تاریخ انتشارشنبه ۱۰ مرداد ۱۳۹۴ ساعت ۰۹:۴۸
کد مطلب : ۱۲۰۳
۰
plusresetminus
الإستراتيجيات والحلول للأخلاق المعدة والممهدة للظهور في وسائل الإعلام (التلفزيون، السينما، الأنترنات ...)
محمد الناجم وهيبي
مقدمة
إن الحديث عن العقيدة مطلقا هو شيء ذاتي ينبع من مشاعر عميقة لدى الفرد، ويدفعه للتشبث بما يعتقد، ويلتمس الحجة والبرهان للدفاع والإقناع، وبالتالي كسب الطرف المقابل وضمّه إلى جانبه، أما إذا تعلق الأمر بعقيدة إيمانية دينيّة كالعقيدة المهدوية، ومكوناتها، ومصادرها، ومقوماتها، وأهدافها، وغاياتها فإن الأمر يرتقى إلى درجة التماهي والذوبان فيما يعتقد، والانصراف إلى التأسيس، والعمل الجاد لبلورة هذا الاعتقاد في أعمال تمهيدية تكتنفها الأخلاق العالية لانتظار لحظة الظهور التي طالما انتظرها المريدون، وعملوا على الإعداد لها إعدادا محكما في مختلف المجالات والميادين، جادين في تأطير مجتمع مؤمن بنمط خاص من الأخلاق المؤسّسة لحياة نوعية تقوم على أهداف نبيلة انطلاقا من واقع يطمح الجميع إلى تهذيبه، وإعداده إعدادا يجعل منه أرضية ملائمة لقدسية الحدث وجسامة الرسالة التي ينتظرها الجميع.
وفي هذا الإطار أردنا التركيز على أهميّة العقيدة المهدوية والاستراتيجيات المحققة لحلول أخلاق مميّزة، معدة وممهدة للظهور من خلال وسائل الإعلام، مقسمين هذه الاستراتيجيات إلى جزء أول يتعلق بالمضمون، سواء كان عقائديا أو نفسيا أو أخلاقيا، وجزء ثان يتعلق بالمناهج والطرق والوسائل، منها المنهج التربوي الذي هو جزء من الإعلام والاتصال، متوخين في ذلك الحديث عن طرق التبليغ القائمة أساسا على المقروء كالصحيفة والمجلة، والمسموع كالإذاعة، والمرئي كالتلفزيون والسينما، إلى جانب وسائل الإتصال الأخرى، الجامعة لمختلف الخصائص كأدوات التواصل الاجتماعي بصفة عامة سواء منها الانترنت أو " الفايس بوك " أو الإرساليات القصيرة ...
هذا وقد حاولنا التأكيد على إبراز شروط ومميزات المضامين، والمناهج المتوخاة في الإعداد للظهور، من خلال إرساء نمط حياة وأخلاق ممهدة للظهور، مختتمين الموضوع بالغايات والأهداف من هذا التوجه والاختيار، لاعتقادنا بأن أي دين أو نحلة أو مذهب ديني، إنما يقوم على أهداف واستراتيجيات، تهدف إلى تحقيق آمال البشرية جمعاء، وتؤسّس لإقامة أخلاق تسمح بالتواصل بين بني الإنسان من أجل تحقيق الأفضل، وتلك هي غاية كل دين ومطمح أي إنسان عاقل مسؤول.
وفي هذا السياق فإن الفلسفة المهدوية بقدر ما هي دافع نحو المستقبل، فإنها فاتحة أمل، وبارقة نور، حيث تحولت إلى جذوة روحية وثابة لا تعرف الخنوع والخضوع والاستسلام، بل تروم كسب التحديات الفكرية، والعقائدية بدافع ما جبلت عليه من طموح، وما رسمت لنفسها من هدف قوامه تحقيق مستقبل واعد يبشر بغد أفضل.
ويمكن لهذه العقيدة المهدوية من خلال ما تقوم به، وتسعى لنشره، أن تنسجم وتتماهى مع كل التوجهات ذات البعد الإنساني النبيل، والتي تجعل من مهمتها خدمة الإنسان والحقيقة مع التزام التسامح والتواصل، حيث تعم الأخلاق الحسنة جميع الميادين والاختصاصات في أوسع رقعة، وحيثما يوجد الإنسان، فالميزة الأساسيّة للإنسانية هي الإحساس بالآخر، واحترام فكره، واعتقاده، والتعاون معه من أجل أن يعمّ الخير البلاد والعباد.
استراتيجيات خاصة بالمضامين
إن اختيار وسائل الإعلام والاتصال كأداة تسرّع وتساهم في الإعداد للظهور، إنما هو اختيار استراتيجي هام وخطير، هام من حيث شمـولية التناول، وعموم المستهدفين بالتكوين والإعداد، وتنوع الوسائل وانسجامها مع كل الشرائح ومكونات المجتمع المحلي والعالمي، الحاضر المباشر، والغائب المخاطب، وخطير من حيث الحذر في إعداد المحامل والمضامين، المراد تبليغها، من أجل إعداد جيّد يمهد لظهور طالما انتظرته البشرية، وجعله يليق باللحظة الحدث، ذلك أن خطورة المضمون تقتضي العناية بدراية ما نريد تبليغه، وتقديمه على الوجه الذي يقنع، من خلال اختيار المضمون، والباث، والمتلقي، أو المستهدف بالخطاب، مهما اختلفت سنّه، وتوجهه، وموطنه، وجنسه، واعتقاده، فإن تماهى فذلك هو المقصد، وإن أحجم فقد ضمنّا بلوغ المعلومة والطريقة في انتظار التفاعل الايجابي معها على أن نعاوده بالتعهد والخطاب.
وقد أوردنا هذه المضامين ضمن العقدي والنفسي والأخلاقي، وثلاثتها مرتبطة بعضها ببعض، فلا يمكن أن نفصل المضمون العقدي أو العقائدي أو الديني عن الحالة النفسية للذي نروم مخاطبته وتكوينه، وإعلامه، وكسب اهتمامه وانتباهه، لما نحن بصدد الإعداد له، والعمل من أجله، ولا يتم ذلك إلاّ في إطار من الأخلاق الرفيعة التي تجمع الكل رغم الاختلاف في التوجه والنظرة للحياة، ولكنها تضمن على الأقل روح التعاون، والتواصل والتسامح...
المضمون العقدي: والذي قوامه التعريف بالعقيدة المهدوية بكل مكوناتها، تعريفا ينطلق من التأريخ لميلاد الإمام، وإمامته، وما تلاها من غياب يعقبه الظهور، ثم غاية الظهور، وأهدافه، وما ينتظر منه على مستوى الفرد، أو على مستوى الإنسانية جمعاء ... على أن تكون صياغة هذه الأفكار والآراء، والاعتقادات، صياغة محكمة على مستوى الفكر، واللغة، والمنهج حتى تكون قابلة للتقديم في وسائل الإعلام المتنوعة، فلا يكفي أن تقدم المعلومة، وتطرح الحجة إذا لم يتم اختيار المتلقي، وتصنيفه وفق أية شريحة بشرية لها مقوماتها وقضاياها ...، فمن لم يقنعه الجانب السردي التاريخي، يقنعه الجانب الخطابي، أو الجانب العقلاني القائم على الجدل والبرهان، ومن لم تؤثر فيه الكلمة المباشرة قد تكفيه الصورة الناطقة، وفي هذا لابدّ من إحكام الصياغة على مستوى الشكل، والمضمون والوسيلة، لأنّ الخطأ في اختيار المنهج، وضعف المضمون يؤدي إلى نتيجة عكسية في وسائل الإعلام، نظرا لأنها لا تستهدف شخصا، وإنما هي موجّهة إلى شرائح عمرية مختلفة في نفس التوقيت واللحظة، فكلما كان الإحكام والتدقيق في المضمون العقدي أكثر، كانت نسبة التبليغ الإيجابي أفضل، ذلك أن أخطر الأشياء في الكلام ما تعلق بالعقيدة والإيمان.
المضمون النفسي: والقصد منه المعرفة بطبائع البشر ، واختلاف نقاط التأثير فيهم وعليهم، وجلبهم إلى حظيرة المتحدث، أو صاحب الرسالة والخطاب، وهذا ما يقتضي اختيار طريقة التعامل مع صياغة المضمون، فخطابك لراشد، بالغ، عاقل، ليس هو خطابك لمراهق لازالت لم تترسخ لديه عقلية التقبل العقلي، والجدل القائم على الحجة . فاختيار وسيلة الإعلام والاتصال الموجهة إلى الطالب غير الموجهة للأستاذ، كما أن التركيز على الحالة النفسية يقتضي إحكاما في دراسة النفس البشرية، وكيفية تعاملها، والوسط الذي تعيش فيه، والمرجعيات العقائدية والفكرية، والولاءات السياسية أو الاجتماعية التي تنطلق منها .
كما أن المعرفة بطبائع البشر من حيث ثقة الإنسان بنفسه إلى درجة الاعتداد والتعالي والغرور، أو ضعف الذات البشرية إلى درجة انعدام الثقة واهتزاز الشخصية، كلها علامات ومحاذير لا بدّ أن تؤخذ بعين الاعتبار، عند صياغة الخطاب واختيار المنهج ووسيلة التبليغ.
فإذا ركزنا برامجنا واستراتيجياتنا على خلفية الإيمان بما للنفس من قدرة، عند توفر عنصر الثقة، على شق طريقها في الحياة، وكسب النجاح فيما تتناوله من أعمال، والأخذ بيد من تهاوت نفسه إلى الضعف والهوان، وتناولها بالنصح والإرشاد وبث الثقة فيها للتخلص من رواسب الشغور بالنقص، والميل إلى الانزواء والخروج عن صف المجتمع، وإعادتها إلى طبيعتها الأصلية التي من مهامها التوق إلى الأفضل بما يجعلها قريبة من الفعل الحسّي والمبادرة إلى المساعدة، ومؤازرة الآخر فيما يأتيه من أعمال حسنة ومحمودة...
المضمون الأخلاقي: إذا سلمنا أن الأخلاق هي الإطار الأفضل الذي تتعامل داخله البشرية جمعاء، ذلك أنها القاسم المشترك بين الجميع، وعلى أساسها تتمايز المجموعات والأفراد، فكلما صلحت أخلاق الناس، صلحت أعمالهم، وكلما فسدت أخلاقهم، تهاوت شعوبهم وأوطانهم نحو الهلاك والهاوية، ولذلك كانت الأخلاق هي مطمح كل دين وغاية كل بشر سوي يرغب في تحقيق سعادته.
فإذا أردنا لهذه الإستراتيجية النجاح لا بد أن نضمن أخلاقا سامية، تقوم على التوادد والتراحم وكسب ثقة الآخر حتى يطمئن إلينا ويتقبل منا ما نريد تبليغه، خاصة إذا كان المضمون نبيلا، وفق ما تدوم الحديث عنه، وهو التأسيس لأخلاق تمهّد للظهور، وتعدّ للحظة فارقة في تاريخ الإنسانية ألا وهي لحظة ظهور الإمام، وما يترتب عليها من إحلال السلم والعدل، وتعميم الطمأنينة، والتآخي بين بني البشر، مهما اختلفت أجناسهم وأعمارهم وأوطانهم.
هذا المضمون الأخلاقي هو الذي يؤسّس لشعور غامر بالرضا، والتماسك، المؤدي إلى بناء شخصية دينية متكاملة، خالية في التطرف والاهتزاز، ضامنة للاختلاف في وحدة، والتنوع في تكامل وانسجام، قوامها أن الاختلاف في الرأي لا يذهب للودّ قضية، وأن المناهج تهدي ولا تلزمّ ما دام الهدف واحدا، والغاية واحدة، وهو الإعداد الحسن والجيد على كل مستوى من أجل تحقق لخطة الظهور والعودة.
أما تناول هذه الزاوية من الوجهة الإعلامية فيقتضي إلماما جيّدا بالمضمون النفسي لصياغته إعلاميا وفق ما نريده لكل صنف وشريحة عمرية وفكرية، وبذلك أن نؤسّس لمقوّمات حسنة تستفيد مما أتاحه علم الاتصال والإعلام، من طرق وآليات ومناهج للتواصل والتبليغ، والتأثير الإيجابي لتحقيق التقدم وإحراز النجاح والرقي.
استراتيجيات خاصة بالمناهج
إن الحديث عن المناهج يقتضي منا تناول الطرق المتوخاة في التبليغ، وأساليب تقديم المعلومة كالمنهج الفلسفي أو الاستقرائي أو التجميعي أو التحليلي أو السردي التاريخي إلى غيرها من المناهج المعروفة لدى الدارسين والباحثين من الجامعين وغيرهم، ممن له علاقة بالبحث العلمي عموما، ولكن ضرورة الموضوع تقتضي أن أقصر الحديث عن المنهج التربوي والمنهج الإعلامي والاتصالي لما لهما من علاقة بالموضوع الذي نحن بصدده، ذلك أن الحديث عن المناهج، واختيار واحد دون آخر، إنما هو منهجية وإستراتيجية مقصودة لبلوغ الهدف.
المنهج التربوي: وهو المتبع في مجال التربية والتعليم، والذي لا يمكن الحديث عنه إلاّ بتصور وحضور كل مكوناته، وأسسه، انطلاقا من المربّى (التلميذ) والمربي (المعلم أو المدرس) إلى المدرسة فالأسرة والمجتمع بما في ذلك كل من له صلة بالعملية التربوية، لا من حيث المضمون، الذي كنا أشرنا إليه سابقا من حيث المحتوى المراد تبليغه، وإنما من حيث العلاقة الجانبيّة والمكلمة للعملية التربوية . فكل هؤلاء جميعا لا يمكن أن يغيب عن تصورهم مبادئ وأهداف الشريعة الإسلامية مع إيلاء العقيدة المهدوية العناية اللازمة في الشرح والتحليل، مستعينين في ذلك بأهل العلم والخبرة في الميدان، والقادرين على الإلمام بالموضوع من حيث مكوناته ووسائل الإعداد له، استحضارا لكل القيم الأخلاقية التي تفرض حضورا شاملا على المستوى الثقافي والأيديولوجي والمثيولوجيّ وأنماط الحياة لدى الشباب على امتداد الشريحة العمرية له من الطفولة حتى مشارف الكهولة، فحيثما توجه أو تعامل مع الغير إلاّ وكان الحضور الذّهني والفكري والتربوي والديني مائلا في وجدانه، من أجل التحلي بأخلاق سليمة فاضلة تعدّه للمساهمة في نمط حياة أرقى تمهد للظهور في كل المجالات وخاصة مجال التربية والتعليم .
ولا أعتقد أن مثل هذا المنهج يكون قادرا على الإعداد والتمهيد للظهور، إذا لم يبادر كل الشركاء في المنظومة التربوية إلى صبغ الحياة المدرسية والجامعية بصبغة معينة، تحدد مدى ثقة الشاب، المتلقي للمعارف بأنواعها، بنفسه لتحديد موقفه لاحقا من الحياة ومن المجتمع، وهو ما يؤكد سلامة المنهج الذي رسم له في المستقبل، فلا يمكن أن يكون هذا المنهج ناجحا ما لم يرب الناشئة على الاعتداد بالنفس في غير غرور، والمبادرة بالمساهمة والتواصل نبذا للانطواء والأنانية، من خلال منهج تربوي معتدل ومتوازن يدرب الناشئة - باعتبارها جزءا من الشعب - على ممارسة الحق في أن تحكم نفسها وتساهم مع غيرها في البناء، انطلاقا من بسط رأيها في تقاليد المدرسة والمجتمع . والمشاركة في تشكيل الجمعيات المدرسية، والتنظيمات الطلابية حتى لا تقدم لهم الهياكل جاهزة من الكبار، لأن الناشئة هي مستقبل كل شعب فإذا أخذناها باللين والرفق والإقناع والمداومة، أمكن لها أن تساهم غدا في نشر القيم المسهلة والمعدة لحياة أفضل تبشّر بها العقيدة المهدوية.
فإذا نجحت المجموعة في كسب رهان المناهج التربوية، وهيأت لها كل مقومات النجاح، تكون قد هيأت للمجتمع جيلا مسؤولا واعيا، لا يضاهيه أحد. يخوض معترك الحياة اعتمادا على نفسه، ومقومات بلاده، ويستمد شجاعته من إيمانه بعقيدته، وإحساسه بالواجب تجاه نفسه، وأمته، ودينه، والإنسانية جمعاء، وذلك هو أحد أنماط الحياة المعدة للظهور وأعنى به النمط التربوي أو المنهج التربوي.
المنهج الإعلامي والإتصالي: إذا كان المنهج التربوي يستهدف بالإحاطة والتكوين عموم الناشئة وكل من له مساهمته في العملية التربوية، فإن المنهج الإعلامي أعم بكثير من حيث عموم المعنيين بالخطاب . والإعداد لحياة مستقبلية واعدة، ومن حيث تنوع الوسائل والمحامل الاتصالية المسموعة والمقروءة والمرئية والمشفرة الجامعة للتقنيات المتطورة، من ذلك كل أدوات التواصل الاجتماعية والشبكات الاتصالية كالانترنات والفايس بوك واليوتوب والإرساليات القصيرة ...
إن المنهج الإعلامي والاتصالي أصبح ضرورة لا مناص منها، باعتبار خطورته وأهميته في التبليغ على المستويين الإيجابي والسلبي، وهذا المنهج هو الذي توخته بعض التيارات الهدّامة، وذات الدعايات السلبية لتدمير المجتمعات على المستوى الأخلاقي والعقدي، وبالتالي الثقافي والتربوي، والصحي، وأخيرا الحضاري .
لذلك بات من الأكيد اليوم أن نستعمل هذا المنهج، ولكن يجب أن نكون حذرين على مستوى المضامين والبرامج والمحتويات التي نريد بثها في صدور الناشئة أو نطلع عليها عموم الناس بما في ذلك المسؤولين وأصحاب القرار لتبصيرهم بما يجب أتباعه عند صياغة القرار، أو الإعداد لبرامج مستقبلية، كما هو الحال في التمهيد والتهيئة للظهور.
وتزداد خطورة الوسائل الاتصالية الحديثة من خلال التعقيدات التقنيّة التي توفر الوقت والجهد، وتحقق الهدف، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أهمية الصورة، لأنه لا يتصور اليوم أي عمل إعلامي ناجح، ونافذ دون توخي الصورة التي عمت كل الميادين وكل الأماكن، وأصبحنا نعتقد أن الحياة المعاصرة لا يمكن تصورها من دون الصور.
وقد أثر عن الصينين قولهم " إن الصورة تساوي ألف كلمة "، والواقع اليوم أنها تساوي أكثر من مليون كلمة، فقد شكلت مع كل مكونات " الميديا " من تلفزيون وسينما وانترنات وفنون إعلام بشكل عام، دورا أساسيا في تشكيل وعي الإنسان المعاصر، بأشكال إيجابية حينا وسلبية حينا آخر ،كما سبق أن أشرنا، فالصورة كما تعلمون، ذات حضور جارف اليوم في حياة الإنسان الحديث، فهي حاضرة في التربية والتعليم، وفي التوعية الدينية والاجتماعية، وفي الأسواق والشوارع، وقاعات العرض للأعمال السينمائية والمسرحية والفنيّة والتشكيلية، وحتى في بطاقة الهديّة، وأجهزة الاتصال من كمبيوتر و انترنات وفضائيات وهواتف محمولة، وفي ملاعب الرياضة، وصناعة النجوم الغنائية والسياسية ...
وبمثل ما للصورة وغيرها من وسائل الاتصال مساوي وعيوب، فإن لها محاسن ومآثر يمكن استثمارها كما سلف ذكر ذلك، إذ نحن في حاجة إلى مبدعين ومؤطرين ومكونين ومخرجين، نمكنهم من المادة أو محتوى ما نريد تبليغه لتحقيق الهدف، وهم الأقدر على الإخراج والصياغة، لأنهم أعلم من غيرهم بأن الصورة والتفكير بها يتجاوز حدود الواقع المدرك والمباشر، إلى استحضار الماضي بمقوماته الايجابية، للانطلاق منها إلى التفكير في المستقبل، وصياغة تصور يمتد في الزمان والمكان سمته التحرر من القيود، بما يمكّنه من التفكير والتفاعل مع الآخر، مهما كان مكان تواجده، بصفة قطعية كما أنه ماثل أمامه، وفي هذا تجاهل وتحدّ لكل العوائق الطبيعية الموجودة كالمباني والجبال والبحار.
فالصورة إذن ترتبط بالذاكرة والخيال والإبداع، وحتى نحسن استثمارها لابدّ من العناية بمضمونها ومحتواها، تجنبا للوقوع في سلبياتها التي قد تحوّل الإنسان إلى كائن سلبي، متقبّل لما يقدم له، غير قادر على التميز بين غثه وسمـينه، بين دقته وتزيفه، بين كفره وإيمانه وبين سعادته وشقائه.
وينبغي أن نشير إلى أن وسائل الإعلام بأنواعها، وبمختلف تقنياتها، وبتنوّع خطابها، وتعدد متابعيها، تبقى من أخطر السبل للتمهيد للظهور، وذلك إذا لم نحسن استعمالها، واستمالة مالكيها وأصحابها1 لأن الواقع المعيش أثبت قدرة مالكيها على الهيمنة على المعلومة، وإشاعة الخبر، وتكراره مما يساعد على ترسيخه في ذهن المستمع والقارئ إلى جانب القدرة
على إيصاد الباب أمام المنافس، وهم الذين يتحكمون في تدفق المعلومة ونوعيتها، سواء كانت فكرا أو فنّا ... لذلك بات من الحتمي على المؤسّسة الحكومية التي تعنى بشأن الإعداد والتمهيد أن تبادر إلى أن يكون لها في الإعلام نصيب، إن لم يكن جميعه، مع احترام الآخر، وتوجهاته وقدراته ،كما أن فتح هذه الوسائل أمام كل التوجهات الفكرية والعقائدية والفلسفية والتدخّل بتوجيهها أحيانا، يضع القائمين على معدّي الاستراتيجيات والباحثين عن الطرق المثلى، من أجل إشاعة تعاليم وأخلاق قادرة على التمهيد والإعداد، أمام مسؤولية جسيمة وعقبات كأداء، لابد من تجاوزها باليقظة والفطنة، وجودة صياغة الأساليب، والنفاذ إلى وسائل الإعلام، وبلوغ مرحلة الامتلاك والتصرف .
كما أنه لا يمكن أن نغفل على أن وسائل الإعلام في حد ذاتها قادرة على تشكيل إيديولوجياتنا بعدة طرق مختلفة سواء من حيث اختيار الوسيلة، صحيفة أو إذاعة أو تلفزة، أو من خلال اختيار طريقة التناول لموضوع دون آخر، والتركيز على شريحة دون أخرى ...
استراتيجيات خاصة بالخطاب الإعلامي
انطلاقا من أهميّة الإعلام عموما والدّيني خصوصا في نسج علاقات متينة بين الباثّ والمتلقّي عبر المضمون المراد تبليغه، وارتباطه بالوجدان والعاطفة، وتحريك سواكن القارئ، فإن المجتمع كلّه ينخرط في منظومة عقلانيّة تربط كلّ مكوّنات المجموعة، وفق حركيّة جدليّة متحرّكة، تتفاعل كلّها من أجل موضوعات معيّنة، يتأكّد على الخطاب الدّيني تناولها بالدّرس والتّحليل، وإقامة الحجّة وفق منهجيّة، من شروطها الانسجام في المعاني، وإن اختلفت، وفي الهدف، وإن طال أمد تحقيقه، والجدوى التي تفرض سلوك منهج واضح، يحقّق الهدف ويتجنّب العشوائيّة في التّناول أو القصد من خلال رؤية واضحة تقسّم المرحلة إلى مراحل قريبة، ومتوسّطة، وطويلة النّفس، غايتها إدراك الشّيء، ولو طال المسار.
وقد أدركت العقيدة المهدوية هذه الأبعاد، حيث نلحظها بارزة ومجسّمة في تناول المواضيع، وفق تطور التناول الذي ينطلق من الجزء إلى الكلّ، ومن البسيط إلى المعقّد، دافعه في ذلك إبراز معالم العقيدة، وغرس شعور التّواصل مع الآخر، والاعتزاز بالانتماء والدّفاع عن المبدأ والاعتقاد.
ولترسيخ هذه المنهجيّة التي ذكرنا، نؤكّد أنّ مضامين الخطاب المذكور لا بدّ أن يمارس أنواعا مختلفة من الخطاب الذي يعرف اليوم في العرف الإعلامي والاتصالي بأنماط الإعلام.
أنماط الإعلام
أوّلها: الإعلام التّنازلي، والقصد منه تبليغ زاد معرفي في مجال معيّن قصد التّوعية والتّكوين.1 يكون صادرا من عالم إلى متعلم، ومن قائد إلى مريد ... ومن إمام إلى مأموم...
ثانيها: الإعلام التّصاعدي، وهو الذي يتولّى جمع المعلومات وتقديمها للقارئ في مرحلة ثانية كما هو الحال في ذكر الأحداث المتعلّقة بتاريخ العقيدة المهدوية خصوصا والإسلام عموما.
ثالثها: الإعلام الأفقي، وهو الذي يؤخذ من شرائح المجتمع، ويستقي مواضيعه ثمّ يعود ليوزّعها على القرّاء من ذلك الحديث عن مواضيع تهم الشّباب أو المراة، أو قطاع تربوي بذاته، أو شريحة اجتماعيّة ذات خصوصيّة معيّنة، أو هيكل ثقافي أو طلاّبي ...، وقد يفرض هذا النّمط من الإعلام خطابا معيّنا، يؤقلم التّناول وفق الفئة المستهدفة، فلا يمكن أن نوجّه الخطاب الدّيني نفسه إلى شريحة العلماء والمثقّفين كما نحاول توجيهه لشريحة العامّة من الأمّيين أو غير أهل الاختصاص، فلا بدّ من اتباع آليّات الخطاب المعدّل الذي لا يفقد مضمونه بتنوّع أسلوبه.
رابعها: الإعلام الاجتماعي، ويعرف أيضا بالاتّصال الاجتماعي، ويقوم على موضوع الجمعيّات والمنظّمات وكلّ التّشكيلات الاجتماعيّة والثّقافيّة، ويظهر كذلك فيما تضمّنته العقيدة المهدوية من محاور يصحّ أن نطلق عليها صفة الإعداد أو الدعوة للإتباع والانخراط من خلال تقديم المعطيات الواضحة والمفيدة أو الحديث عن ندوة علميّة أو دينية في صبغة إشهاريّة تدعو إلى الإقبال على ذلك الموضوع مع استهداف جمهور معيّن، أو مكان معيّن. ويمكن أن نقول كذلك أن المهدويّة من خلال هذه الأنماط، شكّلت صورة عامّة لملامح الشّخصيّة الماديّة والمعنويّة للمريد.
إنّ الإعداد لمساهمة وسائل الإعلام والإتصال في وضع الحلول الأخلاقية والإعداد للظهور يقتضي أن يكون الموضوع حاضرا في أذهان المعدين من خلال :
_ الوعي بخصوصيّة العقيدة والمجالات التي تشملها والغايات التي تروم بلوغها.
_ الشّعور القويّ بالانتماء إليها أو على الأقل احترامها كتوجه ديني له خصوصيته وأهدافه الدنيوية والأخروية، ومرجعياته الدينية والفلسفية...
_ إصرار أهل العقيدة ومفكريها على تحقيق الإشعاع في الأوساط العلمية والثّقافية داخل البلاد وخارجها، وفق منهجيّة علميّة تساعد على تطوير الخطاب الدّيني، وإخراجه من طور الهواية إلى طور الاحتراف، من خلال التّنسيق مع كلّ العناصر المكوّنة للدعوة، والقاضية باختيار النشاط الأنسب لكلّ مرحلة. والمتجاوب مع عموم القراء والمتلقين، حتى تكون صورة الخطاب أجزل، وأوفى من الخطاب الذي يعتمد المشافهة فقط، سواء كان على المنابر أو في حلقات الدرس والتكوين...
وظائف الإعلام
من خلال قراءة متأنّية وشاملة لواقع العقيدة المهدوية والتفكير في استراتيجيات معدة وممهدة للظهور في وسائل الإعلام، يمكن أن نرصد عدّة وظائف للخطاب الذي نريد اتباعه، لعلّ أهمّها :
الوظيفة الإخباريّة: يعتبر الإخبار هو الهدف الرّئيسي للإعلام الدّيني أو الخطاب الدّيني حيث يجب أن يتساءل القائم به عند إلقائه أو إعداده عن عدّة نقاط يحرص على أن تكون حاضرة في ذهنه مثل:
_ ما هو الخبر الذي يحمله الخطاب المقدّم ؟
ما هو مقدار إثراء النّص الإخباريّ ؟ وأيّ إسهام أو إضافة يمكن أن يأتي بها مع الحرص على تجنّب الحشو Redondance واللّغو Pléonasme، والخطاب الدّيني الأمثل هو الذي يحمل رسالة إخباريّة واضحة لا تحتاج إلى نّص آخر تفسيري أو لرسم توضيحي حيث يرى بعضهم أنّ الخطاب القصير يوحي أكثر مما يوحي به التّقرير الطّويل.1
الوظيفة الرّمزيّة: وهي التي تحمل صورة حقيقيّة لموضوع معيّن ومحدّد، ينفذ مباشرة في ذهن القارئ والسّامع دون حاجة إلى إعادة أو زيادة توضيح، ومثاله ما يتعلّق بوصف نعيم الجنّة أو عذاب الآخرة في بعض آيات القرآن الكريم، أو وصف بعض البلدان والأماكن عند الحديث على ساعة الظهور.
الوظيفة الوثائقيّة: وتتعلّق خاصة بما يترسّخ في ذهن القارئ من صور وصفيّة كالرّسوم والخرائط والصّور التي توضّح للقارئ فكرة عن الأشخاص الحاضرين في لقاء ما أو رسم لخريطة أو وثيقة تاريخيّة... ويكون القصد من هذه الوظيفة دعم وترسيخ فكرة أو تشخيص موضوع بطريقة تؤدّي حتما إلى التّصديق authentification، حتى تؤدّي في ذلك دور الحجة والبرهان. وعندها تمثّل الضامن لصحّة الخبر الوارد بالوسيلة الإعلامية.الوظيفة التّنميقيّة: ويعمد إليها صاحب المقال أثناء تحرير خطابه حيث يضّمنه بعض المكوّنات التي تشدّ انتباه القارئ أو السّامع ضمانا لرسوخ المضمون المراد تبليغه بغاية اليسر وقد نلحظ هذه الصّفة أو الوظيفة التّنميقيّة في إدراج بعض المقالات ضمن مكونات الحديث عن العقيدة المهدوية، ومرجعياتها، وترغيب الناس في إتباعها والعمل في صلبها.
كما أن الصّفة التّنميقيّة لا يمكن أن تكون إلّا ذات بعد جمالّي لافت للنّظر، وصارف للرّتابة والقلق... عملا بالقاعدة المعروفة، علم الأطفال وهم يلعبون، وبالتالي أدع الأخرين بأسلوب سلس، مقبول، ومتفائل.
الوظيفة التّرفيهيّة: وهي شرط لازم في صياغة المضمون المراد تبليغه سواء كان مكتوبا أو مقروءا، ويظهر ذلك في بعض الجمل الاعتراضية داخل المقال أو دقّة الوصف لمضمون معيّن يدفع السّامع أو القارئ إلى استخدام الخيال في غير عناء، ولعلّ ذلك يبرز أكثر في المقالات الأدبيّة التي يكثر فيها استعمال المحسنّات البديعيّة والنّفس الشّعري الوصفي حتى يخال القارئ أو المتلقّي أنّ ذلك المضمون قد يتحوّل في ذهنه إلى مجموعة رسوم ماديّة واضحة، سواء كانت هزليّة أو جادّة.
كيفيّة اختيار الوظيفة
يقوم اختيار وظيفة الخطاب على أسس نراها واضحة في جملة من المبادئ التي تستند إلى جملة من العناصر:
أسلوب الدعوة وطابعها: ومقارنتها بغيرها، فبضدها تتمايز الأشياء...
القيمة الإخبارية والدينية والعلمية للوثيقة المطروحة: للقرّاء بما تتضمّنه من دلالات وإضافات فكريّة أو ثقافيّة أو تاريخيّة أو دينية...
التفرّد بنشر المعلومة: Exclusivité وهو ما يبدو جليّا في ابتكار مواضيع كمحور موضوع الدعوة التي اختص بها المؤتمر الحالي . كذلك النّدوات والزّيارات التي تحرص هيئة المؤتمر على إدراجها، وهو ما يعرف في العرف الإعلامي الصّحفي اليوم بالسّبق الصّحفي في نشر الأخبار، أو بلغة أكثر تداولا وشعبية كلمة " حصري ".
وعموما فإنّ هذه الوظائف التي ذكرناها أصبحت سمة بارزة اليوم في المساحات التّحريريّة لكلّ جريدة أو مجلّة أو نشريّة أو أية أداة تواصل سمـعيّة وبصريّة ...، بما يجعلها أداة مساعدة على إيصال المادّة الإخباريّة، والمضامين الفكريّة، والقيم الحضاريّة التي تقدّم إلى جمهور القرّاء من أجل إيصال المعلومة ن وتبليغ الخبر بدرجة عالية من النّفاذ، وخاصّة إذا تعلّق الأمر بالخطاب الدّيني الذي تنضاف إليه قيمة وخاصيّة، لمخاطبة الوجدان لاقترانه بقيمة ثابتة، وهي قيمة الدّين في النّفس، بغضّ النّظر عن هويّة الدّين إسلاميّا كان أو مسيحيا أو يهوديا أو حتى وضعيّا.
مميزات الإعلام
إذا كانت أهمّ أداة للتّواصل بين الشّعوب هي آليّات الخطاب المكتوب عموما، والمرئي والمسموع خصوصا، لديمومته واستمراره، وإمكانيّة الحفاظ عليه أكثر من غيره باختلاف المحامل والوسائط، فانّ الخطاب الدّيني في وسائل الإعلام، يظلّ أكثر أنواع التّواصل شدّا للانتباه وأقدر على بلوغ النّتائج المرجوّة من أجل التّطوير والارتقاء بالتّناول العلمي الذي يحقّق التّطابق بين الخطاب الصّحفي والإعلامي من جهة وخصوصيّات الخطاب الدّيني من جهة أخرى بما يضيف للملتقى أو القارئ الزّاد المرجوّ والمعلومة المطلوبة .
كما أن التّناول الإعلامي للخطاب الدّيني من شأنه أن يثري المحتوى الإعلامي ويضفي على مرجعيّة القارئ بعدا فكريّا آخر يجعله قادرا على التّعامل الواعي مع الآخر كما ينبه أيضا إلى أنّ التّعامل مع هذا الشّأن الصّحفي، يكتسب القدرة اللاّزمة لتجعل من دوره في المجتمع دورا خطيرا أي هامّا باعتباره قائد رأي لجمعه بين الآليّة الصّحفيّة، والآليّة الدّينيّة على مستوى الخطاب والتّعامل لأهميّة المضمون المتعامل معه، فيرقى بذلك إلى مجال لا يسمح فيه بالتّفسير أو التأويلات الجزافيّة التي لا تقوم على مرجعية فكرية، ومعرفيّة مضبوطة وواضحة، ولهذا الأمر وغيره، كانت لاستراتيجيات الخطاب الدّيني موضوع الحديث مميّزات لابد من مراعاتها والحرص على تحقيقها، منها:
الواقعيّة: وتتمثّل في نوعية تناول الخطاب الدّيني لقضايا المجتمع وواقعه المعيشي بسلبيّاته وايجابّياته، وتنوّع مضامينه والمستهدفين بالخطاب، رغم اختلاف الجنس والعمر والموضوع والزّمان والمكان، وقد أكّدت هذه الصّفة العقيدة المهدوية بما تضّمنته من مواضيع متنوعة حرصت على تبسيطها للقارئ في أسلوب سلس التّناول، سهل الاستيعاب.
الوضوح: أي إبراز ما اتّسم به الخطاب الديني في هذه العقيدة، موضوع الدّراسة، بمجموعة من المميّزات تعلّقت بالموضوع المتناول والمستهدف بالخطاب وهو القارئ أو المتلقّي مهما كانت صفته وهيئته لأنّ مناط الخطاب هو عقله ووضعه الذي هو فيه، فقد يكون معنيّا بطريقة أو بأخرى لأنّ الغرض من إيراد الموضوع المعني بهذا الشكل من الوضوح والدّقةّ إنّما هو المخاطب تيسيرا لحياته وحرصا على تواصلها في أحسن الحالات في إطار الصّفات العامّة للشّريعة الإسلامية وأهدافها النّبيلة خدمة للإنسان وإحاطة بأحواله بما يمكّنه من الإقبال على الإسلام في غير ضيق ولا حرج، وهو ما يرسّخ لديه صلوحيّة الإسلام للزّمان والمكان، وذلك من خلال ما تنتظره المجموعة الإنسانية من خير ونعيم يقترن
بحالة الظهور.
المباشراتيّة: ضرورة توخّي الهيئة المساهمة في الإعداد الإعلامي للتمهيد والإعداد، الأسلوب المباشر، والتّركيز على القضايا العمليّة الواقعيّة النّابعة من حياة النّاس اليوميّة، وكذلك المواضيع التي تغذّي الإيمان والوجدان، وتجعل القارئ واقعيّا في حياته، ثابتا في مجتمعه ودينه، بعيدا عن الهزّات الّنفسيّة والعقائديّة، يحقّق الانسجام بين وجدانه وعواطفه، ومشاعره الإيمانّية، ومتطلّباته الماديّة، من المعاش والتّعامل مع النّاس دون شعور بالغربة أو الانبتات.و لعلّ هذه الصّفات تزداد تعمّقا إذا نزّلناها في إطارها الزّماني إبّان ساعة الحلول.
الشمول: كان لا بدّ للخطاب الدّيني المراد تقديمه إعلاميا، أن يتوفّر على جملة من المواصفات حتىّ يكون قادرا على المنافحة والاستمرار، وذلك بأن يقدّم صورة متجانسة للمشهد الدّيني الذي يحترم دين المجموعة، دون إهمال دين الأقلّيات الموجودة، أو التعدّي عليها، وأن يعبّر على كلّ الأنماط الحياتيّة المختلفة المتعلّقة بالجانب الدّيني الذي تعيش وفقه جموع البشر دون تدافع أو تضادّ، عاكسا في الآن نفسه روح التّسامح في مجال المعاملات اليوميّة، والتّعامل مع القضايا المطروحة بغاية توفير الحلول، وأن يساهم إلى جانب المؤسّسات العلميّة والهيئات الرّسمـية في التّعريف بالعلوم الشرعيّة، والأصول الثّابتة للإسلام كدين التّسامح والاعتدال باعتباره دين المجموعة، والدّعوة للمحافظة عليه، ونشره دون إكراه أو تخاذل .
إن ذلك هو ما يعبر عنه بوضوح الهدف، وسلامة المسلك، وقوة الإرادة في التوحد بين كل المعنيين بالعقيدة المهدوية، والمعدين لساعة الحلول، حيث يلتقي المختصون دينيا، وتقنيا، وإعلاميا، ونفسيا، واجتماعيا، وتربويا، واستراتيجيا في صياغة مضمون يتولى الجميع تبليغه كل فيما يخصه، فيصبح بذلك الأمر مشاعا بين الجميع، بحيث يكون عملا جماعيا، تتكامل فيه الخبرات والخطط من أجل غاية أنبل، تضمن بلوغ الهدف، وإعداد الناشئة أولا، والعامة ثانيا، لتقبل اللحظة المرتقبة مهما اختلفت مدة انتظارها.
الغايات والأهداف
إن الغايات والأهداف تكتسب أهميتها وقيمتها من قيمة ما تروم التعريف به، أو تبليغه إلى الآخر، من أجل إسعاده، وتطوير أساليب حياته، والرقي به إلى مصاف الصالحين، في نبلهم وقدرتهم على تجاوز أخطاء الغير، ومساعدة الإنسانية على تحقيق إنسانيتها من أجل بلوغ السعادة الكبرى التي تنتظرها .
ولما كانت الأخلاق الفاضلة والنبيلة هي المقصد الأسنى في مرحلتها الأولى من أجل القبول بالإعداد، والتهميد والمشاركة في توفير كل المواصفات الممهدة والمعدة للحلول في مرحلة ثانية، كانت استراتيجيات الإعلام بأنواعه وأنماطه، ووظائفه، ومميزاته، ووسائله، وصفة القائمين عليه، والمساهمين في إعداد مضامينه وبرامجه، المزمع تبليغها وتكريسها وفق المحامل المختلفة دينية، أو ثقافيّة، أو سياسية أو فنيّة، أو اجتماعيّة ...، هي المبتغى الأول لتحقيق هدف العقيدة المهدوية من خلال أثر الأخلاق في صياغة نمط حياة يفضي إلى المساهمة في إعداد منظومة متكاملة العناصر، والبرامج والآليات، والوسائل المحققة لنحت معالم الصورة المثلي للجتمع المنتظر، الذي لا يتحقق وجوده إلاّ بتطوير نمط الحياة في إطار الشريعة الإسلامية القادرة على تحقيق حضارة رائدة، هدفها سعادة الإنسان، وقوامها الأخذ بكل أسباب التطور، وتشريك كل المكونات الاجتماعية، لرسم لمساتها المختلفة الهادفة إلى تسريع ساعة الحلول، وتخليص الإنسانية مما قد ران عليها من وهن، وضعف، وتأخر...
إذن فالأمر موكول إلى الجميع بالمساهمة الجادة، وخلوص النية، وصدق العزيمة، وصلابة الإرادة، ووضوح التصور والرؤية، وحسن اختيار المناهج، مع الإيمان بالمصير المشترك، والتحلي بالصبر، والإقتناع بالمشاركة، والمساهمة لتسهيل عملية الإعداد والتمهيد للظهور.
الخاتمة
إن الاستراتيجيات والحلول للأخلاق المعدة والممهدة للظهور في وسائل الإعلام بشتّى أصنافها وضروبها، والتي فرضتها ضرورة العصر كطريقة هامة تسهل التهيئة والإعداد النفسي، والإجتماعي، والتربوي، والسياسي لإعداد مجتمع يؤمن بهذه العقيدة، ويسعى إلى الحفاظ عليها وتطبيق مستلزماتها، وهو ما يفرض على العاملين والمتدخليّن في هذا الإختصاص، التوافق والتواصل بينهم وبين الآخر للاقتناع والتأطير وإنارة السبيل لكسب شرف المساهمة في هذا العمل الدقيق والهام.
ولا أخال أي إنسان قادر على ذلك بمفرده إلاّ إذا كان التناول شاملا للعقيدة والأخلاق وأنماط السلوك، ومجالات الحياة العملية اقتصاديّة وإجتماعيّة وتربوية، محيطا بكلّ الشرائح الإجتماعيّة، من شباب ومرأة وكهول في كلّ الاختصاصات العلمية والتقنيّة والدينيّة والإعلاميّة والاستراتيجية، عندها يمكن أن نطمئن إلى هذا التوجه، ونعوّل عليه في تحقيق الإضافة، وتسريع ساعة الخلاص، وما أظن أن ذلك بعسير، إذ صدقت العزيمة وتعلقت الهمّة.
المصادر
1. العرف الوردي في أخبار المهدي: جلال السيوطي: تح أبي يعلى البيضاوي، دار الكتب الكتب العلمية ببيروت ط: 2006.
2. أمالي الدلالات ومجالي الإختلافات، الشيخ عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه، المكتبة المكيّة، دار ابن حزم، ط 1، 1999 م.
3. الثقة بالنفس: يوسف مخائيل اسعد: دار نهضة مصر للطبع والنشر الفجالة القاهرة (د.ت).
4. البحث الدلالي عند الأصولين، إدريس بن خويا، مطبعة بن سالم، الأغواط الجزائر (د.ث).
5. رسالة ماجستير في الخطاب الديني، الأستاذ محمد الناجم وهيبي، جامعة الزيتونة 2012 (مخطوط)
6. رسالة دكتورا، نظام الخطاب في التراث الأصولي . د . منقور عبد الجليل، جامعة
سيدي بلعباس 2013 ( مخطوط ).
7. مجلة الفكر العربي المعاصر، العدد 18/19، فيفري مارس 1982
8. المجلة الزيتونية مجلد 01 الجزء 1 سنة 1955.
9. مجلة عالم المعرفة الإعداد: 311 (2004 )، 386 (2012)، 190 (1990)، 398 (2013)، 409 (2014).
10. الإعلام العلمي والجمهور (1994)، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.
11. المجلة التونسية لعلوم الإتصال العدد 25 (جانفي جوان 1994)
12. المواقع الخاصّة بالشيعة عموما والمهدويّة خصوصا
13. Pertin Jacques, sémiologie graphique, diagrammes, reseaux, cartographies . ed, Goutheir, villars, Paris 1965, 432.
https://ayandehroshan.ir/vdch.vnzt23nixftd2.html
ارسال نظر
نام شما
آدرس ايميل شما