه السلام) في وصف الإمام وأصحابه:" فيه آية المتوسمين وهي السبيل المستقيم، وان الله ينزع الخوف من قلوب شيعه ويسكنه قلوب اعدائه، فواحدهم امضى من سنان، واجرى من ليث يطعن عدوه برمحه ويضربه بسيفه ويدوسه بقدمه، وحد لله للشيعة في اسماعهم وابصارهم حتى يكون بينهم وبين القائم بريد كلمهم، ويسمعون، وينظرون اليه وهو في مكانه..." ، وهذا دليل على تطور وسائل الاتصال لاسيما مانرى بوادره اليوم طبقاً للقوانين العلمية، أي ان كافة الناس سيتمتعون بوسائل نقل الصوت والصورة بيسر وسهولة بحيث لم تعد هنالك من حاجة الى وجود دائرة بأسم البريد فيحكومته ودولته، وتحل اغلب القضايا دون الحاجة الى الاوراق فهنالك اجهزة شهود، واجهزة حضور تدير شؤون المجتمع .روي انه (عليه السلام) ينصب له عمود من نور من الأرض الى السماء فيرى فيه اعمال العباد، وان له علوما مذخورة تحت بلاطة في اهرام مصر ، قال ابو عبد الله (عليه السلام):" انه اذا تناهت الامور الى صاحب هذا الامر رفع الله تبارك وتعالى كل منخفض من الأرض، وخفض له كل مرتفع منها حتى تكون الدنيا عنده بمنزلة راحته، فأيكم لو كانت في راحته شعرة لم يبصرها" عن ابن مسكان، قال:"سمعت ابا عبد الله (عليه السلام) يقول: ان المؤمن في زمان القائم وهو بالمشرق ليرى اخاه الذي في المغرب، وكذا الذي في المغرب يرى اخاه الذي في المشرق" ، ومصداق ذلك موجود في ماتقدمه شبكات الانترنيت من خدمة جليلة في الاتصال بين الدول العربية والغربية.
7-الجانب الحربي: يخوض الإمام عدة حروب يستخدم فيها سلاحاً جديداً يقضي على غير المؤمن، ويترك المؤمن، ليس سيفاً وانما نوع اخر من السلاح غير موجود حالياً وانما ورد بتعبير السيف، لانه كان ابرز سلاح يُقاتل به في فترة صدور الاحاديث، ولو كان الائمة المعصومون (عليهم السلام) يستخدمون غير الاسماء المعروفة لكان الرواة يمتنعون عن نقلها خشية ان تقابل بالسخرية والاستخفاف، ومن الاحاديث التي ذكرت اسلحة الإمام بلفظ السيف ولا يراد به السيف كما ورد في وصف سيوف انصاره:" ولهم سيوف من حديدغير هذا الحديد، لو ضرب احدهم بسيفه جبلا لقده حتى يفصله، يغزو بهم الإمام الهند والديلم والكرك والترك والروم وبربر ومابين جابرسا الى جابلقا، وهما مدينتان واحدة بالمشرق، واخرى بالمغرب، لا يأتون على اهل دين الا دعوهم الى الله والى الإسلام والى الاقرار بمحمد (ص)، ومن لم يقر بالإسلام ولم يسلم قتلوه حتى لا يبقى بين المشرق والمغرب وما دون الجبل احد الا اقر" .
ويمكن تفسير النصوص التي ورد فيها (السيف) بالاتي :
لما كان السيف رمزاً للسلاح او القوة لذا فيكون معنى الاحاديث انه يظهر انه يظهر بالسلاح او انه يظهر بالقوة.
اما معنى حمله السيف _ كما ورد في بعض الاحاديث _ فهو اختياره شعاراً بيد ان اختيار السيف شعاراً يختلف عن اختياره سلاحاً وحيداً في معاركه اذ ان اختيار النسر او المنجل والمطرقة او النخلة او سنبلة القمح وكذا السيف لايعني انها الوسائل الوحيدة التي تعتمد عليها الدولة، وانما ترمز الى بعض المنطلقات الفكرية او الحيوية للدولة.
لعل المقصود من ظهوره بالسيف انه اذا اراد اعدام شخص امر بضرب عنقه انطلاقاً من امر الشريعة بإراحة الضحية، وعدم تعذيبه بالوسائل المختلفة للاعدام فيكون السلاح الوحيد الذي يخيف المجرمين داخل دولته، لا انه سلاحه في معاركه وفتوحاته.
وفي بعض الروايات تصريح لحمله سلاح رسول لله (ص) وسيفه، ودرعه، ومغفرة كما ورد عن جابر الجعفي، قال:قال لي محمد بن علي (عليهم السلام):"ياجابر ! ان لبني العباس رآية ولغيرهم رايات، فأياك ثم أياك ثم أياك _ ثلاثا حتى ترى رجلا من ولد الحسين يبايع له بين الركن والمقام، معه سلاح رسول الله ومغفر رسول الله (ص) ودرع رسول الله (ص) وسيف رسول الله (ص)" ، ولعل تفسير ذلك يعود الى انتسابه الى رسول الله (ص) رداً للتهم التي تقول: بأنه ليس من ذرية رسول الله، نظراً لقتله اعداداً كبيرة من المجرمين زعماً منهم ان ذرية رسول الله يحاولون الابتعاد عن الخوض في الدماء حتى دماء المجرمين، وربما يحمله في جملة ما يحمله من مواريث الانبياء منها خاتم سليمان، وعصا موسى، وتابوت بني اسرائيل كما ورد ذلك في الحديث الشريف:
" فيه بقية مما ترك آل موسى وآل هارون، ورضاضة اللوح، وعصا موسى، وقبا هارون، وعشرة اوصاع من المن، وشرائح السلوى التي ادخرها بني اسرائيل لمن بعدهم فيستفتح بالتابوت المدن كما استفتح به من كان قبله، وينشر الإسلام في المشرق والمغرب والجنوب والقبلة " .
ومما يؤيد كون السيف رمزاً للقوة والقدرة العسكرية السبب العقلائي الذي يتلخص بكون العودة الى الوراء ليس امراً ممكنا ولا منطقياً، وهو خلاف سنة الخلق واصل تكامل الحياة، وليس هناك من دليل على جمود المجتمع، وايقاف عجلة تطوره بغية تحقيق الحرية، والعدل، والمساواة، وان قيام المصلح والمنقذ العالمي الكبير بهدف بسط الحرية، والعدل، والمساواة لايؤدي بأي شكل من الاشكال الى ركود او ازالة الحركة الصناعية وماعليها من تطور ، واما السلاح فالسيف الوارد في الروايات رمز للشجاعة والاقتدار العسكري كما يشير القلم للعلم والثقافة، ويحتمل ان تكون اسلحة الإمام متطورة جداً تفوق ماتملكه قوى الاستكبار العالمي من اسلحة، وتشير الروايات الى ان جنود الإمام المهدي الملائكة، والرعب، والمؤمنون كما يخبرنا بذلك ابو جعفر الباقر (عليه السلام):"القائم منا منصور بالرعب، مؤيد بالنصر تطوي له الأرض، وتذهب له الكنوز، يبلغ سلطانه المشرق والمغرب، ويظهر الله عز وجل به دينه على الدين كله ولو كره المشركون" ، وكذا قول ابو عبد الله (عليه السلام):" اذا قام القائم (عليه السلام) نزلت ملائكة بدر وهم خمسة آلاف، ثلث على خيول شهب، وثلث على خيول بلق، وثلث على خيول حو. قلت: وما الحو؟ قال:هي الحمر " ، ومثل ذلك مروي عن ابي عبد الله (عليه السلام) انه قال:في قول الله عز وجل (أَتَى أَمْرُ اللهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ) (النحل/1) فقال:"هو امرنا امر الله عز وجل الا تستعجل به حتى يؤيده بثلاثة اجناد:الملائكة، والمؤمنين، والرعب " ، وان جبرائيل اول من يبايع الإمام المهدي كما في روآية عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال:اول من يبايع القائم (عليه السلام)جبرئيل ينزل في صورة طير ابيض فيبايعه، ثم يضع رجلا على بيت الله الحرام ورجلا على بيت المقدس ثم ينادي بصوت طلق تسمعه الخلائق "اتى امر الله فلا تستعجلوه " . وبعد ذلك يدعو جبرائيل الى بيعة الإمام كما في الحديث النبوي:"قال رسول الله (ص) يخرج المهدي وعلى رأسه ملك ينادي: ان هذا المهدي فأتبعوه . وفي حديث آخر مرو عن رسول الله (ص) قال:" يخرج المهدي وعلى رأسه غمامة فيها مناد ينادي هذا المهدي خليفة الله فأتبعوه" ، وفي روآية " عن عبد الله بن عمرو، قال:يخرج رجل من ولد الحسين من قبل المشرق لو استقبلته الجبال لهدها، واتخذ فيها طرقاً ، ويبدو ان كل شيء مسخر له ففي روآية عن الإمام الباقر (عليه السلام) انه قال:"ذخر لصاحبكم الصعب. قال:قلت: وما الصعب؟قال:ما كان من سحاب فيه رعد وصاعقة او برق فصاحبكم يركبه، اما انه سيركب السحاب ويرقى في الاسباب اسباب السماوات السبع والأرضين السبع " ، وهنا لايقصد السحاب العادي، لان السحاب ليست من الوسائل التي يمكن السفر بواسطتها الى الفضاء اذ هي تتحرك في جو قريب من الأرض، ولا تبعد مسافة تذكر عنها، ولا يمكنها الارتفاع كثيراً عن الأرض بل هي اشارة
الى وسيلة غآية في السرعة لها صوت كالرعد، وقدرة وشدة كالصاعقة والبرق، ولعلها
اكثر شبهاً بالصحون الطائرة واسرع منها، والوسائل الفضائية ذات السرعة المذهلة، وهذا
يعني ان الإمام يظهر بتكنلوجيا تفوق التكنلوجيا الموجودة فليس هنالك من تخلف صناعي في زمه .
العولمة وعالمية الدولة المهدوية
من المعروف لدينا بأن الإسلام يقف موقفاً متحفظاً من مسألة العولمة، لانها تهدف الى فرض هوية ثقافية واحدة هي الهوية الغربية، وتمارس عمليات استلاب حضاري وتنميط لثقافة الشعوب بما ينسجم مع الثقافة الغربية من خلال وسائل الاعلام الجبارة، وتقنيات المعلومات المحتكرة بيد الشركات الغربية الكبرى التي تسلب من الاخرين فرصة المنافسة، وتحول دون التثاقف المتوازن بين الشعوب والامم المختلفة اذ ان العالم بأسره سيكون قرية كبيرة واحدة ترفض وجود الحواجز بين احيائها، واطرافها المتعددة، على ان الشركات الاقتصادية الغربية العملاقة قد تمكنت من خلال المنافسة الحرة بينها، وبين مراكزنا الاقتصادية والصناعية الداخلية ان تعزل مراكز الانتاج الصناعي الداخلي، وتضعفها، وتكتسح الاسواق في العالم الإسلامي ، وبذا فالعولمة لا تنتج دولة عالمية منسجمة، يسودها نظام وقانون واحد، لانها تمارس انواعا مختلفة من القسر والفرض مما يؤدي الى نشوء حالة من الممانعة عند الشعوب المختلفة تدعوها الى التمرد على ماتنتجه العولمة من قوانين، وانظمة لادارة العالم فلا بد من بديل للشعوب المحرومة والمستضعفة، ولا بديل لها سوى دولة الإمام العالمية التي سوف تحقق التقارب والتواصل الحقيقي بين الشعوب عبر قنوات الاختيار والقناعة اذ كثير من الاطروحات الأرضية سوف تفشل في قيادة العالم الى ساحل النجاة، وتحقيق الاهداف الكبرى سوى هذه الدولة الالهية المباركة التي سوف تكون عالمية من خلال بسط نفوذها، وسيادتها على جميع المعمورة، وتكون الدولة الوحيدة في العالم التي لاتقوم بأزائها دولة اخرى، والروايات على سعة ملكه وسلطانه كثيرة منها قول الإمام الباقر (عليه السلام):"يفتح الله له الروم والصين والترك والديلم والسند والهند وكابل شاه والخزر" ، وقول امير المؤمنين (عليه السلام):"اذا بعث السفياني الى المهدي جيشاً فخسف بهم بالبيداء، وبلغ ذلك اهل الشام، قالوا لخليفتهم: قد خرج المهدي فبايعه وادخل في طاعته والا قتلناك، فيرسل اليه بالبيعة، ويسير المهدي حتى ينزل بيت المقدس، وتنقل اليه الخزائن، وتدخل العرب والعجم واهل الحرب والروم وغيرهم في طاعته من غير قتال حتى تبنى المساجد بالقسطنطينية وما دونها " .
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) في الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه):
"هو الخامس من ولد ابني موسى، ذلك ابن سيدة الاماء، يغيب غيبة يرتاب فيها
المبطلون، ثم يظهره الله عو وجل فيفتح الله على يده مشارق الأرض ومغاربها، وينزل روح الله عيسى بن مريم (عليه السلام)فيصلي خلفه، فتشرق الأرض بنور ربها، ولا تبقى في الأرض قطعة عبد فيها غير الله عز وجل الا عبد الله عز وجل فيها، ويكون الدين لله ولو كره المشركون" .
وترضى جميع الخلائق بدولته كما تفصح لنا بذلك الروايات فعن حذيفه عن النبي (ص) قال:"المهدي من ولدي وجهه كالكوكب الدري، فاللون لون العربي، والجسم جسم اسرائيلي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جورا، يرضى بخلافته ارض السماء والطير في الجو...." ، و " تفرخ الطيور في اوكارها، والحيتان في بحارها، وتمد الانهار، وتفيض العيون، وتنبت الأرض ضعف اكلها، ثم يسير مقدمته جبرائيل، وساقته اسرافيل فيملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما" .
مدة الدولة المهدوية
اختلفت الروايات في مدة حكم الإمام المهدي (عج) لاسيما الاخبار الواردة من طريق اخواننا اهل السنة والجماعة فقد ورد في سنن ابي داود حديث مروٍ عن ابي سعيد الخدري قال:قال رسول الله (ص):"المهدي من اجلى الجبهة، اقنى الانف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاكما ملئت جورا وظلما، يملك سبع سنين " ، وكذا حديث آخر مروٍ عن ابي سعيد الخدري يقول:"ان في امتي المهدي يخرج يعيش خمسا او سبعا او تسعا زيد الشاك. قال: قلنا وما ذاك؟ قال: سنين. قال:فيجيء اليه الرجل فيقول:يامهدي اعطني قال:فيحثي له في ثوبه ما استطاع ان يحمله" ، ولعل المرجح عند الشيخ الكوراني في الاحاديث التي تذكر مدة حكم الإمام المهدي (عليه السلام)ان اصلها الحديث الذي يذكر ان النبي (ص) اجاب على السؤال عن مدة حكمه بأن عقد بيده الشريفة اصابعها الخمس، ثم عقد من الثانية اصبعين، ففسره الرواة بسبع، ثم صحفت الكلمة في النسخ بتسع.ولكنها قد تكون سبع مراحل او عقود مثلا ولا دليل على حصرها بالسنين .
وكذا يرجح السيد صدر الدين الصدر (قدس سره) المدة بسبع سنين ، والواقع ان مدة حكمه تمتد زمناً طويلا من 5 سنوات او 7 سنوات الى 309، وهي مدة مكث اصحاب الكهف اذ يستغرق تبلورها، وتشكيلها مدة 5 او 7 سنين، وعصر تكاملها: 40 سنة، وعصرها الاخير اكثر من ثلاثمائة سنة.
الخاتمة:
(قُلِ الْحَمْدُ لِلهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى) (النمل/59)، وبعد:
فقد تبين لي من خلال البحث جملة من النتائج اوجزها على النحو الاتي:
الدولة المهدوية امر الهي، وعقيدة راسخة آمن بها الناس على مختلف عقائدهم ومشاربهم، وقد عدت بها جميع الاديان، والكتب السماوية _ ومنها القرآن الكريم _، وهو نتيجة حتمية لما تعانيه البشرية من ظلم، واظطهاد، وجور، وفساد فحري بها ان تتطلع الى اليوم الموعود، والقائد المنتظر لينشر العدل، والسلام، والخير، والامن، والامان فيتم النور الالهي ولو كره المشركون.
لما كان المهدي يخرج في آخر الزمان، وولايته امتداد لرسالة جده، وجده خاتم الانبياء والمرسلين فلا غرابة ان يكون جامعاً صفات مجموعة من الانبياء فهو اشبه الناس خَلقا وخُلقا، وسمتاً وهيبةً برسول الله (ص)، وبعيسى (عليه السلام)، ويبدو من الروايات انه يشبه خمسة من الرسل (يونس، ويوسف، وموسى، وعيسى، ومحمد _ صلوات الله عليهم _ فهو يشبه يونس برجوعه من غيبته، وهو شاب بعد كبر السن، وهو يشبه يوسف بغيبته عن خاصته وعامته، ويشبه موسى بدوام خوفه، وطول غيبته، وخفاء ولادته، وتعب شيعته مما لقوا من الاذى والهوان، اما شبهه بعيسى فاختلاف من اختلف فيه حتى قالت طائفة منهم: ما ولد، وقالت طائفة: مات، وقالت طائفة: قُتل وصُلب، واما شبهه بجده المصطفى (ص) فخروجه بالسيف، وقتله اعداء الله واعداء رسوله والجبارين والطواغيت، وانه يُنصَر بالسيف والرعب.
من المعلوم ان حياة البشر لا تستقيم بدون دولة تحكمهم، وتدير شؤونهم، وتنظم امورهم لا سيما في عالمنا المعاصر الذي تعقدت فيه الحياة وتشابكت العلاقات تشابكاً كبيراً، واليوم يتجه العالم نحو الدولة العالمية الموحدة، والى الانتماء العالمي بدلاً من الانتماء القومي والوطني، وهذا يذكرنا بكون الناس امة واحدة يحكمها نظام واحد هو نظام الفطرة الالهية فطرة الله التي فطر الناس عليها كما يخبرنا بذلك القرآن الكريم في قوله تعالى(كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (البقرة/213)، وقوله (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (يونس/19) لكنها امة تختلف في حياتها عن بساطة الامة وسذاجة عيشها وافكارها وطموحاتها بل ستعود امة متطورة على جميع المستويات، والجوانب: فالتطور على الصعيد الاقتصادي _ كما يبدو من الروايات _ ان الخيرات والبركات تنتشر في ايام دولة الإمام (عليه السلام)فتخرج الأرض كنوزها وخيراتها للناس، وتبدي بركاتها، ولا يجد الرجل منكم يومئذ موضعاً لصدقته ولا لبره، لشمول الغنى جميع المؤمنين، وتتضاعف البركات في الأرض لا سيما في مجال الزراعة اذ ورد عن رسول الله (ص) في وصف القائم انه يخرج في امتي المهدي، يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، وتكثر الماشية، وتَعظم الامة، ويزرع الانسان مداً وتخرج له سبعة امداد، وانه يقضي على نظام الاقطاع في الاراضي الزراعية وعندما نقول:ان الإمام الحجة (عجل الله فرجه) سيأتي بدين جديد يجب ان نعلم بأن الشريعة السمحاء قد ختمت بالمصطفى، وشاء الله له ان يكون خاتم الانبياء والمرسلين، وان يكون المهدي خاتم الاوصياء بوصف النبي (ص) قد كافح الجهل، والظلم، والفساد لتأسيس الدولة العالمية بعد معاناة وجهاد طويلين لكنه رحل الى المليك الاعلى عاقداً الامل على ولده المنتظر ليسود الإسلام على وجه الأرض اذ في دولته سيسود العدل ويطبق على جميع الأرض، اما تأويل مجيئه بدين جديد هو انه سيأتي بأحكام واقعية لا احكام ظاهرية فنحن الآن نعمل بأحكام ظاهرية اجتهد في استنباطها العلماء الاجلاء بعد معاناة وسهر وصبر فإذا ظهر الإمام فأنه سوف يُرجعنا الى الاحكام الواقعية في الموجودة في زمن النبي (ص) فيتصور الناس ان المهدي جاء بدين جديد اذ يعيد كثير من الاحكام التي تناساها الناس وتجاهلوها بعد ان مضى عليها الزمن أي انه يطبق الشريعة بكاملها فيظن الناس انه جاء بأمر جديد فمثلاً صلاة الجمعة _ هذه الشعيرة المهمة _ تنوسيتْ، وضُيعت يأتي فيوجبها فيتصور الناس انه قد اتى بدين جديد، والواقع انه يحيي الدين بعد اضمحلال، اما على صعيد القضاء فيوجد جهاز قضائي يقظ وفاعل، ووسائل مراقبة دقيقة بحيث لا يفلت مجرم من سيطرته، ولا يستطيع انتهاك عدالته، وهو عنصر يحد من انتشار الفساد، وانتهاك حرمة القانون لا سيما انه يخرج بعد ان يستشري الفساد، ولما كان العدل يعم ربوع دولته فإن المرأة تقضي في بيتها بالقرآن الكريم والسنة المطهرة. وفي الروايات انه يحكم بحكم داود فلا يسأل عن البينة، وكذا يحكم بحكم سليمان، وتشير بعض الروايات الى ان النبي عيسى يقضي في دولة المهدي بالعدل، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية.
واما على الصعيد الاداري فلا يختلف الإمام المنتظر عن جده في كونه رؤوفاً رحيماً بالناس _ ومنهم المساكين _ بيد انه حازم وحسيب على عمّاله لذا نجده يختار للحكم ولاة هم خيرة اصحابه الذين يتحلون بأعلى كفاءات الوالي الإسلام ي من العلم، والفقه، والشجاعة، والنزاهة، والاخلاص،
واما على الصعيد العلمي تشهد الامة الإسلام ية ابان الحكومة المهدوية تطوراً هائلاً في مختلف العلوم، لأن العلم سيعادل اثني عشر ضعفاً بالنسبة للعلوم والمعارف التي كانت سائدة زمن الانبياء الى يومنا هذا، ويفتح هذا العلم امام الانسان جميع ابواب التكامل الفكري، والرقي المعنوي، والتكامل الروحي فيشهد عصره تطوراً فكرياً وروحياً عالياً.
وأما على الصعيد الحربي فأن الإمام يخوض عدة حروب يستخدم فيها سلاحاً جديداً يقضي على غير المؤمن، ويترك المؤمن، ليس سيفاً وإنما نوع اخر من السلاح غير موجود حالياً وإنما ورد بتعبير السيف، لانه كان ابرز سلاح يُقاتل به في فترة صدور الاحاديث، لما كان السيف رمزاً للسلاح او القوة لذا فيكون معنى الاحاديث انه يظهر انه يظهر بالسلاح او انه يظهر بالقوة.
أما معنى حمله السيف _ كما ورد في بعض الاحاديث _ فهو اختياره شعاراً بيد ان اختيار السيف شعاراً يختلف عن اختياره سلاحاً وحيداً في معاركه اذ ان اختيار النسر او المنجل والمطرقة او النخلة او سنبلة القمح وكذا السيف لايعني انها الوسائل الوحيدة التي تعتمد عليها الدولة، وانما ترمز الى بعض المنطلقات الفكرية او الحيوية للدولة، فالسيف الوارد في الروايات رمز للشجاعة والاقتدار العسكري كما يشير القلم للعلم والثقافة، ومما يؤيد كون السيف رمزاً للقوة والقدرة العسكرية السبب العقلائي الذي يتلخص بكون العودة الى الوراء ليس امراً ممكنا ولا منطقياً، وهو خلاف سنة الخلق واصل تكامل الحياة، وليس هناك من دليل على جمود المجتمع، وايقاف عجلة تطوره بغية تحقيق الحرية، والعدل، والمساواة، وان قيام المصلح والمنقذ العالمي الكبير بهدف بسط الحرية، والعدل، والمساواة لايؤدي بأي شكل من الاشكال الى ركود او ازالة الحركة الصناعية وماعليها من تطور، ويحتمل ان تكون اسلحة الإمام متطورة جداً تفوق ماتملكه قوى الاستكبار العالمي من اسلحة، وتشير الروايات الى ان جنود الإمام المهدي الملائكة، والرعب، والمؤمنون.
ولا تنتج العولمة دولة عالمية منسجمة، يسودها نظام وقانون واحد، لأنها تمارس انواعا مختلفة من القسر والفرض مما يؤدي الى نشوء حالة من الممانعة عند الشعوب المختلفة تدعوها الى التمرد على ما تنتجه العولمة من قوانين، وأنظمة لإدارة العالم فلا بد من بديل للشعوب المحرومة والمستضعفة، ولا بديل لها سوى دولة الإمام العالمية التي سوف تحقق التقارب والتواصل الحقيقي بين الشعوب عبر قنوات الاختيار والقناعة، اذ كثير من الأطروحات الأرضية سوف تفشل في قيادة العالم الى ساحل النجاة، وتحقيق الاهداف الكبرى سوى هذه الدولة الالهية المباركة التي سوف تكون عالمية من خلال بسط نفوذها، وسيادتها على جميع المعمورة، وتكون الدولة الوحيدة في العالم التي لا تقوم بإزائها دولة أخرى وما مجيء الولايات المتحدة الى العراق إلا مسلسل الهدف من القضاء على قاعدة الإمام، وانتظار خروجه لإفشال نهضته، لأنهم يعلمون ان نهايتهم ستكون على يده لذا تراهم يبحثون عن شخصيات علمائية مؤثرة في المجتمع العراقي فيغتالونها وما اغتيالهم لآية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم وقبله آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر، وآية الله العظمى محمد الصدر وآية الله العظمى الشيخ علي الغروي وآية الله العظمى الشيخ مرتضى البروجردي من قبل صدام المجرم وجلاوزته إلا دليل واضح على بحثهم الدؤوب عن انصاره، واعوانه، وما زالوا يمارسون ابشع الاساليب للنيل من عقيدة المهدي، ومن ذلك تجنيدهم شخصيات متلبسة بالدين والعلم، ومن ذلك تضليلهم ثلة من الشباب بشخصية تلبست دور اليماني حتى شوهوا للناس صورة اليماني.
المصادر والمراجع:
1. الاربعون حديثاً في المهدي، أبو نعيم الأصفهاني، تح/ علاءالزبيدي الكوفي، ط1، محرم الحرام، 1428ق- 2007م.
2. الأصول الستة عشر من الأصول الأولية، تح/ضياء الدين المحمودي بمساعدة نعمة الله الجليلي، ط1، مهدي غلام علي، دار الحديث للطباعة والنشر، 142و3-1381ش.
3. أضواء على دولة الإمام المهدي(عج)، السيد ياسين _ دامت بركاته _، إعداد وتحقيق: مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي، ط1، مط: نقارش، جمادي الآخرة، 1425هـ.
4. أعلام الهداية _ الإمام المهدي المنتظر خاتم الأوصياء، ج14، لجنة التأليف، ط3، المجمع العالمي لأهل البيت، قم المقدسة، (د.ت).
5. الإمام المهدي المنتظر وأدعياء البابية والمهدوية بين النظرية والتطبيق، السيد عدنان البكاء، ط1، مركز الغدير للدراسات الإسلامية، بيروت، لبنان، 1419هـ - 1999م.
6. الإمام المهدي في الأحاديث المشتركة بين السنة والشيعة، محمد أمير الناصري، إشراف: الشيخ محمد علي التسخيري، ط2، المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، المعاونية الثقافية، 1428هـ.ق _ 2007م.
7. الإمام المهدي في القرآن والسنة، سعيد أبو معاش، ط2، مجمع البحوث الإسلامية، مؤسسة الطبع والنشر التابعة للإستانة الرضوية المقدسة، إيران، 1425ق- 1383ش.
8. الإمام المهدي _ نظرة وجيزة شاملة، الشهيد آية الله السيد حسن الشيرازي، ط1، 1426ق -1383ش.
9. بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي، تح/ محمد باقر البهبودي، ط3، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، (د.ت).
10. البداية والنهاية، ابن كثير، تح/ علي شيري، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، 1408-1988م.
11. التحديات المعاصرة ومشروع المواجهة الإسلامية، الشيخ محمد مهدي الآصفي، ط1، المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، المعاونية الثقافية، مركز التحقيقات والدراسات العلمية، الجمهورية الإسلامية في إيران، 1427هـ.ق.
12. الحكومة العالمية للإمام المهدي، آية الله العظمى ناصر مكارم الشيرازي، ط1، مدرسة الإمام علي بن أبي طالب (ع)، 1384ش- 1426هـ.
13. حياة الإمام المنتظر _ المصلح الأعظم، باقر شريف القرشي، ط1، مجمع الذخائر الإسلامية، مط: شريعت، 1427هـ.ق -1385هـ.ش.
14. الخلاف، الشيخ الطوسي، تح/ السيد علي الخرساني والسيد جواد الشهرستاني والشيخ مهدي نجف، المشرف: الشيخ مجتبى العراقي، ط2، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1420هـ.
15. سنن أبي داود، ابن الأشعث السجستاني، تح/ سعيد محمد اللحام، ط1، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، هـ1410-1990م.
16. شجرة طوبى، الشيخ محمد مهدي الحائري، ط5، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها، النجف الأشرف، محرم الحرام، 1385.
17. صحيح مسلم، مسلم النيسابوري، دار الفكر، بيروت، لبنان، (د.ت).
18. عصر الظهور، الشيخ علي الكوراني العاملي، ط12، دار الهدى، 1425هـ -2004م.
19. الغيبة (كتاب)، محمد بن إبراهيم النعماني، تح/ فارس حسون كريم، ط1، مهر _ قم، 1422هـ.
20. فكر الكوثر، مجلة تصدر عن مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية ع2، س1، خريف 1428هـ -2007م.
21. في رحاب الإمام المهدي، عبد الرحيم مبارك، ط1، مجمع البحوث الإسلامية، مؤسسة الطبع والنشر التابعة للأستانة الرضوية المقدسة، 1426ق -1383ش.
22. قرب الإسناد، الحميري القمي، ط1، تح/ مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، مط: مهر _ قم، 1413هـ.
23. الكافي، الشيخ الكليني، تح/ علي أكبر الغفاري، ط3، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1367ش.
24. كشف الغمة، ابن أبي الفتح الإربلي، دار الأضواء، بيروت، لبنان، (د.ت).
25. كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق، تح/ علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، محرم الحرام، 1405- 1363ش.
26. مجموعة الرسائل، الشيخ لطف الله الصافي، (د.ت).
27. محاضرات حول المهدي، الجزء الثاني، إعداد: مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي، ط1، النجف الأشرف، 1425هـ.
28. المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري، تح/ يوسف عبد الرحمن المرعشلي، (د.ت).
29. معجم أحاديث الإمام المهدي (عج)، الشيخ علي الكوراني العاملي، ط1، مط:بهمن، مؤسسة المعارف الإسلامية، قم، 1411هـ.
30. الملاحم والفتن، السيد ابن طاووس، ط1، مؤسسة صاحب الأمر (عج)، أصفهان، 15شعبان، 1416هـ.
31. المهدي، العلامة السيد صدر الدين الصدر، ط2، دار الزهراء للطباعة والنشر والتوزيع، 1422هـ - 2001م.
32. المهدي المنتظر (ق1)، موسوعة المصطفى والعترة، حسين الشاكري، ط1، نشر الهادي، 1420هـ - ق.
33. الميزان في تفسير القرآن، العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي، دار الكتب الإسلامية، طهران، (د.ت).
34. نهج الإمام المهدي في الحكم، من بحوث المرجع الديني السيد صادق الشيرازي، ط1، مط: نينوى، قم المقدسة، مؤسسة دار المهدي والقرآن الكريم، (د.ت).
35. نوادر المعجزات، محمد بن جرير الطبري الشيعي، تح/ مؤسسة الإمام المهدي (عج)، ط1، مؤسسة الإمام المهدي (عج)، قم المقدسة، 1410هـ.
https://ayandehroshan.ir/vdcf.ydyiw6d0xgiaw.html
ارسال نظر
نام شما
آدرس ايميل شما