الحكومة المهدوية
الدكتور خليل خلف بشير العامري
المقدمةالحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين،وبعد: فهذا بحث يتناول في صفحاته حكومة إمام معصوم من أئمة أهل البيت يظهر في آخر الزمان فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما مُلئت ظلماً وجوراً هو الإمام الحجة محمد بن الحسن المنتظر(عج) ولعل الاعتقاد به من أساسيات العقيدة الإسلامية فأمره مختصٌ بكثير من الفرق الإسلامية،وغير الإسلامية كاليهود والنصارى،ولعل السبب في ذلك يكمن في كون المصدر واحداً إذ إنّ أول من أشار إليه هو الله سبحانه وتعالى ثم بشّر أنبياءه به وبدولته المباركة،وازداد التبليغ لفكرة المهدي الموعود ببزوغ رسالة جده محمد المصطفى(ص) إذ كَثُرت الروايات الدالة على وجوده المبارك،والوعد بدولته المباركة،وأصبح انتظاره أفضل الأعمال،وأفضل الجهاد على ما وصل إلينا من أحاديث الرسول الكريم وآله الكرام(علیهم السلام).
وقد جاء بحثي هذا الموسوم (الحكومة المهدوية) مسلطاً الضوء على الآيات التي أشارت إلى الوعد بدولته الميمونة،وخصائص هذه الدولة من خلال القرآن الكريم،ومعرّجاً على صفاته،وصفات أنصاره فضلاً عن صفات دولته مؤكداً على جوانب مهمة في حياة البشرية تشهد تطوراً ملموساً أبرزها: الجانب الاقتصادي ثم الزراعي،والديني،والقضائي، والإداري،والعلمي،والحربي،ومشيراً إلى الفرق بين العولمة وعالمية الدولة المهدوية،ومدة الدولة المهدوية.
على أنني بذلت جهدي،وأعملت فكري لأضع هذا البحث بالمستوى المطلوب فإن وفقتُ فلله حمدي وشكري وإلّا فلله ولسيدي الحجة اعتذاري سائلاً الله تعالى أن ينفعني به في الدنيا والآخرة،وأن يكون في مصاف أعمالي يوم القيامة (َوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)، والله ولي التوفيق .
الباحث
المهدي في القرآن الكريم
لم تحظ قضية في الفكر الإنساني بمثل ما حظيت به قضية الإمام المهدي(عج) الذي يمثل الحلقة الأخيرة من سلسلة الإمامة فقد ورد عن الإمام الحسين(ع) أنه قال: «منا اثنا عشر مهديا أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وآخرهم التاسع من ولدي، وهو الإمام القائم بالحق، يحيي الله به الأرض بعد موتها، ويظهر به دين الحق على الدين كله ولو كره المشركون|»، وقد بشرت به الأديان السابقة فضلاً عن الإسلام في كتاب الله (القرآن الكريم) في الكثير من آياته من ذلك قوله تعالى (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) إذ أوّلت هذه الآية بالأئمة من آل محمد انتهاء بالقائم وقوله تعالى (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) فقد ذكر العلامة الطباطبائي أن الآية مطلقة ولا موجب لتخصيصها بإحدى الوراثتين (الدنيوية أو الأخروية) بيد أن هناك من يخصها بالوراثة الدنيوية ويحملها على زمان ظهور الإسلام أو ظهور الإمام المهدي(ع) الذي أخبر به النبي(ص) في الأخبار المتواترة المروية من طريق الفريقين، وقوله تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) إذ يذكر العلامة الطباطبائي آراء المفسرين ثم يناقشها متوصلاً في النهاية إلى أنّ «الآية إن أعطيت حق معناها لم تنطبق إلا على المجتمع الموعود الذي سينعقد بظهور المهدي(عج) ...»، وقد تضمنت الآية ثلاثة وعود للذين آمنوا وعملوا الصالحات،وهذه الوعود هي:
أ. الاستخلاف في الأرض: وذلك لأجل إقامة حكومة العدل الإلهي .
ب. تمكين الدين: نفوذ المعنويات،وحكومة القوانين الشرعية في جوانب الحياة كافة .
ت. تبديل الخوف بالأمن: إزالة كافة عناصر الخوف،واستبدالها بالأمن التام والاستقرار الكامل .
وتدلنا هذه الآيات الشريفة المفسرة بظهور المهدي «على أنّ مهمته(عج) ربّانية ضخمة متعددة الجوانب،جليلة الأهداف فهي عملية تغيير شاملة للحياة الإنسانية،وإقامة مرحلة جديدة...».
ومن أراد المزيد من الآيات فليراجع كتاب (المهدي في القرآن والسنة) لسعيد معاش فهذا الكتاب زاخر بالآيات التي فسّرها الأئمة بالإمام المهدي(عج).
خصائص الدولة المهدوية
من خلال الآيات التي بشّرت بالمهدي الموعود يمكننا أن نبين خصائص الدولة المهدوية بالآتي:
1. استخلاف صالحي المؤمنين
وهذا جلي في ثلاث آيات هي قوله تعالى (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) ، وقوله (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) ، وقوله (الَّذِينَ إِن مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَوةَ وَآتَوُا الزَّكَوةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ).
2. إتمام النور الإلهي، وإظهار الإسلام على الدين كله
وهذا ما صرّح به القرآن الكريم في خمس آيات،وذلك في قوله تعالى ( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)، وقوله (ُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)، وقوله ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)، وقوله ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً)، وقوله (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) . فالمؤمنون في ترقب وانتظار لهذا الوعد الإلهي،والله لا يخلف الميعاد،وسيتحقق بيد المهدي مما يدل على أنّ الفتح المبين،والظهور المشرق بيد هذا المهدي من آل محمد،وكما بدأ الإسلام بآل محمد فإنه سيُختَم بآل محمد،ونجد مصداق ذلك في قول الإمام الصادق(ع): «بكم فتح الله وبكــم يختم».
3. إقامة المجتمع التوحيدي الخالص
وهو أن تكون مقاليد المجتمع البشري بيد الصالحين الذين كانوا يستضعفون في الأرض،والذين يمثلون الإسلام المحمدي الأصيل فعند تمكينهم في الأرض يقيمون الصلاة،ويؤتون الزكاة،ويأمرون بالمعروف،وينهون عن المنكر ولعمري تلك دعائم المجتمع التوحيدي الخالص الذي يعبد الله وحده لا شريك له .
4. تحقق الغاية من خلق النوع الإنساني
كما تشير إلى ذلك الآية الكريمة ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) إذ حصر الغاية من خلق الإنسان بالعبادة الحقة لله عزّ وجل،وهذا ما يتحقق في ظل دولة الإمام المهدي(عج) على الصعيدين: الفردي والاجتماعي.
5. إنهاء الردة عن الدين الحق
ذهب العلامة الطباطبائي إلى أنّ قوله تعالى (َا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، تتحدث عن عصر الظهور المهدوي،وأنّ الردة المقصودة فيها عن الدين الحق مع البقاء على الظاهر الإسلامي،وذلك بموالاة اليهود والنصارى وأتباعهم في طريقة الحياة في مختلف شؤونها،وهذه الردة هي التي تنهى عنها الآيات السابقة لهذه الآية التي تتحدث عن الانحراف الذي يصيب العالم الإسلامي قبل الفتح المهدوي.
صفات الإمام
المتصفح لأحاديث أهل البيت(علیهم السلام) في وصف الإمام المهدي(عج) يجد وجهه كالكوكب الدري،ولونه لون العربي،والجسم كأجسام أبناء يعقوب(ع) أي طويل ممتلئ،أبيض مشرب بالحمرة،واسع البطن وعريضه،عريض الفخذين بظهره شامتان: واحدة على لون جلده،وأخرى على شبه شامة النبي(ص)، أفرق الثنايا،أجلى الجبهة،كث اللحية، أكحل العينين،شاب مربوع،حسن الوجه والشعر،يسيل شعره على منكبيه،ويعلو نور وجهه سواد شعر لحيته ورأسه،شيخ السن شاب المنظر حتى أنّ الناظر ليحسبه ابن أربعين سنة أو دونها،ولا يهرم بمرور الأيام والليالي، وهو أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً،وسمتاً وهيبةً برسول الله(ص)، وبعيسى(ع)،ويبدو من الروايات أنه يشبه خمسة من الرسل (يونس، ويوسف، وموسى، وعيسى، ومحمد(علیهم السلام) فهو يشبه يونس برجوعه من غيبته،وهو شاب بعد كبر السن،ويشبه يوسف بغيبته عن خاصته وعامته،ويشبه موسى بدوام خوفه،وطول غيبته،وخفاء ولادته،وتعب شيعته مما لقوا من الأذى والهوان، أما شبهه بعيسى فاختلاف من اختلف فيه حتى قالت طائفة منهم:ما ولد،وقالت طائفة:مات،وقالت طائفة: قُتل وصُلب،وأما شبهه بجده المصطفى(ص) فخروجه بالسيف،وقتله أعداء الله وأعداء رسوله والجبًارين والطواغيت،وأنه يُنصَر بالسيف والرعب
صفات أنصاره
المتتبع لأحاديث النبي(ص) في وصف أنصار الإمام الحجة يجدهم ثلة مؤمنة صالحة تتولى إدارة الدولة في ظل قيادته،وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً بعدد أهل بدر،وثمة تعبير دقيق يطلقه النبي عليهم،وهو تعبير (إخواني) مؤدياً دلالات كبيرة في شدة ارتباطهم وامتثالهم لتعاليم الرسالة المحمدية فلننظر إلى الرواية الآتية التي رواها أبو بصير عن الإمام الباقر(ع) «قال: قال رسول الله(ص) ذات يوم وعنده جماعة من أصحابه: (اللهم لقّني إخواني) مرتين فقال من حوله من أصحابه: أما نحن من إخوانك يا رسول الله ؟ فقال: لا إنكم أصحابي،وإخواني قوم آخر الزمان آمنوا ولم يروني، لقد عرّفنيهم بأسمائهم وأسماء آبائهم،من قبل أن يخرجهم من أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم».
وثمة أوصاف أخرى تتلخص بأنهم مؤمنون متقون،ومتفانون مضحون،ومنتظرون صابرون، وصالحون مستضعفون،ويألفون ويؤلفون لا تأخذهم في الله لومة لائم،ليوث بالنهار ورهبان بالليل،أذلة على المؤمنين أعزّة على الكافرين،وشباب غير مكتهلين،بسطاء مجهولون متنقلون،زهاد متعففون،مثلهم في الأرض كمثل المسك يسطع ريحه فلا يتغير أبداً، ومثلهم في السماء كمثل القمر المنير الذي لا يُطفأ نوره أبداً.
صفات دولته
من المعروف أنّ المجتمع الإنساني في بداياته الأولى كان يعيش بسيطاً في علاقاته الاجتماعية،والاقتصادية إلا أنه بمرور الزمن،واتساع المجتمع،وتعدد حاجاته،وتعقيد علاقاته أخذ يرتّب نفسه شيئاً فشيئاً من خلال تشكيل ما يسمى حديثاً بـ (الدولة)،وهي ضرورة لا مناص منها؛ لأنّ حياة البشر لا تستقيم بدون دولة تحكمهم،وتدير شؤونهم،وتنظم أمورهم لاسيما في عالمنا المعاصر الذي تعقدت فيه الحياة وتشابكت العلاقات تشابكاً كبيراً،واليوم يتجه العالم نحو الدولة العالمية الموحدة،وإلى الانتماء العالمي بدلاً من الانتماء القومي والوطني،وهذا يذكرنا بكون الناس أمة واحدة يحكمها نظام واحد هو نظام الفطرة الإلهية فطرة الله التي فطر الناس عليها كما يخبرنا بذلك القرآن الكريم في قوله تعالى (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيَما اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، وقوله (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيَما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) لكنها أمة تختلف في حياتها عن بساطة الأمة الأولى وسذاجة عيشها وأفكارها وطموحاتها بل ستعود أمة متطورة على جميع المستويات، والجوانب، وإليك وصف لهذا التطور الكبير الذي ستشهده الأمة مركّـزاً على الجوانب الآتية:
1. الجانب الاقتصادي
ويبدو من الروايات أن الخيرات والبركات تنتشر في أيام دولة الإمام(ع) فتخرج الأرض كنوزها وخيراتها للناس فقد روي عن رسول الله(ص) أنه قال: «تنعم أمتي فيه ـ أي في حكم المهدي – نعمة لم ينعموا مثلها قط، تؤتي الأرض أُكلها لا تدّخر عنهم شيئاً، والمال يومئذٍ كُدُوس يقوم الرجل فيقول: يا مهدي، أعطني،فيقول: خذ»، وفي دولته يرتفع الدخل السنوي للأفراد بحيث لا يبقى في المجتمع فقير،ولا مسكين،و لا محتاج أو متسول؛ لأنّ الثروة تقسم بينهم بالسوية كما روي ذلك عن النبي(ص) في قوله: «أبشركم بالمهدي يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض يقسم المال صحاحا، فقال له رجل ما صحاحا ؟ قال بالسوية بين الناس، قال: ويملا الله قلوب أمة محمد(ص) غنى ويسعهم عدله، حتى يأمر مناديا فينادي فيقول: من له من مال حاجة فما يقوم من الناس إلا رجل، فيقول ائت السدان يعني الخازن فقل له إن المهدي يأمرك أن تعطيني مالا، فيقول له أحث، حتى إذا جعله في حجره وأحرزه ندم، فيقول كنت أجشع أمة محمد نفسا، أو عجز عني ما وسعهم ؟ قال فيرده فلا يقبل منه، فيقال له إنا لا نأخذ شيئا أعطيناه»، وكذا قول الإمام الصادق(ع): «إذا قام القائم حكم بالعدل،وارتفع في أيامه الجور،وأمنت به السبل،وأخرجت الأرض بركاتها،وردّ كل حق إلى أهله ... وحكم بين الناس بحكم داود(ع) وحكم محمد(ص) فحينئذٍ تظهر الأرض كنوزها،وتبدي بركاتها،ولا يجد الرجل منكم يومئذٍ موضعاً لصدقته ولا لبره لشمول الغنى جميع المؤمنين ...»، والواقع أنه يملأ القلوب بالغنى النفسي والمعنوي فيستأصل منهم جذور الحرص المقيتة،ويزيل عدم الوثوق بالمستقبل في ظل عدالته الاجتماعية فلا يرى شخص في نفسه من حاجة لجمع الثروة؛لأنّ يومه وغده مضمونان فقد ورد عن جده المصطفى(ص) أنه قال: «... حتى تملأ الأرض جوراً فلا يقدر أحد أن يقول: الله ثم يبعث الله عزّ وجل رجلاً مني ومن عترتي فيملأ الأرض عدلاً كما ملأها من كان قبله جوراً،وتخرج له الأرض أفلاذ كبدها ويحثو المال حثواً ولا يعدّه عدّاً» .
2. الجانب الزراعي
ببزوغ فجره تتضاعف البركات في الأرض لاسيما في مجال الزراعة إذ قال رسول الله(ص) في وصف القائم «يخرج في أمتي المهدي،يسقيه الله الغيث،وتخرج الأرض نباتها، ويعطي المال صِحاحاً، وتكثر الماشية، وتَعظُم الأمة»، وروي عن أمير المؤمنين(ع) أنه قال في معرض حديثه عن الحجة «... ويذهب الشر ويبقى الخير، ويزرع الإنسان مدا،وتخرج له سبعة أمداد...»، وكذا يروى عن سعيد بن جبير (رضي الله عنه) أنه قال: «إن السنة التي يقوم فيها القائم(ع) تمطر الأرض أربعاً وعشرين مطرة وترى آثارها وبركاتها» .
وفي هذا الصدد يروى أنه يقضي على نظام الإقطاع في الأراضي الزراعية كما في الحديث الشريف القائل: «إذا قام قائمنا اضمحلت القطائع فلا قطائع» .
3. الجانب الديني
تذكر الروايات أنّ الإمام حينما يحكم فإنه يأتي بدين جديد كما ورد ذلك عن الإمام الباقر(ع) عندما سأله عبد الله بن عطاء قائلاً: «إذا قام القائم(ع) بأي سيرة يسير في الناس ...؟فقال: يهدم ما قبله كما صنع رسول الله(ص)،ويستأنف الإسلام جديداً»، وفي رواية أخرى أنّه يأتي بأمر جديد فقد روى النعماني حديثاً مفاده أنّ أبا جعفر(ع) قال: إنّ قائمنا إذا قام دعا الناس إلى أمر جديد كما دعا إليه رسول الله(ص)...إلى آخر الحديث .
ولمناقشة هذه الروايات نتساءل: ما هو الدين الجديد الذي سيأتي به الإمام؟ وهل يختلف عن دين جده؟ كما يدّعي بعض أدعياء البابية والمهدوية في تفسيرهم لهذا الحديث بمعنى النسخ للشريعة الإسلامية،وهي محاولة خبيثة ومنكرة في فهم النبوة والتشريع،وتبرير استهانتهم بالكتاب والسنة،وما جاء فيهما من أحكام وتكاليف.
والجواب على هذا السؤال لا بد من تسليط الضوء على الترابط الكبير بين الإمام،وجده باعتبار أنّ النبي(ص) كافح الجهل،والظلم،والفساد لتأسيس الدولة العالمية بعد معاناة وجهاد طويلين لكنه رحل إلى المليك الأعلى عاقداً الأمل على ولده المنتظر ليسود الإسلام على وجه الأرض إذ في دولته سيسود العدل ويطبق على جميع الأرض،وعندما نقول: إنّ الإمام الحجة(عج) سيأتي بدين جديد يجب أن نعلم بأنّ الشريعة السمحاء قد ختمت بالمصطفى،وشاء الله أن يكون خاتم الأنبياء والمرسلين،وأن يكون المهدي خاتم الأوصياء،وهنا يُطرح تساؤل آخر إذا كانت الدين الإسلامي قد خُتِم بصريح القرآن في قوله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً) فما هو الدين الجديد الذي سيأتي به الإمام لاسيما أنّ النبي قد عقد عليه آمالاً كبيرة كما أسلفنا ؟ وما هو الأمر الجديد الذي يختلف به عن جده ؟
الجواب هو أنّه سيأتي بأحكام واقعية لا أحكام ظاهرية فنحن الآن نعمل بأحكام ظاهرية اجتهد في استنباطها العلماء الأجلاء بعد معاناة وسهر وصبر ـ وهم في هذا مأجورون على كل حال ـ فإذا ظهر الإمام فإنه سوف يُرجعُنا إلى الأحكام الواقعية الموجودة زمن النبي(ص) فيتصور الناس أنّ المهدي جاء بدين جديد إذ يعيد كثير من الأحكام التي تناساها الناس وتجاهلوها بعد أن مضى عليها الزمان أي أنّه يطبق الشريعة بكاملها فيظن الناس أنه جاء بأمر جديد فمثلاً صلاة الجمعة ـ هذه الشعيرة المهمة ـ تنوسيتْ،وضُيعتْ يأتي فيوجبها فيتصور الناس أنّه قد أتى بدين جديد، والواقع أنّه يحيي الدين بعد اندراس...
4. الجانب القضائي
لاشك أنّ الإمام سيقضي بين الناس بالعدل فهو الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً،وفي الروايات أنه يحكم بحكم داود فلا يسأل عن البينة.عن الإمام الصادق(ع) أنّه قال: «إذا قام قائم آل محمد حكم بحكم داود وسليمان، لا يسأل الناس بينة ...)، ويبدو أنّه يختلف في هذا مع جده الذي يقضي بالبينة لقوله (ص): «إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان ...» في حين لا يحتاج المهدي إلى البيّنات والأيمان،وإنما يقضي بعلمه،وهذا يعني أنّ جده يعلم لكنه لا يقضي بعلمه الذي يأتي عن طريق النبي أو عن طريق تحديث الملائكة أو عن طريق الإلهام .
وأما حكمه بحكم سليمان فنحن نعلم من قوله تعالى (وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً) أنّ إنساناً عنده مزرعة وجاءت غنم لشخص آخر فدخلت المزرعة،وأكلت منها فأفسدت الزرع فالحكم المترتب على هذه المسألة أنّ الغنم إذا دخلت المزرعة ليلاً فالضمان على صاحب الغنم،أما إذا كان الدخول نهاراً فلا ضمان فكان الحكم بوجوب الضمان؛لأنّ الدخول كان في الليل لكن داود وسليمان اختلفا في قيمة الضمان فداود يرى أنّ الغنم تُعطى لصاحب المزرعة؛لأنّ زرعه فسد فبمقدار زرعه يُعطى من الغنم أما سليمان فحكم بأنّه لا يأخذ نتاج الغنم أي يعطونه من الحليب أو الأولاد أما نفس الغنم فلا يُعطى فحكم سليمان مختلف عن حكم أبيه داود؛لأنّه حكم ولائي بحسب المصلحة العامة فالإمام الحجة سيضع أحكاماً ولائية كثيرة مراعياً بذلك المصلحة العامة كتنظيمه مرور السيارات،ومرور الركاب، ويضع لذلك أحكاماً ولائية على سبيل المثال أنه لا دية للرجل الماشي في وسط الطريق حينما يتضرر من سيارة أو من غيرها، وهذه ـ لعمري ـ أحكام عادلة تنظر إلى المصلحة العامة متجاهلة الكثير من الأحكام الباطلة التي يضعها الناس في أحكامهم العشائرية القاصرة المقصرة التي تنظر إلى المصلحة الخاصة،وتأخذ ما تريد بقوة العشيرة.
ولا بد أن نشير إلى وجود جهاز قضائي يقظ وفاعل،ووسائل مراقبة دقيقة بحيث لا يفلت مجرم من سيطرته،ولا يستطيع انتهاك عدالته،وهو عنصر يحد من انتشار الفساد،وانتهاك حرمة القانون لاسيما أنه يخرج بعد أن يستشري الفساد. قال تعالى (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)
ومن الأحاديث الدالة على عدالته،وردّها المظالم قول الرسول(ص):
«عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تقئ الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة فيجئ القاتل فيقول في هذا قتلت، ويجئ القاطع فيقول في هذا قطعت رحمي ويجئ السارق فيقول في هذا قطعت يدي ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئا»..
ولما كان العدل يعم ربوع دولته فإنّ المرأة تقضي في بيتها بالقرآن الكريم والسنة المطهرة كما يروى ذلك عن أبي جعفر(ع) أنه قال: «كأنني بدينكم هذا لا يزال متخضخضاً يفحص بدمه، ثم لا يرده عليكم إلا رجل منا أهل البيت فيعطيكم في السنة عطاءين، ويرزقكم في الشهر رزقين، وتؤتون الحكمة في زمانه حتى أن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله(ص)» .
وتشير بعض الروايات إلى أنّ النبي عيسى(ع) يقضي في دولة المهدي بالعدل،ويكسر الصليب،ويقتل الخنزير،ويضع الجزية،ويفيض المال حتى لا يقبله أحد. قال رسول الله(ص): «والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً يكسر الصليب، ويقتل الخنزير،ويضع الجزية، فيفيض المال حتى لا يقبله أحد» ...
5. الجانب الإداري
لا يختلف الإمام المنتظر عن جده في كونه رؤوفاً رحيماً بالناس ـ ومنهم المساكين ـ بيد أنه حازم وحسيب على عمّاله لذا نجده يختار للحكم ولاةً هم خيرة أصحابه الذين يتحلون بأعلى كفاءات الوالي الإسلامي من العلم،والفقه،والشجاعة،والنزاهة، والإخلاص . قال ابن كثير: «إذا كان المهدي ثبت على المسيئ من إساءته، وزيد المحسن في إحسانه، سمح بالمال شديد على العمال رحيم بالمساكين»، وذكر ابن طاووس رواية أنّ «المهدي كأنما يُلْعِـق المساكينَ الزُّبد».
والإمام شديد مع المنافقين الذين يتاجرون بالدين،ويسيئون للمقدسات الإسلامية لاسيما سدنة الكعبة فيفضحهم على مرآى ومسمع من الناس،ويسميهم (سرّاق الله)، ويذكر الشيخ الطوسي هذا المعنى في رواية تقول: إنّ «القائم إذا قام قطع أيدي بني شيبة، وعلّق أيديهم على البيت، ونادى مناديه هؤلاء سرّاق الله».
6. الجانب العلمي
تشهد الأمة الإسلامية إبان الحكومة المهدوية تطوراً هائلاً في مختلف العلوم،لأنّ العلم سيعادل اثني عشر ضعفاً بالنسبة للعلوم والمعارف التي كانت سائدة زمن الأنبياء إلى يومنا هذا،والدليل على ذلك الرواية الآتية: «عن أبي عبد الله(ع) قال: العلم سبعة وعشرون حرفا فجميع ما جاءت به الرسل حرفان فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين، فإذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرفا فبثها في الناس، وضم إليها الحرفين، حتى يبثها سبعة وعشرين حرفا».
ويفتح هذا العلم أمام الإنسان جميع أبواب التكامل الفكري،والرقي المعنوي، والتكامل الروحي فيشهد عصره تطوراً فكرياً وروحياً عالياًً كما يلمع إلى ذلك الإمام الباقر(ع) في وصف الإمام وأصحابه: «فيه آية المتوسمين وهي السبيل المستقيم وإن الله ينزع الخوف من قلوب شيعته ويسكنه قلوب أعدائه، فواحدهم أمضى من سنان، وأجرى من ليث يطعن عدوه برمحه ويضربه بسيفه ويدوسه بقدمه، وحد الله للشيعة في أسماعهم وأبصارهم حتى يكون بينهم وبين القائم بريد كلمهم، ويسمعون، وينظرون إليه وهو في مكانه ...»، وهذا دليل على تطور وسائل الاتصال لاسيما ما نرى بوادره اليوم طبقاً للقوانين العلمية،أي أنّ كافة الناس سيتمتعون بوسائل نقل الصوت والصورة بيسر وسهولة بحيث لم تعد هنالك من حاجة إلى وجود دائرة باسم البريد في حكومته ودولته،وتحل أغلب القضايا دون الحاجة إلى الأوراق فهنالك أجهزة شهود،وأجهزة حضور تدير شؤون المجتمع . روي أنه(ع) ينصب له عمود من نور من الأرض إلى السماء فيرى فيه أعمال العباد، وأن له علوما مذخورة تحت بلاطة في أهرام مصر، قال أبو عبدالله(ع): «إنه إذا تناهت الأمور إلى صاحب هذا الأمر رفع الله تبارك وتعالى كل منخفض من الأرض، وخفض له كل مرتفع منها حتى تكون الدنيا عنده بمنزلة راحته، فأيكم لو كانت في راحته شعرة لم يبصرها» عن ابن مسكان، قال: «سمعت أبا عبد الله(ع) يقول: إن المؤمن في زمان القائم وهو بالمشرق ليرى أخاه الذي في المغرب، وكذا الذي في المغرب يرى أخاه الذي في المشرق»، ومصداق ذلك موجود في ما تقدمه شبكات الإنترنيت من خدمة جليلة في الاتصال بين الدول العربية والغربية.
7. الجانب الحربي
يخوض الإمام عدة حروب يستخدم فيها سلاحاً جديداً يقضي على غير المؤمن،ويترك المؤمن،ليس سيفاً وإنما نوع آخر من السلاح غير موجود حالياً وإنما ورد بتعبير السيف؛ لأنه كان أبرز سلاح يُقاتَل به في فترة صدور الأحاديث،ولو كان الأئمة المعصومون(علیهم السلام) يستخدمون غير الأسماء المعروفة لكان الرواة يمتنعون من نقلها خشية أن تقابل بالسخرية والاستخفاف،ومن الأحاديث التي ذكرت أسلحة الإمام بلفظ السيف ولا يراد به السيف كما ورد في وصف سيوف أنصاره: «ولهم سيوف من حديد غير هذا الحديد، لو ضرب أحدهم بسيفه جبلا لقده حتى يفصله، يغزو بهم الإمام الهند والديلم والكرك والترك والروم وبربر و ما بين جابرسا إلى جابلقا، وهما مدينتان واحدة بالمشرق، وأخرى بالمغرب، لا يأتون على أهل دين إلا دعوهم إلى الله وإلى الإسلام، وإلى الإقرار بمحمد(ص)، ومن لم يقر بالإسلام ولم يسلم قتلوه حتى لا يبقى بين المشرق والمغرب وما دون الجبل أحد
إلا أقر».
ويمكن تفسير النصوص التي ورد فيها (السيف) بالآتي:
1. لما كان السيف رمزاً للسلاح أو القوة لذا فيكون معنى الأحاديث أنه يظهر بالسلاح أو أنه يظهر بالقوة.
2. أما معنى حمله السيف ـ كما ورد في بعض الأحاديث ـ فهو اختياره شعاراً بيد أنّ اختيار السيف شعاراً يختلف عن اختياره سلاحاً وحيداً في معاركه إذ إنّ اختيار النسر أو المنجل والمطرقة أو النخلة أو سنبلة القمح وكذا السيف لا يعني أنها الوسائل الوحيدة التي تعتمد عليها الدولة،وإنما ترمز إلى بعض المنطلقات الفكرية أو الحيوية للدولة.
3. لعل المقصود من ظهوره بالسيف أنه إذا أراد إعدام شخص أمر بضرب عنقه انطلاقاً من أمر الشريعة بإراحة الضحية،وعدم تعذيبه بالوسائل المختلفة للإعدام فيكون السيف السلاح الوحيد الذي يخيف المجرمين داخل دولته،لا أنه سلاحه في معاركه وفتوحاته .
وفي بعض الروايات تصريح لحمله سلاح رسول الله(ص)، وسيفه،ودرعه،ومغفره كما ورد عن جابر الجعفي، قال: قال لي محمد بن علي(ع): «يا جابر ! إن لبني العباس راية ولغيرهم رايات، فإياك ثم إياك ثم إياك ـ ثلاثا حتى ترى رجلا من ولد الحسين يبايع له بين الركن والمقام، معه سلاح رسول الله ومغفر رسول الله(ص) ودرع رسول الله(ص) وسيف رسول الله(ص)»، ولعل تفسير ذلك يعود إلى انتسابه إلى رسول الله(ص) ردّاً للتهم التي تقول: بأنه ليس من ذرية رسول الله،نظراً لقتله أعداداً كبيرة من المجرمين زعماً منهم أنّ ذرية رسول الله يحاولون الابتعاد عن الخوض في الدماء حتى دماء المحرمين،وربما يحمله في جملة ما يحمله من مواريث الأنبياء منها خاتم سليمان،وعصا موسى،وتابوت بني إسرائيل كما ورد ذلك في الحديث الشريف:
«فيه بقية مما ترك آل موسى وآل هارون، ورضاضة اللوح،وعصا موسى،وقبا هارون، وعشرة أوصاع من المن، وشرائح السلوى التي ادخرها بنو إسرائيل لمن بعدهم فيستفتح بالتابوت المدن كما استفتح به من كان قبله، وينشر الإسلام في المشرق والمغرب والجنوب والقبلة».
ومما يؤيد كون السيف رمزاً للقوة والقدرة العسكرية السبب العقلائي الذي يتلخص بكون العودة إلى الوراء ليس أمراً ممكناً ولا منطقياً،وهو خلاف سنة الخلق وأصل تكامل الحياة،وليس هناك من دليل على جمود المجتمع،وإيقاف عجلة تطوره بغية تحقيق الحرية، والعدل، والمساواة،وإنّ قيام المصلح والمنقذ العالمي الكبير بهدف بسط الحرية، والعدل، والمساواة لا يؤدي بأي شكل من الأشكال إلى ركود أو إزالة الحركة الصناعية وما عليها من تطور، وأما السلاح فالسيف الوارد في الروايات رمز للشجاعة والاقتدار العسكري كما بشير القلم للعلم والثقافة،ويحتمل أن تكون أسلحة الإمام متطورة جداً تفوق ما تملكه قوى الاستكبار العالمي من أسلحة،وتشير الروايات إلى أنّ جنود الإمام المهدي الملائكة،والرعب،والمؤمنون كما يخبرنا بذلك أبو جعفر الباقر(ع) بقوله: «القائم منا منصور بالرعب، مؤيد بالنصر تطوي له الأرض، وتظهر له الكنوز، يبلغ سلطانه المشرق والمغرب، ويظهر الله عز وجل به دينه على الدين كله ولو كره المشركون»، وكذا قول أبو عبد الله(ع): «إذا قام القائم صلوات الله عليه نزلت ملائكة بدر وهم خمسة آلاف، ثلث على خيول شهب، وثلث على خيول بلق، وثلث على خيول حو . قلت: وما الحو ؟ قال: هي الحمر»، ومثل ذلك مرو عن أبي عبد الله(ع) أنه قال: في قول الله عز وجل: (أتى أمر الله فلا تستعجلوه) (النحل /1)، فقال:«هو أمرنا أمر الله عز وجل ألا تستعجل به حتى يؤيده بثلاثة أجناد: الملائكة، والمؤمنين، والرعب(، وأنّ جبرائيل أول من يبايع الإمام المهدي كما في رواية عن الإمام الصادق(ع)، قال: أول من يبايع القائم(ع) جبرئيل ينزل في صورة طير أبيض فيبايعه، ثم يضع رجلا على بيت الله الحرام ورجلا على بيت المقدس ثم ينادي بصوت طلق تسمعه الخلائق " أتى أمر الله فلا تستعجلوه "» . وبعد ذلك يدعو جبرائيل إلى بيعة الإمام كما في الحديث النبوي: «قال رسول الله(ص) يخرج المهدي وعلى رأسه ملك ينادي: إن هذا المهدي فاتبعوه» وفي حديث آخر مروٍِ عن رسول الله(ص)، قال: «يخرج المهدي وعلى رأسه غمامة فيها مناد ينادي هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه»، وفي رواية «عن عبد الله بن عمرو، قال: يخرج رجل من ولد الحسين من قبل المشرق لو استقبلته الجبال لهدها، واتخذ فيها طرقاً»، ويبدو أنّ كل شيء مسخّر له ففي رواية عن الإمام الباقر(ع) أنه قال: «ذخر لصاحبكم الصعب . قال: قلت: وما الصعب ؟ قال: ما كان من سحاب فيه رعد وصاعقة أو برق فصاحبكم يركبه، أما إنه سيركب السحاب ويرقي في الأسباب أسباب السماوات السبع والأرضين السبع»، وهنا لا يقصد السحاب العادي؛ لأنّ السحاب ليست من الوسائل التي يمكن السفر بواسطتها إلى الفضاء إذ هي تتحرك في جو قريب من الأرض،ولا تبعد مسافة تذكر عنها،ولا يمكنها الارتفاع كثيراً عن الأرض بل هي إشارة إلى وسيلة غاية في السرعة لها صوت كالرعد،وقدرة وشدة كالصاعقة والبرق،ولعلها أكثر شبهاً بالصحون الطائرة وأسرع منها،والوسائل الفضائية ذات السرعة المذهلة،وهذا يعني أنّ الإمام يظهر بتكنولوجيا تفوق التكنولوجيا الموجودة فليس هنالك من تخلف صناعي في زمنه.
العولمة وعالمية الدولة المهدوية
من المعروف لدينا بأن الإسلام يقف موقفاً متحفظاً من مسألة العولمة؛ لأنها تهدف إلى فرض هوية ثقافية واحدة هي الهوية الغربية،وتمارس عملية استلاب حضاري وتنميط لثقافة الشعوب بما ينسجم مع الثقافة الغربية من خلال وسائل الإعلام الجبارة،وتقنيات المعلومات المحتكرة بيد الشركات الغربية الكبرى التي تسلب من الآخرين فرصة المنافسة،وتحول دون التثاقف المتوازن بين الشعوب والأمم المختلفة إذ إنّ العالم بأسره سيكون قريةً كبيرةً واحدةً ترفض وجود الحواجز بين أحيائها،وأطرافها المتعددة، على أنّ الشركات الاقتصادية الغربية العملاقة قد تمكنت من خلال المنافسة الحرة بينها،وبين مراكزنا الاقتصادية والصناعية الداخلية أن تعزل مراكز الإنتاج الصناعي الداخلي،وتضعفها،وتكتسح الأسواق في العالم الإسلامي، وبذا فالعولمة لا تنتج دولة عالمية منسجمة،يسودها نظام وقانون واحد؛لأنها تمارس أنواعاً مختلفة من القسر والفرض مما يؤدي إلى نشوء حالة من الممانعة عند الشعوب المختلفة تدعوها إلى التمرد على ما تنتجه العولمة من قوانين،وأنظمة لإدارة العالم فلا بد من بديل للشعوب المحرومة والمستضعفة،ولا بديل لها سوى دولة الإمام العالمية التي سوف تحقق التقارب والتواصل الحقيقي بين الشعوب عبر قنوات الاختيار والقناعة إذ كثير من الأطروحات الأرضية سوف تفشل في قيادة العالم إلى ساحل النجاة،وتحقيق الأهداف الكبرى سوى هذه الدولة الإلهية المباركة التي سوف تكون عالمية من خلال بسط نفوذها،وسيادتها على جميع المعمورة،وتكون الدولة الوحيدة في العالم التي لا تقوم بإزائها دولة أخرى،والروايات على سعة ملكه وسلطانه كثيرة منها قول الإمام الباقر(ع): «يفتح الله له الروم والصين والترك والديلم والسند والهند وكابل شاه والخزر».
وقول أمير المؤمنين(ع): «إذا بعث السفياني إلى المهدي جيشا فخسف بهم بالبيداء، وبلغ ذلك أهل الشام، قالوا لخليفتهم: قد خرج المهدي فبايعه وادخل في طاعته وإلا قتلناك، فيرسل إليه بالبيعة، ويسير المهدي حتى ينزل بيت المقدس، وتنقل إليه الخزائن، وتدخل العرب والعجم وأهل الحرب والروم وغيرهم في طاعته من غير قتال حتى تبنى المساجد بالقسطنطينية وما دونها».
وقال الإمام الصادق(ع) في الإمام المنتظر(عج): «هو الخامس من ولد ابني موسى، ذلك ابن سيدة الإماء، يغيب غيبة يرتاب فيها المبطلون، ثم يظهره الله عز وجل فيفتح الله على يديه مشارق الأرض ومغاربها، وينزل روح الله عيسى بن مريم(ع) فيصلي خلفه، فتشرق الأرض بنور ربها، ولا تبقى في الأرض قطعة عبد فيها غير الله عز وجل إلا عبد الله عز وجل فيها، ويكون الدين لله ولو كره المشركون».
وترضى جميع الخلائق بدولته كما تفصح لنا بذلك الروايات فعن حذيفة عن النبي(ص) قال: «المهدي من ولدي وجهه كالكوكب الدري، فاللون لون عربي، والجسم جسم إسرائيلي، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، يرضى بخلافته أهل السماء والطير في الجو،...»، و«تفرخ الطيور في أوكارها، والحيتان في بحارها، وتمد الأنهار، وتفيض العيون، وتنبت الأرض ضعف أكلها، ثم يسير مقدمته جبرائيل، وساقته إسرافيل فيملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما».
مدة الدولة المهدوية
اختلفت الروايات في مدة حكم الإمام المهدي(عج) لاسيما الأخبار الواردة من طريق إخواننا أهل السنة والجماعة فقد ورد في سنن أبي داود حديث مروٍ عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله(ص): «المهدى منى أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، يملك سبع سنين»، وكذا حديث آخر مروٍ عن أبي سعيد الخدري يقول:«إن في أمتي المهدي يخرج يعيش خمسا أو سبعا أو تسعا زيد الشاك . قال: قلنا وما ذاك ؟ قال: سنين . قال: فيجئ إليه الرجل فيقول: يا مهدي أعطني قال: فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله»، ولعل المرجح عند الشيخ الكوراني في الأحاديث التي تذكر مدة حكم الإمام المهدي(عج) أن أصلها الحديث الذي يذكر أن النبي(ص) أجاب على السؤال عن مدة حكمه بأن عقد بيده الشريفة أصابعها الخمس، ثم عقد من الثانية إصبعين، ففسره الرواة بسبع، ثم صحفت الكلمة في النسخ بتسع . ولكنها قد تكون سبع مراحل أو عقود مثلا ولا دليل على حصرها بالسنين.
وكذا يرجح السيد صدر الدين الصدر المدة بسبع سنين، والواقع أنّ مدة حكمه تمتد زمناً طويلاً من 5سنوات أو 7سنوات إلى 309،وهي مدة مكث أصحاب الكهف إذ يستغرق تبلورها،وتشكيلها مدة 5أو 7 سنين،وعصر تكاملها:40 سنة،وعصرها الأخير أكثر من ثلاثمائة سنة.
الخـاتمة
(قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى)، وبعد: فقد تبين لي من خلال البحث جملة من النتائج أوجزها على النحو الآتي:
1. الدولة المهدوية أمر إلهي،وعقيدة راسخة آمن بها الناس على مختلف عقائدهم ومشاربهم،وقد وعدت بها جميع الأديان، والكتب السماوية ـ ومنها القرآن الكريم ـ،وهو نتيجة حتمية لما تعانيه البشرية من ظلم،واضطهاد،وجور،وفساد فحري بها أن تتطلع إلى اليوم الموعود، والقائد المنتظر لينشر العدل،والسلام،والخير،والأمن،والأمان فيتم النور الإلهي ولو كره المشركون .
2. لما كان المهدي يخرج في آخر الزمان،وولايته امتداد لرسالة جده،وجده خاتم الأنبياء والمرسلين فلا غرابة أن يكون جامعاً لصفات مجموعة من الأنبياء فهو أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً،وسمتاً وهيبةً برسول الله(ص)، وبعيسى(ع)، ويبدو من الروايات أنه يشبه خمسة من الرسل (يونس،ويوسف،وموسى،وعيسى،ومحمد(علیهم السلام) فهو يشبه يونس برجوعه من غيبته،وهو شاب بعد كبر السن،ويشبه يوسف بغيبته عن خاصته وعامته،ويشبه موسى بدوام خوفه،وطول غيبته،وخفاء ولادته،وتعب شيعته مما لقوا من الأذى والهوان،أما شبهه بعيسى فاختلاف من اختلف فيه حتى قالت طائفة منهم:ما ولد،وقالت طائفة:مات،وقالت طائفة: قُتل وصُلب،وأما شبهه بجده المصطفى(ص) فخروجه بالسيف،وقتله أعداء الله وأعداء رسوله والجبًارين والطواغيت،وأنه يُنصَر بالسيف والرعب.
3. من المعلوم أنّ حياة البشر لا تستقيم بدون دولة تحكمهم،وتدير شؤونهم،وتنظم أمورهم لاسيما في عالمنا المعاصر الذي تعقدت فيه الحياة وتشابكت العلاقات تشابكاً كبيراً،واليوم يتجه العالم نحو الدولة العالمية الموحدة،وإلى الانتماء العالمي بدلاً من الانتماء القومي والوطني،وهذا يذكرنا بكون الناس أمة واحدة يحكمها نظام واحد هو نظام الفطرة الإلهية فطرة الله التي فطر الناس عليها كما يخبرنا بذلك القرآن الكريم في قوله تعالى (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيَما اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، وقوله (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيَما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) لكنها أمة تختلف في حياتها عن بساطة الأمة الأولى وسذاجة عيشها وأفكارها وطموحاتها بل ستعود أمة متطورة على جميع المستويات،والجوانب: فالتطور على الصعيد الاقتصادي ـ كما يبدو من الروايات ـ أن الخيرات والبركات تنتشر في أيام دولة الإمام(ع) فتخرج الأرض كنوزها وخيراتها للناس،وتبدي بركاتها،ولا يجد الرجل منكم يومئذٍ موضعاً لصدقته ولا لبره؛ لشمول الغنى جميع المؤمنين، وتتضاعف البركات في الأرض لاسيما في مجال الزراعة إذ ورد عن رسول الله(ص) في وصف القائم أنه يخرج في أمتي المهدي،يسقيه الله الغيث،وتخرج الأرض نباتها، وتكثر الماشية، وتَعظُم الأمة،ويزرع الإنسان مدّاً وتخرج له سبعة أمداد، وأنه يقضي على نظام الإقطاع في الأراضي الزراعية وعندما نقول: إنّ الإمام الحجة(عج) سيأتي بدين جديد يجب أن نعلم بأنّ الشريعة السمحاء قد ختمت بالمصطفى،وشاء الله له أن يكون خاتم الأنبياء والمرسلين،وأن يكون المهدي خاتم الأوصياء بوصف النبي(ص) قد كافح الجهل،والظلم،والفساد لتأسيس الدولة العالمية بعد معاناة وجهاد طويلين لكنه رحل إلى المليك الأعلى عاقداً الأمل على ولده المنتظر ليسود الإسلام على وجه الأرض إذ في دولته سيسود العدل ويطبق على جميع الأرض،أما تأويل مجيئه بدين جديد هو أنّه سيأتي بأحكام واقعية لا أحكام ظاهرية فنحن الآن نعمل بأحكام ظاهرية اجتهد في استنباطها العلماء الأجلاء بعد معاناة وسهر وصبر فإذا ظهر الإمام فإنه سوف يرجعنا إلى الأحكام الواقعية الموجودة زمن النبي(ص) فيتصور الناس أنّ المهدي جاء بدين جديد إذ يعيد كثير من الأحكام التي تناساها الناس وتجاهلوها بعد أن مضى عليها الزمان أي أنّه يطبق الشريعة بكاملها فيظن الناس أنه جاء بأمر جديد فمثلاً صلاة الجمعة ـ هذه الشعيرة المهمة ـ تنوسيتْ،وضُيعتْ يأتي فيوجبها فيتصور الناس أنّه قد أتى بدين جديد، والواقع أنّه يحيي الدين بعد اضمحلال، أما على صعيد القضاء فيوجد جهاز قضائي يقظ وفاعل،ووسائل مراقبة دقيقة بحيث لا يفلت مجرم من سيطرته،ولا يستطيع انتهاك عدالته،وهو عنصر يحد من انتشار الفساد،وانتهاك حرمة القانون لاسيما أنه يخرج بعد أن يستشري الفساد، ولما كان العدل يعم ربوع دولته فإنّ المرأة تقضي في بيتها بالقرآن الكريم والسنة المطهرة. وفي الروايات أنه يحكم بحكم داود فلا يسأل عن البينة،وكذا يحكم بحكم سليمان، وتشير بعض الروايات إلى أنّ النبي عيسى(ع) يقضي في دولة المهدي بالعدل،ويكسر الصليب،ويقتل الخنزير،ويضع الجزية .
وأما على الصعيد الإداري فلا يختلف الإمام المنتظر عن جده في كونه رؤوفاً رحيماً بالناس ـ ومنهم المساكين ـ بيد أنه حازم وحسيب على عمّاله لذا نجده يختار للحكم ولاةً هم خيرة أصحابه الذين يتحلون بأعلى كفاءات الوالي الإسلامي من العلم،والفقه،والشجاعة،والنزاهة، والإخلاص،
وأما على الصعيد العلمي تشهد الأمة الإسلامية إبان الحكومة المهدوية تطوراً هائلاً في مختلف العلوم،لأنّ العلم سيعادل اثني عشر ضعفاً بالنسبة للعلوم والمعارف التي كانت سائدة زمن الأنبياء إلى يومنا هذا،ويفتح هذا العلم أمام الإنسان جميع أبواب التكامل الفكري،والرقي المعنوي، والتكامل الروحي فيشهد عصره تطوراً فكرياً وروحياً عالياًً.
وأما على الصعيد الحربي فإنّ الإمام يخوض عدة حروب يستخدم فيها سلاحاً جديداً يقضي على غير المؤمن،ويترك المؤمن،ليس سيفاً وإنما نوع آخر من السلاح غير موجود حالياً وإنما ورد بتعبير السيف؛ لأنه كان أبرز سلاح يُقاتَل به في فترة صدور الأحاديث،ولما كان السيف رمزاً للسلاح أو القوة فإته يظهر بالسلاح أو أنه يظهر بالقوة.
أما معنى حمله السيف ـ كما ورد في بعض الأحاديث ـ فهو اختياره شعاراً بيد أنّ اختيار السيف شعاراً يختلف عن اختياره سلاحاً وحيداً في معاركه إذ إنّ اختيار النسر أو المنجل والمطرقة أو النخلة أو سنبلة القمح وكذا السيف لا يعني أنها الوسائل الوحيدة التي تعتمد عليها الدولة،وإنما ترمز إلى بعض المنطلقات الفكرية أو الحيوية للدولة، فالسيف الوارد في الروايات رمز للشجاعة والاقتدار العسكري كما بشير القلم للعلم والثقافة، ومما يؤيد كون السيف رمزاً للقوة والقدرة العسكرية السبب العقلائي الذي يتلخص بكون العودة إلى الوراء ليس أمراً ممكناً ولا منطقياً،وهو خلاف سنة الخلق وأصل تكامل الحياة،وليس هناك من دليل على جمود المجتمع،وإيقاف عجلة تطوره بغية تحقيق الحرية، والعدل، والمساواة،وإنّ قيام المصلح والمنقذ العالمي الكبير بهدف بسط الحرية،والعدل،والمساواة لا يؤدي بأي شكل من الأشكال إلى ركود أو إزالة الحركة الصناعية وما عليها من تطور،،ويحتمل أن تكون أسلحة الإمام متطورة جداً تفوق ما تملكه قوى الاستكبار العالمي من أسلحة،وتشير الروايات إلى أنّ جنود الإمام المهدي الملائكة،والرعب،والمؤمنون .
4. العولمة لا تنتج دولة عالمية منسجمة،يسودها نظام وقانون واحد؛لأنها تمارس أنواعاً مختلفة من القسر والفرض مما يؤدي إلى نشوء حالة من الممانعة عند الشعوب المختلفة تدعوها إلى التمرد على ما تنتجه العولمة من قوانين،وأنظمة لإدارة العالم فلا بد من بديل للشعوب المحرومة والمستضعفة،ولا بديل لها سوى دولة الإمام العالمية التي سوف تحقق التقارب والتواصل الحقيقي بين الشعوب عبر قنوات الاختيار والقناعة إذ كثير من الأطروحات الأرضية سوف تفشل في قيادة العالم إلى ساحل النجاة،وتحقيق الأهداف الكبرى سوى هذه الدولة الإلهية المباركة التي سوف تكون عالمية من خلال بسط نفوذها،وسيادتها على جميع المعمورة،وتكون الدولة الوحيدة في العالم التي لا تقوم بإزائها دولة أخرى،وما مجيء الولايات المتحدة إلى العراق إلا مسلسل الهدف منه القضاء على قاعدة الإمام،وانتظار خروجه لإفشال نهضته؛ لأنهم يعلمون أنّ نهايتهم ستكون على يده لذا تراهم يبحثون عن شخصيات علمائية مؤثرة في المجتمع العراقي فيغتالونها وما اغتيالهم لآية الله العظمى السيد محمدباقر الحكيم وقبله آية الله العظمى السيد محمدباقر الصدر،و آية الله العظمى السيد محمد الصدر آية الله العظمى الشيخ علي الغروي،و آية الله العظمى الشيخ مرتضى البروجردي من قبل صدام المجرم وجلاوزته إلا دليل واضح على بحثهم الدؤوب عن أنصاره،وأعوانه،ومازالوا يمارسون أبشع الأساليب للنيل من عقيدة المهدي،ومن ذلك تجنيدهم شخصيات متلبسة بالدين والعلم،ومن ذلك تضليلهم ثلة من الشباب بشخصية تلبست دور اليماني حتى شوهوا للناس صورة اليماني.
المصادر والمراجع
الأربعون حديثاً في المهدي، أبو نعيم الأصفهاني تح/ علاء الزبيدي الكوفي،ط1،محرم الحرام،1428ق -2007م.
الأصول الستة عشر من الأصول الأولية،تحقيق ضياء الدين المحمودي بمساعدة نعمة الله الجليلي، ط1، مهدي غلام علي، دار الحديث للطباعة والنشر، 1423 - 1381ش.
أضواء على دولة الإمام المهدي(عج)،السيد ياسين (دامت بركاته)، أعداد وتحقيق: مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي،ط1،مط: نقارش،جمادي الآخرة 1425هـ .
أعلام الهداية: الإمام المهدي المنتظر خاتم الأوصياء (ج14)، لجنة التأليف،ط3،المجمع العالمي لأهل البيت،قم المقدسة، (د.ت).
الإمام المهدي المنتظر وأدعياء البابية والمهدوية بين النظرية والتطبيق، السيد عدنان البكاء، ط1،مركز الغدير للدراسات الإسلامية،بيروت، لبنان،1419هـ -1999م .
الإمام المهدي في الأحاديث المشتركة بين السنة والشيعة،محمد أمير الناصري، إشراف الشيخ محمد علي التسخيري، ط2،المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية،المعاونية الثقافية،1428هـ .ق- 2007م .
الإمام المهدي في القرآن والسنة،سعيد أبو معاش، ط2، مجمع البحوث الإسلامية،مؤسسة الطبع والنشر التابعة للأستانة الرضوية المقدسة،إيران،1425ق- 1383ش.
الإمام المهدي ـ نظرة وجيزة شاملة،الشهيد آية الله السيد حسن الشيرازي، ط1426ق،1383ش .
بحار الأنوار،محمد باقر المجلسي، تح/ محمدباقر البهبودي،ط3، دار إحياء التراث العربي،بيروت،لبنان، (د.ت).
البداية والنهاية، ابن كثير، تحقيق وتدقيق وتعليق: علي شيري،ط،1 دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، لبنان، 1408 ـ 1988 م.
التحديات المعاصرة ومشروع المواجهة الإسلامية،الشيخ محمد مهدي الآصفي،ط1، المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية،المعاونية الثقافية،مركز التحقيقات والدراسات العلمية،الجمهورية الإسلامية في إيران،1427هـ .ق .
الحكومة العالمية للإمام المهدي،آية الله العظمى ناصر مكارم الشيرازي،ط1،مدرسة الإمام علي بن أبي طالب(ع)، 1384ش، 1426هـ .
حياة الإمام المنتظر، المصلح الأعظم / باقر شريف القرشي،ط1،مجمع الذخائر الإسلامية، مط / شريعت،1427ق، 1385ش.
الخلاف، الشيخ الطوسي، تح/ السيد علي الخراساني،والسيد جواد الشهرستاني،والشيخ مهدي نجف / المشرف: الشيخ مجتبى العراقي، ط2، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة،1420 هـ .
سنن أبي داود، ابن الأشعث السجستاني، تحقيق وتعليق: سعيد محمد اللحام، ط1، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع،1410، 1990 م .
شجرة طوبى، الشيخ محمد مهدي الحائري، ط5، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها، النجف الأشرف، محرم الحرام 1385.
صحيح مسلم، مسلم النيسابوري، دار الفكر، بيروت، لبنان، (د.ت).
عصر الظهور،الشيخ علي الكوراني العاملي ط12،دار الهدى،1425ق، 2004م.
الغيبة (كتاب)، محمد بن إبراهيم النعماني، تح / فارس حسون كريم،ط1، مهر، قم،1422هـ .
فكر الكوثر،مجلة تصدر عن مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية، ع2، س1، خريف1428ق، 2007م.
في رحاب الإمام المهدي،عبد الرحيم مبارك،ط1، مجمع البحوث الإسلامية،مؤسسة الطبع والنشر التابعة للأستانة الرضوية المقدسة،1426ق، 1383ش.
قرب الإسناد، الحميري القمي،ط1، تح / مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، مط /مهر، قم، 1413 هـ .
الكافي، الشيخ الكليني،تحقيق وتعليق: علي أكبر الغفاري،ط3،دار الكتب الإسلامية،طهران، 1367ش .
كشف الغمة، ابن أبي الفتح الإربلي، دار الأضواء، بيروت، لبنان، (د.ت) . كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق، تحقيق و تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، محرم الحرام 1405، 1363 ش .
مجموعة الرسائل،الشيخ لطف الله الصافي، (د.ت).
محاضرات حول المهدي،الجزء الثاني،إعداد وتحقيق:مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي،ط1،النجف الأشرف، 1425هـ .
المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري،تحقيق وإشراف: يوسف عبد الرحمن المرعشلي، (د.ت).
معجم أحاديث الإمام المهدي(عج)، الشيخ علي الكوراني العاملي،ط1،مط: بهمن،مؤسسة المعارف الإسلامية،قم،1411.
الملاحم والفتن، السيد ابن طاووس، ط1، مؤسسة صاحب الأمر(عج)، أصفهان،15 شعبان 1416 هـ .
المهدي،العلامة السيد صدر الدين الصدر،ط2،دار الزهراء للطباعة والنشر والتوزيع، 1422ق، 2001م .
المهدي المنتظر (ق1) ـ موسوعة المصطفى والعترة،حسين الشاكري،ط1،نشر الهادي،1420هـ .ق .
الميزان في تفسير القرآن،العلامة السيد محمدحسين الطباطبائي،دار الكتب الإسلامية،طهران، (د.ت).
نهج الإمام المهدي في الحكم،من بحوث المرجع الديني السيد صادق الشيرازي، ط1،مطبعة نينوى، قم المقدسة، مؤسسة دار المهدي والقرآن الكريم، (د.ت).
نوادر المعجزات، محمد بن جرير الطبري الشيعي،تح / مؤسسة الإمام المهدي(عج)، ط1، مؤسسة الإمام المهدي(عج)، قم المقدسة،1410هـ .