تاریخ انتشاردوشنبه ۱۹ مرداد ۱۳۹۴ ساعت ۱۴:۰۹
کد مطلب : ۱۲۱۲
۰
plusresetminus

المؤسسة الأكاديمية ومنهجية التحضير للظهور المقدس

الدکتور عبدالحسين عبدالرضا العمري
المؤسسة الأكاديمية ومنهجية التحضير للظهور المقدس
الدکتور عبدالحسين عبدالرضا العمري

يتمثل دور المؤسسة الأكاديمية من حيث التهيؤ والتحضير للظهور المقدس في عملية وضع برامج تنمية بشرية تلحظ فيها طبيعة الظهور ومنهجية التهيؤ له وصناعة الذات البشرية من خلال الوعي بأهمية الوجود المهدوي المقدس للكون بشكل عام من جهة، وللنوع البشري بشكل خاص، وللأتباع بشكل أخص، بما يوفر بيئة تربوية نظيفة من خلال تلك المنهجية المؤطرة بالنظام الأكاديمي المقنن، وبمضمون من الوعي الناضج المبني على قيم عليا من السلوك الفاضل، والأخلاق العالية، كل ذلك يتم من خلال تبني سياسة تعليمية تربوية تتمدد على مساحة من الوعي العلمي المثمر الذي يستجلب عبر آليات نوعية من قيم التراث الإسلامي العظيم المغمس بالنهج المحمدي العلوي الأصيل.
إن التحضير للظهور المقدس يمثل واجباً شرعياً يستمد شرعيته من المضامين المقدسة التي بنيت عليها النظرية الإسلامية في إشاعة العدل والتهيئة لحكومة العدل الإلهي من خلال صناعة رأي بشري عام يستند في مصداقيته إلى طبيعة الظهور نفسه، بما يمثله من رمزية دينية إلهية مقدسة يتطلب حضورها الواقعي وجود قواعد تتربى على أسس علمية، وعلى المعطيات المسببة للتعجيل بعملية الظهور لارتباطها بماهية المجتمع من حيث النظرية والتطبيق، والمنهج التربوي وتطبيقاته، والدفع بالمجتمع على أساس الفهم الواعي لقيمة المقدس بوصفه يمثل منظومة الخلاص البشري من الظلم والطغيان وسلب الحقوق، والالغاء القسري للقيم الإلهية الحقيقية وإحلال القيم المزيفة محلها، بما يلبي حاجات السلطويين والمخادعين، لا بما يلبي حاجات الجماهير العريضة من الفقراء والمساكين المقهورين.
تعتمد المنهجية الصحيحة لصناعة الفرد المهدوي أكاديمياً، على أساس من القيم الفاضلة وانتهاج طبيعة تعليمية واعية تتمثل الوجود المقدس للإمام المهدي (ع) على أنه وجود واقعي يقارب الحقائق الوجودية المرسلة في بنائها القيمي من جهة، وفي بنائها التطبيقي من جهة أخرى، وفي بنائها الحضوري من جهة ثالثة، باعتبار أن أركان المثلث المشار إليه لا تتقاطع في ما بينها، وتتعاطى مع الفكرة المهدوية علمياً، وتمارس دورها التوعوي الناضج القائم على المنهج العلمي والعقلي الذي تتبناه الجامعة وتساعد على تطبيقه من خلال التحريض على المشاركة الوجدانية قولاً وعملاً، والمشارطة الذاتية الباحثة عن كينونة الذات وعلاقتها الإشراقية مع الحضور المهدوي الشريف، والقناعة بأن طريق الخلاص يبدأ من هنا.
تهيمن على البحث منظومة القيم الوجودية الإسلامية الأصيلة المتمثلة بالنص القرآني وطرحه بوصفه المنظومة القيمية الحاكمة التي يعتمد عليها الظهور المقدس في إقامة العدل، والموروث النبوي العلوي الشريف بوصفه المنهج الذي يمكن أن يتعاطى من خلاله الحضور المقدس في بناء حكومته العادلة، وتوجيه الأفراد بناء على تلك المعطيات التي يجري منهجتها أكاديمياً، بما ينعش الذاكرة الواعية للأتباع ويحفزها للتفاعل من الآن والتهيؤ لاستقبال الظهور المقدس بوعي جماهيري منظم، ووعي علمي قائم على المنهجية القادرة على صناعة الفرد الأكاديمي المهيأ لاستقبال الظهور المقدس.
يستخدم البحث الآليات العلمية المتعارف عليها في بيان المنهجية الأكاديمية الصانعة للفرد الأكاديمي وتهيئته استعداداً لممارسة دوره ابتداءً من لحظة عرض الفكرة بوصفها بذرة يجري انباتها عملياً والتوجه الى الاهتمام بهذا الفرد المهيأ للظهور المقدس في تنميته فكرياً وعقائدياً، وارشاده وفق المنهج الأكاديمي إلى أفضل السبل في بناء الذات المتطلعة والمتشوقة للظهور والتحضير نفسياً وعقلياً واجتماعياً لاستقبال الظهور والاشراقة الكبرى التي ستطل بنورها على الكون كله.
مدخل
تعد المؤسسات الأكاديمية في بلدان العالم كافة هي الوعاء المنتج لمختلف النظريات في العلوم المختلفة، التطبيقية منها والإنسانية على حد سواء، وقد جرت العادة في هذه المؤسسات الأكاديمية أن يبادر علماؤها وباحثوها ومفكروها أيضاً إلى إعادة انتاج النظريات التي قدمها الباحثون قديماً، في العلوم بشتى أنواعها، بغية الاستفادة من قراءتها قراءة جديدة واعية تتلاءم وروح العصر من جهة، ومن جهة أخرى، البحث عن الجزئيات التي تتلاءم وحركة المجتمع الصاعدة باتجاه بلوغ أعلى درجات التطور والكمال الحضاري.
وبطبيعة الحال تقوم هذه المؤسسات الأكاديمية بربط واقع الحال بالماضي من جهة بيان الأبجديات الأولى التي تقوم عليها تلك النظريات، وربط الواقع بالمستقبل من حيث كونه يمثل الغاية أو الهدف من وراء ذلك والنظر في مدى أهلية تلك النظريات ومواكبتها لتطور الحياة من جهة أخرى، ولأن ذلك يعد مهمة تنهض بها المؤسسة الأكاديمية نفسها بوصفها قائدة المجتمع ومركز التنوير والإشعاع الفكري الذي يستلهم منه المجتمع إبداعه وطريقته في الحياة، كل ذلك جرى ويجري وفق منهج تعليمي وتربوي وضعت أساساته بناء على حاجة المجتمع المتطورة تفصيلياً، على أن يجري تحديث ذلك بناء على الحاجة المتجددة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية وغيرها، بما يسهل مهمة المجتمع، بحثاً عن إمكانيات جديدة يستطيع المجتمع الإنساني التعامل بها ومن خلالها وعلى أساسها؛ لما تمثله من ركيزة أساسية يجري التحرك عليها بوصفها قاعدة منتجة أخلاقياُ وتعليمياً وفكرياً، بما يجعل المجتمع البشري بشكل عام، والقواعد التي تنهض بهذه الأطروحات والأفكار ذات واجب مركب، فهي من جهة تعد أنموذجاً للعرض والطرح، ومن جهة أخرى تمثل الصف المتقدم في التطبيق العملي لما يمكن أن تكون عليه الأفكار والأطروحات الفكرية والنظرية.
ولذلك فإن المسلمين ليس بدعاً من هذه الأمم والشعوب في محاولة وضع منهجية علمية من خلال مؤسساتهم الأكاديمية، كونها مراكز علمية مرموقة لدراسة كل النظريات التي عرضها المفكرون والفلاسفة المسلمون السابقون، أو التي أشار اليها وذكرها القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف وأئمة أهل البيت (عليهم السلام) في مقولاتهم وإشاراتهم، ومن هنا تبرز أهمية تناول ما يخص أهل البيت (عليهم السلام) من نظريات بوصفهم الوعاء الحاوي للعلوم الربانية، وكما قال أمير المؤمنين (ع) ((نحن شجرة النبوة، ومحط الرسالة، ومختلف الملائكة، ومعادن العلم، وينابيع الحكم، ناصرنا ومحبنا ينتظر الرحمة، وعدونا ومبغضنا ينتظر السطوة)) ، وهذه الإشارة واضحة لفلسفة الانتظار وطبيعته ومردوداته الإيجابية والسلبية.
ولعل من أخطر النظريات _ إن لم تكن أخطرها على الاطلاق _ التي أشار إليها القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والأئمة عليهم السلام، هي وجود رجل ينتمي إلى السلالة المحمدية الشريفة، غائب عن الأنظار منذ ما يزيد على اثني عشر قرناً تقريباً وما يزال غائباً إلى اللحظة التي نعيشها، ووجوده واجب مراعاة للحال البشرية العامة، حيث يعد ذلك فيضاً ربانياً ومن الألطاف التي يعيش في ظلها البشر، وتستكمل هذه النظرية كينونتها الوجودية بظهور هذا الإمام الغائب يوماً ما ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً وقد أصبح هذا الكلام من المتواتر لدى المسلمين بشكل عام مع الأخذ بنظر الاعتبار وجود بعض الفوارق الجزئية التي لا تقدح في أصل النظرية، وما يعزز هذه النظرية من حيث الأصل أنها موجودة في الديانات الأخرى ولكن بأشكال وأنماط تتناسب ومفهوم تلك الديانات عن الشخص المخلص في نهايات الحياة البشرية على هذا الكوكب.
تتخذ الكتابة عن الأمام المنتظر (عج) أساليب شتى وصيغاً متعددة تختلف عن بعضها بعضاً باختلاف الوجه الذي يسلكه الباحث وقد اغنى الباحثون في هذا المجال المكتبةالإسلامية بالعديد من المؤلفات القيمة التي تناولت موارد شتى من العقيدة المهدية. وكلما غاص الفرد في خضم هذه العقيدة فتحت له أبواب لا حصر لها يلج فيها ليستخرج منها الدرر النفيسة، وفي هذه الدراسة الموجزة ارتأينا أن نطرح نظرية وجود الأمام المهدي (عج) من خلال عرض منهجي يتطلب وجود منهج أكاديمي منظم، ومن خلال ذلك نستطيع أن نعطي هذه القضية الكبرى حجمها الحقيقي بشكل واضح متجاوزين بعض الجزئيات التي تركنا الخوض فيها خوفالإطالة التي لا تعني شيئاً أحياناً.
إن التحضير للظهور المقدس يمثل واجباً شرعياً وأخلاقياً يستمد شرعيته من المضامين المقدسة التي بنيت عليها النظرية الإسلامية في إشاعة العدل والتهيئة لحكومة العدل الإلهي من خلال صناعة رأي بشري عام يستند في مصداقيته إلى طبيعة الظهور نفسه، بما يمثله من رمزية دينية إلهية مقدسة يتطلب حضورها الواقعي وجود قواعد بشرية تتربى على أسس علمية، وعلى المعطيات المسببة للتعجيل بعملية الظهور لارتباطها بماهية المجتمع من حيث النظرية والتطبيق، والمنهج التربوي وتطبيقاته، والدفع بالمجتمع على أساس الفهم الواعي لقيمة المقدس بوصفه يمثل منظومة الخلاص البشري من الظلم والطغيان وسلب الحقوق والالغاء القسري للقيم الإلهية الحقيقية و ما يجري من إحلال القيم المزيفة محلها، بما يلبي حاجات السلطويين والمخادعين، لا بما يلبي حاجات الجماهير العريضة من الفقراء والمساكين المقهورين.
ويكمن التحضير لمسألة الظهور المقدس والتعاطي مع هذه النظرية المهمة والخطيرة _ يتمثل في تحويلها من نظرية محصورة بين الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة وأحاديث الأئمة (عليهم السلام) إلى الواقع الملموس لمعايشتها من قبل المجتمع الإسلامي من خلال وضعها وفق منهج علمي رصين تقوم المؤسسات التربوية والأكاديمية بتدريسه لطلبتها.
تعتمد المنهجية العلمية الصحيحة لصناعة الفرد المهدوي أكاديمياً، على أساس من القيم الفاضلة وانتهاج طبيعة تعليمية واعية تتمثل الوجود المقدس للإمام المهدي (ع) على أنه وجود واقعي يماثل الحقائق الوجودية المرسلة في:
1. البناءالقيمي.
2. البناءالتطبيقي.
3. البناءالحضوري.
باعتبار أن أركان المثلث المشار إليه لا تتقاطع في ما بينها، وتتعاطى مع الفكرة المهدوية علمياً وبشكل منهجي، وتمارس دورها التوعوي الناضج القائم على المنهج العلمي والعقلي الذي تتبناه الجامعة وتساعد على تطبيقه من خلال التحريض على المشاركة الوجدانية قولاً وعملاً، والمشارطة الذاتية الباحثة عن كينونة الذات وعلاقتها الإشراقية مع الحضور المهدوي الشريف، والقناعة بأن طريق الخلاص يبدأ من هنا.
أولاً / البناء القيمي
يعد البناء القيمي لأي منظومة معرفية، لب الموضوع وكينونته الناهضة بالمضمون والمستوعبة لكل مضمونات الفكرة المعرفية، بوصفها المرتكز القاعدي الذي تقوم عليه تلك المنظومة المعرفية، بما يعطيها القوة الدافعة للتأسيس الفكري والمعرفي والسلوكي والتطبيقي والحضوري، وعلى هذا الأساس حصر الحديث النبوي الشريف البعثة النبوية الشريفة بتتميم الأخلاق، حينما قال (بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ومحاسنها)، وهنا تتمثل البعثة النبوية في مكارم الأخلاق بوصفها سبباً رئيساً في البعثة، وكذلك كونها مضمون الكينونة الرساليةالابتعاثية من عند الله تبارك وتعالى؛ لأن الدين لن يكون فاعلاً في المجتمع ما لم تعززه مكارم الأخلاق، باعتبارهما يكمل بعضهما بعضاً، وهنا تبرز مسألة هامة عن علاقة البناء القيمي بالظهور المهدوي المقدس، والموضوع واضح جداً، فالظهور المقدس يقع من الرسالة المحمدية السمحاء في اللب التشريعي والقيمي والعبادي، كونها تقوم على مجموعة من المقومات الأساسية، وواحد من هذه المقومات، هو الإمامة العادلة بوصفها تشريعاً إلهياً قرآنياً جاء به القرآن الكريم بنص صريح في قوله تعالى:
({وَنُرِيدُأَننَّمُنَّعَلَىالَّذِينَاسْتُضْعِفُوافِيالْأَرْضِوَنَجْعَلَهُمْأَئِمَّةًوَنَجْعَلَهُمُالْوَارِثِينَ }).
وهذه الإمامة العادلة تقع في ضمن مكوناتها الضمنية، المنظومة القيمية الرابطة للأفراد، التي تضبط إيقاع حياتهم بشكل خارج نطاق المألوف، لا على أساس التمرد الأخلاقي الخارج عن الاستقامة أو نبذ القيم، بل على أساس التمرد على القيم البالية التي لا تنسجم والأخلاق القويمة، وتوجيه الأمة باتجاه صحيح ينسجم ومتطلبات السماء وأوامرها ونواهيها، بما يجعل الأمة أو المجتمع يسير سيراً صحيحاً، ولن يأتي ذلك من دون إرشاد أو مرشد، بل لا بد من مرشد يقوم بدور الإرشاد وفق منهج صحيح يتبنى الأطر والأنظمة العلمية الحقيقية النافعة؛ لأجل توجيه المجتمع أو الأمة بطريقة علمية تقوم على أساس الفهم الواعي لحركة التاريخ والعقائد وضبطها من خلال شخصية المرشد الذي أوكله الله تبارك وتعالى على هذه المهمة العظيمة، وهذه الشخصية الموكل إليها هذه المهمة يجب التعريف بها للأجيال كونها هي مصدر الثبات والفيض الربانيللناس، بدليل قوله تعالى (وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَفِيهِمْ...)، فالوجود الاشتراطي هنا هو السبب في عدم نزول العذاب على الناس، وهذا يحتاج إلى بيان منهجي تقوم المؤسسة الأكاديمية بدور التبيان الصريح لمهمة هذه الشخصية من خلال ما يأتي:
1. كيفية وجود هذه الشخصية.
2. طبيعة هذا الوجود.
3. ضرورة هذا الوجود.
4. مهمة هذا الوجود.
ويتم ذلك بوجود منهج يقوم على إعداده جملة من العلماء والباحثين من الحوزات الدينية والجامعات الأكاديمية، بما يجعل الطالب الأكاديمي على بصيرة من هذا الأمر، ولا يقتصر الفهم على ما يتلقاه المتعلم الأكاديمي من هنا وهناك وبشكل مبتسر ومقطوع، بل يصار إلى إيجاد المنهج الذي يستضيء بنور الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، كقوله (صلى الله عليه وآله) لجابر بن عبدالله الأنصاري عن مهمة الإمام الثاني عشر (علي السلام) ومدى الفائدة من وجوده:
(إي والذي بعثني بالنبوة إنهم يستضيئون بنوره، وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلاها سحاب، يا جابر هذا من مكنون سر الله ومخزون علم الله فاكتمه إلا عن أهله).
من هنا يتبين أهمية البناء القيمي للمجتمع في التهيؤ للظهور المقدس، وضرورة أن يكون التحضير لتلك المهمة الخطيرة والعظيمة على أساس من الخلق الرباني الحقيقي ومتابعة أخلاق النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار (ع) من خلال طاعتهم في أوامرهم ونواهيهم؛ لأن ذلك يمثل طاعة لله تبارك وتعالى، حيث قرن طاعته سبحانه بطاعة رسوله وطاعتهم، كقوله تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ....).
ومن واجبات المنهج الأكاديمي، أن يبين أن مسيرة الأنبياء واحدة تتبنى الفكرة نفسها، في أن هناك شخصية ربانية قد أوكل إليها مهمة الإصلاح الأكبر في نهاية الحياة؛ لكي يكون هناك مواءمة بين الماضي والحاضر، من حيث المعتقد الرباني وطبيعة القيم التي نادى بها هؤلاء الأنبياء (ع)، وكما أشارت إلى ذلك بعض الآيات القرآنية، منها:
(شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَاوَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ..).
وبهذه الإشارات الربانية التي جاءت بها آيات القرآن الكريم، والأحاديث النبوية الشريفة، يتم بناء المنهج الأكاديمي في منظومته القيمية للتأسيس لحياة قادمة، تتبنى الأجيال تأصيلها وبناءها الهرمي وصولاً إلى البناء التطبيقي الذي لا يمكن أن يهتز بسبب أو بآخر، وكما قلنا، مع بيان العلاقة القائمة بين المنهج المهدوي ومنهج الأنبياء الذين سبقوا وطبيعة تلك العلاقة الربانية الاعتقادية الإصلاحية الشاملة.
يأخذ البناء الاجتماعي القيمي دوره الفاعل في بناء الفرد قيمياً من خلال ثقافة الفهم والاستيعاب والتفاهم ومعرفية المحاورة ومحاورة المعرفة، وانطلاقاً من (محتوى التعلم والتربية والتعليم والتأثير البيئي، بما فيه الوسط العائلي والأسري وموقع الفرد في خريطته وأنشطته وإسهاماته المتنوعة)؛ لأن أخطر ما يمر به الفرد المهدوي _ من وجهة نظرنا _ هو التكوين الفكري والبناء القيمي الذي يتطلب تأدية الواجبات والحقوق تجاه الذات والآخر، وما يقابله من عمل الآخر _ فرد أو جماعة أو مجتمع _ وبالشكل الذي يترتب عليه صالح الأعمال التي يؤديها الفرد أو الجماعة.
على أن هذا البناء القيمي يجب أن ينمو في الذات الإنسانية نمواً مضطرداً حتى يتحول إلى سلوك يومي في الطاعة والإذعان للإمام المنتظر (عج)، حيث أن الطاعة والانقياد المطلق لله سبحانه وتعالى ومن وجدت فيه هذه الميزة سيرى نفسه إنه مطيع لإمامه وكذلك المرأة مطيعة لإمامها وزوجها، وتوطين النفس على الطاعة أمر في غاية الصعوبة ولكن الفائز من وطن نفسه عليها حيث أن للطاعة آثار غريبة عجيبة ففيها الخير كله وفي قصة هارون المكي أحد أصحاب الإمام الصادق (ع) كل العبرة في أهمية الطاعة المطلقة للإمام، وهو ما يمكن فهمه منحيث أن هذا المفهوم أشار إليه الإمام الصادق (ع) حينما جاء أحد أصحابه، وهو من خراسان، قائلاً له، ما الذي يمنعك أن يكون لك تقعد عن الملك أو الحكم، وأنت تجد من شيعتك مائة ألف يضربون بين يديك بالسيف؟ فقال له الإمام عليه السلام: اجلس يا خراساني..ثم قال: يا حنيفة (وهي إحدى جواريه) اسجري التنور فسجرته حتى صار جمراً، ثم قال: يا خراساني قم فاجلس في التنور، فقال الخراساني يا سيدي يا بن رسول الله لا تعذبني بالنار أقلني أقالك الله، قال: قد أقلتك، بينما هم كذلك أقبل هارون المكي ونعله في سبابته فقال له الصادق (عليه السلام): الق النعل من يدك واجلس في التنور، فألقى النعل وجلس في التنور وأقبل الإمام يحدث الخراساني حديث خراسان ثم قال: قم يا خراساني وانظر ما في التنور، قال فقمت إليه فرأيته متربعاً فخرج إلينا وسلم علينا فقال الإمام: كم تجد يا خراساني بخراسان مثل هذا؟ فقلت: والله ولا واحدا فقال الإمام: لا والله ولا واحد، أما إنا لا نخرج في زمان لا نجد فيه خمسة معاضدين لنا، نحن أعلم بالوقتالذي يمكن لنا أن نكون على قمة الحكم، وهو هنا يشير إلى حتمية وجود ذلك في عصر الحجة المنتظر (عج)،
والقصد من كلام الإمام هو عدم وجود المطيعين لهم بالطاعة المطلقة أمثال هارون المكي الذي لو قيل لهم ارموا بأنفسكم في الموت رموها ولم يجادلوا، فالفخر كل الفخر من وطن نفسه على ذلك، ورب قائل يقول هذا الأمر يخص الرجال دون النساء سنقول له انه يخص النساء كما يخص الرجال فالطاعة هي الطاعة ليس هناك طاعة خاصة بالرجال وطاعة خاصة بالنساء، وكما بينّا سلفاً، بأن للمرأة دوراً عليها أن تؤديه بشكل مرضٍ لله ولرسوله وللإمام (ع)، نعم هناك خصوصية لكل من الرجل والمرأة في التعاطي مع الأحكام الشرعية وبعض المفردات التي لا تتناسب وطبيعة المرأة بيولوجياً فقط.
ولعل البديهة تفرض القول إن التشريعات الإلهية غير التشريعات الوضعية للإنسان؛ لأن الخالق عز وجل حينما وضع التشريعات، وضعها بمنظور الجعل التكويني للمخلوق العاقل وغير العاقل، المتحرك والساكن، المتغير والثابت، الظاهر والباطن، المنظور وغير المنظور، بما يجعل بناء الفرد قيمياً، بالموجه الثقافي والتعلمي والتربوي والتعليمي، من خلال فهم مستوى التمسك بصالح الأعمال، والتعود على رفض كل ما لا يتطابق مع القيم الأخلاقية الإنسانية، عن طريق تحول هذا البناء القيمي إلى سلوك غريزي بالممارسة والمعاودة الذاتية والترويض على كيفية الطاعة دون رقيب مباشر، مكتفياً بالرقيب الداخلي (الضمير) الذي يجعله محصناً ضد كل التيارات المنافقة وغير الصالحة.
ثانياً / البناء التطبيقي
ونعني به ذلك الإطار الذي يجمع كل التجارب الدينية والاجتماعية والجهادية الي قام بها الأنبياء والاوصياء خلال تاريخ البشرية، سعياً منهم لإقامة دولة العدل الإلهية التي ستكون حكومة الظهور المقدس للحركة المهدوية الشريفة هي الحكومة الكاملة، المتضمنة لكل المبادئ والقيم الإنسانية التي جاءت بها تلك الحركات الإصلاحية، كل ذلك يجمعه المنهج الذي تقوم على إعداده بالمؤسسات الأكاديمية مع الأخذ بنظر الاعتبار، الحركة الأدبية التي تتبنى هذا الاتجاه، من أدب وشعر وكتابة وقصة ومسرحية ورواية وغير ذلك من مناحي الفكر الإنساني الذي يختزل المنظور المقدس بشكل انفعالي وعلى شكل ومضات فكرية تحاكي قيم المثل العليا بحركة استباقية تتوخى الحذر من الوقوع في مطبات الترهل الفكري والعقائدي، مستلهمة الإمكانيات الضخمة في العقل البشري ومستنيرة بنور العلوم الإلهية التي أودعها كتابه الكريم، وعلم النبوة والإمامة في تحشيد كل طاقة تتبنى الفكر العقلي غير السفسطائي في بلورة حركة أدبية انفعالية تسهم في إذابة الجليد الفكري المسلط على عقول الناس من أجل التفاعل مع عملية الظهور.
ولأن من مهمة المجتمع البشري أن يضع كل طاقاته خدمة لعملية الظهور، فإن للمرأة في عصر غيبة ولي الله الأعظم (عج) دوراً لا يمكن أن نغفل عنه إذ يقع عليها واجب التبليغ ونشر العقيدة المهدوية والعمل على توعية النشء الجديد وتربيته بشكل يسهم في إقامة قاعدة شعبية قادرة على استيعاب الأطروحة المهدوية وفهم فلسفة الثورة العالمية وأهدافها، فشخصية المرأة المؤمنة تحتم عليها أموراً والتزامات يجب عليها التقيد بها لتكون أهلا للوسام الذي اتشحت به وهو نعتها بالمؤمنة، فالإيمان إقرار بالجنان وعمل بالأركان، فلابد للمرأة من فهم هذا المعنى لكي تصبح قدوة لغيرها من النساء المسلمات، ومن هذه الالتزامات التي يجب أن تتقيد بها هي:
1. العفة والابتعاد عن المحرمات وان لا تجعل نفسها ألعوبة بيد الشيطان وعليها أن تتحداه بكل الوسائل كي لا يكون له عليها سبيلا.
2. عليها بحسن التبعل إن كانت متزوجة وهذه عبارة (حسن التبعل) كم هي قصيرة في عدد كلماتها إلا أنها تحمل من المعاني ما شاء الله ففيها رضا الرب وبتركها غضبه.
3. أن لا تنسى أنها مدرسة تتعلم فيها الأجيال وهذه المنزلة تحتم عليها الكثير من الأمور لأنها إن فسدت فسدت الأجيال وان صلحت صلحت الأجيال.
إذن للمرأة دور قبل الظهور المبارك وهو التمهيد له وبعد الظهور المبارك وهو نصرته، والروايات أكدت على ذلك فقد جاء عن الإمام الصادق أن من أنصار الإمام المهدي الذين يظهرون معه ثلاثة عشر امرأة يداوين الجرحى...وذكر أسماء بعض منهن وهن كما جاء في الرواية (أم أيمن وحبابة الوالبية.....)والحديث هنا ليس عن شخصيات هذه المجموعة الطيبة التي ورد ذكرها في الحديث وإنما عن سمـات المرأة المهدوية بصورة عامة في هذا العمل الإصلاحي المبارك.
من هنا نرى النساء في عصر الظهور يمارسن دوراً لا يقل عن نساء معركة الطف
لاسيما دور العقيلة زينب (ع)، مع الفارق بين الدورين فقد لعبت المرأة دوراً في عصر
بدء الرسالة المحمدية الخاتمة، وكانت السيدة خديجة الكبرى وابنتها السيدة الزهراء
عليهما السلام خير مثال على تلك التضحية التي كانت لها الفضل في ديمومة الإسلام المحمدي الأصيل.
وأن الدور الذي ستلعبه النساء في عهد الحكومة العالمية وبدء الظهور بالتأكيد سيكون دوراً مميزاً؛ لأن نساء عصر الظهور يمتلكن صفات ومؤهلات خاصة وصفات حميدة مما يؤهلهن كي يصبحن ضمن العدة المعدودة التي تلتحق لتبايع الأمام في مكة.
لقد اختلفت الروايات في تحديد عدد النساء اللواتي يلتحقن بالإمام (عج) ويبايعنه في مكة فبعض يشير الى خمسين امرأة وبعض الباحثين يشير إلى أنهن ثلاث عشرة فقط وحينمانجمع بين الروايات نجد أن عدد النساء اللواتي يصحبن جيش الأمام(عج) خمسون امرأة، ثلاث عشرة منهن لهن أدوار خاصة تتمثل بالتحريض وإسعاف الجرحى فضلاً عن أن المرأة هنا تلعب دوراً هاماً في التبليغ ضد الدجال وحركته الاباحية؛ إذ ورد عن الأمام الباقر(عليه السلام) (يجيء والله ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً فيهم خمسون امرأة يجتمعون بمكة على غير ميعاد قزعاً كقزع الخريف).وعنه أيضا (عليه السلام) (وتؤتون الحكمة في زمانه حتى أن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله تعالى وسنة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم).
ولعل إشارة الباري في محكم كتابه المجيد (وَلاَتَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْجَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً)تسلط الضوء على المستقبل الذي يمثل وجهاً ضبابياً في فهم المعنى المراد والمطلوب، وهو يحتاج إلى بيان يمارس عملية التشخيص الحقيقي الذي ينطبق عليه مفهوم المظلومية التي طالما ذكرها القرآن الكريم، ولذلك حينما سئل الأمام الصادق (عليه السلام) عن قوله تعالى ذاك، قال: (ذلك قائم آل محمد يخرج فيقتل بدم الحسين فلو قتل أهل الأرض لم يكن مسرفاً ثم قال (عليه السلام) يقتل والله ذراري قتلة الحسين لرضاهم بفعال آبائهم.
فالأمام المهدي(عج) سيكمل ما بدأه الأنبياء والاوصياء والأئمة والصالحون وسيعمل على قيادة الثورة الربانية التي مهد لها من سبقه من الأنبياء والصالحين، ولعل ثورة الإمام الحسين (ع) هي الفجيعة الكبرى التي يقف عندها طويلاً الإمام الحجة المنتظر (ع)؛ لأنها تمثل مدرسة العشق الإلهي الخالص، والأرض التي جرت فيها المعركة التي استشهد فيها الإمام الحسين (ع) هي (مناخ ركاب ومنازل عشاق)، وقد ورد في حديث عن أمير المؤمنين(عليه السلام) حينما مر بأرض كربلاء في أيام صفين فشم تربتها وقال: (واهاً لك أيتها التربة ليحشرن منك أقواما يدخلون الجنة بغير حساب.
من هنا يتبين أهمية توضيح معالم الثورات والحركات التغييرية التي قام بها المصلحون من الأنبياء وغيرهم في المنهج الأكاديمي واجراء عملية الربط العقائدي والفكري والجهادي والسلوكي بين هذه الحركات التغييرية والحركة المهدوية المقدسة كونها هي المكملة والخاتمة لكل حركات التغيير الإلهية التي سبقتها.
ثالثاً / البناء الحضوري
يمثل البناء الحضوري اللبنة الثالثة في المنهج الأكاديمي المقترح، إذ يعد وجهاً تطبيقياً من نوع آخر، فالحضور الجماهيري في المنتديات والمهرجانات والمؤتمرات وكل النشاطات الثقافية الأخرى من تأليف الكتب وإلقاء المحاضرات وإقامة اللقاءات الثقافية والفكرية والإعلامية لتوعية المجتمع وإفهامه دوره المنوط به، ولكي يفهم العالم كذلك ماهية الظهور المقدس وطبيعته وكيفيته، والمصلحة التي يمكن أن تكون أو التي يحصل عليها المجتمع البشري في بناء حياة كريمة بوجود حكومة عادلة تعطي لكل ذي حق حقه، غاية ذلك التعبير عن المفهوم الكلي والطبيعة الإلهية للثورة المهدوية، وأن وجود إمام عادل ومخلّص تلتقي عنده كل الديانات في ضرورة وجوده وقيادته للعالم، كل ذلك يمثل ركائز أساسية يجري الإفادة منها في بناء المنهج الأكاديمي المطلوب.
إن من أهم الركائز التي يجري التركيز عليها في بناء المنهج الأكاديمي، هو الخطاب الإعلامي من خلال البث المعرفي؛ لأن (مثل هذا الخطاب يحمل مسؤولية مطالبة الأمة بتجسيد خصوصيتها ولتتصدى لخطابات التردي وتبعد عنها أي تأثر بإعلاميات الاغتراب) الزائفة التي تحتال على الفرد المسلم من خلال تقديم المغريات المادية التافهة والمزيفة وتحويله إلى سلعة تباع وتشترى بالإعلان التجاري الرخيص.
لعل الأسلوب الذي سيتخذه الإمام المهدي (عج) في محاورة الخصوم لحظة الظهور المقدس على أرض الواقع، لا يفرق عن السلوب الحواري الذي اتبعه الأنبياء والمرسلون والأئمة والصالحون من قبله؛ لأن مبدأ الحوار والمجادلة بالحسنى والإقناع بالحجة والدليل هو الطريق الذي سلكه هؤلاء الأنبياء وسيسلكه الإمام المهدي (عج) من بعدهم، حيث أن ذلك هو تطبيق للمنهج القرآني في حفظ الذات البشرية من الامتهان، والدم البشري من الابتذال وعدم هدره إلا بالحق والدفاع عن المقدسات وليس في سبيل نزوات السلاطين المستبدين، ولعل نظرة إلى تاريخ الرسالات السماوية تعطينا كيفية المنهج وماهيته الذي سلكه الأنبياء مع مجتمعاتهم، ومن الأمثلة القريبة إلى ذلك أو التي تقع منه في صلبه، تلك المسيرة العظيمة التي الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) مع قريش وغيرها في الدعوة إلى الإسلام، وكذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) في محاججته لقريش بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحينما تولى الخلافة بعد ذلك أثناء خروج السيدة عائشة وطلحة والزبير والخوارج ومعاوية عليه، فقد كاتبهم وضرب لهم الدليل تلو الدليل على أحقيته وبطلان دعوتهم، فلما لم يجد من الحرب مخرجاً كانت الحروب الثلاثة (الجمل والنهروان وصفين) التي قتل فيها كثيراً من الناس، وقطعاً هناك جبهة تدافع عن الباطل وأخرى تدافع عن الحق، وهيهات أن يتساويا؛ لأن العدل والإنصاف يوجب معرفة حق كل صاحب حق، وباطل كل صاحب باطل.
كما فعل الحسن (ع) مع معاوية حين الصلح معه، والحسين (ع) مع أهل الكوفة قبل مجيئه إلى الكوفة وبعد مجيئه إليها، بل حتى وهو محاصر استخدم الحوار مع جيوش بني أمية فلما لم يجد غير القتال سبيلاً نزل إلى ساحة الحرب وقدم الضحية تلو الضحية حتى قدم نفسه الشريفة ثمناً للمبدأ الإلهي الذي سيدافع عنه فيما الإمام المهدي (عج)، حيث سيتبع الأسلوب ذاته من المحاورة السلمية مع أعدائه من خلال إرساله سفرائه إليهم _ كما تقول الروايات _ فقد ورد عن أبي بصير في حديث طويل (يقول القائم(عج) لأصحابه يا قوم أن اهل مكة لا يريدونني ولكني مرسل إليهم لأحتج عليهم بما ينبغي لمثلي أن يحتج عليهم فيدعو رجلاً من أصحابه فيقول له: امض الى اهل مكة، فقل: يا أهل مكة أنا رسول فلان إليكم وهو يقول لكم: إنا أهل بيت الرحمة، ومعدن الرسالة والخلافة، ونحن ذرية محمد وسلالة النبيين وإنا قد ظلمنا واضطهدنا وقهرنا، وابتز منا حقنا منذ قبض نبينا إلى يومنا هذا فنحن نستنصركم فانصرونا، فإذا تكلم هذا الفتى بهذا الكلام أتوا عليه فذبحوه بين الركن والمقام، وهي النفس الزكية، فإذا بلغ ذلك الأمام قال لأصحابه: ألم أخبركم أن أهل مكة لا يريدوننا، فلا يدعونه حتى يخرج فيهبط في عقبة طوى في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدة أهل بدر حتى يأتي المسجد الحرام فيصلي فيه عند مقام إبراهيم أربع ركعات ويستند ظهره إلى الحجر الأسود ثم يحمد الله ويثني عليه)، فالإمام المهدي يريد بهذا الأسلوب أن يعيد للأذهان موقف الرفض المستمر للحوار السلمي من قبل أعداء الإسلام، وهو يتبع نهج إبائه السابقين، كما في واقعة الجمل حيث رفع أمير المؤمنين(عليه السلام) مصحفاً بيده وقال: من يأخذ هذا المصحف فيدعوهم إلى ما فيه وله الجنة؟ فقام غلام شاب اسمه مسلم عليه قباء بيض فقال: أنا أخذه فأعادها الأمير ثلاثاً فلما اخذ الكتاب قال لهم هذا كتاب الله بيننا وبينكم فضربه رجل فقطع يده اليمنى، فتناوله باليسرى، فضربه أخرى فقطع اليسرى، فاحتضنه، فضربوه بسياطهم حتى قتل).
من هنا نجد أن الأمام المنتظر يتبع سبيل آبائه وأجداده (عليهم السلام)، ولعل فحوى الخطاب الذي يلقيه في مكة عند إعلانه الثورة تأكيد على إلقاء الحجة على أعدائه، كذلك فعل الأمام الحسين(عليه السلام) فقد ذكر الناس وبأكثر من مناسبة بحقه و أهل بيته عليهم كما ذكرهم بكتبهم ومراسلاتهم له دعوتهم له للمجيء الى العراق وتخليصهم من سلطة الحزب الأموي فتجده يقول: (أتقو الله ربكم ولا تقتلوني فانه لا يحل لكم قتلي ولا انتهاك حرمتي فاني ابن بنت نبيكم وجدتي خديجة زوجة نبيكم ولعله قد بلغكم قول نبيكم الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة)، ولم يكن جواب القوم الا أن قالواإما أن تستسلم لابن زياد ليرى فيك رأيه أو نقاتلك قتالاً أدناه قطف الرؤوس وقطع الأيدي والأرجل، هذه هي حقيقة موقف الحزب الأموي وجلاوزته ويذكر موقف أخر للإمام الحسين (عليه السلام _الذي أكثر من الوعظ والإرشاد ولكن بلا جدوى_ حينما رام مسلم بن عوسجة أن يرمي معسكر العدو فمنعه الأمام(عليه السلام) وقال له: "دعني حتى ارميه فان الفاسق من أعداء الله وعظماء الجبارين وقد أمكن الله منه، فقال الحسين(عليه السلام): لا ترمه فاني اكره أن ابدأهم بقتال)، هذه هي مواقف سيد الشهداء والتي سيعيدها جلية حفيده التاسع إذ سيخرج بعد مقتل النفس الزكية السفير الخاص بخمسة عشر ليلة وذلك بعد إلقاء الحجة وقطع العذر عن الأمام الصادق(عليه السلام) (ليس بين قيام آل محمد وبين قتل النفس الزكية إلا خمسة عشر ليلة).
وفي الحوار الإنساني لابد دوماً من وجود متبنيات قبلية مشتركة يحتكم إليها الجميع، ولعل ذلك لا يتعارض مع المشترك الديني إلا بما يعزز الوازع الأخلاقي العرفي الذي يتساوق مع الدين الحقيقي وليس المزيف الذي يلبي حاجات السلاطين، وعلى هذا الأساس فإن الدعوة الأولى هي دعوة الحوار الإنساني الذي سعت إليه كل الديانات، كما نص على ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى:
(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِاللهِ...)، فإشاعة الحوار الإنساني مهمة رسالية لا ينهض بها إلا الأنبياء أو المصلحون العظماء، وفي المقدمة منهم الحجة المنتظر (عج).
إن صناعة الثقافة المجتمعية الت تتمحور حول الوجود المهدوي المقدس يمثل واجباً شرعياً وأخلاقياً، الغرض من ذلك إشاعة الثقافة المهدوية المعنية بقضية الظهور الكبرى، بوصفها منظومة وجودية أصيلة تمثلت بالنص القرآني في إشاراته الكثيرة عنها، والحديث النبوي الشريف وما ورد عن أئمة أهل البيت (ع)، وما بشر به أنبياء الله السابقون، كالذي ورد في الأناجيل المسيحية وغيرها من الكتب السماوية التي احتفظت بذلك بالرغم من تحريف المحرفين.
الخلاصة
من خلال ما تقدم، يتبين لنا أن الأكاديميات الإسلامية بشكل عام لم تأخذ دورها الحقيقي في عرض القضية المهدوية المقدسة وطبيعة الظهور المقدس وكيفية هذا الظهور وماهيته والمتحصل من وراءه من الخير والأمن والطمأنينة، ولذلك فمن واجب الأكاديمية أن تضع منهجاً دراسياً يحوي الآتي:
1. أن يتولى هذا المنهج بناء الفرد المسلم قيمياً بالنظر إلى المفاهيم الإسلامية الحقة ومكاشفته بخبايا التاريخ لكي يكون على بينة من تاريخه الملئ بالمغالطات السياسية والأخلاقية والثقافية وغير ذلك.
2. أن يتولى المنهج بناء الفرد المسلم بناءً تطبيقياً من خلال الموازنة بين الحاجة العقلية المتمثلة بالروايات والأحاديث والآيات القرآنية، والحاجة الانفعالية المتمثلة بالقصة والرواية والشعر والمسرح والندوات والمسابقات الثقافية وغير ذلك بما يعزز الفكر المهدوي لدى الفرد المسلم.
3. أن يتولى المنهج بناء الفرد المسلم حضورياً بإشاعة روح الحوار والتسامح وتقبل الآخر، مع بيان الظلم الذي تعرض له أهل البيت (ع) من الآخرين من خلال الاستدلال بالروح الحوارية العالية التي يتمتع بها القرآن الكريم.
https://ayandehroshan.ir/vdch.znzt23niiftd2.html
ارسال نظر
نام شما
آدرس ايميل شما