تاریخ انتشارشنبه ۳ مرداد ۱۳۹۴ ساعت ۱۲:۲۶
کد مطلب : ۱۱۹۵
۱
plusresetminus
الخصوصية الصوفية للنظرية المهدوية
الدكتور سعاد الحكيم
يُحمد لهذا المؤتمر اليوم حول "النظرية المهدوية" عدة أمور، لعل أهمّها من وجهة نظرنا ثلاثة: إنّه يطرح مساحةً مشتركةً للحوار واللقاء وتبادل الرؤى في مسألة الخلاص بين المذاهب والأديان والفلسفات والحضارات. وهو أيضاً يفتح المجال لأن يمتدّ شعاع البصر إلى المستقبل في سياق تجديدي متفائل، مشبوك بالخوارق والقوى الروحيّة، ويختلف جذريّاً عن مسارات الفكر الإصلاحي السائد منذ أكثر من قرنين. كما أنّ المذاكرة في الإمام المهدي تستحثّ الوعي على نقد الواقع، ومحاكمة الدول، لا بالنظر إلى التقدّم والتخلّف وأسباب العمران المادي، بل بالنظر إلى ما تملأ به الواحدةُ منهم الأرضَ من ظلم وعدوان أو من حقّ وعدل.
وبناءً على هذه الفائدة الراهنيّة للموضوع أفتح دواوين محي الدين بن عربي لأصوغ نظريته في الإمام المهدي، وأجعل مداخلتي على أربعة أقسام آمل أن تحيط بالموضوع في حدود المتاح:
القسم الأول: التاريخ قبل الإمام المهدي
1. الإمامة الظاهرة والإمامة الباطنة
يستند ابن عربي إلى حديث نبوي يقول: "الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تصير مُلْكاً ليفسّر نشأة دولة الباطن الصوفية في مقابل الدولة الظاهرة. في البدايات _ وطوال الحكم الراشدي _ كان الخليفة الحقّ أي "المستخلف عن الله" هو نفسه الخليفة الظاهر. ولكن، بعد الخليفة الرابع الإمام عليّ كرّم الله وجهه، انشرخ واقع الحكم والسلطة إلى واقعين: واقع ظاهر يحكمه "الخليفة الظاهر" الذي أخذت خلافته شكل المُلْك المتوارث، وواقع باطن على رأسه الإمام الباطن أو الخليفة الباطن أو القطب وهو الخليفة الحقّ.
وحيث أن فكر ابن عربي مستمدّ من الفضاء السنيّ، نرى أنّه لا يقول بقطيعة بين الخليفتين، بل يخبر بأن الخليفة الباطن يدعم الخليفة الظاهر ويمدّه.
يصوّر في عنقاء مغرب واقعة المبايعة وكيفيّة تداخل الظاهر والباطن فيها، يقول: "واعلموا أنّ المبايعة لا تَقع إلا على الشرط المشروط [...] فقد يُبايَع شخص على الإمامة وفي غيره تكون العلامة. فتصحّ المبايعة على الصفات المعقولة [...] فيمدّ عند تلك المبايعة، للخليفة الناقص في ظاهر الجنس، الخليفةُ المطلوب يَدَه من حضرة القدس، فتقع المبايعة عليها من غير أن ينظر ببصره إليها" .
ويقول في بلغة الغواص ورقة 60 _ 61: "قال (ص): الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثمّ تصير مُلْكاً. فإنّه لما ضعف الخليفة الحقّ الذي هو القطب القائم بوراثة النبوّة عن الظهور بها احتجب بالملك الذي هو الخليفة ظاهراً، وأطلق عليه اسمه لبقاء صلاح العالم به، والخليفة الذي هو القطب ناظراً إليه وقائم به وممدّ له بحسب قبوله واستعداده".
إذن، نحن أمام عالمين؛ الظاهر منهما لا يلتفت إلى الباطن، أما الباطن فيدعم
الظاهر ويمدّه بحسب قبوله لهذا الإمداد ولهذا العون، لأنه إمداد لا تسيير. ولا تنحصر سلطة الإمام الباطن بإمداد الملك الظاهر بل له الإمامة الكبرى التي تجعله صاحب السلطة الفعلي في الوجود.
2. دولة الباطن
يرسم ابن عربي في الفتوحات المكية ج 2 ص ص 3 _ 29 هيكلية دولة الباطن. على رأسها شخص واحد هو القطب أو الإمام الباطن أو الخليفة الباطن وغير ذلك من أسماء، وتضم دولته إمامين [وزيرين] هما إمام اليمين وإمام اليسار، كما تضم أربعة أوتاد يحفظ الله بهم الجهات، وسبعة أبدال يحفظ الله بهم الأقاليم السبعة، وغير ذلك كثير من رجال معدودين [عددهم محصور في الوجود] ورجال لا يحصرهم عددهم رجال المراتب [الملاميّة، العباد، الزهّاد...]. وهذه الدولة الباطنة المستمدة من العطاء الإلهي، بيدها القوّة الحقيقية، ولكن لا حكم لها في الظاهر في حياة البشر العامة.
3. دولة الإمام المهدي
مع تعاقب العصور ازداد خلفاء الظاهر ابتعاداً عن الخليفة الباطن، وامتلأت الأرض ظلماً وعدواناً، وقَتْلاً وفِتَناً.. ويذكر الحديث الشريف أحداث آخر الزمان قبيل قيام الساعة، وخروج المهدي بعد ظهور الظلم والجور في الدنيا وغلبهما على الحق، وأنّه رجل من أهل بيت النبوة من بني فاطمة عليها السلام يواطئ اسمه اسم رسول الله (ص) واسم أبيه اسم أبيه (ص)، يملك الناس ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً .
ويتشارك المسلمون جميعاً الإيمان بخروج المهدي وبقيام دولته، نظراً لما ثبت من الحديث الصحيح. يقول ابن عربي: "إن لله خليفة يخرج وقد امتلأت الأرض جوراً وظلماً فيملؤها قسطاً وعدلاً، لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم واحد طوّل الله ذلك اليوم حتى يلي هذا الخليفة، من عترة رسول الله (ص) من ولد فاطمة، يواطئ اسمه اسم رسول الله (ص)، جدّه الحسن بن علي بن أبي طالب، يبايع بين الركن والمقام، يشبه رسول الله (ص) في خَلْقه - بفتح الخاء - وينزل عنه في الخُلق - بضم الخاء - لأنّه لا يكون أحد مثل رسول الله (ص) في أخلاقه، والله يقول فيه [القلم/ 4] : وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ .
إذن، المهدي يملك الناس ويقيم دولة بأمر من الله، لا برغبةِ إصلاحٍ يجدها في نفسه أو يدفعه إليها محيطه البشري. وفي قيام هذه الدولة مصالحة للتاريخ المنشرخ تاريخين بين الإمامة الظاهرة والإمامة الباطنة، لأنّ إمامها يردم المسافة بين الديني والسياسي بجمعه بين السلطتين الروحية والزمنية. وبالتالي يسكت النص الصوفي عن الكلام على دولة باطنة، لاتحاد الظاهر بالباطن والغيب بالشهادة.
القسم الثاني: الإمام المهدي: هويته ومنهجه
1. الهوية الروحية للمهدي المنتظر
أ. الولاية والخلافة والإمامة
إنّ المهدي_ في رؤية ابن عربي _ هو واحد من أهل ولاية الله سبحانه، بكل ما تستتبع الولاية من عرفان علمي وتصرّف في الكون بقدر ما ملّكه الله سبحانه من التصرّف فيه.
كما أنّ المهدي _ في رؤية ابن عربي _ هو واحد من أهل الخلافة الباطنة عن الله سبحانه، بكلّ ما تستتبع الخلافة من حُكْم ومُلْك.
والمهدي أيضاً _ في رؤية ابن عربي _ هو واحد من الأئمة في الكون، والإمامة "هي المنزل الذي يكون النازل فيها متبوعاً وكلامه مسموعاً" .
إذن، إنّ المهدي هو ولي وخليفة وإمام معاً، ولكن هل هو مطلق ولي ومطلق خليفة ومطلق إمام أم له رتبةً مخصوصة في هذه الدوائر لا يشارك بها ؟ وللإجابة على هذا السؤال ننتقل إلى الفقرة اللاحقة.
ب. خَتْم الإمامة بالإمام الأكبر.
يرى ابن عربي أنّ لكل أمر يخص الإنسان ختماً، فالرسالة والنبوّة خُتمتا بشخص رسول الله (ص)، فلا نبي بعده ولا رسول. وكذلك الولاية العامة خُتمت بشخص عيسى(ع)، والولاية المحمّديّة الخاصة خُتمت بشخصٍ نستشفّ من نصوص ابن عربي أنه يدلّ على نفسه.
وبناء عليه، فإنّ للإمامة أيضاً ختماً هو المهدي وهو الإمام الأكبر. وقولنا إنّ المهدي هم ختم الإمامة يعني أنّ الله سبحانه جمع له في إمامته كافّة وجوه الإمامة التي ظهرت متفرقة فيمن سبقه من الأئمة، هذا من جهة. ومن جهة ثانية إنّه لن يأتي بعده إمام يكون هو الواحد المتبوع في الزمان .
يقول ابن عربي: "والإمام الأكبر المتبع الذي إليه النهاية والمرجع وتنعقد عليه أمور الأمة أجمع [...] وكلّ إمام تحت أمر هذا الإمام الأكبر، كما أنّه تحت قهر القاهر القدير، فهو الآخذ عن الحق، والمعطي بحق في حق فلا تحزبوه وانصروه".
2. نهج الإمام المهدي
يستند ابن عربي إلى حديث نبوي ينصّ فيه رسول الله (ص) على أنّ الإمام المهدي معصوم في أحكامه، يقول (ص): "يقفو أثري لا يخطئ" . ويفسّر ابن عربي سبب عصمة المهدي في أحكامه ومفارقته للخطأ بأنّه لا يحكم "إلا بما يُلقي إليه الملك من عند الله، الذي بعثه إليه ليسدّده وذلك هو الشرع الحقيقي المحمّديّ الذي لو كان محمد (ص) حيّاً ورُفعت إليه تلك النازلة لم يحكم فيها إلاّ بما يحكم هذا الإمام، فيعلمه الله أنّ ذلك هو الشرع المحمدي" .
وينتج عن ذلك أمران:
الأمر الأول.. ارتفاع المذاهب الفقهيّة من الأرض لانتفاء الحاجة إليها بوجود الإمام المعصوم في أحكامه. يقول ابن عربي عن الإمام المهدي: "يقيم الدين، ينفخ الروح في الإسلام، يعز الإسلام به بعد ذله ويحيا بعد موته [...] يُظهر من الدين ما هو الدين عليه في نفسه ما لو كان رسول الله (ص) لحكم به، فيرفع المذاهب من الأرض فلا يبقى إلا الدين الخاص" .
الأمر الثاني.. يحرّم المهدي على نفسه القياس إتّكاءً على ما يأتيه من أحكام.
وهذا لا يعني أنّه غير خبير بالقياس بل العكس يعلمه ليتجنّبه. يقول ابن عربي مبيّناً عرضة القياس للغلط، وأنّه لا يصحّ أصلاً دينياً للمهدي المنصوص على عصمته في الأحكام: "فالإمام يتعيّن عليه علم ما يكون بطريق التنزيل الإلهي وبين ما يكون بطريق القياس، وما يعلمه المهدي - أعني علم القياس - ليحكم به وإنّما يعلمه ليتجنّبه (...) فيحرم عليه القياس مـع وجود النصوص التي منحـه الله إياها" . ويقول في السياق نفسه: "فإنّ القياس ممن ليس بنبيّ حكم على الله في دين الله بما لا يعلم، فانّه طرد علّة، وما يدرك لعلّ الله لا يريد طرد تلك العلّة ولو أرادها لأبان عنها على لسان رسوله (ص) وأمر بطردها. هذا إذا كانت العلّة مما نصّ الشرع عليها في قضيّة فما ظنّك بعلّة يستخرجها الفقيه بنفسه ونظره من غير أن يذكرها الشرع بنص معيّن فيها، ثمّ بعد استنباطه إيّاها يطردها، فهذا تحكّم على تحكّم بشرع لم يأذن به الله. وهذا يمنع المهدي من القول بالقياس في دين الله. ولا سيما وهو يعلم أنّ مراد النبي (ص) التخفيف في التكليف عن هذه الأمّة، ولذلك كان (ص) يقول: "اتركوني ما تركتكم"، وكان (ص) يكره السؤال في الدين خوفاً من زيادة الحكم" .
القسم الثالث: أعمال الإمام المهدي.. دولة الخوارق
تظهر أعمال الإمام المهدي في التبديل الذي يجريه في أحوال أهل الأرض، وهذا التبديل لا يتمّ بناء على قدرات ماديّة فقط بل يظهر المهدي بالخوارق. لكأنّ دولته هي دولة تقوم على قوى روحانيّة ربانيّة، تتعدّى القوى الماديّة المعروفة في الأرض في زمانه وتنتصر عليها.. إنّها تشبه في الملك ملك سليمان (ع) وتتخطّاها في أمور، لأنّها مظهر مُلْك محمّد رسول الله (ص)، يقول ابن عربي: "ومحمّد (ص)... الرحمة للعالمين ذاتاً وصفاتاً، وتمام ملكه موقوف على ظهور المهدي" .
وهذه القوة التي تطبع دولة المهدي تدعو إلى التفكّر في التصوّر الإسلامي للخلاص في آخر الزمان، وأنّه لن يتم إلاّ باتحاد الباطن بالظاهر، والتحقق بالقوة الخيّرة التي تقيم دولة الحق والعدل في مواجهة القوة التي تقيم الدولة الظالمة الجائرة.
ومن أبرز التغييرات التي يقوم بها المهدي في الأرض:
أ) من الجور إلى العدل.. وهذا التغيير بشّر به رسول الله (ص)، وشهد له بالصوابيّة والعدل. وقد سبق قول ابن عربي "إنّ لله خليفة يخرج وقد امتلأت الأرض جوراً وظلماً فيملؤها قسطاً وعدلاً".
ب) من الضعف إلى القوة.. تبرز القوة الظاهرة كقيمة في زمن المهدي، ويصبح النصر علامة على التقوى والقرب وكلّ أشكال الولاية. يقول عنه ابن عربي: "يخرج على فترة من الدين، يزع الله به ما لا يزع بالقرآن (...) يمشي النصر بين يديه" . وفي سياق آخر يقول: "فهو [= ختم الولاية المحمّديّة] والقرآن أخوان، كما أنّ المهدي والسيف أخوان" .
ج) من الجهل إلى العلم.. تعمّ المعرفة في زمن الإمام المهدي، لوجوده كمنبع عرفان في زمنه، وكذلك لانبساط اللطيف على الكثيف والروح على الجسد. يقول ابن عربي: "ويُعرف ما أشار إليه (ع) من عموم البركات عند ظهور المهدي، حتى يكلّم الرجل عذبة سوطه وشراك نعله وفخذه بما عمله أهله من بعده. وتُفتح القسطنطينية بغير سلاح إلـى سائر ما ذكر (ص) لعموم انبساط اللطيف علـى الكثيف".
د) من الفقر إلى الغنى.. يقول ابن عربي: "يقسم [المهدي] المال بالسويّة، ويعدل بالرعيّة، ويفصل في القضيّة، يأتيه الرجل فيقول له: يا مهدي أعطني، وبين يديه المال فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله" .
وبذلك تكون المعايير التي دافع عنها الصوفي وخاصة الفقر، قد تغيّرت لتغيُّر الزمان والإنسان، فالغنى أصبح أحد مقومات القوة، وبالتالي من كمال الإمامة.. ولا يجرح غنى اليدّ نقاءَ القلب من شهوة المال.
القسم الرابع: وزراء المهدي
تتكامل دولة المهدي بعدد من الوزراء، أصحاب قدرات مخصوصة، يعينونه على القيام بأعباء ملكه. يقول ابن عربي مخبراً عن أعداء المهدي ومبايعيه ووزرائه: "أعداؤه مقلّدة العلماء أهل الاجتهاد، لما يرونه من الحكم بخلاف ما ذهبت إليه أئمتهم، فيدخلون كرهاً تحت حكمه خوفاً من سيفه وسطوته ورغبة فيما لديه. يفرح به عامة المسلمين أكثر من خواصهم. يبايعه العارفون بالله من أهل الحقائق عن شهود وكشف بتعريف إلهي. له رجال إلهيون يقيمون دعوته وينصرونه هم الوزراء، يحملون أثقال المملكة ويعينونه على ما قلّده الله" .
وقد أفرد ابن عربي باباً في الفتوحات المكية هو الباب السادس والستون وثلثمائة، عنوانه: "في معرفة منزل وزراء المهدي الظاهر في آخر الزمان الذي بشّر به رسول الله (ص) وهو من أهل البيت" .
وهؤلاء الوزراء عددهم دون العشرة تأكيداً، لهم القدم الراسخ في الصدق، والمهدي أصدق أهل زمانه، فوزراؤه الهداة وهو المهدي، لذلك ينصره الله ومن تابعه، لأنّ النصر أخو الصدق حيث كان يتبعه . ويدلّل ابن عربي على التصاق النصر بالصدق بعدم انهزام المسلمين قط، كما أنّه لم ينهزم نبي قط. ويرى ابن عربي أنّه حتى لو تقابل جمعان متناقضان في العقيدة، فالغلبة ليس لمن عقيدته حقّة بل الغلبة للصادق في قضيته وإن كانت باطلة.. لأنّ النصر أخو الصدق .
ويتردد ابن عربي في إثبات عدد وزراء المهدي، ويربط عددهم بعدد سنيّ دولة المهدي. وحيث أنّ مدة إقامة دولته من خمس إلى تسع، فيكون وزراؤه لا أقل من خمسة ولا أكثر من تسعة، لأنّه لكل عام في دولته "أحوال مخصوصة، وعلم ما يصلح في ذلك العام خُصّ به وزير من وزرائه" . ويُقتلون كلّهم إلاّ واحداً منهم.
ولا يظلّ ابن عربي متردداً في عدد الوزراء، بل يحسم بالرقم تسعة إثر لقاء حمل إليه تعريفاً دون طلب منه، يقول: "قيض الله واحداً من أهل الله تعالى وخاصته، يقال له أحمد بن عقاب اختصّه الله بالأهليّة صغيراً، فوقع منه ابتداءً ذكر هؤلاء الوزراء، فقال لي: هم تسعة، فقلت له: إن كانوا تسعة فإن مدة بقاء المهدي لا بدّ أن تكون تسع سنين".
إن ما استفاد ابن عربي من أحمد بن عقاب هو عدد وزراء المهدي، أما ما تحتاجه دولة المهدي من علوم ويقوم به الوزراء، وبغض النظر عن عددهم، فهي تسعة علوم لا عاشر لها ولا تنقص عن ذلك  ويعرف ذلك ابن عربي دون الرجوع إلى أحد. وهذه العلوم التسعة هي:
1. نفوذ البصر.. وذلك "ليكون دعاؤه إلى الله على بصيرة في المدعو إليه لا في المدعو، فينظر في عين كلّ مدعو ممن يدعوه فيرى ما يمكن له الإجابة إلى دعوته فيدعوه من ذلك.. فإنّ المهدي حجة الله على أهل زمانه" .
2. معرفة الخطاب الإلهي عند الإلقاء.. وهو قوله تعالى [الشـورى/ 51] :  وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً. أما الوحي فهو ما يلقيه في قلوبهم على جهة الحديث، وأما قوله أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ  فهو خطاب إلهي يلقيه على السمع لا على القلب فيدركه من أُلقي عليه فيفهم منه ما قصد به من أسمعه ذلك. وأما قوله  أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فهو ما ينزل به الملك أو ما يجيء به الرسول البشريّ الينا إذا نقلا كلام الله خاصة .
3. علم الترجمة عن الله.. يكون المترجم خلاقاً لصور الحروف اللفظية أو المرقومة التي يوجدها ويكون روح تلك الصور كلام الله لا غير، فإن ترجم عن علم فما هو مترجم .
4. تعيين المراتب لولاة الأمر.. وهو العلم بما تستحقه كل مرتبة من المصالح، "فينظر صاحب هذا العلم في نفس الشخص الذي يريد أن يولّيه ويرفع الميزان بينه وبين المرتبة، فإذا رأى الاعتدال في الوزن من غير ترجيح لكفة المرتبة ولاّه، وإن رجح الولـي فلا يضرّه، وإن رجحت كفـة المرتبة عليه لم يولّه" وهذا الميزان رمز لدور المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
5. الرحمة في الغضب.. وهذا لا يكون إلا في الحدود المشروعة، لأن الإنسان إذا غضب لنفسه فلا يتضمن ذلك الغضب رحمة بوجه، أما إذا غضب لله فغضبه غضب الله سبحانه، وغضب الله لا يخلص عن رحمة إلهية تشوبه.. وفي هذا السياق قال أبو يزيد البسطامي: بطشي أشدّ لما سمع القارئ يقرأ [البروج/12]: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ. والسبب: إنّ بطش الإنسان بالإنسان لا رحمة فيه، أما بطش الله سبحانه فيأتي على رحمة سبقت. والمهدي لا يغضب إلا لله، فلا يتعدّى في غضبه إقامة حدود الله التي شرعها .
6. علم ما يحتاج إليه المُلْك من الأرزاق.. يعلم أصناف العالم ويوفر لهم الأرزاق الروحيّة والمحسوسة .
7. علم تداخل الأمور بعضها على بعض.. وهو معنى قوله [الحج/ 61]: يُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱللَّيْلِ  وهو علم التوالد في المعاني والمحسوسات .
8. المبالغة والاستقصاء في قضاء حوائج الناس.. وهذا يتعيّن "على الإمام خصوصاً دون جميع الناس، فإنّ الله ما قدّمه على خَلْقه ونصبه إماماً لهم إلاّ ليسعى في مصالحهم [...] فإذا رأيتم السلطان يشتغل بغير رعيّته وما يحتاجون إليه فاعلموا أنّه قد عزلته المرتبة بهذا الفعل، ولا فرق بينه وبين العامة" .
9. الوقوف على علم الغيب.. وهذا الإمام "له اطلاع من جانب الحق على ما يريد الحقّ أن يحدثه من الشؤون قبل وقوعها في الوجود، فيطّلع في اليوم الذي قبل وقوع ذلك الشأن على ذلك الشأن، فإن كان ممّا فيه منفعة لرعيته شكر الله وسكت عنه، وإن كان فيه عقوبة بنزول بلاء عام أو على أشخاص معينين سأل الله فيهم وشفع وتضرّع، فصرف الله عنهم ذلك البلاء برحمته" .
****
وفي الختام.. أورد نصاً لابن عربي يظهر إيمان ابن عربي بخروج المهدي وانتظاره
له، وقناعته بأنّ رجال المهدي لا يمنعهم عن نصرته السدّ المُتوهّم بين الماضي والحاضر.. يقول :
"... فيا منظور الناظر، ويا من بظهوره بطش الملك القادر، ويا ولي الله، ويا خليفة الملك القاهر. أما انسلختَ من الأصلاب والأرحام، أما أُمرتَ بتبديل هذه الأحكام.. السموات والأرض ومَنْ فيهن بانتظارك، والوجود متشوّق إلى إسفارِك. اللهم إنّا نؤمن بولايته، وخلافته، وإمامته، وهدايته، ولا نلحد فيه إلحاد الغافلين، ولا ننكره إنكار العالين، وننتظره مدّة حياتنا، إيماناً بك، وتصديقاً لرسولك. فلا تحرمنا إن لم تقسم لنا رؤيته أجر اتباعه. واكتبنا في عدد أنصاره وأشياعه".
https://ayandehroshan.ir/vdch.wnzt23nzmftd2.html
ارسال نظر
نام شما
آدرس ايميل شما