تاریخ انتشارچهارشنبه ۳۱ تير ۱۳۹۴ ساعت ۱۰:۴۱
کد مطلب : ۱۱۸۹
۰
plusresetminus
المنظور الخلاصي في ا لأوهام الأخلاقية الغربية
جويدة غانم
الملخص
لم يعد النظام العالمي يحتكم إلى تلك الأحكام التي سنها القانون البشري والكوني في المحافظة على العرض البشري وأنساقه التكوينية ومرجعياته الدينية الأصلية،بقدر ما انتظم داخل برغماتية شوفينية قسمت العالم إلى مجتمعات بدائية متوحشة غير قابلة للحضارة يجاز عليها علميا أن تطبق عليها الأحماض الكيميائية والأشعة النووية،ومجتمع آخر متجاوز في التقدم و الرقي ومن حقه التحكم في العوالم وصناعة المركزيات والتحكم فيها،ولم تعد الأخلاق في الوعي الغربي المتطرف إلا أوهاما للمستضعفين وزيفا يمارسونه على وعيهم ووعي الآخرين حتى يتم حصولهم على قدر من الشفقة والرضى والسلام وحقوق مجتمعاتهم في المحافل الدولية،لتأخذ الأخلاق البرغماتية مجرى أكبر في التوسع و الاشتمال،وقد أدى هذا الوضع إلى إعادة النظر في المنظومة القيمية للأخلاق الغربية ،انبثق عن هذا الطرح التساؤل التالي:
إلى أي حد تتلاءم فلسفة التطرف والعنف الغربيين مع المساحات الأخلاقية التي حكمت بها المجتمعات؟
لماذا يتم نخر القيم العامة للإنسانية وعدم توفير السعادة و الحرية و الأمن، والقضاء المتتالي على المجتمعات تحت مظلته العقائدية والسياسية؟
مقدمة
قد تتحدد الرؤية العامة للنسق الأخلاقي في المنظومة الفلسفية على نظرة قيمية معيارية،لا تخرج هذه المعيارية عن حال تبدل الإرادات و النظم و التشكيلات الاجتماعية فكما لا تفترق في حسها الباطني عن تلك الرؤية المتممة لذلك المشروع الأبدي الذي يقر بالعودة ،أو بما علله فريدريك نيتشه العود الأبدي الذي يقتضي إعادة النظرة في مفهوم الرجعة الكونية من جديد،و إعادة استقراء فلسفة البدايات و النهايات من جديد ،حينها تضمن الفلسفة الأخلاقية مجالها في تكوين المشهد وصناعة الحقيقة مهما كان نوع الإيديولوجيات واليوتوبيات المتداولة و المطروحة حيز التنفيذ.
المستقرأ لحال المجتمعات و العلاقات الدولية، يلحظ مسارات عديدة اتجهت عنفا و مقصدا لبلورة أخلاق جديدة تتماشى مع المنظور البرغماتي الذي سيخلصها من الكوارث المستفحلة في أبنيتها الثقافية،و قد يحذو هذا التبرير إلى التساؤل عن أي أخلاق ؟و لكن الواقع يجيب عنها بشكل بيني واضح حين أعلن الغرب حرب أفغانستان و حرب العراق،و سوريا، والتهديد الذي ترسم له أميركا الحرب مستقبلا على إيران والعالم الإسلامي ككل؟
ما الغرض من هذا التفعيل الذي خرج عن كينونته الإنسانية الحقة؟
المبحث الأول: لشرك البرغماتي في التحول الأخلاقي الغربي
ما من دعوة في الأخلاق داخل المنظومة الغربية إلاّ وكانت الرؤية القيامية أساس كل تصور يصدر عن ثقافة تبحث عن معناها في التاريخ و الأديان،دون أن تجد منفذا للتعريف و التدليل رغم الضجة التي أحدثتها فلسفة الأنوار من نظريات مادية تطورية،وأبنية صناعية تقدمية،لم يكن الدين حينها سوى نهاية للعصر ظلام لا يمكن أن يتجدد أو يلقى العناية رغم الفلسفة الدينية العامة التي بشرت بهذه العناية.التي رسمت للمستقبل ذلك الخلاص المدجج بتنانين هائلة و أفاعي ضارية، سيهدم (اللابو) الحضارة إذا لم يتم استدراك الوضع وتصحيحه من الخلاص الأسطوري كما أشارت إليه الحكمة البابلية يوما ما القائلة:
تنهدت المدينة و[...] الناس.
تناقصت أعداد البشر[...]
ولم يكن لنواحهم أحد ل[...]
ولا لصراخهم أحد ل[...]
من [الذي أنجب] الحية؟...
نعامة [من أنجب الحية]...
من ذا الذي سيمضي لقتل اللابو.
وتخليص الأرض الواسعة من شره
فتكون لك السيادة من بعد على الجميع.
سيعود الوحش الأخلاقي في الرؤية الأخلاقية الغربية و ستتعالى عن أخلاق البطل الذي أقرته الحكايات و الأحاجي على أنه قاهر الخوف و كجالب للرحمة و السعادة في آن،حيث أن كل هذه المآسي الملقاة على الإنسانية تبشر باستمرار الرعب ،الذي لا يدع في سياقه إدراك حقيقي لأصل الحياة الحقيقة والفاعلة بين الجماعات،وإنما يذهب في الوقت نفسه إلى تفكيك الأوهام السياسية والقومية والأخلاقية الدينية كنتيجة للكوارث و الفواجع و الظواهر الهمجية التي هزت الضمير الأخلاقي المعاصر(...)وكل هذا أدى إلى ظهور انتعاش جديد في مفهوم العدمية،ومسارها المتوجه إلى إلغاء المتعالي،ما أدى إلى أفول الميتافيزيقا اللاهوتية و الأخلاقية الحقيقية،وأفول الميتافيزيقا السياسية الحقوقية.
ينبنى على هذا التحليل الرجوع إلى استقصاء مساحات العنف وتداخله مع اللاهوتي ذي صبغة التجذيرية النهائية، ليصبح جذمور هذا العنف كما يشير دريدا العلامة النهائية لاستكمال الرغبة الغربية القيامية في امتلاك العالم.
كما لا ينفصل العنف الذي ارتضاه هذا النوع من الأخلاق،عن تلك المشروعية التطبيقية المساندة للعمل الحربي المعلن بشكل دائم في أنساق مؤسسات الرقابة و العقاب،بالإضافة إلى هيئات السياسة و اتخاذ القرار، إما لتوفير الحماية لمصالحها الإستراتيجية المختلفة،أو لتهديد من يقف عثرة اتجاه المشروع العام للأخلاق الإمبراطورية التي أصبح من صلاحياتها خلق قيم جديدة و إلغاء القيم السائدة " حيث تجعل العنف ضرورة يلازم الإنسان و الجماعة (...)و إذا كان الإنسان صانع لتاريخه فهو إذن مسؤول عن العنف الذي يشهده التاريخ البشري.وإذا كان التاريخ قدرا مرسوما فمعنى ذلك أن الإنسان لا يمكنه إيقاف مد العنف،الذي ينساب على طول التاريخ،لكن كما يتطور الإنسان والمجتمع والتاريخ،يتطور كذلك العنف(...)خاصة في التاريخ المعاصر، إلى أن اتخذ صفة الإرهاب."
من ثم تفصح الثقافة على اتجاهات مخصصة لتبرير الكثير من النوايا الخلقية،خاصة إذا ما تم ملازماتها بسلسلة من الأفعال التي تنبثق طوعا من المشروع الديني العام،و بما أن العمل السياسي لا يخرج عن هذه الصورة فإن النص الديني قد أعطى أخلاقا مصلحيه لا تخرج عن تلك الخدمة الأزليّة التي يتم بها تصور العالم كما يتناقض ضمنها مفهوم الإنسان على حسب الرؤية الغربية " حيث تتحكم العقيدة في شرعية العنف أو عدم شرعيته [كما]تتفاوت المعتقدات و التقييمات تبعا للزمان و المكان والبيئة،حيث تتلازم المعتقدات،بوصفها تعريفات إدراكية،مع التقييمات بوصفها تخمينات مرغوبة".
تتجاسر إذن الأخلاق على أكثر المستويات حضورا في تلك الصبغة الشوفينية التي نمطت العوالم الشرقية بأفكار متخيّلة كان سببه العصرالأنواري الذي لم يبني عقلا كليا كما ادّعى،وإنما ساهم في فصل العالم عن بعضه البعض، من خلال استغلال الفبركة الثقافية الجاهزة و الراسبة في عمله ومنطقه البرغماتي المراوغ لجدل المادة والروح،ووضعها ضمن حملات أخلاقية ذات اللكنة العنصرية المزدوجة الخطاب والنظرية والمظهر،الذي يستدعي تفكيكا للبؤر العمياء لحاله التنويري،مبعث هذه التصورات و التفاعلات،الأمر الذي دفع إلى تجييش الإعلام والكتب و الصحف لتحقيق نوع من المساندة، قصد تثبيت وتبرير الكذبة الأخلاقية المنمطة، التي تجلت في حقوق الإنسان ومنح صلاحيات الديمقراطية ومؤسساتها لتلك العوالم الهمجية التي افتقدتها.
على هذا المنوال يتم الحديث عن القيم الحضارية بشكلها الموسع الذي لا يستحضر منطق الأقلية والشتات،وإنما يركز بالأساس على تدويل الحق الإنساني العام كتمحور قاعدي لا ينفصل عن رغبة أي تكتل بشري على مسرح الكون في أن يتمتع بحقوقه، ويطمح إلى تحقيق أحلامه،ليست الأحلام النووية،وإنما الأحكام الخلقية التي تستند إلى الإرث القبلي و البعدي لمحك التجربة الدينيّة والعقلية الأصلّيّة و الأصيلة.
من ثم فإن إحدى المهمات الرئيسية في النظر الأخلاقي هي التي تنتهي إلى تحليل مستوفي للأحكام الخلقية للحياة العامة للإنسانية ،حيث أن تمحورات عملها يتجلى في الكرامة الإنسانية والقيمة الأخلاقية التي يجب أن تكون ارفع الأشياء من هذا المنظور كأساس العمل بها،كما تتحدد صفات العملية الخلقية بمبدأ الإلزام المتصل طوعا ومباشرة بفرض الطاعة لتلك المعقولية الكامنة في الفكر الإنساني الذي له القدرة في أن يجعل السمة المعيارية للأخلاق بالفعل لا تخرج عن خدمة العمل الإنساني.
فلا جرم أن تتمفصل سياقات المشروع الغربي عن ذلك الالتزام الليبرالي المثير للاهتمام في تظاهره المعلن بالنفاق و الشرك المزدوج في كراهيته للشعوب ولما يسميه بالأقليات لعدم انسجامها مع أحلامه ورغباته،ونتيجة للإستضمان والنفاق الذي تميز به خطابه العام،فإن العملية التفكيكية للمجتمعات قدلاقت قبولا عند الكثير من الأقليات رغبة في اقتناعها إلى قبول الحد الأدنى من شروطه الحضارية أو من شروطه التبعية.
المبحث الثاني: مساحات التطرف في الأخلاق الغربية
بالتالي لا يمكن الحديث عن تعميم الأخلاق إلا إذا تم مراعاة شروط تطبيقها وآليات تنفيذها،فتبرز الفلسفة المصلحية على سائر المبادئ،حينها تصبح الشعوب مستوقفة أمام الإدعاءات السخيفة لإعلان الحرب عنها أو محاصرة أخلاقيتها ودون أن يتشكل الحد الأدنى من التوفيق بين مسلمات الغرب الأخلاقية وبين نمو النتائج الأخلاقية المترتبة من سلسلة الإخفاقات التبريرية لنشاطها البرغماتي المستمر.
وبما أن الحالة التنويرية تعتبر أن ارتكاب الشرور والخطايا ما هي إلا حقائق ذات صبغة مادية بوجهتها البرانية،فإن الجوانية الإنسانية هي أساس كل خير،فأعلنت المنظومة الغربية لعمليات الإبادة والقصف والحروب السريعة التي بررتها النية الغربية الطيبة اتجاه هذه العوالم،لتأخذ مجرى فيزيائيا وكيمائيا في تعريف الخير لتصبح الأخلاق في علاقة انفصالية مع الفضيلة والاحتياجات الروحية الحقيقية،والعواطف الإنسانية ما هي إلا تعبير عن حركة المادة وتحرك نحو الشيء المرغوب فيه.
وقد انبنت على ذلك النظر الفلسفي التي ارتمت في ظله مفاهيم الخير والسعادة القصوى واللذة ولو على حساب الآخر منهجا طليعيا في تبيئ هذه الأخلاق،ورسم حدود مشتركة لجميع المذاهب التي آنست هذه الرؤية أحادية في تقييم المفاهيم و تشكيل المعايير العامة للمجتمع الإنسان،وتحدد في ضوئها النظر إلى مذاهب عدة يذكر منها:
أ_ المذهب اللذي: ويتفق أصحابه تحقيق اللذة مهما كانت طرقها و نتائجها أي أن الفعل الإنساني لا يكون خيرا إلا متى حقق صاحبه أكبر قدر ممكن من اللذة.
ب_وقد دل مذهب اللذة السيكولوجيPsychological Hedonism)) على أن الرغبة في اللذة هي أساس وجود الإنسان.
ج_كما أشار مذهب اللذة الأخلاقيEthical Hedonism))إلى نشدان اللذة على الدوام،كونها الخير في ذاته،ولاشيء يحمل في ذاته قيمته.سوى الطريقة التي تحتويها وتعبر عنها وهذا ما مثلته البرغماتية الأميركية.
تتقاضي هذه الصفة البرغماتية في تحولها الثقافي و السياسي و الاقتصادي والعقائدي واقعا مثبتا ضمن نسق التأويلات الممكنة التي لا تخرج عن الأخلاق النفعية التي أسست لواقع محتوم حصرته موجة من الأفكار العنصرية التي تجاوزت المسؤولية الأخلاقية في الاعتبار القيمي للحياة الإنسانية.
من هذا المنطلق تنعدم الأسئلة الأخلاقية الكبرى في نظرتها للقيمة الإنسانية من حيث أنها قيمة لا تنفصل عن القانون الأخلاقي الذي يتأسس على مطلب الرغبة " وهنا تبدو القيمة بحلة العلو الذي يبرهن أنها ليست خلاصة الحساسية البشرية ومطالبها الغرضية،بل هي ذلك المتعالي الذي يحمل السلوك البشري حملا نحو اقتضاء المثال الخلقي ،لذلك تكون الدعوى شاملة لذلك الاتجاه الذي يطالب بإحلال القيمة في الموضوع لتكون هي مبدأ الوجود لأن القيمة ليست ما يرغب فيه الواقع، ولكنها ما هو جدير بأن يرغب فيه على مستوى ما يجب أن يكون".
وقد أدت النظرة الفلسفية اتجاه منظمات القيم إلى إحداث الآثار التالية:
_قد حررت الكثير من المجتمعات العلمانية الأخلاق من هيمنة رجال الدين،ولكنها في المقابل أخضعتها لعلماء النفس و الاجتماع والهندسة الوراثية وشركات الإعلان التلفزيوني ومجلات أخبار النجوم وفضائهم وشركات صناعة اللذة و الإباحية.
_ أصبحت الأخلاق مسألة اجتماعية نسبية وهي تعد تجارب لبعض الناس،وبالتالي تنعدم فيها المطلقية والثبات وتدخل فيما بعد في حالة من التفاوض والتبديل المستمر،الأمر الذي يجعل من التمسك بها أمرا صعبا وهذا ما عكسته قيم الحداثة باعتبارها نسقا يستبدل القيم بشكل متتالي.
_ أصبحت المسؤولية الفردية تنحصر في إتقان الدور وحسن الأداء،حتى ولو اقتضى الأمر إبادة المعوقين و العجزة و المرضى،وإذا حدث تقاعس في الأداء فهذا هو الشر عينه من خلال الترشيد الأداتي و الإجرائي لمحتوى الأعمال والنيّات،ومن ثم ينعدم السؤال الديني المتعلق بكيف؟ويتقدم عنه السؤال العلمي،لماذا؟ الذي يعول الإنسان إلى مفعول سلبي مطيع ومنفذ في آن،تبعا لسلسلة من التعليمات والترتيبات التي يفرضها القادة الرؤساء.
وقد علل فريدريك نيتشه F.Nietzsche))على هذه المظاهر في كونها "تاريخ الخلط الضال بين القوي و الضعيف(...)وانه من وحي الانحطاط،ومن وحي الداروينية و الاشتراكية والتعصب،وبالتالي فإن الاعتراف بهذا الضلال هو الاعتراف بحق هذه الانطولوجيا".
من ثمة لا تنفصل هذه التأويلات عن الواقع المرير الذي تبنته نزعة الإبادة في المشروع البرغماتي الذي تجاوز كل الأخلاقيات والغايات الإنسانية،حيث تحرر الإنسان الغربي من أية مفاهيم متجاوزة مثل: الصالح الإنساني العام والقيم المطلقة(المساواة والعدالة)وأصبحت تحركاته ترصد تجسيدا للقوانين الطبيعة وتحولات المادة وجدليتها،فتحولت الإنسانية الغربية في جوهرها إلى إمبريالية أداتية وعنصرية حكمت بنوعين من الإنسان،إنسان أعلىSuperman))،يتحكم في قوانين الطبيعة والبشر،وإنسان أعلىSub man))الذي ينزع إلى إرادة الإنسان الأعلى ويخضع له ويلبي رغباته،ومن حق هذا الإنسان الأعلى أن يوظف الآخرين في خدمته.
وبما أن الفلسفة الأخلاقية تستند في تموضعها على سلسلة من القيم، وعلى مجالات مصفوفة من التدليل تارة والتثبيت تارة أخرى، فإن العرض الأوّلاني للتحديد الدعوى وإقامتها على مجالها التأسيسي يقتضي النظر في البدايات النظرية للتناقض المنطقي
الذي جسدته العديد من التيارات والمذاهب الفكرية أبرزها الفكر الليبراليLiberalism)) الذي تنوعت مدلولاته وعلاماته التأسيسية من فكر إلى فكر ومن مساحة جغرافية إلى أخرى،حيث اشتمل على مستوى معين في الحرية والعمل الإنساني الذي تنوعت أنساقه تبعا للعملية السياسية وطبيعة المجتمع ،فعند الإنجليز يعني به التحرر من قيود الدولة،وقد أكدت على أهمية الدفاع وتوسيع الممتلكات وحماية الدولة من أي تدخل خارجي،وفي الوقت نفسه بحث الإنجليز عن أهم السبل في توسيع النفوذ لحماية الفقراء وتامين معاشهم استنادا لأهم خصائصها العامة،ألا وهي: الحياة_الحرية_ الملكية_،وقد عبرت عن هذه العناصر بالشعار لاقتصادي المعروف: دعه يعمل واتركه يمرLaisszey faire Laissez passer))
أما عند الفرنسيين فإنه يعود إلى عهد لويس الرابع عشر حين انقسمت فرنسا إلى معسكرين،أحدهما يؤيد الكنيسة الكاثوليكية الرومانية ونماذجها الاجتماعية التقليدية،والآخر يعارض الكنيسة ويؤيد البرلمان،وقد دفع هذا الأمر إلى تأسيس في الديمقراطية وحرية الفكر التي آلت فيما بعد إلى توسيع طموحها الأبدي في امتلاك العديد من المساحات الجغرافية حتى على سبيل التضحية بجميع مستعمراتها وإباداتهم وفقا للشعار الذي تبنته إنجلترا:دعه يعمل واتركه يمر. لتتخذ الليبرالية في الفكر الألماني حيزا ثقافيا اشتما ليا واسعا لا يخرج عن قواعد إقامة الدولة وتوسيع هيكلها الاقتصادي وذلك للذود عن وحدة ألمانيا وتأمين حاجيات شعبها ما أدى بالمد الليبرالي أن يمنح ألمانيا تطرفا أكثر في القومية والوطنية،وليزداد عمق النشاط الليبرالي مع الحدة الأميركية في تطوير الناتج الرأسمالي بمفهوم العقل الجمعي وبالديمقراطية الممنوحة خاصة لملاك الثروة وصنّاع القرارات، وصنّاع الإنسان.
لتتخذ هذه لليبرالية منطلقا جديدا مع تزايد العنف العالمي المنظور إليه أميركيا مبررا لتلك العمليات العسكرية والاكتشافات العلمية المعاصرة التي قوضت مفهوم الإنسان و المادة النوع الجنس بسلسلة من التجارب لا تخرج عن منطق بافلوف و واطسن.
وإذا كانت الحالة الإنسانية العامة منذرة إلى كوارث عديدة مستقبلية فإن الوقت الراهن قد دل على حجمها وحدتها في إهانة هذا النوع من الجنس، لتبتعد السياسيات والثقافات عن إقامة اي برنامج أخلاقي يراعي أبسط الشروط الإنسانية،ناهيك إذا استثنينا البرامج المقدمة من طرف المركزية الغربية التي لم تخرج عن المنظور العام لتأمين موضوع الأقليات القومية خاصة (إسرائيل).
مع ذلك فإن الحضور القوي لتأمين النظام الأخلاقي المشروط بآليات مقننة لا يخرج بدوره عن رغبة الرأسمالي العالمية في تعميم تجربتها على العالم لذلك أدرج علم الإنسانية المستحدث في جزء منها في سياق المعركة الغربية وسيطرتها على المجتمعات،إنه دليل ثقافي يضعه العلماء بدافع البحث ويوظفه السياسيون في صالح التوسع الاستعماري (...)كأنه عمل ميداني يجرب الغرب أفكاره وعدته الفكرية و المعرفية و البحثية على مادة خام ،ويحول بعدها أن يكتب لهذه الشعوب تاريخها الخاص ويرسم لها الجغرافيا التي يجب أن تنطوي ضمنها،ويحلل بواسطة عقلانياته المادية الكامنة أنماط العيش و التفكير ويفرضها بالقوة أو بنافق أخلاقها ضمن شعارات التمدن و التقدم و الرقي و الحضارة.
وانبثقت الحقيقة الكلية لتشريع السلطات باسم الحقائق الكونية،ودخلت الأنساق القيميّة لعبة الصراع بين الضغط على الخطابات الإنسانية وبين البحث عن القدرة في امتلاك الإنعكاسات السياسية للرأسمال التاريخي و الديني و الثقافي للشعوب،ودخل العالم في لعبة حضارية لا تنفصل عن مسّلمة صراع الثقافات والحضارات التي أججتها مؤسسات العقاب والرقابة و التسلح في العالم عبر إشعال نيرانها الأبدية.والتي أبرزتها الأنساق التالية:
_ القضاء على الأخلاق التقليدية وإحداث مسخ في السلوكيات و المواقف اتجاه المراوغ المركزي للحضارة الغربية،بالتالي تقع هذه المجتمعات في تميّع حاد يؤدي و بعجالة إلى تسليم استقالته لثقافته وموروثه الميتافيزيقي الخاص به.
_توسيع مساحات انتهاك المقدس عند هذه الشعوب والإعلاء من شأن الماديات والترويج لها لتحقق أكبر قدر ممكن من التنافس وزيادة الطلب على كل المستحدثات الإشهارية و الجنسية والإباحية بمساعدة وتسهيل من طرف النسق الإعلامي الذي ابتز في الآونة الآخيرة شرف الأخلاق العامة وشرف حضارتها.
_لم ينتج هذا الانتهاك سوى خروجا عن الخصوصية النظرية والموضوعية للحضارات القديمة و المعاصرة،ولو قدرنا وسلمنا بمنهج التفاعل والتجاور بين هذه الأمم ومؤسساتها،فإن البحث فيه يقتضي بالضرورة الأخذ من منافذها والثقافية ومرجعياتها العقلية المادية بحجة تحقيق الحرية والرفاهية.حيث تجعل هذا النوع من المطلب الأخلاقي لا ينفصل عن المطالب السياسية المتكررة اتجاه هذه العوالم.
وقد خاطب (آدم سميث)بحسه الليبرالي بكل نفعيته ودون إنسانيته معمقا في ذلك الرؤية النفعية القائمة على المصلحة الشخصية الفردية قائلا: " لا نتوقع غدائنا من إحسان الجزار أو صانع الجعة أو الخباز،وإنما نتوقعه من عنايتهم بمصلحتهم الخاصة،نحن لا نخاطب إنسانيتهم،وإنما نخاطب حبهم لذواتهم ".
من هذا التوصيف في الحال الليبرالي، تكون الأخلاق قد استحكمت الأنماط المادية في الانبثاق وإعادة التشكيل في الرواسب الاجتماعية العامة،حيث لا يبقى أي تساؤل عن مقدار التأثر و التأثير الذي لامس الأساس الفلسفي في رؤيتها المادية للكائن الإنساني.ومن ثم فإن العقل الحر المستقل الذي لا تحده أي حدود أخلاقية أو إنسانية يسخر العالم لمصلحته ويلتهمه ويبدده بالتالي فهو عقل أداتي لا يدرك ماضيا ولا مستقبل كما لا يعرف هدفا ولا غاية.
وعند الحديث عن علاقة المعرفة بالأخلاق،فإنه يقتضي مباشرة الحديث عن الاختلاف البيني بين أنساق الخير و الشر وفقا لتحديد بواعث الفعل الأخلاقي في الشعور بما هو معطيات أولى لا ترد إلى غيرها،على أنه في الإمكان تصور دور الشعور على هذه الأنحاء المختلفة للحياة الأخلاقية الممكنة أو الشعور بالقيمة الأخلاقية.
لم تستطيع الإنسانية يوما مل أن تتخلى عن تلك السيادة المتمركزة في نقطة خارجها ،رغم التقدم الهائل الذي وفرته الوسائل المادية وسبل العيش الوفير،ولكن انعدام المقدرة في المجتمعات الغربية عن خلق مراتبيات للسيادة جديدة خاصة بعد محاولاتها المتكررة في سعيها المتواصل لتدمير المراتبيات القديمة في المناطق الروحية،جعل من الموقف الغربي المتعلمن بالصيغة البرغماتية أن يجد موطأ قدم له في الأديان من أجل ضمان الحد الأدنى من الصيرورة و التنظيم والحركة و الحيوية.
يقتضي في هذا النوع من الفكر أن يتم التحدث عن الكائن الحضاري الذي لا ينفصل عن القيم الحقيقية للإنسانية والعدالة والتسامح،وتعيينه ضمن مقولات القيم الفعلية التي تستقطب الإنسانية إلى ذلك التجلي الروحي للأخلاق في واقع الفكرة والناس والجماعة والعالم،ولكن النظرة الميكانيكية للعالم عجلت واستدعت الحديث عن ذلك المقابل المثالي المحكوم بتركيزه على النوازع الأخلاقية،والقيم الكبرى المقدسة التي تنبثق من روحانية مطلقة لها من المركز ما يرشّد لتحديد جوهر الإنسان دون الاكتراث بالمجال الواقعي،الذي يجد فيه الدنس و العدم والنقص.
ينتج عن هذا التصور الذهاب إلى الأحكام التأليفية ومعاينة بواسطتها أزمة الانقسام في المعايير الروحية و الفكرية والأخلاقية،حيث ينتج عن هذا التأليف البحث في مشكلة الأخلاق وعلاقاتها بالعلم من جهة،ومن جهة أخرى في علاقة الأخلاق بالدين
خاتمة
_ تعد الأخلاق بصفتها العامة النظر المأمول في بناء المجتمعات على عاتق فضائل الإحسان والعدالة والمساواة وقيم الخير العليا الذي نسجها مفهوم الإنسانية ذاته،غير أن الواقع المعاش والمضطرب نتيجة للتفوق المركزي الغربي جعل التعاطي بهذه المفاهيم تقزز تلك الهيمنة التي عملت علت على تطوير فضائل أخرى،كالعنف،والإبادة،وتشجيع الحروب،وتشويه المقدار الخلقي و الخلقي للإنسان بواسطة تلك العلمية الميكانيكية التي لم تخرج بدورها عن امتلاك العالم في لحظة قياسية ممكنة،وهي تصفية حسابات العقائد والتاريخ والجغرافيا والهوية مع الشعوب المقاومة لها.
_ يقتضي في هذا الحال من الفوضى العقلية،تقييما صارما لمحتوى الإيديولوجيات التي امتلكت العالم بحجج أخلاقية سواء فيما تعلق بالرأسمالية والاشتراكية،أو العولمة والحداثة ومابعد الحداثة،لأن دراسة الأحكام القبلية وتفكيكها يعيد قراءة الواقعة الأخلاقية من منظور تحرير الفرد العربي والمسلم من الانقسام الطبقي الذي يعانيه من جراء استبداد أنظمته ومصالح الطبقة الرأسمالية ونتائج التدخلات الأميركية و الأوربية في عالمه.
_ انطلاقا من هذا الوضع الأخلاقي الذي شيدته مختلف التيارات الفكرية والاقتصادية في الغرب وآثارها العملية على دول العالم الثالث أو دول الجنوب التي أدخلتها هذه السياسة المركزية في إفلاس عقلي وأخلاقي،كان لزاما عليها إقامة عمل نقدي موسع للنشاط القيمي الغربي وتخريج إفلاسه من عقر داره،والدعوة إلى تمسك شعوبها بالمرجعية الإسلامية والثوابت الوطنية الإنسانية في الأخلاق، التي لا تستثني أي لون،وأي عرق،وأي جنس في العالم.

قائمة مراجع البحث
إميل بوترو:(فلسفة كانط)،ترجمة:عثمان أمين،الهيئة المصرية للكتاب، القاهرة، (دط)، 1972م.
عبد الوهاب المسيري(عصر الاستنارة وتناقضاته)دار نهضة مصر للطباعة والنشر، القاهرة، ط1،1998م.
فراس السواح: مغامرة العقل الأولى(دراسة في الأسطورة،سوريا،وبلاد الرافدين)دار علاء الدين للطباعة و النشر،دمشق،سوريا،ط11،1996م.
الطيب بوعزة:(نقد الليبرالية)مكتبة الملك فهد الوطنية،الرياض،المملكة العربية السعودية، 1430ه.
شمس الدين الكيلاني : من العود الأبدي إلى الوعي التاريخي (الأسطورة، الدين، الإيديولوجيا، العلم)دار الكنوز الأدبية،بيروت،لبنان،ط1،1998م.
صفاء عبد السلام جعفر:(الحضارة الغربية الحديثة بين النشأة و التطور)،دار الثقافة العلمية،الإسكندرية،1998م.
كاترين كليمان :(كلود ليفي ستراوس)،ترجمة محمد علي مقلد،دار الكتاب الجديدة المتحدة،بيروت،لبنان،ط1،كانون الثاني/يناير،2008م.
بيير مونتيبيلو:(نيتشه وإرادة القوة)ترجمة:جمال مفرج،الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، لبنان، دارالاختلاف،الجزائر،ط1،1431ه/2010م.
توفيق الطويل:(مذهب المنفعة العامة في فلسفة الأخلاق)مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط1،1953م
عزيز لزرق ومحمد الهلالي:(العنف)دار توبقال للطباعة والنشر،الدار البيضاء، المغرب، ط1،2009م.
كريستوفر نوريس:(نظرية لا نقدية:مابعد الحداثة،المثقفون وحرب الخليج)ترجمة:عابد إسماعيل دار الكنوز الأدبية،بيروت،لبنان،ط1،1999م.
محمد أندلسي:(نيتشه وسياسة الفلسفة)دار توبقال للطباعة والنشر،الدار البيضاء، المغرب، ط1،2000م.
نورة بوحناش:(إشكالية القيم عند برغسون)الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، لبنان، منشورات الاختلاف،الجزائر،ط1،1431هـ/2010م.
https://ayandehroshan.ir/vdca.an6k49n6o5k14.html
ارسال نظر
نام شما
آدرس ايميل شما