الأبعاد الإنسانية لمسؤولية التمهيد
في زمن الانتظار أصل المسئولية وحدودها ونطاقها
في زمن الانتظار أصل المسئولية وحدودها ونطاقها
الدكتور علي أبوالخير
تقديم البحث حول الانتظار الإنساني
إن فكرة الخلاص هي فكرة إنسانية بمنحة إلهية، فالله سبحانه وتعالى جعل الخلاص الإنساني في شخص المخلص، والمخلص هو المصلح الإنساني، وبالتالي فإن فكرة المخلص فكرة إنسانية يستفيد منها الإنسان بعد معاناته على الأرض من قوى الظلم والظلام والاستبداد والاستكبار.
لقد بشرت كل الأديان السماوية بظهور المصلح في آخر الزمان ونهاية التاريخ الإنساني المظلم والعسير كما بشر بذلك خاتم رسل الله ونبي رحمته الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال: "المهدي من وُلدي، يكون له غيبة، وحيرة تضل فيها الأُمم، يأتي بذخيرة الأنبياء فيملؤها عدلاً وقسطاً كما مُلئت جوراً وظلماً"، وهي حركة إلهية تكاملية تصل في نهايتها إلى المجتمع الكامل الرفيع الذي بشر به جميع الأنبياء والرسل (ع) والصالحون. وجاءت هذه الفكرة والبشارة من عهد لعهد ومن نبي لنبي ومن مرسل لمرسل ومن زمان لزمان ومن دين لدين تأكيداً للحقيقة القرآنية على وراثة الصالحين والمستضعفين في الأرض، فقال تعالى:"ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون" ، وكذلك قال تعالى " وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" ، وحيث أكد الإمام جعفر الصادق عليه السلام في معنى قوله عز وجل أنها جاءت في الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف .
وكان هدف الأئمة من أهل بيت النبوة والعصمة عليهم السلام من ذلك هو إقامة حكومة الإسلام المحمدي الأصيل، وقد انصبّت جهودهم في إطار تأهيل الأمة وتثقيفها وإعدادها لأمر الغيبة، مما جعلهم عرضة للملاحقة والتنكيل من قبل خلفاء الجور، وتركزّت جهود الإمامين علي الهادي (ع) والحسن العسكري (ع) حول موضوع التمهيد لإقامة حكم الله وخلافة الإنسان في الأرض.
فكانت المهمة الإلهية في إبقاء فكرة الانتظار حية في المجتمع الإسلامي والإنساني تنتقل من إمام لآخر عليهم السلام على امتداد الإمامة حتى وصلت الإمام الحسن بن علي العسكري عليه السلام.
ونحن نعيش الآن في عصر الغيبة والانتظار، حيث اقتضت حكمة الله تعالى أن يحتجب عنا الإمام القائد وأن يتأجل خروجه.ولكن هل تعني غيبة الإمام عقد هدنة بين الحق والباطل، وتجميد الصراع ووقف إطلاق النار في ساحة المعركة بينهما؟... هل أنهى الباطل نشاطه، وتنازل الحق عن دوره في هذه الفترة الطويلة؟ أم أن الصراع لا يزال مستمراً بين جبهتي الحق والباطل؟
لا يستطيع أحد أن يدّعي توقف الصراع، فالباطل لا يزال يواصل اعتداءاته، ويوسع نطاق عمله، ويجدد وسائله وأساليبه.
فهل يجوز أن يقف الحق أمامه مكتوف الأيدي معدوم النشاط يتفرج على انهيار مواقعه وتدمير قواه وطاقاته؟
وإذا كان الصراع بين الحق والباطل إنما يتم عبر إتباع كل منهما، فإن علينا أن نطرح السؤال بالشكل التالي: هل أن أتباع الباطل متوقفون عن نصرة باطلهم ونشره ومدّ سيطرته ونفوذه؟ أم أنهم في عمل دائب مستمر لمقاومة الحق وإظهار الباطل في جميع الحقول وعلى كافة المستويات؟ وإذا كان أهل الباطل نشطين في خدمة باطلهم، والعمل من أجلهم، فهل يصح لأهل الحق أن يعلنوا الهدنة، وإنهاء المعركة من طرف واحد، ويستقبلون رماح الباطل وطعناته، ويسكنون عن اعتداءاته إلى ظهور القائد المنتظر؟
هذا ليس معنى الانتظار، ولا هي وظيفة المؤمنين في عصر الغيبة، فمبادئ الإسلام تأمر بالدعوة إلى الله وتوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحت على هداية الناس، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، هذه المبادئ مبادئ عامة وشاملة تسري على كل زمان، وتلزم كل جيل. وغيبة الإمام المهدي عليه السلام لا تعني نسخ هذه المبادئ ولا تجميد مفعولها... . يقول العلامة المظفر: " ومما يجدر أن نذكره في هذا الصدد، أنه ليس معنى انتظار هذا المصلح المنقذ (المهدي) أن يقف المسلمون مكتوفي الأيدي فيما يعود إلى الحق من دينهم، وما يجب عليهم من نصرته، والجهاد في سبيله، والأخذ بأحكامه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل المسلم أبداً مكلّف بالعمل بما أنزل من الأحكام الشرعية، وواجب عليه السعي لمعرفتها على وجهها الصحيح بالطرق الموصلة إليها حقيقة، وواجب عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ما تمكن من ذلك وبلغت إليه قدرته (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته). فلا يجوز له التأخر عن واجباته بمجرّد الانتظار للمصلح المهدي، والمبشر الهادي، فإن هذا لا يسقط تكليفاً، ولا يؤجل عملاً، ولا يجعل الناس هملاً كالسوائم) على مستوى ذواتنا أيضاً، وكأسلوب من أساليب تحصينها ضد الانحراف، وتجهيزها للعمل والنشاط، علينا أن نكون في حالة انتظار... في حالة ترقّب دائم مستمر لبزوغ فجر الثورة الكبرى، ثورة القائد المنتظر. يجب أن نعيش حالة توقّع غير يائس، ولا جازع. عيوننا متطلّعة للحدث الأكبر... أسماعنا متلهفة لاستماع خبر النهضة العظمى. أفئدتنا مفعمة بالشوق والشغف لساعة الوعد الإلهي. أن نكون على أهبة الاستعداد. ننتظر المفاجأة ونستشرف لمواجهتها. لا يغيب عن بالنا قضية الإمام المنتظر، ولا ننسى الوعد الإلهي بالنصر الظافر. هكذا أراد لنا الأئمّة أنفسهم، وسجّلوه كموقف يجب أن نتخذه، وكحالة نفسية يجب أن نستشعرها ونعيشها باستمرار، يقول الإمام علي(ع): " انتظروا الفرج، ولا تيأسوا من روح الله، فإنّ أحبّ الأعمال إلى الله انتظار الفرج ، وفي حديث آخر عن أبي الجارود من أصحاب الإمام الباقر عليه السلام: "قلت لأبي جعفر عليه السلام: يا ابن رسول الله هل تعرف مودّتي لكم وانقطاعي إليكم، وموالاتي إيّاكم؟. فقال: نعم.. والله لأعطينّك ديني ودين آبائي الذي ندين الله عز وجل به: " شهادة لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً رسول الله.. وانتظار قائمنا والاجتهاد والورع" .
الانتظار... لماذا
إنّ الانتظار حالة الأمل، وعدم القنوط... الأمل الذي هو شرط لكل حركة، نحن مدعوّون إلى تمثله دائماً، واليأس الذي هو مدعاة للانحراف، المطلوب منّا رفضه واقتلاع جذوره من أعماق وجداننا. الانتظار يعني أنّنا ما زلنا على أمل بالنصر، لا مجرّد أمل، وإنما ثقة مطلقة بتحقق هذا النصر. فالذين يأملون في شيء قد لا يملكون قناعة بأنّهم سينالوه، وهم ينتظرون لكن على وجل وفي ريبة.
كل الناس يأملون بانتصار الحق، ومحق الباطل، مسلمين وغير مسلمين، لكن من يملك اليقين الذي نملكه؟ والذي كان يملكه الأنبياء والأوصياء، ويغرسونه في نفوس أشياعهم.
نحن لا نأمل بالنصر، وإنّما نرى أنفسنا ونحن نقترب منه. لا يمضي يوم إلاّ وتكون المسافة قد تقلّصت، وأصبحنا على المشارف. هذا هو معنى الانتظار المطلوب. أن لا يخامرنا شك، أدنى شك في أنّنا سننتصر. أن نرى بعين البصيرة رايات الحق تتقدّم، وها نحن ننتظرها كيما تصل إلينا أو نصل إليها. والذين يصابون باليأس يفقدون السلاح وهم وسط المعركة.
فما أيسر أن يقعوا في أسر الضلال والانحراف، وتلك هي الفتنة، وقد قال الإمام عليه السلام: " إنّ هذا الأمر لا يأتيكم إلاّ بعد يأس" ومن هنا تأتي قيمة الانتظار، على أنّ الانتظار له مدلول آخر، ومعنىً عميق غاية العمق. هذا المدلول هو الذي يفسّر لنا لماذا كان الانتظار مطلوباً، وواحداً من مسؤولياتنا مع ذواتنا.
فالانتظار تعبير عن جدارة الحل الإسلامي واستعدادنا لتقبّله، والمشي في ركبه، من يعيش حالة الانتظار لنهضة القائد المنتظر، لا يستطيع إلاّ الثقة بحيوية الإسلام، وقابليته الأزلية على حلّ مشاكل البشرية، وسكب السعادة في قلوبها الحرّى، فالانتظار إذن هو القناعة بالجدارة والأهلية ونحن حينما ننتظر الحل الإسلامي الذي يسود العالم كله تحت راية القائد المنتظر، لا بد أن نكون على أعمق الثقة بهذا الحل. فالتقدّم الحضاري، والتطوّر الذي شهدته الأرض، والتقلب الذي عمّ كل شيء، في التركيب الاجتماعي، والوضع الاقتصادي، وطبيعة الحالة النفسية العامة، إنّ كل ذلك لا يغير من واقعية الإسلام، وقدرته على النجاح، سواء على مستوى النظرية، أو على مستوى التطبيق. فسيبقى الإسلام هو الحلّ الحتمي أزلاً وأبداً. ومهما انحرفت البشرية عنه، فإنّها ستؤوب إليه، وستجده حينذاك مصدر كل السعادة، ومقتلع جذور الشقاء في الأرض.
ما هي طبيعة الانتظار؟... إذا كان علينا أن ننتظر فما هي طبيعة الانتظار المطلوب؟
هناك نوعان من الانتظار
الانتظار الجامد، والانتظار المتحرّك. انتظار أشبه بالموت، أو هو الموت، وانتظار أشبه بالحياة، أو هو الحياة، الأسير المقيّد بالأغلال، والمدفوع نحو المقصلة، ينتظر. والبطل الذي يخوض غمار الحرب، وهو شاكي السلاح، شديد العزم، ينتظر أيضاً. كل من هذين ينتظر الموت والقتل.. لكن هناك فرق كبير بين نوعي الانتظار. فالأوّل مستسلم، لا يستطيع حراكاً، ولا يفكّر حتى في الفرار، والثاني متحرّك، مقدام، ينتظر الشهادة بكل بطولة، بل هو يسعى إليها، ويرحّب بها.
لقد كان محمّد صلى الله عليه وآله ينتظر... كيف كان ينتظر؟ كان القرآن يأمره بالانتظار، (وَقُلْ للّذينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا على مَكانَتِكُم إنّا عامِلُونَ، وانْتَظِرُوا إنّا مُنْتَظِرُونَ( . لقد انتظر النصر والفتح، لكن هو الذي كان يمهّد للنصر وللفتح لا غيره، لم يكن يطلب أن يأتيه النصر منحة خالصة من السماء ومن دون ثمن.
لقد هاجر وقاتل، ودعا، وعمل كل شيء في سبيل النصر، ثم كان ينتظر النصر، الانتظار في القرآن، وعند محمّد صلى الله عليه وآله رديف العمل (اعمَلُوا على مَكانَتِكُمْ، إنّا عامِلُونَ). (وَانْتَظُرُوا إنّا مُنْتَظِرُونَ). فهناك عمل ثم انتظار.
الانتظار في مفهوم القرآن لا يعني الجمود والتوقّع البارد الزائف الميت. إنما يعني التربّص، المداورة مع العدو، التحرّك في شتّى الطرق، استغلال لحظات الضعف، عدم تضييع الفرص، هذا هو التربّص وهو الانتظار القرآني، (قُلْ كُلٌ مُتَرَبّصٌ، فَتَرَبّصُوُا، فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أصْحابُ الصّراطِ السَّوي، وَمَنِ اهتَدى( . ولقد انتظر أصحاب محمّد صلى الله عليه وآله (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ( لكنه لا ينتظر أن يأتيه الموت وهو في قعر داره، وإنّما يتقدّم ليكسب الموت، أو الفتح، فما هو إلاّ إحدى الحسنيين. لقد كان الأئمة ينتظرون الفرج، ويوصون أصحابهم بالانتظار. وكما ننتظر اليوم قائم آل محمّد، لقد كانوا مثلنا ينتظرون، لكن هل تركوا العمل والتضحية، والنشاط الدائب من أجل الحق.
إنّ انتظارهم لم يكن يعني إلاّ الاستعداد الدائم والعمل المتواصل، في السرّ والعلن، والتمهيد للنتيجة المطلوبة، هذا هو الانتظار في مفهوم مدرسة أهل البيت عليهم السلام. بث الدعوة، وتوجيه الناس وتحصين قواعد الشيعة، وتوسيع دائرتها... ألم يبارك الأئمّة ثورات العلويين. ثورة زيد، والنفس الزكية، وحركات الحسنيين المتصلة... لقد مدّوا لها جميعاً يد العون في السر، بينما كانوا يحافظون على الخطوط الخلفية، ويحصنون قواعد الشيعة في ذات الوقت. ألم تكن أموالاً طائلة تصب في دورهم ليلاً، وتجمع لهم سرّاً؟ أين كانت تصرف؟ وما معنى هذا العمل؟ لو عرف الأئمّة من الانتظار معنى الجمود فلماذا طاردهم العدو، واضطهدهم ورماهم في غياهب السجون؟!
الانتظار عمل وليس سكوناً، ومن هنا كان " أحب الأعمال إلى الله انتظار الفرج " كما عبّر الإمام ، فإذا كنا مدعوّين إلى الانتظار، فإنما نحن مدعوون إلى العمل إلى الانتظار المتحرّك الحي، لا إلى الانتظار الجامد الميت، ففي الحديث عن علي بن الحسين عليه السلام: يا أبا خالد: إنّ أهل زمان غيبته القائلون بإمامته المنتظرون لظهوره أفضل أهل كل زمان... أولئك المخلصون حقاً، وشيعتنا صدقاً والدعاة إلى دين الله سرّاً وجهراً"
إنّ مثلنا في عصر الغيبة مثل الطليعة التي تنتظر كتائب الجيش. بعد أن تكون قد مسحت لها الأرض، وكشفت لها الساحة.
أبعاد المسؤولية الإنسانية
ولكن الانتظار أيضا له أبعاد للمسئولية التمهيدية التي تخدم البشرية قاطبة، وهذه المسئولية لها حدودها ونطاقها فضلا عن أصلها الحقيقي الداعي من أجل خلاص البشرية.
أولا... الأبعاد الإنسانية لمسؤولية التمهيد
إن التمهيد للإمام القائم عليه السلام لابد أن يكون معتمد على الانتظار الإيجابي من قبل المؤمنين بقيادة المنقذ للبشرية من الدمار والتمهيد للعودة الميمونة تعتبر مسئولية لها حدود وأبعاد إنسانية ذات جذور إلهية المصدر والتكوين، والإنسان ملتزم بمسؤولية التمهيد في البعد الإنساني، وعلى أسس ربانية، وهذه الأبعاد لمسؤولية التمهيد في زمن الانتظار كما يلي:-
1- أن نجعل من أنفسنا شخصيات إسلامية واعية، على مستوى مواجهة التحديات المناوئة، وذلك بتعميق الوعي العقائدي، والالتزام بالسلوك الإسلامي الصحيح.
وإذا ما عرفنا قوة التحديات الفكرية المادية المعاصرة وحدة المغريات والمرغبات المتوفرة، أدركنا مدى مسؤولية الإنسان المؤمن وقيمة تمسكه والتزامه.
لذلك تعتبر الروايات الواردة عن الأئمة القادة التزام المؤمن بإيمانه ومواجهته للتحديات المناوئة في عصر الغيبة. تعتبر ذلك جهاداً ونضالاً لا يقل عن جهاد صحابة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله، فعن الإمام علي بن الحسين عليه السلام: (من ثبت على موالاتنا في غيبة قائمنا، أعطاه الله عزّ وجلّ أجر ألف شهيد من شهداء بدر وأحد).
وعن الإمام الصادق عليه السلام: (طوبى لمن تمسك بأمرنا في غيبة قائمنا فلم يزغ قلبه بعد الهداية)
وقد أكّد الإمام القائد المهدي عليه السلام في رسالة وجهها لأوليائه المؤمنين، عبر الشيخ المفيد (رحمه الله)، أهمية الالتزام بالسلوك الصحيح، وعدم الانسياق خلف المغريات والشهوات المنحرفة. قال: (فليعمل كل امرئ منكم بما يقربه من محبتنا، ويتجنب ما يدنيه من كل كراهتنا وسخطنا) ، وحينما يرفع الإنسان المؤمن وعيه إلى مستوى المواجهة، ويجعل سلوكه في مستوى المسؤولية في هذه الظروف الحرجة. فإنه بذلك يتفوق في فضله ومكانته على جميع الأجيال المؤمنة السابقة. كما ينص على ذلك الإمام زين العابدين عليه السلام بقوله: (إن أهل زمان غيبته القائلين بإمامته، والمنتظرين لظهوره، أفضل من أهل كل زمان، لأن الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة، ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة العيان، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله بالسيف، أولئك المخلصون حقاً والدعاة إلى دين الله سرًّا وجهراً)
2- تهيئة النفس وتربيتها على التضحية والبذل والجهاد في سبيل الله: إن نفس الإنسان لا تتغير فجأة، ولا تتحول في لحظة واحدة لتصبح نفسية باذلة معطاءة مستعدة للجهاد والتضحية، بل على الإنسان على أن يربي نفسه ويهيئها مبكراً لينجح في لحظة الامتحان وفي وقت الحاجة، وإلا فسيخسر نفسه ويضيع الفرصة، ويكون من الهالكين.
والمؤمن الذي يعيش في عصر الغيبة، منتظراً لخروج الإمام القائد وظهوره لابدّ وأن يهيئ نفسه لاستقبال الإمام، والانضمام إلى جبهته، والعمل تحت لوائه.
وهذا لا يتأتى للإنسان إذا لم يرب نفسه ويهيئها من الآن للساعة المنتظرة قبل أن تأتي تلك الساعة وهو يفقد زمام نفسه وتخونه إرادته.
ولأن موعد الظهور مجهول لدى الإنسان المؤمن فيجب أن يكون على أُهبة الاستعداد دائماً وأبداً، ويتوقع الأمر في كل لحظة، فقد سئل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: يا رسول الله متى يخرج القائم من ذريتك؟، فقال صلى الله عليه وآله: (مثله مثل الساعة لا يجليها لوقتها إلاّ الله عزّ وجلّ، لا تأتيكم إلا بغتة) ، وفي حديث للإمام الصادق عليه السلام: (عندها تتوقعون الفرج صباحاً ومساءً) ، وعن الإمام المهدي المنتظر عليه السلام: (إن أمرنا بغتة فجأة)
ثانيا: حدود المسئولية الجهادية
تشمل حدود المسؤولية الجهادية للتمهيد ما يلي:
أ - تغذية النفس بالثقافة الدينية الواعية، التي تحث الإنسان وتجند كل مشاعره وأحاسيسه باتجاه البذل والتضحية والعطاء، كالقرآن الكريم ونهج البلاغة، وأحاديث أهل البيت عليه السلام، وتعاليهم.
فهناك أدعية رائعة يستحب للمؤمن أن يكررها في عصر الغيبة، كدعاء العهد الذي يكرس في نفس الإنسان حب التضحية وإرادة البذل والجهاد، ولذلك يستحب قراءته كل يوم صباحاً.
وهذه الفقرات المقتطفة من هذا الدعاء العظيم: (اللهم بلّغ مولانا الإمام الهادي المهدي القائم بأمرك (صلوات الله عليه وعلى جميع آبائه الطاهرين) عن جميع المؤمنين والمؤمنات في مشارق الأرض ومغاربها، سهلها وجبلها وبرها وبحرها. وعني وعن والديّ من الصلوات زنة عرش الله، ومداد كلماته، وما أحصاه علمه، وأحاط به كتابه...
اللهم إني أجدد في صبيحة يومي هذا، وما عشت من أيامي عهداً وعقداً وبيعة له في عنقي، لا أحول عنها ولا أزول أبداً...
اللهم اجعلني من أنصاره وأعوانه والذابين عنه، والمسارعين إليه في قضاء حوائجه، والمتمثلين لأوامره، والمحامين عنه، والسابقين إلى إرادته، والمستشهدين بين يديه.
اللهم إن حال بيني وبينه الموت الذي جعلته على عبادك حتماً مقضياً فأخرجني من قبري مؤتزراً كفني، شاهراً سيفي، مجرّداً قناتي، ملبياً دعوة الداعي في الحاضر والبادي.
اللهم أرني الطلعة الرشيدة، والغرة الحميدة، وأكحل ناظري بنظرة مني إليه، وعجل فرجه وسهل مخرجه وأوسع ومنهجه واسلك بي محجته وأنفذ أمره واشدد أزره)
وفي دعاء الافتتاح الذي تستحب قراءته كل ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك، مناطق تهز وجدان المؤمن وتشعره بسوء الواقع الأليم الذي يعيشه في غياب سلطة الحق والعدل، وتجعله يتشوق إلى التضحية والعطاء في سبيل الله، كما يتضح ذلك من تأمل الجمل التالية: (اللهُمَّ إِنَّا نَرْغَبُ إِلَيْكَ فِي دَوْلَةٍ كَرِيمَةٍ تُعِزُّ بِها الإسْلامَ وَأِهْلَهُ وَتُذِلُّ بِها النِّفَاقَ وَأَهْلَهُ وَتَجْعَلُنَا فِيْهَا مِنَ الدُّعَاةِ إلَى طَاعَتِكَ والْقَادَةِ إلَى سَبِيلِكَ وَتَرْزُقُنَا بِها كَرَامَةَ الدُّنْيا والآخِرَةِ.اللهُمَّ ما عَرَّفْتَنَا مِنَ الْحَقِّ فَحَمِّلْنَاهُ ومَا قَصُرْنَا عَنْهُ فَبَلِّغْنَاهُ..اللهُمَّ إِنَّا نَشْكُو إِلَيْكَ فَقْدَ نَبِيِّنَا صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وآلِهِ وَغَيْبَةَ وَلِيِّنَا وَكَثْرَةَ عَدُوِّنَا وَقِلَّةَ عَدَدِنَا وَشِدَّةَ الْفِتَنِ بِنَا وَتَظَاهُرَ الزَّمَانِ عَلَيْنَا فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَأَعِنَّا عَلى ذَلِكَ بِفَتْحٍ مِنْكَ تُعَجِّلُهُ وَبِضُرٍّ تَكْشِفُهُ وَنَصْرٍ تُعِزِّهُ وَسُلْطَانِ حَقٍّ تُظْهِرُهُ وَرَحْمَةٍ مِنْكَ تُجَلِّلُنَاهَا وَعَافِيَةٍ مِنْكَ تُلْبِسْنَاهَا بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين.اللهم برحمتك في الصالحين فأدخلنا... وقَتْلاً في سَبِيْلِكَ فَوَفِّقْ لَنَا)
ب - الممارسة الفعلية للعطاء والتضحية في سبيل الله حسب الإمكانات والظروف، بالتبرع بالمال للفقراء والمحرومين.
فبالمساهمة في الأعمال والنشاطات الخيرية الإسلامية، وبالدفاع عن قضايا الحق والعدل في المجتمع، وبالاهتمام بشؤون الأمة وأحداث العالم.
وإلاّ فمن يبخل الآن بشيء من ماله، فسيصعب عليه غداً أن يجود بنفسه، ومن يتهرب اليوم عن المشاركة في مشاريع الخير، فسيكون أول المنهزمين فيما بعد عن ساحة النضال، والذي لا تهمه الأوضاع المعاصرة ولا يفكر في واقع أمته، سوف لا يتوقف في ذلك الوقت للعمل من أجل توحيد العالم تحت راية الإسلام.
ولا يكفي الرجاء والتمني بديلاً عن الممارسة الفعلية، فإن القرآن الكريم يحدثنا عن قوم اعتذروا عن البذل في سبيل الله في ظرف ما، على أمل أن يتوفقوا للبذل في المستقبل، وحينما تتغير ظروفهم وتتحسن أحوالهم المادية. ولكنهم لم يتوفقوا لذلك فيا بعد، لأن نفسيتهم لم تمارس البذل، ولم تتشرب على العطاء.
يقول تعالى: {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّآ آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ}
إن المهمة الأساسية للإمام المهدي حين خروجه هي: نشر الحق والعدل، وبناء دولة إسلامية عالمية لجميع البشر... فعلى المؤمن أن يقوم بدور التمهيد لإنجاز هذه المهمة الخطيرة، وذلك ببث الوعي الإسلامي الصحيح على أوسع نطاق في العالم، وبتكوين نواة المجتمع الإسلامي الذي يهدف الإمام إلى تحقيقه.
فإذا ما بدأ المؤمنون مسيرة العمل والنضال من أجل تطبيق رسالة الله وترجمتها إلى واقع اجتماعي حيّ، فإن الإمام المهدي عليه السلام حيث خروجه سيكمل تلك المسيرة، ويتوجه بانتصاراته العالمية الحاسمة.
وهناك مجموعة روايات تشير إلى هذه الحقيقة، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله: (يأتي قوم من قبل المشرق ومعهم رايات سود، فيسألون الخير فلا يعطونه، فيقاتلون فينصرون، فيعطون ما سألوه، فلا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي، فيملؤها قسطاً كما ملئت جوراً، فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبواً على الثلج)
وعن الإمام الباقر عليه السلام: (وكأني بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحق فلا يعطونه، ثم يطلبونه فلا يعطونه، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم، فيعطونه ما سألوا، فلا يقبلون حتى يقيموا، ولا يدفعونها إلاّ إلى صاحبكم (يعني الإمام المنتظر) قتلاهم شهداء).
وعن الإمام زين العابدين عليه السلام يتحدث عن المؤمنين في عصر الغيبة قوله عليه السلام: (أولئك هم المخلصون حقاً، والدعاة إلى الله سرًّا وجهراً).
إنّ البحث عن المسؤولية، وعمّا ينبغي أن نفعل، وعمّا هو الواجب علينا، ليس بحثاً نظرياً أستطيع أن أقول فيه كلمتي دون أن ألاحظ بذلك موقف الناس وموقف الأمّة، وموقف الرجل المسلم. حينما أحدّد المسؤولية في شيء فإنّني أكون قد وضعت الموقف العملي للرجل الشيعي، ورسمت له المنهج الذي تتطلّبه المرحلة، ومن هنا تنشأ خطورة هذا البحث.
إنّه بطبيعته بحث مسؤول، يشعر الداخل فيه أنّه مسؤول عن كل كلمة يقولها، ويسجّلها بهذا الصدد. على أنّ خطورة هذا الحديث تنشأ من أهميته وفاعليته في حياتنا في ذات الوقت. فليس هو موضوعاً عابراً، تصادفه مرّة أو مرّات معدودة في العمر، بل إنّنا نعيش معه في كل لحظة ونرسم على ضوئه منهج حياتنا طول العمر. فالخطأ فيه ليس أمراً قد يهون.
والتأثر بالعواطف والخلجات النفسية، والعقد الباطنية في مثل هذا الموضوع يعتبر في غاية الانحراف والتجاوز عن حدود المسؤولية. وأنا غير شاك في أنّ طبيعة مزاج الشخص، ونوع ميوله النفسية، قد يقف حاجباً بينه وبين أن يصل لحقيقة الموقف الذي ينبغي أن يتخذه. كثيراً ما نرى أنّها تعمل عملها في تفهم واقع المرحلة، وتحديد الموقف على ضوئه.
فبطبيعة الحال نجد أنّ الانهزاميين والجبناء والمتشبثين بالأرض، الطامعين في ترف الأرض ومجد الأرض هؤلاء.. نستطيع أن نجزم مسبقاً بالحكم الذي سيصدرونه حينما يكونون بصدد تحديد المسؤولية. لا تنتظر سوى أحكام متخاذلة جبانة. سوف ترى مواقف تهرّب، وكسل، وخوف. سوف تشهد على الدوام، صمتاً، صمتاً. قف، لا تتحرّك القضية خطرة، الإقدام لا يخلو من تهلكة. لا عليك، ولا يعنيك الأمر، ما أنت وذا؟ "لا يكلّف الله نفساً إلاّّ وسعها".
وعلى النقيض حينما تكون القضية محقّقة لمصلحة شخصية، مجد في الأرض، جاه عند الناس، ثروة من الثروات، تفوّق على الآخرين بحساب المادّة. هنا تستخدم كل الحيل، وكل الوسائل. أقصى ما يملك هذا الرجل من لباقة، وفطنة، وعبقرية يضعه لحساب البرهنة والتدليل على صواب موقفه. يدافع بكل حرقة، وكل حرارة، كما لو كان الموضوع يهم الإسلام والمسلمين. يفتش عن آخر طريق يستطيع النفاذ من خلاله ليقول: إنّ مسؤوليته تحكم عليه بهذا الموقف، ومن ثمّ يكون قد كسب المال، والمجد والراحة، أو ما حلى له من طيّبات الدنيا، باسم المسؤولية، وباسم الدين والشرع والقانون.
لقد رأينا هذه النماذج من الناس. لقد عرفناهم معنا، وعرفناهم في امتداد التأريخ. أليس قد انحاز عمرو بن العاص إلى جبهة معاوية، وإنّه ليعرف أنّ معاوية لعلى ضلال؟ لقد راجع قضيته في نفسه مسبقاً، وعرض عليها الخيار بين الدنيا وبين الدين، أشار عليه أحد ولديه بأن يتّبع علياً طالما هو يعرف أنّه على حق، والحق أحق أن يتبع. بينما وسوس له الآخر الدخول في سلك معاوية، فإنّ الدنيا تنضح من إنائه.
ماذا كانت النتيجة؟ لم يصمد ابن العاص أمام إلحاح الذات، وقوّة الهوى، واندفع مهرولاً يلثم أعتاب معاوية، وإنّه يلتمس لنفسه المعاذير عن هذا الموقف ويودّ لو يجد من الشريعة ما يسمح له بذلك. وأبو موسى الأشعري؟ أنت تدري أنّه هو الذي كان يخذّل الناس عن عليّ، وهو بطل التحكيم، وفارس لعبة السلام، حينما اتفق مع مبعوث معاوية، عمرو بن العاص على أن ينزع كل منهم الخلافة من صاحبه ويريحوا الأمّة من عناء الخلاف والقتال.
هؤلاء يعرفون الحقيقة جيداً، وإنّهم لعلى يقين. لكن الحقيقة لم تكن دوماً مع هوى الإنسان أو عواطفه ومزاجه.
ولذا فقد ابتعدوا عنها، لأنّها لا ترضي طموحهم، ولا تروي ظمأهم للترف والجاه والمال. ولقد برّؤوا ساحتهم بشتى المعاذير، لكن أيّها كان صادقاً؟
لقد كان هؤلاء من نفس القائمة التي كان منها الأبطال المخلصون، أبو ذر، وعمّار، وسلمان، وبلال. بلا شك كان ابن العاص والأشعري يعرفان كل شيء عن المسؤولية، وعن الواجب، وعن خط الشريعة القديم. لكنّها لا تعمى الأبصار، وإنّما تعمى القلوب التي في الصدور. فمهما يكن الشخص عالماً، واعياً، مشحوناً بقضايا العلم والدين، فإنّ ذلك لا يكفي للثقة بمواقفه ورؤيته، إذا لم يتجرّد عن دوافع الأنا ونزعات الذات.
ومن ذلك يصبح المطلوب هو أن نعرف: كيف نحدّد مسؤوليتنا بعيداً عن المزاج، والعاطفة، والطموحات الشخصية.
ومهما يكن فإنّ علينا الآن تحديد مسؤولياتنا. ما هو الدور الذي يجب أن نلعبه في ساحة الصراع العام بين قوى الحق، وقوى الانحراف. وما هو الموقف الذي يجب ترسيخ أقدامنا فيه؟ بأي نفسية يجب أن نكون؟ وإذا كانت قيادتنا المعصومة مغيّبة عنّا، فهل نملك قيادات ثانوية نيابية؟ وما هو أسلوب تعاملنا مع تلك القيادات؟ لقد وجدت أنّ بالإمكان اختصار مسؤولياتنا تحت العنوان التالي: "التمهيد للدولة الإسلامية الكبرى". التقدّم خطوات من أجل تحقيق الإنقاذ العام للبشرية. التمهيد لسحق آخر كتيبة من كتائب الظلم، وفتح أبعد حصن من حصونه.
التمهيد لتحقيق شرائط الوعد الإلهي القاطع. (وَعَدَ اللهُ الّذينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ)
إنّ البشرية التي مارست مختلف الأطروحات وحرصت على التشكيك بكل وسيلة، من أجل الحياة المطمئنة السعيدة. ثمّ خابت كل آمالها، ويئست من كل الحلول، وتكشف لها الضلال، والخداع، والزيف حيثما ولّت وجهها، ولمست العفونة والتعسّف حيثما وضعت يدها. إنّ هذه البشرية التي حرفتها أيادي الغاشمين، المستبدين عن رسالة السماء، ستعود إلى رسالة السماء. ريثما تنكشف الخدعة، وريثما يتجهّز الحق للهجوم الأخير الظافر. فتملأ الأرض بالقسط، وتسود العدالة.
علينا الآن أن نواصل العمل. أن نكسب انتصارات، أن نحقّق أهدافاً. أن نفتح حصوناً. أن نكتشف الخدع والمؤامرات. أن نفضح الغاشمين، فراعنة الأرض في كل مكان. أن نفتح عيون البشرية على الطريق. أن نمسك الزمام ثمّ نتقدّم. إنّك حين تكسب واحداً للحق، تكون قد مهّدت لدولة الحق، وحينما تفضح زيف الباطل تكون قد عرقلت مسيرته. إنّ ساعة النصر قريبة لكنها مرهونة بمقدار ما نحققه من انتصارات جزئية، تمزّق كبد الظلم والطاغوت، وتدعم جبهة الحق، وشعوب الحق.
ثانيا.... حدود مسئولية التمهيد
إنّ مسؤوليتنا يمكن أن نختصرها كالتالي: " التمهيد للدولة الإسلامية الكبرى". ونعتقد أنّ ذلك بحاجة إلى تفصيل أكثر. فما هي حدود هذا التمهيد؟ وما هي كيفيته؟ وإجابة على هذا السؤال نجده في إطارين: الأوّل: العمل على صعيد الذات، الثاني: العمل على صعيد الخارج.
كيف نعمل على مستوى ذواتنا؟ أقصد.. بأي نفسية يجب أن نواجه مشكلتنا؟ وعلى أي محتوى، وعلى أي استعدادات يجب أن نطوي صدورنا؟ إنّنا نواجه مشكلة عنيفة، وفي غاية العنف. إنّنا نعيش صراعاً مريراً قاسياً غاية القسوة. حكم الطاغوت والفراعنة يستبد، ويتجبّر، ويُبيد. والباطل يعمّ وينتشر ويقارع الحق بأخبث كيد، وأعقد وسيلة. الباطل يتسرّب باتجاهاته، وتياراته إلى صفوف الحق. وكثيرون راحوا ضحية هذه الاتجاهات المدسوسة.
فترى مظاهر الانحراف في كل مكان وفي كل جادّة، وفي كل بيت! والانحراف هو الذي يملك الحكم، وأجهزة السلطة. يملك الجند، والشرطة، وأجهزة الأمن. يملك المادّة، والسلاح، والرجال. يملك وسائل الإعلام، وسبل الدعاية. حقارته تزداد يوماً بعد يوم. يقتل، يشرّد، يعذب، يحبس. يخادع، ينافق، يمكر، يغوي. وغرق كثير من الناس في البحر، وطمّهم الموج. ابتعدوا عن النور. ركضوا وراء كل صيحة. نعقوا وراء الناعقين. لا ثبات لهم على الأرض. ولا قرار لهم على رأي، ويحسبون أنّهم يحسنون صنعاً. والخطر يداهم كل واحد منا. لم تبق بيننا وبين الانحراف حدود، ولا سدود. تداخلت الجبهات، فالباطل يعيش في ديار الحق. هذه هي مشكلتنا.
ومعها.. فإنّا نريد النصر لجبهتنا، نريد أن لا ننحرف، ولا ننصهر، ولا نيأس. نريد أن نتقدّم كل يوم، نخنق أنفاس الباطل، نضيّق عليه الأرض. غزو متبادل، ومعركة في غاية التعقيد والضراوة. فصائل من قوى الانحراف انضمت إلى جبهة الحق. وفصائل من قوى الحق أسرها الانحراف، فاستسلمت. كيف نعمل على مستوى ذواتنا إذن؟ من أجل حمايتها. ومن يدّلنا على طبيعة هذا العمل؟ مدرسة أهل البيت عليهم السلام هي التي تحدّد لنا طبيعة العمل.
إنّ علينا أن نلتزم بالثبات، فحينما نعرف أنّنا على حق فما علينا إلاّ أن نثبت. وحينما نعرف أنّ خصومنا على ضلال فما علينا إلاّ أن لا نتنازل لهم. (يُثَبّتُ اللهُ الّذينَ آمَنُوا بِالقَولِ الثّابِتِ) . هل تعرفون ثبات أبي ذر، وميثم التمّار وحجر بن عدي؟ لقد ثبت أبو ذر.
لقد أربك الانحراف، حتى اضطرّوا إلى نفيه للربذة، الخالية من الناس والخالية من القوت، ولكن شيئاً من ذلك لم يمنعه عن الإصراح بالحق، والصراخ في وجوه الظالمين. ولقد قال له علي ساعة توديعه وهو راحل إلى الربذة: " يا أبا ذر إنّك غضبت لله، فارجُ من غضبت له. إنّ القوم خافوك على دنياهم و خفتهم على دينك" . ولقد ثبت ميثم التمّار، ولم يعبأ أن تقطع يداه ورجلاه، ثم يقطع لسانه. فهو مشدود إلى جذع نخلة، لم ينقطع عنه نزيف الدم، كان يفضح الباطل، ويشهّر بحكم الطواغيت، ويعرّف الناس بالحق. ويلقّنهم درساً في الثبات والنضال، حتى اضطرّ خصومه لأن يقطعوا لسانه فيكفّ عن الكلام. وأنت تعرف حجر بن عدي، بطل من أبطال جبهة علي عليه السلام.
هؤلاء كيف ثبتوا؟ لقد وثقوا أنّ الحق معهم، والحق لا يعدله شيء، والهزيمة عن الحق ارتماء في أحضان الضلال، وجرم ليس مثله جرم. (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فأولئك حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ في الدُنيا وَالآخِرَة).
ولقد شرح لنا الحسين عليه السلام قيمة الثبات، وهو في معرض الحديث عن القائد المنتظر، فقال: " له غيبة يرتدّ فيها أقوام، ويثبت على الدين آخرون، ويقال لهم: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين؟ أما أنّ الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله" .
وفي حديث عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة، المتمسّك فيها بدينه كالخارط للقتاد.. ثمّ قال: إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة، فليتق الله عبد وليتمسّك بدينه" .
والثبات يتطلّب منّا جهداً. فعلينا أن نعرف مواقع العدو، وخدع العدو. وعلينا أن نحصّن أنفسنا بالسلاح الكافي للحماية، والكافي للهجوم في ذات الوقت. علينا أن نعرف كاملاً عقيدتنا، لنملك حينذاك تمام الثقة بها، والقدرة على الدفاع عنها، فإنّ العقل الفارغ مغارة إبليس كما ورد في الحديث الشريف.علينا أن نكتشف باستمرار زيف التشكيلات التي يقدّمها أعداؤنا.
ثم علينا أن نعرف أنّ القضية قضية نفس لا بدّ أن نعوّدها الصبر، والعزّ، والإقدام، والتضحية، والشجاعة. يجب أن نصبح على مستوى قضيتنا، فكل شيء إزاءها رخيص وكل شيء من أجلها يهون. ولنتمثل جيداً منطق المقداد حين استشار رسول الله صلى الله عليه وآله أصحابه للحرب، فقام إليه وقال: " يا رسول الله: امض لما أراك الله فنحن معك. والله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا ههنا قاعدون. ولكن اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا معكما مقاتلون" .
يحدّثنا عمّار الساباطي، أحد أصحاب الإمام الصادق عليه السلام: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أيّما أفضل العبادة في السر مع الإمام منكم المتستّر في دولة الباطل، أو العبادة في ظهور الحق ودولته مع الإمام منكم الظاهر؟ فقال: يا عمّار: الصدقة في السرّ أفضل من الصدقة في العلانية، وكذلك والله عبادتكم في السر مع إمامكم المتستّر في دولة الباطل وحالة الهدنة أفضل ممن يعبد الله عزّ ذكره في ظهور الحق مع إمام الحق الظاهر في دولة الحق. وليست العبادة مع الخوف في دولة الباطل مثل العبادة والأمن في دولة الحق. ولقد عجب عمار وهو يسمع هذا الجواب من الإمام، ولم يكتم استغرابه،
فقال: " قد والله رغّبتني في العمل، وحثثتني عليه. ولكن أُحب أن أعرف كيف صرنا نحن اليوم أفضل أعمالاً من أصحاب الإمام الظاهر منكم في دولة الحق، ونحن على دين واحد. فقال: إنّكم سبقتموهم إلى الدخول في دين الله عز وجل، وإلى الصلاة والصوم والحج، وإلى كل خير وفقه، وإلى عبادة الله عزّ ذكره سراً من عدوكم، منتظرين لدولة الحق، خائفين على إمامكم وأنفسكم من الملوك والظلمة.. مع الصبر على دينكم وعبادتكم وطاعة إمامكم والخوف من عدوّكم، فبذلك ضاعف الله عز وجل الأعمال، فهنيئاً لكم" . وهكذا يصبح الثبات عظيماً، حين نعيش تحت سيطرة الظلم، دون أن نصافحه، أو نلين له.
إذا كنّا نريد أن نخدم الحق، ونقدّم له، فإنّ الثبات أولاً شرط ذلك. وإذا كنّا قد خسرنا من جبهة الحق عدداً من الناس، فلماذا نخسر أنفسنا، ونضيّع على الحق حتى طاقتنا نحن؟!. ومهما يكبر حجم الضلال، ويزداد عدد الزالقين في واديه، فإنّه لا يجوز لنا أن نترك الساحة خالية من أحد، ونولّي للمعركة دبرنا، إنّا إذن لظالمون. (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَومَئِذٍ دُبُرَهُ.. فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) .
والمعسكر يتكوّن من آحاد. أو لسنا نشكّل أولئك الآحاد لنكوّن معسكراً. لقد تحدّث الإمام الصادق عن ضرورة الثبات في عصر الغيبة قائلاً: " كونوا على ما أنتم عليه حتى يطلع الله عليكم نجمكم" . لا ننحرف إلى يمين أو شمـال. لا تجذبنا عن مواقع الحق إغراءات الباطل. ولا تقلعنا من أرض الصدق رعدات الفراعنة واليزيديين. أم نريد أن نكون مثل قوم موسى؟ حين غاب عنهم نبيّهم أربعين ليلة فاتخذوا العجل إلهاً. (قالوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتى يَرْجِعَ إليْنا مُوسى) .
لقد ذهبوا مثلاً في التأريخ. مثلاً للسقوط في الفتنة، والفشل عند الامتحان. لقد كانت لهم فتنة أن غاب عنهم نبيّهم، وأغواهم السامري. وإنّا لفي فتنة يضل فيها من يضل، ويثبت فيها الثابتون. لقد روي عن إبراهيم بن هليل أنّه قال لأبي الحسن عليه السلام: " جعلت فداك مات أبي على هذا الأمر، وقد بلغت من السنين ما قد ترى، أموت ولا تخبرني بشيء؟ فقال: يا أبا إسحاق، أنت تعجل! فقلت: أي والله، وما لي لا أعجل، وقد بلغت من السن ما قد ترى؟ فقال: يا أبا إسحاق ما يكون ذلك حتى تميّزوا وتمحّصوا وحتى لا يبقى فيكم إلاّ الأقل.." .
رابعا... حدود المسؤولية في العصر الراهن
إن التوطئة والتمهيد لظهور الإمام المنتظر والتأسيس لمشروعه الإلهي العالمي، يكون عبر خطوات كثيرة منها:
1. الالتزام بتعاليم الإسلام وأحكامه وقيمه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله ضد الأعداء ومواجهة الظالمين والمستكبرين.
2. العمل على نشر الإسلام وتعريف الناس به وتقديمه لشعوب العالم كطرح بديل ومنقذ وكخيار وحيد لإخراج الناس من الظلمات إلى النور وتقديم صورة مشرقة نقية وصافية وأصيلة عن الإسلام للعالم من خلال سلوكنا ومواقفنا وجهادنا.
3. السعي لإقامة الحكومة الإسلامية التي تمثل القاعدة التي تحكم بالإسلام.
4. إعداد جيل مؤمن واعٍ مخلص ومضحٍ وبحجم المسؤولية يتولى نصرة الإمام والإعداد لظهوره وعياً وإيماناً وتنظيماً وقوةً.
5. تربية الأمة وخصوصاً شيعة الإمام على طاعته والالتزام بأوامره والتقيد التام بتوجيهاته، وقد ورد في صفات أنصار الإمام أنهم أطوع للإمام من بنانه.
إن من أراد أن يكتشف مدى طاعته للإمام عندما يخرج فليكتشف الآن مدى طاعته لنائب الإمام الذي أمرنا بطاعته فإن المقياس في مرحلة الغيبة هو الطاعة لولي الأمر، ومن لا تساعده نفسه ولا دينه ولا عقله ولا شهواته ولا أهوائه ولا طموحاته ولا ميوله على طاعة نائب الإمام المهدي في زمن الغيبة فلن يكون مطيعاً للإمام حين الظهور، وعلى أساس ما تقدم ننتهي إلى النتيجة التالية وهي: أن الانتظار ليس هو الرصد السلبي للظهور وللأحداث المتوقعة من دون أن يكون لنا دور فيه سلباً أو إيجاباً.. كما نرصد خسوف القمر وكسوف الشمس.. وإنما هو حركة وفعل وجهد وجهاد وعطاء وتضحية وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وهذا المفهوم الايجابي للانتظار هو الذي يستحق هذه القيمة الكبيرة التي تعطيها النصوص الإسلامية له كقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «أفضل أعمال أمتي الانتظار»، وقوله: «انتظار الفرج عبادة»، أو «المنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه».
ويقول الإمام الخميني: علينا أن ننظر في صحيفة أعمالنا قبل أن تصل إلى محضر الله ومحضر صاحب الزمان.
خامسا...البعد الإنساني لنطاق المسئولية
يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم.. وهذا التصريح يدل على أهمية دور المنتظر - بكسر الظاء- المؤمن بقيام دولة الحق.. ويوجز سمـاحة الشيخ نحند اليعقوبي هذا الدور بشرطين أساسيين وهما (الإيمان بالعودة إلى الدين، والاستعداد للتضحية)
وبهذا الاشتراط يضع على عاتقنا مسؤولية التمهيد والتعجيل بقضية الظهور فضلاً عن إرادة الله سبحانه فيها...
وفي فكرة الانتظار المتبادل ستتحتم على المسلمين المؤمنين بالظهور مسؤولية العمل والجهد ضمن فضاء الانتظار بحيث يكون انتظاراً ايجابياً فاعلاً ممهداً لا انتظاراً سلبياً محدوداً بالرصد والترقب فقط أي بمعنى الانتظار المجرد، ومفهوم الانتظار الايجابي هو المشروط بالعودة إلى الله والاستعداد للتضحية بحيث يرقى هذا الانتظار الجهادي إلى مقولة الرسول المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ (أفضل عبادة أمتي الانتظار) أو مقولته: (انتظار الفرج عبادة)، أو قوله: (المنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه) وبهذا يحمل مفهوم الانتظار أخلاقا إسلامية خاصة مما يتطلب تهذيب النفس ووضعها على محك المسؤولية الإسلامية وهذه من فوائد الانتظار أو ثقافة الانتظار أو بالأحرى من فوائد الغيبة حين تكون قضية إسلامية كبرى يعمل المؤمنون بها ضمن مسؤولية التمهيد بما يوازي العمل بها في الظهور، هذا الظهور المبارك المرتبط بالتمهيد ..
من هنا جاءت فكرة بالشمس التي يحجبها السحاب ما يشير إلى فوائد هذه الغيبة، فالشمس حين يحجبها السحاب لا تنعدم فائدتها ولكنها تعطي إشارات انتظارية إلى فائدة اكبر حين ينقشع السحاب، فضلاً عن فائدة محجوبة بالإيمان بالأمل واليقين بوجودها؟
وهنا نذكر حديثاً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال: إن علي بن أبي طالب إمام أمتي وخليفتي عليها من بعدي ومن ولده القائم المنتظر الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، والذي بعثني بشيراً ونذيراً إن الثابتين على القول به في زمان غيبته لأعز من الكبريت الأحمر.. فقام إليه جابر بن عبد الله الأنصاري وقال: يا رسول الله وللقائم من ولدك غيبة؟؟ قال: إي وربي وليمحص الله الذين امنوا ويمحق الكافرين، يا جابر إن هذا الأمر سر من سر الله مطوي عن عباد الله فإياك والشك فيه فان الشك في أمر الله كفر..).
وهكذا يرفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قضية الغيبة والإيمان بظهور الإمام القائم إلى مرتبة الإيمان بالله لأنه إيمان بأمر الله ومشيئته..
وبهذا الرفع أيضا يصبح الانتظار برنامج عمل ونهجاً دينياً وجهادياً وتربوياً والتزاماً إزاء قضية يقينية مرتبطة بجوهر الدين الإسلامي سواء من حيث كتب الله أو الأحاديث النبوية الشريفة أو أقوال الأئمة المعصومين عليهم السلام، كذلك امتداد هذه القضية إلى المآلات المصيرية للدين الإسلامي وبالتالي للإنسان على الأرض.
وهو امتداد النبوة والتركة العظيمة التي تركها النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى المسلمين: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي من آل بيتي فمثلما بقي القران الكريم (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) بقي امتداد النبوة عترتي في الأرض حيث جعلها الحديث النبوي الشريف صنواً للقران في البقاء بين المسلمين لكي لا يضلوا حتى يردوا الحوض. وبهذا التقريب إلى الواقع من خلال مشاركة المنتظرين المؤمنين بقضية الظهور وتعلق الأمر إلى حدٍ ما بهم وتكليفهم بالأمر، فإن ذلك يفتح باب الواقعية لهذا الأمر على مصراعيه بتصريحه (هذا هو تكليفنا ضمن الإعداد لدولة الإمام لأنها دولة مؤسسات تقوم على أساس توزيع الاستحقاقات على أهلها ووضع الشخص في الموقع المناسب.
ولا يبني الإمام دولته بالطرق الاعجازية ولا بالسيف والتدمير وإنما بسيرة المصطفى حيث بدأ دعوته وحيداً، وبهذا نبتعد عن كل التصورات الخيالية.
إذن فدولة الإمام المنتظر هي دولة أرضية بمؤسسات أرضية وإمكانات أرضية ولكنها بمشيئة إلهية طبعاً، وبهذا التصور أيضا يكون اشتراكنا _ نحن المؤمنين بالظهور _ ضرورياً وفاعلاً فيها بل يحملنا هذا التصور مسؤولية المشاركة الفاعلة الممهدة..
كما تقع مسؤولية تعبئة القواعد المؤمنة بقضية الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف على عاتق المرجعيات الرشيدة باعتبارهم الفقهاء العدول فهم نواب الإمام بالنيابة العامة.
وبهذا تكون كل المشاريع السياسية والاجتماعية وغيرها ضمن قضية التمهيد فلابد إذن من أن تكون هذه القضية مخلصة وخالصة لأنها مسئولة ومراقبة بل هي جزء من المشروع الرسالي العظيم الذي يمهد لدولة العدل الإلهية.