تاریخ انتشاردوشنبه ۱۶ شهريور ۱۳۹۴ ساعت ۰۹:۳۵
کد مطلب : ۱۲۳۲
۱
plusresetminus
خصائص ودلائل دولة التمهيد للقائم(عج) وولاية الفقيه
الدكتورعلي أبوالخير
مقدمة: التمهيد .. البحث عن العدل ومنتظري القائم
عندما نقول: إن ظهور الإمام المهدي(عج) حتمي وحقيقي، فلابد من القول: إنه لابد من وجود منتظريه، ومنتظروه فرادى وجماعات، قادة لشعوب، ومفكرون يحثون المسلمين لانتظار القائم انتظارا ثوريا، لكي يتم التمهيد للظهور المبارك، ذلك هو الأصل في الانتظار الذي بشر به النبي الأعظم(ص)، وأيضا الأئمة من ولده(علیهم السلام)، وهذا الانتظار يكون أشخاصا وجماعات، والجماعات هنا تكون في دولة تمهيد لظهور، دولة تقوم بعد ثورة ربانية لم يشهد لها التاريخ مثالا، دولة تنتمي لمدرسة أهل البيت(علیهم السلام)، دولة أيضا تنحاز للضعفاء والمستضعفين في العالم، وتأخذ بأسباب العلم والتقدم، وبسبب ذلك تتصدى لها القوى العالمية الاستكبارية الغاشمة، ولو رأينا وتأملنا لوجدنا ذلك يوجد في الدولة الإيرانية بعد أن قامت الثورة الإسلامية بقيادة الإمام روح الله الخميني، ومازالت الثورة باقية بقيادة الإمام علي الخامنئي دام ظله، وقد انحازت الثورة منذ البداية للمستضعفين والفقراء والمعدمين، كما انحازت لقوى المقاومة ضد المشروع الصهيوني الأمريكي، ففرض عليها العالم بقيادة القوى المتكبرة حربا ضروسا لمدة ثمان سنوات طوال عجاف، لا لشئ سوى أنها تصدت للصهيونية والاستعمار العالمي، ومازالت نفس القوى تحاصر الجمهورية الإسلامية، وتحاول النيل من ثورتها النموذج، فالثورة الإسلامية نعتبرها دولة ممهدة لظهور القائم، وهي دولة بكل المقاييس تنشد العدل والإخاء، وهي نموذج لدولة تمهيد، خاصة بعد أن نجح الولي الفقيه في إدارة الدولة الإسلامية الإيرانية.
وبعد: يجب التأكيد على أن: الشرور التي تملأ العالم ناتجة عن اختلال العدل واختفاء المساواة، ولذا فإن الله تعالى جعل الضمير الإنساني ينشد العدل، ويحب الحق والخير والجمال، ولذا فإن الله سبحانه وتعالى كان يرسل الأنبياء والمرسلين للناس بأمرين هما التوحيد والعدل، وقد عبر الإسلام عن ذلك بالكتاب والميزان، الكتاب هو التوحيد، والميزان هو العدل، وهو تعبير مثالي لطيف، وقد طبع الله تعالى الإنسان على حب العدل بالفطرة، فلا يوجد من بني الإنسان بشر يكره العدل، وحتى الظالمون المفسدون يكرهون الظلم لأنفسهم، ويتوقون للعدل حتى وهم يمارسون الظلم على الآخرين، ورغم كل ذلك نجد أن الظلم، تلك الآفة البغيضة تتكرر دائما، وينتشر الظلم ويتفاقم ذلك عندما يوجد الاستكبار والهيمنة، وذلك على مستوى الأفراد والشعوب، ومنذ قديم الزمان ومن بداية الخلق، كان حب النفس والاستكبار والظلم شائع بسبب الأثرة، ولم يتورع الإنسان عن قتل أخيه الإنسان بسبب الأنانية والأثرة، أو بدوافع الانتقام، وعلى مستوى المجتمعات شنت شعوب حروبا على شعوب أخرى، من أجل استعبادها وإنهاك اقتصادها، وفي كل الأحوال كانت الشعوب المنتصرة أو المهزومة تدفع ثمن غرور قادتها، فتخسر الشعوب أبناءها وثرواتها من أجل إشباع غرور المنتصر، والمهزوم يحاول أن يقوي نفسه ليدرك ثأره، حتى يتمكن من الانتقام، ويتكرر الاستبداد والاستعباد من جديد، وتدخل الشعوب الحروب فتخرج منهزمة حتى تلك التي خرج قادتها منتصرين، وعندما يعيش المجتمع فترة هدوء نسبي من السلام، لا يستتب السلام دائما، فيحدث غالبا أن تكون هناك فوارق طبقية بين أبناء الشعب الواحد، لأن الفقر والحاجة إنما توجد في أي مجتمع لوجود سببين رئيسين وهما:
1. قلة الإنتاج: وهو عدم استثمار خيرات الطبيعة التي أودعها الله فيها.
2. سوء التوزيع: وهو عدم العدالة في توزيع الثروة على أفراد الأمة.
فمتى وجد هذان العاملان في أي مجتمع، فإن وجود الفقر هو النتيجة الطبيعية لهما، كما أكد أمير المؤمنين(ع) عنه بكلماته الخالدة حين قال كما في نهج البلاغة: (فما جاع فقير إلا بما متع به غني)، وذلك لأن فرص الفقير لا تتحدد إلا حسب رغبات الأغنياء، وهؤلاء الأغنياء ينسون في غمرة غناهم أي إنسان من غيرهم، فدائما ما يأتي المال بالبطر إلا نادرا، وبهذا تتكون الطبقية الممقوتة في المجتمع، بأن ينقسم المجتمع إلي طبقتين رئيسيتين: طبقة تعيش الترف والبذخ، وطبقة تعيش الفقر والفاقة، والطبقة الأخيرة تحاول البحث عن العدل والمساواة والأريحية، كما تبحث عن القائد الذي يعطيها ذاك العدل، فشهد التاريخ البشري كثيرا من ثورات الخبز، تماما كما شهد ثورات من أجل الحرية، فهي ثورات من أجل العدالة والحرية، ويمكن القول إن رسالات السماء التي حملها الأنبياء كانت ثورات من أجل هاتين الكلمين، لأن الأنبياء يأتون من أجل الحرية، وحرية الإنسان من أجل معرفة الخالق، وحرية الإنسان في العدل، وأيضا حرية الإنسان في الاستفادة من ثروات الأرض الطبيعية التي يحيا الإنسان عليها، وكان الضعفاء والمحرومون دوما هم الذين يؤمنون بالأنبياء قبل غيرهم، فكان لابد لهؤلاء المستضعفين أن ينتظروا من يخلصهم، ليعطيهم أملا في غد مشرق، هو الإمام المهدي(عج)، ولكن القائم لا يظهر إلا بعد وجود دولة تمهيد له الطريق، تنتظره الانتظار الثوري العملي، فهي دولة تقيم العدل والمساواة، دولة تتقدم علميا وعمليا، دولة تساعد القوى التي تواجه الاستكبار والصهيونية، ونجد ذلك جيدا في الثورة الإسلامية في إيران التي قادها الإمام الخميني، ويسير على دربه سماحة القائد الإمام علي الخامنئي كما ذكرنا آنفا.
وفي هذا البحث نكتب عن خصائص دولة التمهيد، والبحث عن الدولة الإيرانية المعاصرة بعد أن قادها ثوار مخلصون للكلمة، وثوار مخلصون لأمل تخليص الإنسان من الظلم، وثوار مخلصون أيضا لدولة القائم، فقد استلهمت الثورة الإسلامية مفردات الثورة الحسينية جيدا، ونجحت عندما أخلصت لمبادئ الثورة، بحيث يمكن أن نعتبرها دولة التمهيد لصاحب الزمان، والبحث يتكون من لأربعة محاور.
المحور الأول: خصائص دولة التمهيد
إن خصائص دولة التمهيد تقوم على أسس الانتظار الثوري، وعدم اليأس، كما أن من تلك الخصائص أن تعمل دولة التمهيد على وحدة المسلمين ضد القوى الكبرى الاستكبارية، وتحديد صفات منتظريه عليه السلام، لابد أن تكون خارجة من الإيمان الروحي والعقلي، بالإضافة إلى :
أولاً: القدرة الفائقة على الاستيعاب: الفهم يشير إلى المهارة التطبيقية، بمجرد ما تعطيهم أي نظرية يستوعبونها بسرعة.
ثانياً: العقل الراجح: أي أنهم من الناحية النظرية يتمتعون بقدرات عقلية فائقة.
ثالثاً: المعرفة والعلم: يتمتع هؤلاء بالجانب العلمي الراقي.
رابعاً: إننا عندما نقرأ الروايات، نفهم الصفات التي يجب أن تتوافر في المنتظر للقائم، وأما الذي يقول: أنا منتظر للقائم ولا يوجد جانب عملي وتطبيقي لانتظاره، فهو يتمنى ولا ينتظر، ولكن المنتظر الحقيقي يتمتع بجانب عملي وتطبيقي، وهذا الانتظار أُشير إليه في الروايات الواردة عن النبي(ص)، ولكن عندما يأتي شخص فيقول الانتظار مثلاً هو قراءة الدعاء ثم لا يطبق شيئاً، ويدع الحبل على الغارب، فهذا ليس معنى الانتظار في اللغة ولا في الواقع العملي، ولا المعنى الذي تشير إليه الروايات. والإمام زين العابدين(ع) بيّن المستوى المعرفي لهؤلاء المنتظرين عندما قال: (ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة) ، ثم تحدث عن الرتبة التي يصل إليها أولئك المنتظرون: (وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله بالسيف)، فهذا المُنتظِر يعيش جهاداً في جميع النواحي النظرية والتطبيقية، ثم يقول: (أولئك المخلصون حقاً وشيعتنا صدقاً) ، يعني يوجد مَن يدعي انتحال التشيع والموالاة لأهل البيت من خلال المودة والحب على المستوى النظري، وهذا لا فائدة منه، وأما إذا كان هذا الحب والمودة والعاطفة الجياشة مقترنة بالجانب العملي والسلوكي، فهي التي تُحقق التشيع الحقيقي، الذي يصبح به من الدعاة إلى الله في السر والجهر.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا للعيش في ظل دولته عليه السلام، وأن يمن علينا بالنظر إلي وجهه الكريم، وأن يجعلنا من المقبولين لديه. وندعو فنقول: (اللهم عرفني نفسك، فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف رسولك، اللهم عرفني رسولك، فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني) . إن المهدي الموعود هو ما بشر به النبي الأعظم(ص)، كما أن المسلمين يعرفونه جيدا، وسوف يؤمنون به، ولكن يتردد سؤال حائر ولكنه لازم، وهو: كيف سيتمكن الإمام المهدي(عج) من تعميم الإسلام على الشعوب غير المسلمة، مع ما هي فيه من حياة مادية بعيدة عن الإيمان والقيم الروحية، ونظرة سيئة إلى الإسلام والمسلمين ؟!
هنا ينبغي الالتفات إلى عوامل كثيرة عقائدية وسياسية واقتصادية تساعد الإمام المهدي(عج) في دعوته، تقدم بعضها في حركة ظهوره عليه السلام. فمن ذلك أن شعوب العالم تكون قد جربت - وقد جربت - الحياة المادية البعيدة عن الدين، ولمست لمس اليد فراغها وعدم تلبيتها لفطرة الإنسان وإنسانيته، وهي حقيقة يعاني منها الغربيون ويجهرون بها!
ومنها، أن الإسلام دين الفطرة، ولو فسح الحكام لنوره أن يصل إلى شعوبهم على يد علماء ومؤمنين صادقين، لدخل الناس فيه أفواجا . ومنها، الآيات والمعجزات التي تظهر لشعوب العالم على يد المهدي(عج)، ومن أبرزها النداء السماوي كما تقدم وهذه الآيات وإن كان تأثيرها على الحكام مؤقتاً أو ضعيفاً أو معدوماً ولكنها تؤثر على شعوبهم بنسب مختلفة. ولعل من أهم عوامل التأثير عليهم انتصارات الإمام المهدي(عج) المتوالية، لأن من طبع الشعوب الغربية أنها تحب القوي المنتصر وتقدسه، حتى لو كان عدوها، فكيف إذا كانت له كرامات ومعجزات. ومنها، نزول المسيح(ع) وما يظهره الله تعالى على يده من آيات ومعجزات للشعوب الغربية وشعوب العالم، بل إن دوره الأساسي وعمله الأساسي يكون بينهم، ومن الطبيعي أن تفرح به الشعوب الغربية وحكامها ويؤمن به الجميع أول الأمر، حتى إذا بدأ يظهر ميله إلى الإمام المهدي(ع) والإسلام، تبدأ الحكومات الغربية بالتشكيك والتشويش عليه، وتنحسر موجة تأييده العارمة، ويبقى أنصاره من الشعوب الغربية، ويحدث فيهم التحول العقائدي والسياسي حتى يكونون تياراً في بلادهم. ومنها، العوامل الاقتصادية، وما يصل إليه العالم من الغنى والرفاهية على يد الإمام المهدي(عج)، فينعم الناس في زمنه نعمة لا سابقة لها في تاريخ الأرض وشعوبها، وفي كل الأحوال، فإن دولة القائم لابد أنها ستصطدم بالمستبدين الشرقيين المسلمين، ومعهم التحالف الدولي، وفي تلك الحرب التي سينتصر فيها القائم، لابد أن تنحاز جموع المستضعفين في العالم إليه، لأن المستضعفين هم الأكثرية في عالم الاستفراد بمقدرات الشعوب، وهو عالم يدعي نهاية التاريخ، ودولة القائم لابد أن تتميز بالعدل والرفاة الاقتصادي، وتكون نموذجا لباقي الشعوب، أما عن دور دولة التمهيد، فيقوم على ما يلي:
1. عدم اليأس وانتظار الفرج في العدل والمساواة
قلنا إنه ساد الظلم معظم فترات التاريخ البشري، وكانت فترات الأنبياء ومضات مضيئة في هذا التاريخ المظلم، ثم يعود الظلم من جديد مرة أخرى، فشاع مفهوم اليأس في قاموس بعض الناس، وطغى الشعور المفرط بالوقوع فريسة الظلم والاستكانة له، ولكن ما كان الله سبحانه وتعالى ليترك البشرية حتى قيام السامة ترزح تحت وطأة الظلم، فلابد إذن من ظهور المخلص التي يملأ الأرض بالعدل، ليتنعم الإنسان به، ومن هنا كان لابد للإنسان ألا ييأس، لأن اليأس من عدل الله تعالى هو قمة الجهل، ولذا كان لابد من ذلك الانتظار، فقد انتظر الناس من كل الأرض ظهور المخلص، والحقيقة أن المخلص في الإسلام هو الموعود بالانتظار، الانتظار للمخلص الموعود الذي هو الإمام المهدي(عج)، وإن الكثير من الناس يتصور أن الانتظار هو انه إذا رأى منكرا وفسادا أن يقول للفساد انتشر حتى يظهر الحجة(عج) وهذا لا يجوز، أين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) ؟ الانتظار إذن ليس معناه التكاسل والتخلي عن المسؤوليات، وإنّما يعني أن الإنسان ينتظر وضعاً أفضل، كالمريض ينتظر لشفاء العاجل أو المسافر ليلا أو نهارا تنتظر عودته، أنت عندما تنتظر عودة مسافر تتهيأ له أو لا؟
إذن كل انتظار يلازمه لون من التهيؤ والإعداد النفسي، ومن هنا لابد أن يسأل المسلم نفسه: يا ترى نحن المنتظرين للمهدي هل يجب أن نستعد أم لا؟ يجب أن نكمل أنفسنا خلقياً واجتماعياً وفكرياً حتى نكون لائقين لنكون جنوداً تحت لواء المهدي(عج) المظفر، وهذه نعمة، لأنّه ليس كل احد يكون جنديا تحت لوائه، كيف نستعد حتى ننسجم مع الحضارة الجديدة للإمام المهدي، وقد قرأت بعض النصوص تقول: إن بعض الناس يستعجلون متى يظهر الإمام، في حين إذا ظهر الإمام يكون صعباً عليهم، إذن الإعداد النفسي والفكري والأخلاقي هو معنى الانتظار المهدي(عج)، نحن ننتظر الإمام المهدي حتى يقضي على الظلم، فأنا الذي اظلم بالحياة هل انتظر المهدي ليقضي على الظلم؟
أنا الذي أعيش بحضارة فاسدة وأفلام خليعة ولا اعرف غير الخلاعة والفساد كيف انتظر قيام المصلح الذي سيحرق كل المدمنين بالرذيلة؟ إذن متى انتظر هذا المصلح الذي يقضي على الرذيلة والفساد والظلم عندما لا أكون ظالماً لا أؤيد الحضارة الفاسدة بل أتمرد على هذه الحضارة لأنّني مهدوي. هناك فلسفة أخرى للانتظار الحقيقي هي وجود الأمل للإنسان المنتظر، ورد ذلك في الروايات، والقرآن الكريم أيضا يقول: (لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) .
إن اشد جريمة في الإسلام هو اليأس من رحمة الله، لأنّ نتيجة اليأس استمرار العصيان والجريمة، فعندما أرى هذا العالم المغمور بالجريمة والرذيلة والفساد، أقول هذه الدنيا كلها فساد فلأكن معهم، لكن المنتظر للحجة(عج) ليس كذلك، لأنّه يملك قوة عزيمة وأمل، ويعلم أن هذا الفساد يجب أن يقضى عليه، والصلاح والفضيلة لابد أن تنتصر وتتغلب في الحياة. إن فلسفة الانتظار إذن لا تذوب إرادة المسلم في الكيانات الفاسدة، بل تبقى باب الأمل مفتوحة على الإنسان المسلم، فمهما تفشى الفساد وانتشر الظلام والرذيلة، لابد أن ستمتد اليد الربانية على يد ولي الله الإمام المهدي(عج)، ولابد أن يوجد ذلك النصير للمظلومين وتزول كل الظلامات، وينكشف الغطاء عن ذلك الوجه المشرق، إذن أنا لا أيأس لأنّي لست وحدي، بل عندي المهدي(عج)، وهذا هو معنى الانتظار الحقيقي. ومما يعطي الأمل في الانتظار الايجابي هو التقدم العلمي، والذي سيكون أحد ملامح دولة القائم(عج)، وتلك البشائر العلمية تثبت حقائق المستقبل والانتظار، لأن العلم البحت من أهم عناصر التقدم في حياة البشرية التقدم العلمي، وتكامل الوعي لدي بني الإنسان، ومن زاوية أخرى، فإن الجهل قرين التخلف والتدهور الاجتماعي بكل أشكاله، وحيث أن الجولة المهدوية العالمية تمثل قمة التكامل وذروة التقدم البشري، فمن الطبيعي أن يكون تكاملها شاملاً لكل أبعاد وجود الإنسان بما في ذلك التقدم العلمي والتكامل في وعى البشرية، لأن المجتمع البشري سوف يتربي في مدرسة السماء، وفي ظل دولة الحق تربية ربانية لا نظير لها، وتتفتح أمام العقل البشري مختلف المجالات العلمية التي لم يعهد لها مثيل في تاريخ الإنسان. وفي عهد القائم سيتطور العلم أكثر فأكثر، حيث مازالت القفزات العلمية في طي الغيب، فعن الإمام الصادق(ع)، قال: (العلم سبعة وعشرون جزءاً، فجميع ما جاءت به الرسل جزءان، فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الجزأين، فإذا قام القائم أخرج الخمسة والعشرين جزءاً فيبثها في الناس، وضم إليها الجزأين حتى يبثها سبعة وعشرين جزءاً). وعن الإمام أبي جعفر الباقر(ع) قال: (إذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤوس العباد فجمع بها عقولهم وكملت به أحلامهم). وفي قول أخر عنه(ع) قال: (.. وتؤتون الحكمة في زمانه، حتى إن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم). ومن الممكن أن يكون هذا المستوي من التقدم والتكامل الفكري في حياة البشرية في دولة الإمام القائم إنما يتحقق من خلال الوسائل الطبيعية، وهي أن من أهم مرافق الدولة القوة الإعلامية ووسائل التربية والتعليم والثقافة، حيث توجه فئات المجتمع عن طريق هذه القوة ويكون الرأي العام من خلال هذه الوسائل، فمتى ما توحدت الوسيلة الإعلامية والتربوية والتعليمية والثقافية، وأصبحت تصب في مصب واحد وتعمل من أجل هدف واحد، بحيث لا يتلقي الفرد والمجتمع إلا ما يبني عقله ودينه وخلقه، لأن العالم سوف يصبح في ظل دولة الإمام محكوماً بدولة واحدة ونظام رباني واحد، فلا توجد في العالم وسيلة تلقي إلا ما ينسجم مع هدف هذه الدولة.
فإذا تم ذلك، فمن البديهي أن تنمو العقول والأفكار نمواً سليماً وتتكامل وتسير في الاتجاه الذي يريده الله تعالى لها، ويصبح الفرد – من الجنسين - مستوعباً لأحكام والقوانين الإلهية التي يدير بها حياته بنفسه إلي المستوى الذي تصبح المرأة على مستوى الاكتفاء الذاتي، فيما يرجع إلي معرفتها بعقيدتها وشريعتها، فهي تدير حياتها، سواء كان في داخل بيتها أو خارجه طبقاً للقوانين الإلهية النازلة من السماء.
2. إقامة العدالة
لأن العدل والشوق إليه فطرة إنسانية، فكان لابد أن تظهر ملامحه في روايات المسلمين التي تحبب العدل وتبشر بشيوع العدل في دولة القائم، خاصة في روايات أهل البيت(علیهم السلام)، كما أنه هذه الروايات متواترة صاحب الرسالة النبي الأكرم محمد(ص)، فهناك العشرات من الأحاديث النبوية الشريفة التي جاءت تؤكد وجود تشابه بين الإمام المهدي وبين أنبياء الله السابقين على النبوة المحمدية، تشابه في السيرة والدعوة إلي العدل الإلهي، ولا عجب في ذلك، فإن الداعون إلي الله من الأنبياء والأوصياء لهم هدف واحد وطريق واحد، هو تحقيق العدل الاجتماعي والقضائي والإنساني.
لذا نجد تشابه واضح في سيرة الإمام المهدي مع نبي الله موسي في ظروف ولادته الغامضة، وله تشابه مع نبي الله نوح في طول العمر، وكذلك له تشابه مع نبي الله عيسي(ع) حيث اختلف حول عيسي وحول المهدي، ومع نبي الله يوسف(ع) فقد روي بسنده عن سعيد بن جبر، قال: سمعت سيد العابدين على بن الحسين من علي يقول: "في القائم فما سنة من سبعة أنبياء، سنه من أبناء آدم وسنه من نوح وسنه من إبراهيم وسنه من موسي وسنه من عيسي وسنه من أيوب وسنه من محمد، فأما من آدم ونوح فطول العمر، وأما من إبراهيم فخفاء الولادة واعتزال الناس، وأما من موسي فالخوف والغيبة، وأما من عيسي فاختلاف الناس فيه، وأما من أيوب فالفرج بعد البلوى، وأما من محمد فالخروج بالسيف".
وكما كان هؤلاء الأنبياء قاموا بعمليات إصلاح لمجتمعاتهم ودعوا إلي التوحيد والعدل، أو الكتاب والميزان، فإن محمدا رسول الله(ص) قام بالدعوة لإصلاح الإنسانية في كل الأرض وفي كل العصور، وبناء على تلك الدعوة، فإن القائم يقوم بعملية التغيير والإصلاح، وهي عملية فريدة من نوعها، وإن الدولة التي سوف يقيمها هذا المنقذ لا نظير لها في التاريخ، سوف يقوم بإصلاحات جذرية قائمة على أصول الرسالة المحمدية، كما جاء بها النبي والأئمة، وسوف نكتفي بإبراز كيفية تحقيق العدل المادي والرخاء الاقتصادي، وبطبيعة الحال، فإن هذا الرخاء مرتبط بالعدل السياسي ومواجهة الاستكبار العالمي، وهذا كله مواكب لعملية التغيير التي سوف يقوم بها القائم، ويأتي ذلك من خصائصها الربانية وهو ما يشير لها في دعاء الافتتاح فعبارات الدعاء إنما تصور مظاهر الاختلاف والحكمة لهذه القيادة الربانية وجوانب الإمدادات الإلهية التي تحف بالإمام المنقذ.
ومن ثم فإن العدل يسود العالم في حكومة المنقذ، لأنه ركيزة من ركائز كل الرسالات والدعوات الإلهية، (فالعدل أحلى من الشهد وألين من الزبد وأطيب من ريحان المسك) ، كما روي عن أمير المؤمنين(ع).
المحور الثاني: الجمهورية الإسلامية: دولة التمهيد
بداية لابد من التذكير على أنه يوجب علي المسلمين عموماً وباختلاف مذاهبهم التمسك بفكرة تحقق الوعد الإلهي باستخلاف المستضعفين، وإقامة دولة القرآن من منطلق الاعتقاد بالقرآن، وإذا ما استدركنا أكثر فإن الالتزام بالسنة النبوية والاعتقاد بها يوجب علينا الإيمان بعقيدة المهدي(عج) والاستعداد لها من خلال تحويل (الانتظار) إلى عامل دفع نفسي يؤدي بنا إلى تنقيه أنفسنا من الأدران، وإعادة بناء الذات بما يجعل من المسلم كفء للدور المشرف الذي يمكن لأن يلعبه، حيث يحوز شرف المساهمة في جيش المهدي، هذا الانتظار، يجب أن يكون ايجابياً متحركاً، يجعلنا على أهبة الاستعداد النفسي والجسدي والفكري، ومتمنطقين بطهارة روحية، وتعال واضح عن جميع عوامل الضعف والتردد والخنوع، كما يحرك فينا عوامل المواجهة مع الذات، وضد الظالم في كل عصر ومكان وبما يمنحنا من أمل نستطيع به التغلب على اليأس والخنوع، الذي نستنشقه كل يوم مع غبار الدعة والخنوع والقهر.
وبالمقابل، فإن الانتظار يستلزم منا تحصين أنفسنا ضد كل البدع الإعلامية والضلالية التي سيقوم بها الغرب لتسفيه أو تشويه هذه الفكرة، وهنا لابد لنا من الاستفادة من العلم ومواكبة النقد التكنولوجي والعلمي وتحسين قدراتنا في ميادين الاتصالات والمعلومات وما يتبعها فردياً وجماعياً من أجل أن يكون الاستعداد في ذروته، وبهذا نكون قد قدمنا خدمة لأنفسنا وأمتنا، إن أدركنا الظهور أو لم ندركه، وهنا تبرز المزايا الخفية في فلسفة الانتظار الايجابي، ومما يجدر ذكره أن سعى الغرب لمحاربة وتعطيل المسيرة المهدية سيتخذ أساليب متعددة، منها سيعتمد استخدام كل ما يملك من قدرات مادية ومعنوية وسيكون الغرب هو التجسيد الواقعي لفكرة الأعور الدجال التي وردت في الأحاديث النبوية المباركة، والذي سيحاول تعطيل المسيرة المتقدمة بتضليل الناس بأساليب إعلامية ومادية كاستخدام البث التلفزيوني المضلل، أو تطويع نظم البث والاتصالات والإنترنيت، بما يشوه صورة الإمام، ويعكس الصورة التي يريدها الغرب عنها، كما يستخدم القوة والتهديد والترغيب وتوزيع الهدايا والهبات على المترددين من أبناء الأرض وضعاف النفوس والمرتبطين بالحضارة المادية، ولعلّ فكرة (الأعور) الذي يبصر بعين واحدة تنطبق على الحضارة الغربية التي تظهر الأمور ككل بعين المادة (المادة)، وتهمل الروح تكون العدو التقليدي للحضارة الإسلامية المتكاملة الوارثة بالوعد الإلهي.
ولو أردنا تطبيق تلك الخصائص للدولة التي تنتظر القائم لوجدنا ملامحها ظاهرة في الثورة الإسلامية الإيرانية، حيث أنها ثورة قامت مباركة طاهرة، قام بها ثوار جمعوا شروط دولة التمهيد، وفيها صفات المنتظرين الثائرين التي ذكرناها، وهم ثوار تمكنوا من التصدي للاستكبار وذيوله في المنطقة، وقوى الاستكبار مازالت تحاصرها، لأنها تعلم علم اليقين أن إيران الثورة تمثل أمل المستضعفين في الأرض، وهي تمثل مرحلة هامة من مراحل التمهيد للإمام المهدي(عج).
الثورة الإسلامية: ملامح التمهيد
لا يمكن الحديث عن الثورة الإسلامية في إيران، دون أن نقرأ ونتأمل الفكر الثوري الحسيني، لأن ثورة الإمام الحسين(ع)، هي أم الثورات التي قامت على الكلمة، وبذلت الروح من أجل المبدأ، وهي الثورة التي كانت ملهمة لما جاء بعدها من الثورات في التاريخ الإسلامي، وهي أيضا الثورة التي ألهمت الثورة الإسلامية في إيران بمفرداتها، فانتصرت على أعظم وأقوى الأنظمة والاستعمار بأسره، لقد ارتبط اسم الحسين(ع) بالثورة، وارتبطت الثورة به، عند محبيه وخصومة على السواء.
كان الإمام الحسين ثائرا ليس له نظير في التاريخ البشرى، وجعلت من ثورته نبراسا هاديا لكل الثائرين، لأن كل البشر يتوقون لرجال تحاط سيرتهم بهالة من الضياء القدسي، يستمدون منهم القدوة، كما يحتذي سيرته الحائرون والذين يتلمسون طريقهم نحو النجاة من وحل الدنيا وطغيان الإنسان لأخيه، إن ثورة الحسين نموذج لكيفية إدارة الصراع مع الشر دون اللجوء إليه لحسم هذا الصراع، ودون اللجوء إلى خيانة الوسيلة مقابل إحراز النصر.
إن ثورة الحسين، وإن أخفقت على الصعيد العسكري في معركة غير متكافئة، فإنها حققت انتصارا على مدى الأزمنة، وكانت النموذج الذي تستلهمه الحركات الثائرة ضد الطغيان، وتختزنه الشعوب في وجدانها عنوانا للحرية والكرامة واستعادة حقوقها المغتصبة"لقد" قدم الحسين وآله وأصحابهم في ثورتهم على الحكم الأموي الأخلاق الإسلامية العالية بكل صفائها ونقائها، ولم يقدموا إلى المجتمع الإسلامي هذا اللون من الأخلاق بألسنتهم، وإنما كتبوه بدمائهم" وقد أخبر النبي الكريم بما سيقع لأمته فقال: "ألا إن رحا الإسلام دائرة، فدوروا مع الكتاب حيث دار، ألا وإن كتاب الله والسلطان سيختلفان، فلا تفارقوا الكتاب، ألا أنه سيكون عليكم أمراء يرضون لأنفسهم ما لا يرضون لكم، إن أطعتموهم أضلوكم، وإن عصيتموهم قتلوكم"، فقالوا: وما نفعل يا رسول الله؟ فقال(ص): كما فعل أصحاب موسى، حُملوا على الخشب، وُنشروا بالمناشير، فو الذي نفس محمد بيده لموت في طاعة خير من حياة في معصية"، "وسمع الحسين كل ذلك واستشرف مستقبل الأمة، وأذنه تردد مقولة الإمام على: "الحياة في موتكم قاهرين، والموت في حياتكم مقهورين" ، ولذلك لم يتردد الإمام الحسين في القول بأن الدعي ابن الدعي خيرنا بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، ومثلى لا يبايع مثله.
إن الحركات الثورية المعاصرة والتي اتخذت الثورة الحسينية منهجا لها كتب لها النجاح سواء كان الثورات ضد الظلم الداخلي (الثورة الإيرانية نموذجا) أو ضد طغيان استعماري خارجي (حزب الله لبنان)، والثورة الفلسطينية حتما سيكتب لها النجاح، لأن شباب الانتفاضة وعوا جيدا كل مفردات الثورة الحسينية، و"إلا أن لكل دم ثائرا"، وهى كلمة قالها الإمام على وطبقها الحسين، وأنار بها الطريق إلى سالكي دربه، ومتخذي سيرته نبراسا يهدى الحائرين، وسيرة الحسين الخالدة يتردد صداها في كل مكان، وفى كل زمان ولا تقتصر على يوم عاشوراء، لأنه لا يُقيد بعاشوراء.
وفي العصر الحالي نجد أن أرقام القتلى الذي يتردد كل يوم في دار المسلمين من جراء الهجمة الأمريكية الصهيونية، لابد أن يجد رجالا ينسون أنفسهم ويقودون أمتهم إلى نبل المعاني وسمو المقاصد، حتى لو كان الثمن دماء هؤلاء القادة الذين يترسمون سيرة سيد الشهداء، وكم ترسم قادة سيرته فأقاموا دولا، كلها تنسب نفسها للحسين أو لعلى أو للزهراء، لأنهم دوما خلاصة الخلاصة من الأمة التي جعلها الله خير أمه أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله، وليس لمثلهم ولمثل من ينهجون نهجهم إلا النصر بعد انتصار أكده الله كثيرا في قرآنه الكريم، وأحاديث نبوية كثيرة توحي المؤمنين بالصبر والعمل بإخلاص المجاهدين إلى العمل الدءوب من أجل أعلاء الحرية حيث يكون الإنسان.
أثر الثورة الحسينية في الثورة الإيرانية
كانت ثورة الإمام الحسين(ع) العنوان والشعار والمنطلق للثورة الإسلامية في إيران، ذلك أنَّ الشعب الإيراني المسلم امتزج مع هذه الثورة في كلِّ وجوده وشؤون حياته. والسؤال المهم الذي يبحث عن إجابة هو: كيف وظّف الإمام الخميني معطيات ثورة الإمام الحسين في الثورة الإسلامية في إيران؟
الولي الفقيه والروح الحسينية عند الإمام الخميني إن الإمام الخميني حوّل مفهوم "تحمل الظلم والسكون حتى الظهور"، الذي كان حاكما في المجتمع الإيراني إلى مفهوم ثورة إسلامية .
ومن خلال مناقشة وتحليل أفكار الإمام الخميني وكتاباته وإرشاداته، قبل وبعد انتصار الثورة الإسلامية، نستنتج أن الاعتقاد بموضوع المهدوية والانتظار، كان يأخذ مكانا بارزا في الأصول والأسس الفكرية للإمام الخميني.
وإن الحركة السياسية للإمام الخميني كانت متأثرة بشدة بثقافة المهدوية، وبالإيمان بها، فقد كان الإمام يؤمن بالانتظار البنّاء، ويتحدث عن موضوع تكليف الناس في عصر الغيبة.
إن الانتظار البناء من وجهة نظر الإمام الخميني، يعني السعي لتحقيق القدرة الإسلامية، وتمهيد الأرضية للظهور، وهو ما كان يختلف بشكل كامل، مع المفاهيم التي كانت سائدة قبل الثورة.
إن النهضة التي حققها الإمام الخميني في الأمة، تعتبر من أهم وأعظم الحركات الثورية التي شهدها القرن الماضي، ذلك أنها أحدثت تغييراً هائلاً في حركة الأمة طاول مختلف الجوانب، وباعتبار أن الإمام الخميني القائد والملهم لهذه الحركة، وهو ينتمي إلى الرؤية الدينية وتطلعاتها، ويعتمد على فكرها وثقافتها وأصالتها، كان من الطبيعي جداً ـ بل من الضروري ـ أن يستلهم الموقف والرؤية من موقعه العلمي والفقهي والفكري، ولأنه يعتقد بنهج أهل البيت، ويفتخر بانتمائه الأصيل إلى هذه المدرسة، فإن الناتج الطبيعي لهذا الانتماء هو الاستفادة من المخزون الفكري والثوري للنهج الحسيني والكربلائي، على قاعدة أن مستوى الانحراف والضعف الذي وصلت إليه الأمة لا يعالج إلا بهذه الروح الحسينية، وهي وحدها القادرة على إعادة الحياة في شرايين الأمة، وإعادة الاعتبار لقيم الجهاد والشهادة والانتصار في مواجهة أعتى مشاريع الظلم والاستكبار والهيمنة.‏
إن المقولة المشهورة عن الإمام الخميني: "إن كل ما عندنا من عاشوراء" على اختصارها تلخص حجم حضور النهج الكربلائي في حركة النهضة، وترشد إلى معدن القوة في هذا النهج على إحداث تغيير على مستوى كل الأمة، لنصل إلى المعادلة التالية: لولا الروح الحسينية، لما كانت الثورة الإسلامية، ولما كان انتصارها، ولما كان ثباتها، ولما كانت كل هذه الإنجازات العظيمة التي نشهدها اليوم في أمتنا.
إن هذا المفهوم له فائدة عكسية، تدلل على انتصار الإمام الحسين(ع) في كربلاء، وأن انتظار القائم البنّاء هو الدافع الثوري للخلاص والثورة على الظلم والطغيان، ومن خلال القدرة على إيجاد هذا النهج الذي يصلح الأمة كل الأمة وعلى امتداد العصور.
الإمام الخميني وولاية الفقيه
إن من أهم الأمور التي تدل على أن الجمهورية الإسلامية هي دولة التمهيد للإمام القائم عليه السلام، هو رعاية الولي الفقيه للدولة الإيرانية، وقد فندت رعاية الولي الجدل الذي يثيره البعض حول التضاد بين الولي الفقيه والديمقراطية، فولاية الفقيه اجتهاد في الفقه الإسلامي الشيعي (المذهب الجعفري) لمفهوم الحاكمية في الإسلام، وكذلك مفهوم الحكومة الإسلامية. وهناك اجتهادات مختلفة عند العلماء المسلمين والمسلمين الشيعة حول "الحكم الإسلامي في زمن الغيبة"، غيبة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن المهدي، وقد انقسمت هذه الاجتهادات بين التيارات التالية:
1. تيار المستبدة وجوهر نظرته أنّ الحاكم في زمن الغيبة هو الإمام الثاني عشر نفسه، وأيّة سلطة أخرى، تعتبر غاصبة لحق الإمام في الحكم .
2. تيار المشروطة، الذي يوافق على اعتبار الحكم في زمن الغيبة للإمام، لكن يجد ضرورة لمراقبة السلطات المدنية للحدّ من استبدادها على الأمة.
3. تيار ولاية الأمّة على نفسها، ومفاده منح صلاحيات الإمام في الحكم إلى الأمّة أو الجماعة.
4. تيار ولاية الفقيه الذي يعطى كامل صلاحيات الإمام في زمن الغيبة إلى الولي الفقيه، والذي يعني أن الحكومة ممكنة في زمن الغيبة من خلال منح سلطات الإمام إلى سلطة الفقيه الولي. بين هذه التيارات، تبرز نظرية ولاية الفقيه، وأثرها في ضرورة تأليف حكومة إسلامية، كنقلة نوعية على المستويين النظري والعملي، لقد انتقلت فيها النظرية الشيعية في الحكم من عالم المثال إلى عالم الواقع.
وقد كتب الإمام السيد روح الله الموسوي الخميني محاضراته في ولاية الفقيه والحكومة الإسلامية في حوزة النجف الأشرف سنة 1970، وتسنى لهذه النظرية أن تجد طريقها إلى التطبيق في إيران من خلال:تأليف حكومة إسلامية وفق نظرية ولاية الفقيه على ما هو مثبت في مقدمة الدستور الإيراني الراهن.
لذا كانت نظرية ولاية الفقيه، الأكثر تجاوباً مع إنتاج العقل الفلسفي السياسي المعاصر باعتبارها توافقاً بين فقه السياسة الشرعية عند المسلمين الشيعة، وعلم السياسة المتحصل في الساحة التاريخية، وهو في جانب منه توفيق بين الدين والسياسة، يقوم على اعتبار مشروعيته السياسية مستفادة من القول الديني، وقواعدها ونظمها مستفادة من العلم السياسي. وفي قلب هذا التوفيق، نجد غاية ما نبحث عنه في القول، بقبول ولاية الفقيه للديمقراطية في الحكم، أو إمكان قيام حكومة إسلامية ديمقراطية، تكتسب مبادئها الفقهية وفق نظرية ولاية الفقيه.
وتقوم ولاية الفقيه على ربط الإمامة بالسياسة، من خلال الولي الفقيه، كنائب عن الإمام. ويوضحه الرسم التالي:
الإمامة ــ السياسة ــ ولاية الفقيه.
ونلاحظ في هذا الرسم تحقيق المطالب التالية:
ــ تحقيق مشروعية السياسة من خلال ارتباطها بالإمامة.
ــ يمثل الولي الفقيه عامل الربط والتوسط بين دائرة الإمامة ودائرة السياسة، وله فيها صلاحيات الإمام.
ــ يجعل من الفعل السياسي، عملاً مشروعاً من خلال ارتباطه بدائرة الإمامة، لكنه لا يفصل هذه الدائرة عن فعل الأمّة (اختبار الأمة) ولا يجعل من ولاية الفقيه دائرة مقابل الإمامة بل يحصل منه رابط المشروعية، لفعل السياسة، باعتباره من صلاحيات الولي الفقيه، ومن إمكان ممارسة السياسة كعلم أو ما يسمّى حجيّة العقل الإنساني المكوّن والمتكوّن.
إن وظيفة الولي الفقيه كرابط بين الإمامة والسياسة تقوم أصلاً على التمايز والترابط بين صفات الولي الفقيه وصفات الإمام، لا فقط على انتقال الصلاحيات بينهما.
إنّ مقابل شرط العلم عند الإمام، هناك شرط العلم عند الولي الفقيه. لكن علم الإمامة يتّصف باعتباره علماً لدنياً نبوياً، فيما علم الولي الفقيه هو كسب إرثي. علم كسبي يتحقق بالاجتهاد، ومن ثم باستمرار الأعلمية في موضع المرجعية والولاية، وعلم إرثي باعتبار العلماء ورثة الأنبياء، أي إنه ينقل بالعلم النبوي من خلال اشتغاله الطويل على الكتاب الكريم والسنة المطهرة.
والفارق بين العلمين، يقوم على اعتبار علم الإمام نصاً مقدساً فيما علم الفقيه، علم متصل بفهم النص المقدس واستنطاقه.
ولا يمكن أن ينوب عن الإمام الحيّ القائم والموجود والحاضر، إلا ولي فقيه على قيد الحياة، وهذا يعني أنّ ولاية الفقيه تندفع إلى تحقيق المسائل التالية :
1. مرافقة حركة الزمان والمكان، أو حركة العقل في الوجود الواقعي، وقبول المتغيرات والمسائل المستحدثة، من خلال عملية الاجتهاد نفسها، المرتبطة بحركة المكان والزمان، وحركة الأفكار، في الساحة التاريخية للإنسان. فلا يكون الولي الفقيه بشرط الحياة، إلا محيطاً بظروف عصره، ومستوى التأوج العلمي والمعرفي فيها، وهذا الأمر كان الإمام الخميني نفسه قد لحظه في رسالته.
2. يمنع شرط الحياة، في التفسير المعطى له، الوقوع في أشكال السلفية، أو الفكر السلفي، وإذا كان الاجتهاد يتضمن إبعاد السلفية، فإن شرط الحياة في الولي الفقيه، ينفي بدوره هذه السلفية بشكل صريح، فلا يمكن القبول بقيادة السلف، للحياة الراهنة، وإن كانت الاستفادة من السلف الصالح أمراً مقبولاً ومطلوباً، ولكن بحدود الاستفادة، في موردها المحدد.
إن مشروع الإمام الخميني يرفض التفسير السائد لفكرة انتظار الفرج، وهو التفسير الذي يجعل الانتظار مفهوما سياسيا يعادل التخلي عن أي مشروع لإقامة دولة أو المشاركة في دولة؛ فهو يرى أن انتظار الفرج لا علاقة له بالسياسة، ولا يصح اعتباره مبررا لاعتزالها. حيث يتضمن هذا المشروع أيضا فصلا غير صريح بين منظومة الحقوق والواجبات الخاصة بالإمام التي تعالج في الإطار الكلامي، وتلك الخاصة بعامة المسلمين التي تعالج على أساس موضوعي، أي بالنظر إلى الواقع الحياتي الذي يعيشونه ومتطلبات تقدمهم الدنيوي. وهو يجادل بأن الانتظار السلبي للإمام الغائب يتعارض مع روح التعاليم الإسلامية؛ فالإمام الغائب سيعود يوما ما في المستقبل لإقامة العدل على المستوى الكوني، لكن الإتّباع المخلص للإمام، أحرى بأن يتجلى في السعي لإنجاز المهام والأهداف الدينية التي يريد الإمام إنجازها، وأهمها -حسب رأي الإمام الخميني- إقامة الحكومة الإسلامية حيثما كان هذا ممكنا.
وقد وجه الإمام الخميني نقدا شديدا للربط بين السياسة والانتظار، الذي أدى في رأيه إلى تعطيل الأحكام الشرعية.
الديمقراطية واجبة في ولاية الفقيه
لقد تحقّق دور ولاية الفقيه كتوسط رابطي بين الإمامة والسياسة، وإذا كانت دائرة الإمامة مكتملة من خلال النبوة الخاتمة، وقيامة الإمام الغائب ــ الحاضر، الذي أوكلت صلاحياته للولي الفقيه كتوسط بين الدائرتين، وإذا كانت ولاية الفقيه اعتبارية بالمصطلح الفلسفي الذي يتوافق مع اعتبار جانب الوظيفة لمشروعية الدولة أو الحكومة، ولأنّ وظيفة الولي الفقيه مستندة في أصل مشروعيتها إلى صفة الحياة والعلم مقابل حياة وعلم الإمام. فإنّ دائرة اجتهاد الفقيه المرتبطة بالزمان والمكان (شرط الحياة) وعلمه المرتبط بدوره باعتباره علماً كسبياً لدنيا، وعليه تكون دائرة السياسة غيرمكتملة في زمن الغيبة لأنها مفتوحة على حركة العقل في استنطاق النصّ وتطبيق قواعده وأحكامه، أو تقديم أجوبته المتغيرة، المتجدّدة والمنفتحة على طاقة النصّ الإلهي الذي لا ينفذ معناه على تحصل الحقيقة فيه.
يؤدّي هذا إلى إمكان ممارسة السياسة كعلم مستقل، مستفاد من حركة العقل الإنساني. وتقتضي صفة العدالة، تنفيذ أحكام العقل في موضوعه، وهو في هذا المحل علم السياسة. فإذا كان العلم السياسي المعاصر، يفيد أن الديمقراطية، هي النظرية الضامنة لتحقيق العدالة في الفعل السياسي، تحقق لنا الحكم التالي: وجوب تطبيق الديمقراطية في محلها المتحصل في موضوعات علم السياسة على الولي الفقيه .
ينشأ عن القول بهذا الوجوب شبهات من نوع: هل تمثل تقييداً لصلاحيات الولي الفقيه؟ وهل يصح الوجوب فيها لو ذهب اجتهاد الولي الفقيه إلى اعتبار الديمقراطية في موضعها من العلم السياسي منافية للشريعة؟
إنّ اعتبارية ولاية الفقيه ودوره التوسّطي بين الإمام والأمة وأصل مبدأ الوظيفة في الحكومة الإسلامية، والتزام الفقيه بما يمليه عليه اجتهاده، على قاعدة العلم وقاعدة العدالة. يصبح الأمر راداً لأصل الشبهة باعتبار علم الفقيه الكسبي، ومنهج استنطاق العقل للنص، ووظيفته العلمية المعطوفة على مبدأ التقوى والعدالة، ودوره التوسطي بين الإمام والأمة، عوامل أساسية في وجوب اختيار الأصلح في ممارسة الفعل السياسي في موضوعه وهو في هذا المحل اعتباراً الديمقراطية.
ثم بعد عرض ما قامت به الثورة من تأصيل لولاية الفقيه، نجد أيضا أن الفكر الثوري تحدد من المفهوم الثوري أولا، ثم مفهوم الانتظار الثوري ثانيا، وأنه يمثل حالة فريدة في الثورة الإسلامية، كما أن التراث الثورة للثورة جاءت بأنبل ما يمكن للإنسان أن يأتي به في زمن الغيبة، والذي يهمنا التركيز عليه، هو حضور هذا النهج الثوري الكربلائي، وتأثيره ضمن العناوين الآتية :‏
1. انتصار الدم على السيف
إن الذي يعرف الواقع السياسي والأمني لنظام الشاه، الذي كان يرزح تحته الشعب الإيراني المجاهد، والأهمية الاستثنائية التي أولاها الاستكبار العالمي لهذا النظام، والدعم الكبير الذي قدمه له عسكرياً وسياسياً وإعلامياً، بحيث أصبح الظلم يعم كل الأرجاء، والسجون ممتلئة بالعلماء والثوار والمجاهدين، مع ما رافق ذلك من استهداف مركَّز لهوية الشعب الإيراني الدينية والثقافية والوطنية ـ إن الذي يعرف كل هذه الأمور ـ يكتشف أن لا مجال لمواجهة هذا النظام إلا بالتضحية والصبر على البلاء، وتقديم قوافل الشهداء في حركة دائمة ومستمرة لا تعرف التعب أو اليأس.
ولعل هذا السبب هو الذي جعل حركة الإمام الخميني تحتاج إلى عقود مليئة بالمواجهات والمظاهرات والسجن والنفي والحملات الدعائية الكاذبة، لكن الشعب الإيراني وقف خلف قيادته الشجاعة بقوة وثبات، وتحمل عب‏ء هذه المواجهة بكل اقتدار، غير آبه لحجم ومستوى التضحيات، مستلهماً الموقف من مثله الأعلى وقدوته الخالدة في كربلاء، ومعتقداً دون أدنى تردد أن النصر سيكون حليفه في نهاية الأمر، وأن اشتداد المواجهة يخبئ خلفه الفرج الكبير والنصر الأكيد.
إن هذه القناعة هي التي تتولد من ثقافة حسينية أصيلة، تجسد أروع معاني الذوبان في المبدأ والتسليم للوعد الإلهي، على قاعدة أن التغيير لا يحصل دون روحية العطاء والبذل (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رءوف بالعباد).‏
إن قناعة راسخة وإيماناً كبيراً وعزماً أكيداً ـ كل هذه الأمور ـ استندت إلى مقولة أثبتها التاريخ وجسدها الشعب الإيراني، وهي مقولة "انتصار الدم على السيف".‏
2. الشهادة وعشق سيد الشهداء(ع)
للشهادة مكانة خاصة في الثقافة الدينية، وهي مبعث قوة وفخر في الأمة الإسلامية عموماً، لكنها في حركة الإمام الخميني وفكره ونهجه تحظى بأهمية خاصة، إن الطاقة الروحية التي يستولدها العاشق للحسين بن علي(ع)، لا يمكن أن تقاس بأية طاقة أخرى، وهي لا يمكن إلا أن تكون في خدمة الدين والأمة، هذه الطاقة لا تشحن النفوس وتعبّئها فحسب، بل تؤججها وتدفعها للبذل والصبر والتحمل، لتحقيق المراد وهو لقاء المحبوب والمعشوق. ولذا، لا يجوز أن يستهين أحد أو أن يخفف من أهمية العشق للحسين في صياغة شخصية قادرة على تغيير الواقع السيئ، مهما اشتد عوده واستفحل أمره.
إن قدرة منهج الإمام الخميني على تفجير طاقة العشق الحسيني في موقف جهادي يتنافس فيه المحبون للحسين، هي من المميزات الهائلة التي سخرت في خدمة الحق والأمة، فبدل أن يكون الحب مجرد بكاء ولطم وذكر المصاب ـ على أهمية ذلك ـ، فإنه يتحول إلى مشروع استنهاض للأمة، يحققه المجاهدون على أمل الشهادة ولقاء الحسين بن علي(ع).‏ لذا، نجد شعارات ومصطلحات هامة تغذت من رحيقها الثورة، وأصبحت عرفاً شائعاً ومحبباً في أدبيات المجتمع الإيراني، من قبيل (قوافل السائرين إلى كربلاء، قوافل العشق الحسيني)، وهذه الشعارات متداولة بفخر واعتزاز امتلأت بها المدن والقرى.
كما أن هذه الثقافة أرخت ظلال الاطمئنان والاستعداد للبذل والتضحية عند العوائل المحترمة للشهداء، الذين اعتبرهم الإمام الخميني مصابيح الأمة، لأن هذه العوائل الكريمة تعتبر في شهادة أحد أفرادها حظوة والتفاتة خاصة من محبوبهم وإمامهم الإمام الحسين(ع).
3. الوفاء للقائد
حين رفع الشعب الإيراني شعار (نحن لسنا أهل الكوفة لنترك الحسين وحيداً)، اعتبر البعض أن في هذا الشعار تعريضاً بأهل الكوفة، وتنكراً لتضحياتهم، التي لا يمكن لأحد أن ينكرها، أو أن هذا الشعار محاكمة تاريخية لا تصح بحق مجتمع عاش ظروفاً صعبة وقاسية، وغير ذلك من الانتقادات، لكن الحق يقال: إن هذا الشعار كان ناظراً إلى القسم الملآن من الكوب ـ كما يقال ـ، وهو الاستفادة مما حصل في التاريخ، لترسيخ مفهوم الوفاء والالتزام بعهد البيعة والولاية والقيادة، مهما كانت الظروف والتضحيات، وفي هذا المعنى، انتقال إيجابي من مرحلة ذكر الوقائع وتحليلها للتبرير أو الإدانة، إلى مرحلة استلهام الموقف الصادق مع القائد إلى نهاية الخط. وهذا بحد ذاته انتصار على كل حملات الدعاية والتشكيك والتضليل، التي تلقى بوجه الشعوب التواقة إلى الحرية، في الوقت الذي لا يمكن لأحد أن ينكر الألم والوجع في أحداث تاريخية مشابهة مليئة بالمرارات والغصات، أفقدت الأمة في لحظة الضياع وفقدان التوازن فرصة الاستفادة من أئمتنا الأطهار(علیهم السلام)، فحركة الإمام الخميني تعرضت لأشرس وأبشع وأكبر حملات التضليل من قبل الأعداء وبعض الجهلة والمغفلين، وكانت الحملات تطال في قسم كبير منها شخص الإمام الخميني، والتشكيك بأهدافه تارة، وبخلفياته تارة أخرى، وتحميله أحياناً مسؤولية عشرات الألوف من الشهداء، بدل أن يتم تحميل المسؤولية للاستكبار وأدواته.
إن مفهوم الوفاء والالتزام بتوجهات القائد، هو من القيم العظيمة التي تعبر عن مستوى عال من الإيمان والصدق عند الشعب الإيراني، وعن درجة عالية من الوعي والاستفادة من التاريخ لصنع مستقبل عزيز، كما أن الاستخلاص الواعي والصادق من ثورة الإمام الحسين(ع)، شكل المعبر للوعي وللتطبيق معاً.‏
4. المنبر الحسيني وثقافة عاشوراء
مما ذكره الإمام الخميني في وصيته للشعب الإيراني: "أن لا يغفلوا عن مراسم عزاء الأئمة الأطهار"
إن الثقافة العاشورائية ـ ومن خلال المنبر الحسيني ـ تبقي حبل التواصل متيناً وأصيلاً مع كل الأجيال، فتصيب من خيرها الطفل والشاب والرجل والمرأة وكل المجتمع، لتكون روح الثورة عامة ودائمة ومنهجاً مستمراً وليس استثناء، وهناك فرق كبير بين ثقافة تدعو إلى الثورة ورفض الظلم حيناً، وبين ثقافة قائمة على رفض الظلم ومواجهته دوماًً؛ فالأولى تنفع وتفيد الأمة، لكن الثانية تبني الأمم وتحصنها من الجور والطغيان، وهذا هو بالضبط ما تحققه فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي هدف مقدس في ثورة كربلاء. وليس من قبيل المبالغة أو الشطط إذا قلنا: إن هذه الثقافة العاشورائية كانت مصدر الإلهام ومبعث القوة والاستقامة في حركة الإمام الخميني، عندما تلقفها الشعب الإيراني المجاهد واعتبرها أصلاً راسخاً في التربية وبناء المجتمع، فإن ما فيها من غنى وأصالة وشمول يكفي لإحياء البشرية وإنقاذها من الضلالة، ووضعها على طريق الهداية والإيمان والعدل. أو ليس الإمام الحسين هو مفجر الثورات الكبرى، وهو الذي تعلم كثير من القادة من نهضته، فقال أحدهم: " تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوما وانتصر".
قيمة الانتظار في مفهوم قادة الثورة
رأينا كيف أن الثقافة الكربلائية كانت ومازالت هي التي أججت وتؤجج النفوس والقلوب، وهي التي كانت دافعا للثورة في طريق النجاح، ونرى كذلك أن انتظار قادة الثورة للإمام المهدي عليه السلام كان متفاعلا مع الثقافة الكربلائية، لأنهما ينبعان من نفس النبع الصافي، فكان الإمام الخميني يؤصل للمفهوم المهدوي القائم على أسس الانتظار من موقع القوة، فالإعداد النفسي والعلمي اعتمدت على مفردات الثورة لأهل البيت، ولم تكن الثورة لتنجح لو لم تتمثل المثل والمفردات الحسينية، ومنها قيمة التمهيد للإمام القائم(ع)، يقول القائد الإمام علي الخامنئي : ولكن كيف يتحقق هذا التمهيد؟ يتحقق بنفس الصورة التي تشاهدون أمثلة لها في مجتمعكم في إيران الإسلامية اليوم، تألق معنوي لا نظير له في أي موضع آخر من العالم، ففي أي موضع من العالم تجد اليوم شباب يسحقون شهواتهم المادية، ويتجهون نحو الأفاق المعنوية ولا نظير لهذا التوجه المعنوي بهذا الزخم في العالم كله إلا على هذه الأرض، فالشبان الخيّرون المؤمنون من أبناء حزب الله قد سحقوا شهواتهم النفسية، وتجاوزوا مطامع المال والثروة، وإن وجد بعض آخر ممن يلهث وراء هذه المغريات، إذن يمكن التقدم في ظل هذه الأوضاع نحو الصلاح خطوة بعد أخرى، وهكذا الحال بالنسبة للنساء عندنا، فلهم سبق في العمل السياسي، وفي النشاط الثقافي، وفي الجوانب التشكيلية الأخرى، وعندما يحل الجهاد ترسل الأمهات أبنائهن إلى الجبهة بأنفسهن، وبها السبق إلى إدارة البيت والأعمال وتربية الأولاد، فهذا البلد، والحمد لله بلد مقتدر وعزيز، وحتى الأعداء يشهدون له بالرفعة ولشعبه بالعظمة، ولمسؤوليه بالإخلاص والإيمان والتمسك بالإسلام، إذن من الممكن تمهيد الأجواء. إن الإيمان بالمهدي لا يقتصر أثره على كيان الفرد أو الأمة فحسب، بل هي مسألة ينبغي ترسيخها في نفوس المسلمين، لما لها من مردود نفسي وحياتي على كيانهم، فكما أن الإيمان بالله واليوم الأخر والثواب والعقاب والأنبياء والأئمة أمر مهم على كيان الإنسان العقلي والروحي والسلوكي والأخلاقي، كذلك الاعتقاد بالإمام المهدي، له الدور في صياغة الإنسان المسلم والأمة الإسلامية، لذلك ينبغي الاهتمام به وترسيخه في النفوس، وذلك من خلال محورين.
المحور الأول: في التكامل الفردي لدى الإنسان، فالذي يؤمن بالمهدي سيوفق أكثر للحصول على وسائل الكمال الروحي والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى.
المحور الثاني: ساحة الحياة الاجتماعية العامة، وما يرتبط بمصير الشعوب والبشرية بصورة جمعاء.
الأمل والثقة بالمستقبل
إن فكره تجدد الأمل عندما ننتظر القائم لابد أن تستمر، وهو ما حدث في حالة الثورة الإسلامية، ومازالت متجددة، وهو ما جدده القائد المرشد بقوله: ذلك أنه لم يعد المهدي فكرة ننتظر ولادتها ونبوءة نتطلع إلى مصداقها، بل واقعا قائما ننتظر فاعليته تتسم عقيدة المهدوية بجملة من الخصائص، وبمثابة الروح في البدن، ومن جملة تلك الخصائص خاصية الأمل، وإذا فقدت الأمل لا تستطيع القيام بأي عمل، وتفقد الثقة بجدوى أي إجراء قد تلجأ إليه .
إن الاعتقاد بالمهدوية وبفكر المهدي الموعود يحيي الأمل في القلوب، قال الله تعالى (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز) الآية الكريمة تبين هدف الأنبياء والرسل الإلهيون ومناهجهم بصورة دقيقة، ولها معنى واسع يشمل المعجزات والدلائل العقلية التي تسلح بها الأنبياء والرسل الإلهيون. وبهذه الصورة، فإن الأنبياء كانوا مسلحين بثلاث وسائل وهي:
الدلائل الواضحة -الكتب السماوية - معيار قياس الحق والباطل.
وعلى كل حال فإن الهدف من تعبئة هؤلاء الرجال العظام بهذه الأسلحة الأساسية، هو من اجل إقامة القسط والعدل، والإمام المهدي سيظهر ليكمل ما بدأه الأنبياء وينفذ ما وعد الله ورسوله من أن يملأ الأرض قسطا وعدلا.
بين القوة والنصح: هنا يأتي دور الحديد الذي فيه بأس شديد حين يوجه صفعة قوية على رؤوس الجبابرة، كي يستسلموا للقسط والعدل ودعوة الحق التي جاء بها الأنبياء، وقد نقل حديث عن رسول الله في هذا الصدد حيث قال: " بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي "
العدالة: من الخصائص دولة الإمام ومعالمها البارزة عموم العدل وسيادة العدالة الاجتماعية والسياسية في العالم وفي رواية عن الإمام علي ابن الحسين عن جده رسول الله قال:" لو لم يبقى من الدنيا الا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم، حتى يخرج رجل من ولدي فيملأها قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما"
عموم الرخاء الاقتصادي: من مظاهر العدالة في دولة الإمام العدالة الاقتصادية كتطوير الحياة المادية وتحقيق الرفاهية والرخاء الاقتصادي سيخرج كنوز الأرض ويقسمها بين الناس، فقد ورد عن النبي " تخرج له الأرض أفلاذ أكبادها ويحثوا المال حثوا، ولا يعده عدا "
انتشار العلم والثقافة وعموم الأمن : إن دولة المهدي دولة الأمن والثقافة الإسلامية الأصيلة ومعرفة الحقيقة "إذا قام القائم حكم بالعدل، وارتفع في أيامه الجور، وأنت به السبل "
الحكومة الشعبية: الحكومة الشعبية تعني الاعتماد على إيمان الجماهير وإرادتها وسواعدها فإن إمام الزمان لا يملأ الدنيا عدلا وقسطا بمفرده، بل مستعين بالجماهير المؤمنة ومعتمدا عليها فأنصار الإمام مكلفون بأن يتخذوا الحد الأدنى من المعيشة ...
قال تعالى: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون)
عن الإمام الباقر(ع) "المهدي منصور بالرعب مؤيد بالنصر تطوى له الأرض وتظهر له الكنوز ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب "
وقد تمكن قادة الثورة في تحقيق بعض معالم دولة الظهور المباركة، من حيث تحقيق العدل والحكومة الشعبية والتداول السلمي للسلطات، وتحقيق التقدم العلمي والنهضة الفكرية، ومن ثمار ذلك نشر الرعب في قولب أعداء الأمة، ولعل أسباب التقدم وانتشار الأمن والعدل في ربوع الجمهورية الإسلامية هي الذي يخيف دول الاستكبار، وهو السبب الحقيقي والأصيل في تكاتف تلك الدول لحصار الجمهورية الإسلامية، من أجل كسر شوكة العدل الذي رنا إليه كل سكان المعمورة، ولكن الجمهورية الإسلامية من خلال تبنيها للمنهج العلمي المهدوي تمكنت من مجابهة التحديات حتى اليوم.
المحور الثالث: مواجهة التحديات بعد نجاح الثورة
نجحت الثورة الإسلامية في إيران نجاحا غير مسبوق، انتصرت بالكلمة الصادقة، الكلمة الإيمانية، وبسبب انتصارها حاولت الدول الكبرى المتسلطة، ومعها أنظمة ـ ولا نقول شعوب ـ دول العالم الإسلامي، أن تهزم الثورة قبل أن تكتمل، كما عملت على وقف أخذها كنموذج لدول العالم الإسلامي ودول العالم الثالث، فواجهت دولة التمهيد الإيرانية تحديا يفوق الخيال، خاصة وأن الشخصية الإنسانية أخذت الكثير من العامل المعنوي للثورة الإسلامية وخطابها المعنوي في عالم السياسة، لأنه كان تأكيدا على وجود الجذور الأخلاقية في هذا العالم، وتأكيدا على أهمية القيم والمعايير الأخلاقية في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية.
كانت تلك بعض خصائص الثورة الإسلامية التي دعت المسلمين في العالم إلي الثقة بالنفس والعودة إلي الذات، وعلمتهم أن الكنز مدفون تحت أقدامهم، ولا يحتاج اكتشافه إلي بحث وتنقيب في مكان آخر، وهذه الرؤية بحد ذاتها هي التي أدت إلي تصدير رسالة الثورة الإسلامية إلي العالم معنويا بكل ما تعنيه كلمة (الرسالة).
لقد شهدت الثورة مراحل بعد نجاحها، وكل مرحلة كانت توجه الحصار والحرب، وتواجه العالم الذي يريد أن يدوس كل حركة تحرر من الاستكبار والطغيان العالميين.
خلال العقد الأول من الثورة الإسلامية حصلت تطورات وأحداث عديدة ومتعاقبة جعلت من الصعب معرفة وفهم عمقها، فلم يكن ينتهي حادث حتى يقع حادث آخر وتنفجر قضية أخرى، وبمراجعة تلك الفترة والأحداث التي شهدتها، تتجلي قدرة وعظمة الشعب الإيراني وقيادته وستكون جديرة حقا بالإعجاب والإشادة الكبيرتين.
ومن الطبيعي أنه لو شهدت المرحلة الراهنة تلك الأحداث لكانت المواقف تجاهها جديرة حقا، وطريقة التعامل شكلا آخر، بيد أن سعي الجميع في تلك الفترة كان للثورة الوليدة التي كانت تواجه الأعداء من كل جانب، فالمعارضون والأعداء كانوا يتمثلون تارة بتنظيمات مسلحة في الداخل، وأنظمة وحكومات في العالم من الخارج تارة أخري، كانت تريد القضاء على الثورة وعلى نظام الجمهورية الإسلامية، ولولا تلك التعبئة الجماهيرية الشاملة، وثقة الشعب بالثورة وقيادتها، لما تمكن الشعب ولا القيادة ولا الثورة من الصمود في مواجهتها نتيجة للمشاكل والأزمات التي كانت تعيشها، ونعرض بعض التحديات التي واجهت الجمهورية الإسلامي.
1. الحرب على الثورة والحصار الدولي/ العربي على إيران
بعد نجاح الثورة مباشرة وقفت ضدها أغلب دول العالم، خاصة الحكومات الغربية والدول العربية، كان الخوف من الثورة هو الباعث على حربها ومحاولة إفشالها، فكان أن شنت تلك القوى حربا ضروسا على الجمهورية الإسلامية، ورأت تلك الدول أن صدام حسين كان يحلم بزعامة العالم العربي، فتركته يشن الحرب على إيران وهو يظن أنها حرب سريعة يخرج منها منتصرا زعيما، وتبعا لذلك قام النظام العراقي بإعطاء الأموال لعملائه لتنفيذ أعمال تخريبية ضد خطوط أنابيب النفط في الجنوب الإيراني، وتحريض بعض العشائر العربية في محافظة خوزستان على التمرد، وقد رافقت هذه الخطوات اعتداءات عسكرية وهجمات محدودة في المناطق الحدودية، الأمر الذي أدي إلي استدعاء السفير العراقي في طهران للطلب من حكومته تقديم إيضاحات حول هذه الأعمال، حتى أن النظام العراقي قدم اعتذارا رسميا في إحدى المرات لشنه اعتداء على الحدود الإيرانية.
من جانب آخر، فإن صدام حسين الذي كان مدركا لمشاعر العداء الأمريكي لإيران بعد احتلال السفارة الأميركية، كان يعتقد كذلك أنه عندما يشن هجومه العسكري على إيران سينال دعم ومساندة الحكومة الأميركية، وقد حصل على ضمانات بعدم تدخل أميركا في هذه الحرب، وذلك خلال اجتماع بمستشار الرئيس الأميركي السبق لشؤون القومي بريجنسكي في عمان في شهر سبتمبر / أيلول عام 1980، وبعد ذلك أعلن عن إلغائه اتفاقية الجزائر من جانب واحد، بعد أن كان وقعها هو بنفسه مع الشاه، ثم أمر بشن الهجوم العسكري الشامل على إيران لتكون بداية الحرب الثماني سنوات.
وكان صدام حسين يظن بأن الجيش والقوات المسلحة في إيران، وبعد انتصار الثورة الإسلامية لن تكون قادرة على مواجهة القوات العراقية، وقد عزز هذا الاعتقاد التقدم السريع الذي أحرزته القوات العراقية في الأيام الأولي من الحرب، وذلك باحتلال مدن (قصر شيرين، نفت شهر، خرمشهر، سوسنكرد، ومحاصرة مدينة آبادان وتهديد اهواز)، ولذلك فإنه في الأسبوع الأول من الحرب رفض اقتراح وقف إطلاق النار بصورة مؤقتة قدمته الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي، بيد أنه بدأ يفهم ويتعلم الدرس الذي تعلمه الأميركيون من قبل، فقد تعبأت الجماهير متجه صوب جبهات القتال، ولم تمض فترة طويلة حتى انتقلت ساحة المعركة من المناطق الحدودية الإيرانية إلي داخل الأراضي العراقية.
وعلى العموم فقد استمرت حرب صدام حسين ضد النظام الإسلامي في إيران ثماني سنوات وكانت الأسلحة الغربية تتدفق على صدام من أمريكا وبريطانيا وفرنسا والأرجنتين والبرازيل ومليارات الدولارات من دول الخليج العربي، وطوال هذه المدة لم تواجه العراق أي نقص في الغذاء والمال والسلاح، لأن صدام كان يخوض الحرب نيابة عن أمريكا والغرب، والغريب أن وقف الخليجيون وقفة الأخ إلى جوار أخيه ـ كما زعموا ـ في حرب العراق مع إيران، لأن الجميع كان خائفاً من الثورة الإسلامية الإيرانية في منطقة الخليج الفارسي، ولذلك وقفت الدول الخليجية والعربية مع العراق ماعدا سوريا، وقد قدرت المساعدات الخليجية للعراق بحوالي 200 مليار دولار، كما ساعدت الكويت والسعودية العراق نفطيا بإعطائها 300 ألف برميل نفط يوميا، واتبعت الدول الخليجية وخاصة السعودية تأثيراً كبيراً عن طريق خفض ورفع أسعار البترول وكمية الإنتاج، لتحقيق أكبر الخسائر الممكنة بالإنتاج والمردود النفطي الإيراني إلى أن قطعت السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع إيران في شهر إبريل مع عام 1988، وهذا ساهم بشكل كبير في تقوية العراق وإضعاف إيران وإطالة أمد الحرب، كما تقاربت العلاقات المصرية العراقية كثيراً وذلك عقب المقاطعة التي دعا إليها العراق جميع الدول العربية بعد اتفاقية (كامب ديفيد) الشهيرة واستفاد العراق من إنتاج مصانع السلاح المصرية التي كانت تدعم الجيش العراق. كان هدف أمريكا والاتحاد السوفيتي جعل الحرب تطول أطول فترة ممكنة، فكان الهدف الأكبر والأسمى للدولتين العظمتين استنزاف البلدين المسلمين لاستنفاد ثرواتهما، ولإضعاف قواهما ومواردهما البشرية والمادية، من أجل تبوء مكان في السيطرة على الشرق الأوسط ولتأمين إسرائيل وشغل الدول العربية والإسلامية عنها، وكانت هذه الدول تضع يدها على قلبها خوفاً من تغير في أسعار النفط يؤثر في الاقتصاد والصناعة الغربية !!
كانت أمريكا كعادتها تبحث عن مصالحها في المنطقة، وهي مستعدة لفعل أي شيء من أجل مصلحتها، حتى ولو كانت أحاديث رؤسائها وممثليها السياسيين تتكلم عن الحرية والديمقراطية والسلام، فمع بداية الحرب وقفت الولايات المتحدة موقف المتفرج الحيادي خصوصاً عندما كانت العراق هي المسيطرة على الموقف، وعندما تغير الموقف العسكري لصالح إيران أنهت واشنطن سياسة الحياد المعلنة، وقررت دعم العراق دعماً كاملاً وشاملاً، فأعادت العلاقات الدبلوماسية المقطوعة مع بغداد في 1984م، وأمدت العراق بمعلومات استخباراتية قيمة، ووفرت له مساعدات ومبيعات تكنولوجية وزراعية، وبدأت واشنطن في المناداة بقرارات مجلس الأمن الدولي الذي أدان إيران لهجماتها على ناقلات النفط في عرض الخليج.
كان الاتحاد السوفيتي حاله كحال الولايات المتحدة، وكان يهدف إلى إطالة أمد الحرب، لأن هذا يخدم مصالحه في شراء البترول وبيع الأسلحة، ولكن مع تفوق القوات الإيرانية على العراقية ودخول القوات الإيرانية العراق سلك الاتحاد السوفيتي نفس المسلك الأمريكي، وبدأ في دعم العراق، وبدأ العراق في توقيع صفقات الأسلحة مع الاتحاد السوفيتي واشترى منه صواريخ متوسطة المدى، كما أنها قامت بتمويلها باقي سنوات الحرب خصوصاً مع الوفرة المالية العراقية نتيجة عائدات البترول ومساعدة الدول الخليجية..
وتدخلت عدة دول غربية من بينها بريطانيا وفرنسا، وأمدت العراق بالأسلحة والمعدات العسكرية، وهكذا هم الغرب يشعلون نيران الحروب بين الدول لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب والمصالح، بينما يخرج حكامهم وقادتهم على شاشات التلفزيون يتحدثون عن السلام والديمقراطية والأمان !!
ولما طالت الحرب، ودمرت ما دمرت تدخلت أمريكا وفرنسا مباشرة لحسمها بدءا من معركة تحرير الفاو ثم مشاركة الطيارين الفرنسيين في قيادة طائرات الميراج 2000 وقصف أهم المنشآت الإيرانية، وتدخل الأسطول الأمريكي لمرافقة ناقلات النفط الكويتية رافعة العلم الأمريكي، وضرب منصات الصواريخ الإيرانية وأرصفة شحن النفط الإيراني، ثم جاءت الضربة المعنوية متمثلة في إسقاط البحرية الأمريكية الطائرة المدنية الإيرانية التي قتل فيها حوالي 300 مدني إيراني.
خلاصة القول: إن الثورة الإسلامية شهدت حصارا دوليا غير مسبوق في العلاقات الدولية، فلم تتمكن من شراء الأسلحة إلا بشق الأنفس، وكان من المدهش مشاركة البلاد العربية للحصار الدولي بداية التحالف العربي ضد قوى المقاومة التي تقودها الجمهورية الإسلامية، والغريب إن الإعلام العربي روّج وما زال يروّج للخوف من الشيعة والنفوذ الفارسي، وكتب الكتّاب وألف المؤلفون عن الخطر الإيراني والتمدد الإيراني، وما زال هذا النهج مستمرا، وهذا يؤكد على أن المسار الثوري للجمهورية الإسلامية هو السائد، وأن ميراث الثورة لم يتبدل أو يتغير.
2. مرحلة الاستقرار والأعمار والصمود والحصار المستمر
إن انتهاء الحرب أفسح المجال أمام النظام الإسلامي في إيران لانتهاج طريق الأعمار والبناء، لذلك فإن الإمام الخميني الراحل أوكل إلي لجنة خاصة مهمة مراجعة السياسات العامة والأساسية للبلاد، لإعادة النظر في الهيكلية والبنية الاقتصادية للبلد، وفي هذه الفترة كانت وسائل الإعلام العالمية تزعم أن الأمام الخميني قد تخلي عن مبادئه الثورية بقبوله قرار وقف إطلاق النار، وأن إيران تتجه لعقد اتفاقية سلام وانتهاج إستراتيجية جديدة مع الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية، بيد أن رفع صور الأمام الخميني الراحل في التظاهرات الجماهيرية التي شهدتها جمهورية أذربيجان قبل استقلالها من الاتحاد السوفيتي السابق، زاد في حيرة واستغراب المراقبين السياسيين، وبعد هذا الحادث بعث الإمام الخميني الراحل رسالته التاريخية لميخائيل جورباتشوف حيث بين فيها فشل النظرية الماركسية ومتوقعا انهيار نظام الاتحاد السوفيتي، ومحذرا جورباتشوف من أن مواصلة التمسك بتطبيق النظرية الماركسية ستكون عاقبته السقوط، إضافة إلي ذلك، فقد دعا الإمام الخميني جورباتشوف لتفهم المعارف والقيم الإسلامية، وأن هذه الرسالة التي عبرت بقوة عن ثقة الإمام العالية بنفسه ورؤيته المستقبلية، قد تركت آثارا عميقة في العالم الإسلامي.
وبعد مضي بضع سنوات وانهيار الاتحاد السوفيتي، أعاد الكثير من المراقبين والخبراء إلي الأذهان ما توقعه الإمام، وتحليله الصائب حول مستقبل الاتحاد السوفيتي.
لقد تمكنت الجمهورية الإسلامية من بناء قوتها ذاتيا على كل المستويات العسكرية والاقتصادية والاجتماعية، رغم الحصار المستمر عليها حتى اليوم، ولكنها أيضا تسير بخطى واثقة نحو تحقيق آمال الأمة في غدها المنشود، وما البرنامج النووي السلمي الإيراني إلا نموذجا من التحدي للحصار الظالم على الجمهورية الإسلامية، وهو ما ؤكد أن دلائل دولة التمهيد توجد في أركان الجمهورية الإسلامية.
المحور الرابع: قواعد التمهيد في فكر الثورة
ومن ضمن علامات التمهيد الموجودة في الدولة الإسلامية الإيرانية، هو الاستعداد للعدو الصهيوني والقوى الاستكبارية، وذلك من خلال التقدم العلمي الاكتفاء الذاتي من الغذاء والدواء، أي القدرة الاقتصادية، هذا بالإضافة للقدرة الإستراتيجية، أي أن الدولة التي قادها رجال الدين، كانت ومازالت حافزا على التقدم العلمي والنهضة المبشرة، هذا طبعا بالإضافة إلى الاستقرار والعدل السائدين، وكذلك النهج الثوري، وذلك هو ما يشكل الخطر الأكبر على الكيان الصهيوني.
إن مصدر التهديد الإيراني على الكيان الصهيوني ـ كما يراه قادة الكيان الصهيوني ـ لا يعود في حقيقة الأمر إلى التسلح النووي الإيراني الراهن في حد ذاته، بل يعود إلى اجتماع عدة عناصر أخرى، تراها إسرائيل في غاية الأهمية، وهي:
ـ القاعدة الثورية
ـ القدرة الاقتصادية
ـ القدرة العلمية
1. القاعدة الثورية
إن أكثر ما يخشاه العدو الصهيوني والقوى الوالية له، هي تلك العقيدة الثورية لدولة التمهيد، وهي العقيدة التي تمثلها الجمهورية الإسلامية بصورة فريدة، حيث مازالت العقيدة الثورية تمثل الخط الأساس الذي يوجه حركة الجمهورية الإسلامية، وهي عقيدة الانتظار الثوري أيضا، حيث إن العقيدة الثورية في الثورة الإسلامية تشكل رافدا مهما من روافد التصدي للمشروع الأمريكي، أي تشهد حالة من التمهيد الثوري ضد الظلم انتظارا للموعود، وتمثل الحالة الإيرانية تمازج بين الانتظار والثورة، والتمهيد والبعث في آن واحد، ويبدو للوهلة الأولى أنه هناك ثمة تنافر بين مفهومي الثورة والانتظار على المستوى اللغة والفعل، فالثورة تعني الحركة والاندفاع والتفاعل الشديد بين الموجودات، مما سيسمح بظهور نتائج آنية سريعة، وأخرى تحتل مساحات زمنية تتباعد أو تتقارب، حسب قوة الاندفاع الخارجي لمادة الحدث، فالثورة في مفهوم البعض بركان يلقي بمادته للخارج باندفاعات غير مترابطة وقد تبدو عشوائية .
والانتظار بالمقابل مفهوم عام يوحي بالارتخاء والكسل، وقد يكون مبعثا للملل، وسيظن البعض أن نتائج الانتظار غير مجدية، لأنها غير معلومة للأفكار، وغير مدركة بالأبصار، هذا التصور الخارجي لمفهومي الثورة والانتظار يمثل الكثير من القصور الإدراكي لهذين المفهومين لأنه يطرح فكر سلبي محدد يغلب عليه الاتجاه المادي، فعندما يتم تفسير الثورة وفق الأطر المادية ستكون هذه الثورة محدودة الإمكانات والنتائج، بل إنها ستفقد أية قيمة مستقبلية، لأنها ستركز في مساحة الزمن الآني، وهي بالتالي ستصبك كرصاصة انطلقت في الفراغ دون هدف، وبالتالي يمكن أن تقتل بريئا، في حين أن الثورة ذات الأصول الرسالية، تتوخى تحقيق غايات عادلة باعتبارها تقيم علاقة مع المستقبل والآتي، فالآني بالنسبة لها كالجذر الأولى للنبتة وهي تتطلع نحو الثمار بشكل دائم لتحقق الاستمرارية في الوجود.
إن الانتظار كمفهوم يحقق الغايات الرسالية عبر رؤيا مستقبلية تعني عدم الاستسلام للواقع الآني والخضوع له، فالانتظار في الفكر الإسلامي هو الاستعداد الدائم لمواجهة الحدث، باعتبار أن الإنسان جزء أصيل ومؤسس لحركة التاريخ، فالإسلام ينفي عن الانتظار الفكرة الطوباوية أو المثالية المجردة، كما إنه ليس هروبا من ظلم الواقع الحالي، فهو ليس حلم أو فكرة استقرت في ذهن المظلومين عبر تراكمات حركة التاريخ، بل حقيقة تستند إلى مرجعية إلهية، فمرجعية الانتظار هو وجود زمن آتي تتحقق فيه الغايات، وقد تمر أجيال عديدة دون أن تشهد هذا الزمن، لكن ذلك لا يعني انتفاء وجوده أو عدم حدوثه في المستقبل.
إن الانتظار انتظار للثأر كما هو انتظار لتحقيق الغايات الإلهية، انتظار للدولة الإلهية التي لم تتحقق حتى في ظل الإسلام الرسالية الأول، فقيمة الفكر الإسلامي بشكله النهائي تتحقق في المستقبل، باعتبار أن الفكر الإسلامي فكر مستقبلي، وهو الفكر الخاتم، فلا مستقبل خارج الإسلام، ومن خلال هذا الطرح نجد أن الاستعداد الثوري في الحالة الإيرانية يؤكد أنها دولة تمهيد، خاصة إذا علمنا أن من ضمن أعمال القائم عليه السلام مقارعة الصهيونية الظالمة، وهو ما يخشاه زعماء الصهيونية والاستكبار العالمي ومعهما بعض النظم الموالية لهم في دول المنطقة .
2. القدرة الاقتصادية
بالإضافة إلى مصدر الخطر الثوري الذي تمثل الجمهورية الإسلامية على قوى الشر الصهيونية العالمية ومعها الاستكبار العالمي، هناك مصدر خطر آخر لإسرائيل، وهي القوة الاقتصادية الإيرانية، وما توصلت إليه من اكتفاء ذاتي حقق لها استقلال سياسي غير مسبوق في تاريخها أو تاريخ دول العالم، ذلك أن إيران لديها من الموارد الاقتصادية الكبيرة والمتنوعة: النفط، الفحم، الغاز الطبيعي، خام الحديد، الرصاص، النحاس، المنجنيز، الزنك، الكبريت . وبالتالي، فإيران تجد الكثير من مصادر القوة، لتعبر عن نفسها من خلالها.
فهناك القدرة المالية العالية بوصفها عاملا اقتصاديا قويا ناشئا، ليس ذلك فحسب، فإيران تقبع فوق احتياطات نفطية ضخمة، ناهيك عن ارتفاع أسعار النفط الهائلة رغم عودة انخفاضها، وهو أمر يتيح لإيران إمكان توظيف تلك العائدات والإمكانات الاقتصادية الضخمة لبناء قوة عسكرية جبارة، وتمويل جماعات المقاومة ضد المشروع الصهيوني. وبالتالي تصبح تلك الأموال معززة للايدولوجيا الثورية، خاصة وأن الجمهورية الإسلامية تكتفي ذاتيا، رغم الحصار الشديد المستمر منذ نجاح الثورة وحتى اليوم، وبالتالي تزيد من حدتها وعنفوانها، وبالتالي استخدامها ضد الكيان الصهيوني.
3. القدرة الإستراتيجية العلمية
منذ الثورة قامت إيران الثورية بالسعي نحو التقدم العلمي، والاكتفاء الذاتي علميا وتكنولوجيا، وهو اعتبره سماحة آية الله السيد علي الخامنئي أبرز معالم اقتدار إيران الإسلامية، حيث قال: إن اليوم الذي يشهد فيه الشعب الإيراني إغلاق آبار النفط سيكون يوما سعيدا، وأعرب سماحته عن أمله بأن تبلغ الجمهورية الإسلامية الإيرانية مرحلة من التطور يجعلها تستغني عن عائدات النفط من خلال الحصول على الثروة عبر التطور العلمي. واعتبر آية الله الخامنئي الحصول على العلم إحدى الوسائل التي يمكن من خلالها بلوغ مرحلة الاقتدار الوطني، مؤكدا أن تقدم العلم والتقنية يعتبر اليوم من أهم العوامل الأساسية لقوة إيران.
وتطرق آية الله الخامنئي إلى الحركة العلمية والنهضة التي شهدتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مجال إنتاج العلوم، وقال: إن شعبنا حقق تقدما كبيرا للغاية، إلا أن عليه عدم القناعة بما هو عليه الآن.
وشدد على إن كل هذه الانجازات العظيمة التي حققتها إيران الإسلامية، إنما تعود إلى الإفادة من الطاقات الداخلية، ودون الحصول على مساعدة أجنبية، وأضاف قائلا: إن الشبان الأذكياء استطاعوا إلى جانب مظلوميتهم ووحدتهم إرواء شجرة العلم، عبر الاتكاء على الذات والقيم الوطنية.
علامات دولة التمهيد في الجمهورية الإسلامية
بعد أن ذكرنا الأدلة العلمية عن أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تمثل دولة التمهيد للإمام الغائب سلام الله عليه، نورد هنا بعض الأدلة الدينية المستقاة من علم النبي الأعظم وأهل بيته عليهم السلام، وهي كما أوردها الشيخ علي الكوراني، ولكننا نقصر الحديث على دلالات تخص الجمهورية الإسلامية في علامات الساعة، لأن مساحة الدراسة لا تتسع بأكثر منها، فنقول: إن من العلامات الكبرى ما يتفق مع الأحداث التي تمر بها الجمهورية الإسلامية، ومنها ما يلي:
1. اجتماع اليهود في أرض فلسطين
من يراقب الأحداث السياسية، يجد أن اليهود فزعين مما تقوم به الجمهورية الإسلامية، وكما قلنا في هذا البحث إن الفزع الصهيوني ناتج عن التقدم العلمي والروحي العرفاني، والمسلمون متيقنون من أن حربا ضروسا سوف يخوضونها ضد الصهيونية، ويكون القائم المهدي هو القائد، ودولة التمهيد تساعد على سرعة الظهور، وهو ما نراه جليا في الأحداث المتتالية، وفي الإطار الديني نجد مصاديق ذلك، يقول الله تعالى: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً).
ويقول أيضا: (وَقَضَيْنَا إِلَى‏ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً، فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاَهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً، ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً، إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرا) .
وتشير الآيات إلى أن وقت ظهور الإمام يكون فيه اليهود مجتمعين ومسيطرين على المسجد الأقصى، لأن عملية الدخول سوف تكون بالقوة، إلى المسجد دخول الفاتحين.
أن قبل الظهور مباشرة توجه ضربات للصهاينة في فلسطين "ليسوؤوا وجوهكم" أي أن هناك ضربات مؤلمة ومذلة سوف يتعرض لها الإسرائيليون قبل الظهور من قبل العمليات الناجحة للمقاومة في لبنان و فلسطين.
ومن المعروف في الروايات الإسلامية والمتفق عليها عند الطرفين أن المسلمين سينتصرون في المعركة الأخيرة، و سيكونون بقيادة المهدي(عج)
إذاً هناك أربع إشارات تشير إليها الآيات:
1. اجتماع اليهود في فلسطين المحتلة "جئنا بكم لفيفا" و قد تحققت.
2. احتلالهم للمسجد الأقصى و القدس " وليدخلوا المسجد" و قد تحققت.
3. "وليسوؤوا وجوهكم" ضربات موجهة من المقاومة قبل التحرير وقد تمت هذه الضربات وهي مستمرة حتى الآن.
4. قيادة الإمام المهدي للمسلمين في هذه الحرب... وهذا ما ينتظره الآن المسلمون: ظهور الإمام المهدي لقيادة الجيش الإسلامي.
2. العلامة الثانية الكبرى ... خروج رجل من قم
وهو رجل من قم يدعو الناس إلى الحق، يجتمع معه قوم قلوبهم كزبر الحديد لا تزلهم الرياح والعواصف، لا يملون من الحرب، ولا يجبنون وعلى الله يتوكلون والعاقبة للمتقين . وتنطبق الرواية على الإمام الخميني الذي خرج من قم يقود ثورة منذ العام 1962، وعبرت الرواية (رجل من قم) وليس من أهل قم، لأن الإمام الخميني من خمين ولكنه من سكان قم، وبأنه تواجهه رياح وعواصف الصراع من الشاه ثم الضغوط الأميركية والعالمية، ثم الحرب ضد نظام صدام حسين وحلفائه العرب والروس والغرب، ومعه رجال قلوبهم كزبر الحديد، هم المناصرون الموالون لأفكار الإمام والذين وقفوا أمام الشاه وانتصروا ثم أسسوا الحرس الثوري للحفاظ على الثورة الإسلامية في إيران، وهم مستعدون للتضحية من أجل الإسلام والثورة وقائدها، وهم أهل خراسان وأهل قم الذين ذكرتهم الروايات، الذين يقيمون دولة تمهد للمهدي، وتكون دولتهم ممهدة للظهور.
3. العلامة الثالثة الكبرى .. قوة عسكرية وإعلامية للإمام قبل الظهور ..
في تفسير قوله تعالى (بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد) عن الصادق(ع): "قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم فلا يدعون وتراً (أي عدواً) لآل محمد(ص) إلا قتلوه" . روضة الكافي
وهذه الأحاديث تدل على أن التمهيد له عليه السلام يكون بقوة عسكرية وإعلامية عالمية، وأن هؤلاء القوم إن كانوا في إيران كالحرس الثوري، ويقاتلون الأمريكيين أعداء الإمام بالدرجة الأولى، ويعاونهم جيش المهدي الذي يمهد للإمام في العراق، ويحارب أيضاً أعداء الإمام، أو حزب الله في لبنان الذي يقاتل أعداء الله، والأنبياء والرسل، وحتما أعداء الإمام المهدي، وهم اليهود، لمؤشر كبير أن ظهور الإمام ربما بات قريباً.
4. العلامة الرابعة الكبرى .. تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران
"المهدي مبدأه من المشرق" ، أي تبدأ عملية الظهور من المشرق، من قبل بلاد فارس. "تخرج من خراسان رايات سود فلا يردها شيء حتى تنصب بإيلياء القدس" وهي تشير إلى أن الجيش الذي ينطلق مع الإمام يبدأ تحضيره في إيران، ويكون هو الجيش الذي يتوجه مع الإمام إلى القدس.
وفي حديث عن الباقر(ع): كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحق فلا يعطونه، ثم يطلبونه فلا يعطونه، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم، فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يقوموا... ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم (أي المهدي(عج)) قتلاهم شهداء... أما أني لو أدركت ذلك لأبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر (أي المهدي(عج)) ومن المتعارف عند رواة الحديث أن رايات المشرق هي من إيران لكثرة الأحاديث التي تسميهم بالاسم، بأنهم أنصار الإمام في آخر الزمان، ومن الواضح في الرواية أن هؤلاء القوم يمهدون لدولة مهديهم عليه السلام، وأنهم يسلمونه رايتهم و بقيادة الإمام لهم يملئون الأرض قسطاً وعدلاً.
ومن الواضح أيضاً أن حركتهم تواجه عداءً من العالم وحرباً، وأنهم يطلبون الحق بأن يحكموا بلادهم وفق الحكم الشرعي الإسلامي فيحاربونهم لمدة ثماني سنوات، ثم يريدون إعمار بلدهم فيحاصرونهم اقتصادياً، ثم يستقلون اقتصادياً ويريدون التطور، والاكتفاء الذاتي فيحاصرونهم سياسياً، وينشرون عشرات القواعد حولهم عسكرياً حتى يتم استفزازهم، وممكن بحسب الرواية مهاجمتهم (فضيعوا سيوفهم على عواتقهم) يحشدون جيوشهم و يتوجهون للحرب، ولا يقبلون بأي شرط حتى يدفعوا الراية إلى إمام زمانهم.
5. العلامة الخامسة الكبرى .. العمائم السود يقاتلون أعداء الإمام قبل الظهور ...
لعل من أكثر الأمور غرابة أن أهل بيت النبي الأكرم كانوا ومازالوا هم قواد الثورات في كل البلاد، صحيح أن معظمهم لم يكن حاكما، ولكنهم ثوار ضد الاستعمار، فالنسل الشريف هم قادة الثورة الكبرى، وهم الذين قادوا الثورة الإسلامية الكبرى في إيران، وهو ما يعيدنا لأقوال الأئمة، فعن أبان بن تغلب عن الإمام الصادق(ع)، قال: " إذا ظهرت راية الحق، لعنها أهل الشرق وأهل الغرب ! أتدري لم ذلك ؟ " قلت: لا، قال: " للذي يلقى الناس من أهل بيته" ، ومن الواضح أن الذرية المباركة من بني هاشم سيكون لهم دور سياسي كبير ومميز في العالم الإسلامي يزعج العالم بأجمعه في الشرق والغرب . كما سيكون لهم من النفوذ والقوة، ومن الواضح أن هذه العمائم السود الني هي من ذرية النبي(ص) تطلب الحق، وستزعج العالم لأنها لا تستسلم كالآخرين، وكأن رأيهم واحد، فهم من مدرسة واحدة، وهي مدرسة أهل البيت عليه السلام التي تعلمهم هيهات منا الذلة، فتسلم الراية للإمام المهدي في آخر الزمان.
تلك بعض الأدلة التي تؤكد أن الجمهورية الإسلامية هي دولة التمهيد للإمام المهدي عليه السلام، وقد أثبتنا ذلك بالأدلة المادية، وهي ما تقوم عليه دعائم الجمهورية الإسلامية، من حيث إقامة العدل، ثم الأخذ بالأسباب العلمية، وهناك أيضا دليل حيوي على ديمومة التمهيد للظهور المبارك، وهو السعي الدائم للتوحيد بين المسلمين، من خلال التقريب بين المذاهب الإسلامية، فقد أسس الجمهورية الإسلامية المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، والذي ينعقد سنويا عند الاحتفال بالمولد النبوي الشريف كل عام، والمجمع لا يتبنى أي رؤية داعية لدمج أي مذهب في أي مذهب آخر، ولكنها تقوم على أسس أن المسلمين أخوة وأن الذي يجمعهم أكثر بكثير مما يفرقهم، وهو ما يحسب للجمهورية الإسلامية، وهو ما يؤكد أنها سائرة على درب التمهيد للإمام القائم(عج)...
خاتمة: عن دولة التمهيد في الجمهورية الإسلامية
مما سبق يتضح أن الدولة الإيرانية الثورية تمثل مرحلة هامة من مراحل التمهيد لظهور القائم(عج)، وهو ما نراه واضحا في الخوف المستمر من الغرب، ومحاولة الاستعمار تجييش العالم كله ضدها، ومن تلك الدلائل محاولة الاستعمار الصليبي من تخويف العالم من الشيعة، واستغلال علماء طائفيين للحصول على فتاوى ضد الشيعة عموما، وذلك من أجل التمهيد لضرب الثورة الإسلامية وقواعدها، ومن أجل تناسي الصراع الصهيوني مع الإسلام، وعموما نجد أن التمهيد الذي تمثله الجمهورية الإسلامية قد لا يعني اقتراب النهاية في المستقبل المنظور، ولكنه أيضا يعني اقتراب نهاية الأرض أو نهاية البشرية ـ في المستقبل غير المنظور، وعلم هذا عند الله سبحانه وتعالى ـ أو نهاية التاريخ، ولأن الأمر كذلك فلابد أن يستمتع الإنسان بالعدل والرخاء الاقتصادي، بعد أن عاش دهورا في دياجير الظلم والظلمات، وأهم من كل ذلك، هو أن يعبد البشر الله سبحانه وتعالى بالطريقة المثلى، بعيدا عن الانحرافات أو بعض الانحرافات العبادية في السلوك البشري، ولا يقوم ذلك إلا بناء على التصور الإسلامي، الذي جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وما يمثله المهدي الموعود في زمن الظهور، وما يكرس هذا المفهوم، هو التأكيد على أن الموقف الإسلامي من التاريخ يناقض الفلسفات الأخرى في تفسيرها لحركة التاريخ، باعتبار أن الفكر الإسلامي يفسر حركة التاريخ من موقف الغائية، فالتاريخ في المفهوم الإسلامي يسير نحو غاية واضحة، والتي هي تحقيق خلافة الإنسان على الأرض، والتشبث بالخط الرسالي، لا يمكن تفسيره باعتباره رجوعا إلى الماضي بالمفهوم السوسيولوجي لهذه المفردة، بل باعتباره حفاظا على التواصل مع الله، وذلك عبر الخط الامامي العصموي.
لقد شكل الصراع جزءا أساسيا من حركة التاريخ، والإسلام كعقيدة حضارية جاءت لتعيد تنظيم العلاقات الإنسانية فكريا وحضاريا ونفسيا، وقد واجه بلا شك تحديات عديدة، وخاض صراعات متباينة، عكست في الكثير من الأحيان شكل النزعة العدوانية عند الأطراف الأخرى في ردها على تجليات العقيدة الإسلامية، لكن الموقف الإسلامي من الصراع لم يكن سلبيا، بمعنى انه ينتظر ضربة السيف وطعنة الرمح، ليقرر بعدها أشكال الرد ونوعيته زمانا ومكانا، وصحيح أن العقيدة الإسلامية في الحرب لم تقم على أساس البدء في شن المعركة، لكنها لم تكن في ذاتها تحمل فكرة التخاذل، وهي تنطلق بذلك من مقولة سيد الشهداء الإمام الحسين(ع) "هيهات منا الذلة"، والبحث الفلسفي في تفسير هذه المقولة يصل إلى تحديد القيم التي من ورائها، فالشريعة الإسلامية تحترم طبيعة الحياة، وتضع قيمتها بالمقام الأعلى، كما أنها تتخذ موقفا رساليا من قيمة الإنسان باعتباره مخلوقا وجد لإدارة الحياة وفق المنطق الإلهي، ولهذا فان القتل وإنهاء الحياة مقنن وفق الشريعة الإلهية، ويجب أن لا يتم إلا وفق نفس المنطق الإلهي الذي حدد قيمة حرمة الحياة، الحياة التي أرادها الله للإنسان ليحياها بالمنطق الرسالي، دون أثرة أو نرجسية، فالحياة الدنيا للإنسان هي مرحلة أولي في درب الخلود الروحي في الآخرة، وتلك القيم هي التي تمثلها الجمهورية الإسلامية خير تمثيل على ارض الواقع، ولذلك فهي مستهدفة من قوى الأرض المستكبرة، حيث يخشاها كل متكبر جبار، يعيث في الأرض فسادا وكبرا، ولكن نقول كما قال الله تعالى: " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا، والعاقبة للمتقين "، نعم العاقبة المتقين، لا للمستكبرين الظالمين، وصدق الله تعالى العلي العظيم.
https://ayandehroshan.ir/vdcj.tevfuqe88sfzu.html
ارسال نظر
نام شما
آدرس ايميل شما